التصوير الساخر في شعر ابن الرومي 6

- أنواع السخر :1 - السخر بالناس :
لقد أراد الشاعر أن يسخر بالناس ليرسم لنفسه عالما يرى فيه عيوبه مجسمة كي يتخلص من وطئتها و" هو يتخد من غرابات المهجو - كما يقول جورج غريب - سبيلا الى توليد الصورة الكاركتورية بأقرب الخطوط " مدفوعا الى ذلك بضغينة استنتجها من التناقض القائم بين الناس والزمن من جهة ، وبين كل على حدة من جهة ثانية ، بحيث نجده في كل حالة يسخر فيها بالناس انما يعني نفسه من خلالهم ، فهو عندما يهجو صاحب اللحية بقوله :
علق الله في عذاريك مخلا ة ولكنها بغير شعير
وحين يقول في آخر :
لو قابل الريح بها مـــــــرة ** لم ينبعث من خطوه اصبعا
أو غاص في البحر بها غوصة ** صاد بها حيتانه أجمعا
أو حين يتعرض للشاعر البحتري بقوله :
البحتري دنوب الوجه تعرفـــه ** وما رأينا دنوب الوجه ذا أدب
أنى يقول من الأقوال أثقبها ** من راح يحمل وجها سابغ الذنب
أقول حينما يتعرض لهؤلاء يكون ساخطا عليهم مما يجعله ينتقم منهم بالنيل من شخصياتهم فيتعرض لعيوبهم التي ما هي في الحقيقة الا عيوبه كما أسلفنا ، اذ لا ننسى أن لحيته الخفيفة التي كانت تتوزع وجههكانت بالتالي هي الدافع القوي في هجاء خصومه ذوي اللحى ، وكذلك الأمر حين يهجو قائلا :
وجهك ياعمرو فيه طول ** وفي وجوه الكلاب طول
..وجوههم للورى عظات ** لكـــن أقفاءهم طبــــول
فالبيت الأخير يذكرنا بالبيت السابق الذي وصف فيه وجهه حيث قال :
شغفت بالخرد الحسان وما ** يصلح وجهي الا لذي ورع
أو حين يقول في بخيل :
يقتر عيسى على نفسه ** وليس بباق ولا خالد
فلو يستطيع لتقتيـــره ** تنفس من منخر واحد
أو حين يقول هاجيا ابراهيم البيهفي معترضا لأمه :
شمطاء تزني وخرق منخرها ** معشعش فيه ألف خفاش
هذا كله نتج عن سخطه على الناس والتطير منهم ، وهو في كل حالة يرسم لهم بقلمه صورا كاركتورية لو تسنى لها من يرسمها لرأينا عجبا ، سواء تلك التي يرسمها للذي يتنفس من منخر واحد لشدة بخله ، أو تلك التي تعكس أقفاء كالطبول أو أحدبا كأنما سوي على عجل .