الصوم شريعة الله في الديانات السماوية (1)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الصوم شريعة الله في الديانات السماوية (1)
الصوم شريعة الله في الديانات السماوية :
الصوم عبادة تهدف تطهير النفس1، وتهذيب الروح وإخضاع الجسد، ويحظى وإن اختلفت أشكاله بمكانة خاصة بين العبادات في معظم الأديان،السماوية منها وغير السماوية2.
- ففي الديانة الاسلامية :
روى البخاري عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان صار فريضة، وترك عاشوراء، فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه3.
والشهور العربية المعروفة حالياً هي الأسماء التي وضعتها العرب المستعربة ولم يطرأ عليها تعديل أو تغيير منذ ما يربوا على 19 قرناً .وكانت لثمود قائمة خاصة أطلقتها على الشهور ، وكانت تطلق على شهر رمضان اسم دْيمر، وكانوا يبدأون سنتهم بشهر ديمر هذا ، أما المحرم فكانوا يدعونه موجب ....4
ورَمَضانُ : هو الشهر التاسع من شهور السنة الهجرية بعد شعبان وقبل شوَّال . وقد سمي بهذا الاسم نحو عام 412 ق م في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول صلى الله عليه وآله وسلم،و الشهر الذي أنزل فيه القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ)5 وفرض فيه الصيام وهو الشهر التاسع من العام الهجري6 .
و(رمضان) لا ينصرف . والجمع : رَمَضَاناتٌ ، وأرمضة ، وأرمضاء ، ورَماضِينُ 7.
وقد قيل أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن هذا القول باطل لضعف الحديث.يقول الإمام النووي:"وزعموا أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى قال البيهقي وروي ذلك عن مجاهد والحسن والطريق إليهما ضعيف ورواه عن محمد بن كعب واحتجوا بحديث رواه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان وهذا حديث ضعيف ضعفه البيهقي وغيره والضعف فيه بين فإن من رواته نجيح السندي وهو ضعيف سيء الحفظ "8. وقال الإمام القرطبي: "هو مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء ممدودة شدة الحر ومنه الحديث صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال خرجه مسلم ورمض الفصال أن تحرق الرمضاء أخفافها فتبرك من شدة حرها فرمضان فيما ذكروا وافق شدة الحر فهو مأخوذ من الرمضاء"9. قال الجوهري : " وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك ".وقيل إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة من الإرماض وهو الإحراق ومنه رمضت قدمه من الرمضاء أي احترقت وأرمضتني الرمضاء أي أحرقتني ومنه قيل :أرمضني الأمر .وقيل : لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس والرمضاء الحجارة المحماة .وقيل هو من رمضت النصل أرمضه وأرمضه رمضا إذا دققته بين حجرين ليرق ومنه نصل رميض ومرموض عن بن السكيت وسمي الشهر به لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم في رمضان ليحاربوا بها في شوال قبل دخول الأشهر الحرم .وحكى الماوردي أن اسمه في الجاهلية ناتق وأنشد للمفضل :
وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغى === وولت على الأدبار فرسان 10.
والحاصل إنّ الصيام في الإسلام يُعْرف برؤية الهلال، وهو كفّ النفس عن اللّذات الثلاثة: (الطعام، والشراب، والجماع) في أوقات الإمساك، والترخيص بها في الإفطار. وقد راعى الإسلام ذوي الأعذار فأباح لهم الفطر. وجعل الإسلام القيام في لياليه والاعتكاف بالمساجد في أواخره حملاً للنفس على التزكية وترغيبًا لها في الخير. ثُمّ يعقبه ما يدلُّ على البهجة، ونباهة حال المِلًّة، وهو عيد الفطر، وليس للأديان الأخرى مثل هذه المزيّة 11 .
