التصوير الساخر في شعر ابن الرومي 5

- التصوير والمبالغة فيه :
ان أداة التشويه التي كان يمثلها الكامل جعلته كثير التطير من عيوبه لكثرتها ، تلك التي تدفعه فيتطير من كل عيب وقع عليه سمعه أو شاهدته عينه ، أما غليله فلا يشفى الا اذا أبرز هذا التشويه أو ذاك العيب بجلاء فني رائع .
وكأني به عالم نفس يكثر التمعن في عيوب الناس ويحللها الى ما هي عليه ، لأن في ذلك انعكاسا لعيوبه ، وهذا الابراز لا يتم الا بالطريقة التي اختارها لنفسه ، ألا وهي الهجاء والمبالغة فيه ، وهو لم يتميز عن الهجائين الآخرين الا لكونه استطاع أن يسخر بمرارة ، ولكن بتأدب ، بحيث لا يتركنا نشمئز من الشخص المهجو بقدر ما يجعلنا نتعاطف معه ، فهو حينما وصف الأحذب مثلا لم يدع لنا مجالا للسخرية ، وانما جعلنا نتوق وبالحاح الى العطف عليه .
- مواطن السخر في شعره :
قبل أن نتحدث عن المواطن التي يتجلى فيها هذا السخرالفني ، لا بأس أن نورد التعريف الذي قدمه الدكتور النويهي في مصدره السابق كتوطئة أو كمرآت تعكس لنا بعض الحقائق التي تتعلق بموضوعنا .
يقول الدكتور النويهي في مصدره ص 332 " السخر ليس هو النكتة والمزاج ، ولا هو ما يسميه علماء البديع ( التهكم والهزل الذي يراد به الجد ) ولا هو الفكاهة وحدها ، وانما هو شيئ أسمى من ذلك بكثير وأنذر وجودا ، فهو رد الانسان الأعظم على معاكسة القدر وظلم الدهر وقسوة الطبيعة وعيوب المجتمع ونقائص الناس ونقائصه هو ، سخر بهذه جميعا . لا يسبها ولا يحتد عليها ولا يثور بها ، بل يتأملها بهدوء ويبصر سخافتها ، ويبصر تناقضها ، بل يبصر تفاهتها وصغرها ، فيعلو عنها جميعا ، ويتحدث عنها بابتسامة هادئة جليلة ، مستخفة هغازئة ، بحيث ينبغي ألا يكون محتدا ثائرا ، وألا يكون سيئ اللفظ بذيئا ، والا لما كان سخرا ، فالسخر هو الهدوء التام ، والأدب التام ، والعلو التام على مصائب الدنيا "نجد النويهي يأتي بهذا التعريف حين يقسم هجاء الشاعر الى ثلاثة أقسام :" قسم هو سباب محض ، وقسم يعلو فيه فيبلغ فيه الفن الكاركتوري ، وقسم يزداد فيه سموا فيصل ذروة السخر الفني " والحقيقة أن المتتبع لظاهرة الهجاء في شعر ابن الرومي يجد لسخره مجالين ، وذلك لأنه وان تطير من الناس ومعاشرتهم فلكون الظروف هي المسؤولة في نظره عن عن فسادهم ، وعليه فيكون تطيره وسخره ينصبان على الناس بقدر ما يمسان الكون .