التصوير الساخر في شعر ابن الرومي 8/ تتمة

- خلاصة وتعليق :
وبعد ، فالجلوس في حضرة ابن الرومي لا يمله القارئ والمستمع ، وقبل أن نودعه نود أن نقرر ما يلي : لقد رأينا من خلال عرضنا الموجز للمراحل التي قطعها الهجاء ، أن جريرا كان أول من روده ، وبشارا ثاني من مدده ، أما ابن الرومي فقد هذبه ، أي أن الهجاء كان قبل جرير جماعيا ، وعلى عهد ابن الرومي أضحى شخصيا فيكون بذلك أول من خصصه ، ولقد قررنا أن العوامل النفسية هي العامل القوي في ابداعه ، غير أنه لا يمكننا أن نستغني عن العوامل الأخرى الاجتماعية ، وليس معنى هذا أن شاعرنا لم يتأثر بالتراث القديم ، فلا شك أن العنصر الشخصي في هجائه أتاه من اطلاعه على شعر جرير وبشار ومن سار مسراهما ، كما أن انطلاقه في تصويره من الواقع يجعله يشترك مع من سبقه . غير أن هذا التأثر يعتبر شكليا أمام الخطوة الجبارة التي خطاها نحو تهذيب الهجاء كما قلنا ، فالعوامل التي أشرنا اليها مجتمعة أوجدت لنا تلك الأدوات التي استخدمها صاحبنا للنيل من خصومه أولا ، وليتشفى لنفسه من القبح بصفة عامة ، ذلك القبح الذي كان يطبع جسمه ونفسيته .
وأخيرا ، ومن خلال استعراضنا للمواطن التي يتجلى فيها السخر الفني علمنا أن ابن الرومي يصل الى القمة الفنية حين يتجرد من سخطه على الناس وينصب على الموضوع ذاته مستقلا عن صاحبه ، أعني حينما يكسي سخريته ذلك الطابع التهذيبي الذي يجعلنا نسخر مشفقين على الشاعر ، معاتبين خصومه ، والسلالالالالالالالالالالالام .
.............................. مع تحيات العتيق