وقد أصاب الإمام الغزالي في التعبير عن فلسفة وأسرار الصيام في الإسلام حين قال: "اعلم أن الصّوْم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صَوْم العموم: فهو كفّ البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله. وأما صوم الخصوص: فهو كفّ السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهمم الدنِيَّة والأفكار الدنيوية، وكفّه عما سوى الله عزّ وجل بالكلية"12 .
غير أنه في عصرنا،نلحظ الجنوح لكثرة الشجار والسب والشتم بين بني الأمة نهاراً غافلين عن قوله صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) 13،بل " في رمضان تكاد تتوقف التجارة والصناعة... ولما كان النوم غير محرم أثناء الصوم،فإنهم ينامون في... النهار"14 .
ثم لا يكاد مدفع الإفطار يدوي وصوت المؤذن ينطلق بالآذان حتى تسارع أفراد العائلة فيأخذوا أماكنهم على مائدة الطعام بعد صيام يوم طويل من العمل والعبادة.وفي زحمة الانغماس بأكل كل ما لذ وطاب من صنوف الطعام على مائدة الإفطار والذي لا ينافسه سوى الانشداد إلى برامج التلفاز."أما الليل الذي ينتعش فيه المرء ويُسَرُّ، فينصرف الناس فيه إلى شتى ألوان المتع والمسرات، وليالي رمضان بصفة خاصة هي ليالي التسلية للكافة. فتقام فيها حفلات خيال الظل وغيره من المسارح (لم يكن ظهر التلفزيون والمسلسلات وفوازير رمضان 15.
ونهاية القول أذكّر أنّ الله تعالى بَيّن الغاية والهدف من الصيام بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) 16
ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى شبهة بعض المستشرقين وهمزهم ولمزهم للحديث الذي رواه أبو قتادة الأنصاري،أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: (لا صام ولا أفطر) أو قال: (لم يصم ولم يفطر) قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: (ويطيق ذلك أحد) قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: (ذاك صوم داود عليه السلام) قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: (وددت أني طوقت ذلك) ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)17.
والتهمة هي :لماذا غضب محمد عند سؤاله عن الصوم؟
وفي معنى قوله : (رجل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه)، قال العلماء : "سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته ؛ لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة ، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه ، وكان يقتضي حاله أكثر منه ، وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله بمصالح المسلمين وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين إليه ، لئلا يقتدي به كل أحد فيؤدي إلى الضرر في حق بعضهم ، وكان حق السائل أن يقول : كم أصوم أو كيف أصوم ؟ فيخص السؤال بنفسه ليجيبه بما تقتضيه حاله ، كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم"18 . والله أعلم .
-وفي المسيحية...
[size=96]يُتبع...[/size]
[rtl]والنفس كالطفل إن تهمله شب على * * * حب الرضاع ،وإن تفطمه ينفطم.[/rtl]
[rtl]2 )يقدس الايزيديون الصوم في ديانتهم، بالرغم من كونه أيام قليلة في السنة، فهناك صيام لمدة ثلاثة أيام يسمى (روزبيت ئيزي) أي صوم ايزيد، ويكون في منتصف كانون الأول، وتمتد فترة الصيام من شروق الشمس وحتى الغروب، يمتنعوا فيها عن تناول الطعام والشراب والتدخين والعلاقة الجنسية، ويحرص الصائم أيضاً على عدم التفوه بكلمات مسيئة، فالهدف من الصيام تطهير النفس.[/rtl]
[rtl] ولايعد الصيام لدى الديانة السيخية فرضاً ولا واجباً بقدر ما هو وسيلة وأسلوب لحياة صحية، فهو ليس بالصيام المعتاد ولكنه يهدف إلى عدم الإفراط في تناول الطعام، وعدم التجويع أيضاً، أي الوسطية والإعتدال.[/rtl]
[rtl]وهناك أيضاً صيام تطوعي، أشهره صيام عيد ” خدر إلياس” حيث يصوم فيه كل من يحمل هذا الإسم، تكريماً لنبيهم خدر إلياس.[/rtl]
ويعتبر الصيام الركن الخامس من أركان الدين الصابئي ، ويقسم الصيام عند الصابئة المندائية إلى نوعين: الصيام الكبير والصيام الصغير، ويقصد بالصيام الكبير الامتناع عن الكبائر والمحرمات، كالقتل والسرقة والزنا إلخ، أما الصيام الصغير فيقصد به الصيام عن الطعام، تحديداً عن تناول لحوم الحيوانات، وهذا النوع من الصيام يكون خلال أيام محددة من كل عام تصل إلى 36 يوما، ومن الجدير بالذكر ان صابئة اليوم يحرمون الصوم بحجة انه تحريم لما أحله الله.
[rtl]ويتشابه الصيام في الديانة البهائية والإسلام كثيراً، في كونه مرتبط بشهر معين من شهور السنة، وهو الشهر الأخير من السنة البهائية أي الشهر التاسع عشر، فالرقم (19) مقدس في الديانة البهائية، فالعام يتكون من 19 شهراً، وكذلك الشهر من 19 يوم. تبدأ فترة الصيام في البهائية أيضاً كما في الإسلام، من شروق الشمس إلى غروبها، وفيها يمتنع الصائم عن الشراب والطعام تماماً.[/rtl]
أما في البوذية فيعتبر الصيام نوعاً من أنواع تهذيب النفس وتدريبها على حياة الزهد، بالإضافة إلى كونه أسلوب حياة،
فمن تعاليم بوذا المتبعة في هذا السياق، ان الإفراط في الطعام مضر بصحة الإنسان، وكذلك الإمتناع الكامل عنه ، والصحة تكمن في الإعتدال والوسطية ، ولهذا يصوم الرهبان عن الطعام بداية من الظهر حتى صباح اليوم الثاني، بهدف عيش حياة الزهد، والصحة الجيدة التي تساعد على التأمل.
و يختلف موعد الصوم في الهندوسية بحسب كل طائفه والإله الذي تتبعه ، فطائفة الإله “فيشنو” تصوم يوم الخميس، وطائفة الإله “شيفا” تصوم يوم الاثنين، وهناك أيضاً صيام 9 أيام في بداية كل فصل من فصول السنة، صيامها فرض على كل الهندوس بإختلاف طوائفهم، وفيها يمتنعون عن الطعام - عن المنتجات الحيوانية فقط - والشراب من غروب الشمس وحتى شروق اليوم التالي ، بالإضافة إلى صوم نصف كل شهر قمري.
[rtl]3 )صحيح البخاري الجامع الصحيح (رقم 4504).[/rtl]
[rtl]4 )يُنظر المفصل في تاريخ العرب:11/138،وبحار الأنوار:55 / 383-381،والموسوعة العربية العالمية:10 / 673-674.[/rtl]
[rtl]5 )البقرة 185 .[/rtl]
6) يُنظر بحار الأنوار:55 / 383-381،والموسوعة العربية العالمية:10 / 673-674.
7 ) المعجم الوسيط (رمض)
[rtl]8 )مجموع الفتاوى:6/245 .[/rtl]
[rtl]9 ) تفسير القرطبي:2/290 .
10 ) فتح القدير للشوكاني:1/280.[/rtl]
11) الإعلام بمناقب الإسلام:144.
12) أسرار الصوم:40.
[rtl]13)رواه البخاري (رقم الحديث 1903)[/rtl]
14)دائرة المعارف الإسلامية 17 :5198.
15) نفسه:17 :5199.
16) البقرة:183.
17)رواه مسلم(رقم الحديث 1162 ).
18) شرح النووي على مسلم:8/49.
الصوم في الديانة الاسلامية :
الصوم عبادة تهدف تطهير النفس1، وتهذيب الروح وإخضاع الجسد، ويحظى وإن اختلفت أشكاله بمكانة خاصة بين العبادات في معظم الأديان،السماوية منها وغير السماوية2.
- ففي الديانة الاسلامية :
روى البخاري عن عائشة قالت: كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان صار فريضة، وترك عاشوراء، فكان من شاء صامه ومن شاء لم يصمه3.
والشهور العربية المعروفة حالياً هي الأسماء التي وضعتها العرب المستعربة ولم يطرأ عليها تعديل أو تغيير منذ ما يربوا على 19 قرناً .وكانت لثمود قائمة خاصة أطلقتها على الشهور ، وكانت تطلق على شهر رمضان اسم دْيمر، وكانوا يبدأون سنتهم بشهر ديمر هذا ، أما المحرم فكانوا يدعونه موجب ....4
ورَمَضانُ : هو الشهر التاسع من شهور السنة الهجرية بعد شعبان وقبل شوَّال . وقد سمي بهذا الاسم نحو عام 412 ق م في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول صلى الله عليه وآله وسلم،و الشهر الذي أنزل فيه القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ)5 وفرض فيه الصيام وهو الشهر التاسع من العام الهجري6 .
و(رمضان) لا ينصرف . والجمع : رَمَضَاناتٌ ، وأرمضة ، وأرمضاء ، ورَماضِينُ 7.
و ذكر الإمام الطبري في تفسيره أن رمضان كان يصومه النصارى والحنفاء. فعن:
-رمضان النصارى: قَوْله (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ )"عَنْ الشَّعْبِيّ قَالَ : .. أَنَّ النَّصَارَى فُرِضَ عَلَيْهِمْ شَهْر رَمَضَان كَمَا فُرِضَ عَلَيْنَا ... وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ يَصْنَعُونَ كَمَا تَصْنَع النَّصَارَى"
-رمضان الحنفاء: يقول الطبري أيضا: قيل: كَانَ النبي مَأْمُورًا بِاتِّبَاعِ إبْرَاهِيم , وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ كَانَ جَعَلَهُ لِلنَّاسِ إمَامًا , وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّه عَزَّ وَجَلّ أَنَّ دِينه كَانَ الْحَنِيفِيَّة الْمُسْلِمَة , فَأَمَرَ نَبِيّنَا بِمِثْلِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ مَنْ قَبْله مِنْ الْأَنْبِيَاء ... إنَّمَا كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِمْ شَهْر رَمَضَان مِثْل الَّذِي فُرِضَ عَلَيْنَا سَوَاء .
و في أول الإسلام،كان التخيير في صوم رمضان فكان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا .وقد قيل أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن هذا القول باطل لضعف الحديث.يقول الإمام النووي:"وزعموا أن رمضان اسم من أسماء الله تعالى قال البيهقي وروي ذلك عن مجاهد والحسن والطريق إليهما ضعيف ورواه عن محمد بن كعب واحتجوا بحديث رواه البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا شهر رمضان وهذا حديث ضعيف ضعفه البيهقي وغيره والضعف فيه بين فإن من رواته نجيح السندي وهو ضعيف سيء الحفظ "8. وقال الإمام القرطبي: "هو مأخوذ من رمض الصائم يرمض إذا حر جوفه من شدة العطش والرمضاء ممدودة شدة الحر ومنه الحديث صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال خرجه مسلم ورمض الفصال أن تحرق الرمضاء أخفافها فتبرك من شدة حرها فرمضان فيما ذكروا وافق شدة الحر فهو مأخوذ من الرمضاء"9. قال الجوهري : " وشهر رمضان يجمع على رمضانات وأرمضاء يقال إنهم لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي وقعت فيها فوافق هذا الشهر أيام رمض الحر فسمي بذلك ".وقيل إنما سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة من الإرماض وهو الإحراق ومنه رمضت قدمه من الرمضاء أي احترقت وأرمضتني الرمضاء أي أحرقتني ومنه قيل :أرمضني الأمر .وقيل : لأن القلوب تأخذ فيه من حرارة الموعظة والفكرة في أمر الآخرة كما يأخذ الرمل والحجارة من حر الشمس والرمضاء الحجارة المحماة .وقيل هو من رمضت النصل أرمضه وأرمضه رمضا إذا دققته بين حجرين ليرق ومنه نصل رميض ومرموض عن بن السكيت وسمي الشهر به لأنهم كانوا يرمضون أسلحتهم في رمضان ليحاربوا بها في شوال قبل دخول الأشهر الحرم .وحكى الماوردي أن اسمه في الجاهلية ناتق وأنشد للمفضل :
وفي ناتق أجلت لدى حومة الوغى === وولت على الأدبار فرسان 10.
والحاصل إنّ الصيام في الإسلام يُعْرف برؤية الهلال، وهو كفّ النفس عن اللّذات الثلاثة: (الطعام، والشراب، والجماع) في أوقات الإمساك، والترخيص بها في الإفطار. وقد راعى الإسلام ذوي الأعذار فأباح لهم الفطر. وجعل الإسلام القيام في لياليه والاعتكاف بالمساجد في أواخره حملاً للنفس على التزكية وترغيبًا لها في الخير. ثُمّ يعقبه ما يدلُّ على البهجة، ونباهة حال المِلًّة، وهو عيد الفطر، وليس للأديان الأخرى مثل هذه المزيّة 11 .
وقد أصاب الإمام الغزالي في التعبير عن فلسفة وأسرار الصيام في الإسلام حين قال: "اعلم أن الصّوْم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صَوْم العموم: فهو كفّ البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله. وأما صوم الخصوص: فهو كفّ السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهمم الدنِيَّة والأفكار الدنيوية، وكفّه عما سوى الله عزّ وجل بالكلية"12 .
غير أنه في عصرنا،نلحظ الجنوح لكثرة الشجار والسب والشتم بين بني الأمة نهاراً غافلين عن قوله صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) 13،بل " في رمضان تكاد تتوقف التجارة والصناعة... ولما كان النوم غير محرم أثناء الصوم،فإنهم ينامون في... النهار"14 .
ثم لا يكاد مدفع الإفطار يدوي وصوت المؤذن ينطلق بالآذان حتى تسارع أفراد العائلة فيأخذوا أماكنهم على مائدة الطعام بعد صيام يوم طويل من العمل والعبادة.وفي زحمة الانغماس بأكل كل ما لذ وطاب من صنوف الطعام على مائدة الإفطار والذي لا ينافسه سوى الانشداد إلى برامج التلفاز."أما الليل الذي ينتعش فيه المرء ويُسَرُّ، فينصرف الناس فيه إلى شتى ألوان المتع والمسرات، وليالي رمضان بصفة خاصة هي ليالي التسلية للكافة. فتقام فيها حفلات خيال الظل وغيره من المسارح (لم يكن ظهر التلفزيون والمسلسلات وفوازير رمضان 15.
ونهاية القول أذكّر أنّ الله تعالى بَيّن الغاية والهدف من الصيام بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) 16
ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى شبهة بعض المستشرقين وهمزهم ولمزهم للحديث الذي رواه أبو قتادة الأنصاري،أن رجلاً أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه، فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: (لا صام ولا أفطر) أو قال: (لم يصم ولم يفطر) قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: (ويطيق ذلك أحد) قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: (ذاك صوم داود عليه السلام) قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: (وددت أني طوقت ذلك) ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان، فهذا صيام الدهر كله، صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله)17.
والتهمة هي :لماذا غضب محمد عند سؤاله عن الصوم؟
وفي معنى قوله : (رجل أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رأى عمر -رضي الله عنه- غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر رضي الله عنه يردد هذا الكلام حتى سكن غضبه)، قال العلماء : "سبب غضبه صلى الله عليه وسلم أنه كره مسألته ؛ لأنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة ، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه ، وكان يقتضي حاله أكثر منه ، وإنما اقتصر عليه النبي صلى الله عليه وسلم لشغله بمصالح المسلمين وحقوقهم وحقوق أزواجه وأضيافه والوافدين إليه ، لئلا يقتدي به كل أحد فيؤدي إلى الضرر في حق بعضهم ، وكان حق السائل أن يقول : كم أصوم أو كيف أصوم ؟ فيخص السؤال بنفسه ليجيبه بما تقتضيه حاله ، كما أجاب غيره بمقتضى أحوالهم"18 . والله أعلم .
-وفي المسيحية...
[size=96]يُتبع...[/size]
----------------------------------------
[rtl]1 )يقول البصيري رحمه الله في بردته المشهورة: والمسمّاة بـالكواكب الدرية في مدح خير البرية:[/rtl][rtl]والنفس كالطفل إن تهمله شب على * * * حب الرضاع ،وإن تفطمه ينفطم.[/rtl]
[rtl]2 )يقدس الايزيديون الصوم في ديانتهم، بالرغم من كونه أيام قليلة في السنة، فهناك صيام لمدة ثلاثة أيام يسمى (روزبيت ئيزي) أي صوم ايزيد، ويكون في منتصف كانون الأول، وتمتد فترة الصيام من شروق الشمس وحتى الغروب، يمتنعوا فيها عن تناول الطعام والشراب والتدخين والعلاقة الجنسية، ويحرص الصائم أيضاً على عدم التفوه بكلمات مسيئة، فالهدف من الصيام تطهير النفس.[/rtl]
[rtl] ولايعد الصيام لدى الديانة السيخية فرضاً ولا واجباً بقدر ما هو وسيلة وأسلوب لحياة صحية، فهو ليس بالصيام المعتاد ولكنه يهدف إلى عدم الإفراط في تناول الطعام، وعدم التجويع أيضاً، أي الوسطية والإعتدال.[/rtl]
[rtl]وهناك أيضاً صيام تطوعي، أشهره صيام عيد ” خدر إلياس” حيث يصوم فيه كل من يحمل هذا الإسم، تكريماً لنبيهم خدر إلياس.[/rtl]
ويعتبر الصيام الركن الخامس من أركان الدين الصابئي ، ويقسم الصيام عند الصابئة المندائية إلى نوعين: الصيام الكبير والصيام الصغير، ويقصد بالصيام الكبير الامتناع عن الكبائر والمحرمات، كالقتل والسرقة والزنا إلخ، أما الصيام الصغير فيقصد به الصيام عن الطعام، تحديداً عن تناول لحوم الحيوانات، وهذا النوع من الصيام يكون خلال أيام محددة من كل عام تصل إلى 36 يوما، ومن الجدير بالذكر ان صابئة اليوم يحرمون الصوم بحجة انه تحريم لما أحله الله.
[rtl]ويتشابه الصيام في الديانة البهائية والإسلام كثيراً، في كونه مرتبط بشهر معين من شهور السنة، وهو الشهر الأخير من السنة البهائية أي الشهر التاسع عشر، فالرقم (19) مقدس في الديانة البهائية، فالعام يتكون من 19 شهراً، وكذلك الشهر من 19 يوم. تبدأ فترة الصيام في البهائية أيضاً كما في الإسلام، من شروق الشمس إلى غروبها، وفيها يمتنع الصائم عن الشراب والطعام تماماً.[/rtl]
أما في البوذية فيعتبر الصيام نوعاً من أنواع تهذيب النفس وتدريبها على حياة الزهد، بالإضافة إلى كونه أسلوب حياة،
فمن تعاليم بوذا المتبعة في هذا السياق، ان الإفراط في الطعام مضر بصحة الإنسان، وكذلك الإمتناع الكامل عنه ، والصحة تكمن في الإعتدال والوسطية ، ولهذا يصوم الرهبان عن الطعام بداية من الظهر حتى صباح اليوم الثاني، بهدف عيش حياة الزهد، والصحة الجيدة التي تساعد على التأمل.
و يختلف موعد الصوم في الهندوسية بحسب كل طائفه والإله الذي تتبعه ، فطائفة الإله “فيشنو” تصوم يوم الخميس، وطائفة الإله “شيفا” تصوم يوم الاثنين، وهناك أيضاً صيام 9 أيام في بداية كل فصل من فصول السنة، صيامها فرض على كل الهندوس بإختلاف طوائفهم، وفيها يمتنعون عن الطعام - عن المنتجات الحيوانية فقط - والشراب من غروب الشمس وحتى شروق اليوم التالي ، بالإضافة إلى صوم نصف كل شهر قمري.
[rtl]3 )صحيح البخاري الجامع الصحيح (رقم 4504).[/rtl]
[rtl]4 )يُنظر المفصل في تاريخ العرب:11/138،وبحار الأنوار:55 / 383-381،والموسوعة العربية العالمية:10 / 673-674.[/rtl]
[rtl]5 )البقرة 185 .[/rtl]
6) يُنظر بحار الأنوار:55 / 383-381،والموسوعة العربية العالمية:10 / 673-674.
7 ) المعجم الوسيط (رمض)
[rtl]8 )مجموع الفتاوى:6/245 .[/rtl]
[rtl]9 ) تفسير القرطبي:2/290 .
10 ) فتح القدير للشوكاني:1/280.[/rtl]
11) الإعلام بمناقب الإسلام:144.
12) أسرار الصوم:40.
[rtl]13)رواه البخاري (رقم الحديث 1903)[/rtl]
14)دائرة المعارف الإسلامية 17 :5198.
15) نفسه:17 :5199.
16) البقرة:183.
17)رواه مسلم(رقم الحديث 1162 ).
18) شرح النووي على مسلم:8/49.
عدل سابقا من قبل محمد المُدني في الثلاثاء يونيو 21, 2016 11:18 pm عدل 4 مرات
♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠
وكَمْ من حَسَراتٍ
فِي بُطونِ القُبورِ
محمد المُدني- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 217
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/06/1969
تاريخ التسجيل : 09/05/2016
العمر : 55
الموقع : تزران - كيسان
رد: الصوم شريعة الله في الديانات السماوية (1)
مشكور أخي المحترم على هذا المجهود القيم ،الجامع والمقارن لشعيرة الصوم في عديد من النحل والملل، وما زادها بريقا هو تذييلها بالهوامش المكملة للافادة.لك جزيل الشكر ورمضان كريم .
غريبي- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 298
درجة التقدير : 1
تاريخ الميلاد : 02/05/1963
تاريخ التسجيل : 05/06/2012
العمر : 61
رد: الصوم شريعة الله في الديانات السماوية (1)
أخي الكريم سلّمك الله : رمضانكم كريم جعله الله رحمة ومغفرة وعتقا من النار
مع عاطر الشكر
مع عاطر الشكر
♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠
وكَمْ من حَسَراتٍ
فِي بُطونِ القُبورِ
محمد المُدني- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 217
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/06/1969
تاريخ التسجيل : 09/05/2016
العمر : 55
الموقع : تزران - كيسان
مواضيع مماثلة
» الصوم شريعة الله في الديانات السماوية (2)
» كتاب الحجاب شريعة الله في الإسلام واليهودية والنصرانية
» حديث صلح الحديبية : قضية فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب - وليس يحسن يكتب - فكتب : هذا ما قاضى محمد بن عبد الله
» أمور لا تفسد الصوم
» كتاب أسرار الصوم
» كتاب الحجاب شريعة الله في الإسلام واليهودية والنصرانية
» حديث صلح الحديبية : قضية فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكتاب - وليس يحسن يكتب - فكتب : هذا ما قاضى محمد بن عبد الله
» أمور لا تفسد الصوم
» كتاب أسرار الصوم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى