من طاغية نجدان إلى وزير الشعر
صفحة 1 من اصل 1
من طاغية نجدان إلى وزير الشعر
من طاغية نجدان إلى وزير الشعر
----------------------------------
السلام عليك و رحمة الله ، و بعد
فاعلم أني قضيت ليلة البارحة أنظر في السُّمُوط ، و هي السبْع الطوال ، أو السّبْعيات ، أو المذَهّبات، أو المعلقات ، كما سمّاها حمّاد الراوية. و قد بتُّ أمعن النظرَ في تلك القصائد، و أرى كيف كان الشعراء يُكثرون فيها من ذكر أسماء الأماكن و القُرى و الجبال و المياه . فلما طلع الصباح ، دعوتُ بعض شعراء نجدان و سألتُهم عن تلك المواضع المذكورة في المعلقات ، في أي بلاد هي ، فلم يجبْني منهم أحد. و قد أمرتُ باعتقالهم جميعا و بتسييرهم إلى سجن الكثيب دون إبطاء. إذْ لا يَكون شاعراً عندي من يجهل " جغرافيا المعلقات."
و قد استقر رأيي ، أيها الوزير ، بعد طول تفكير ، على أن تسافر في أقرب الأوقات إلى نجد و الحجاز وإلى أرض البحرين و إلى باقي المناطق التي عاش فيها شعراء المعلقات. و ذلك لكي تعدّ لي تقريرا وافيا كافيا ، بالنص و الصورة ، عن الأماكن المذكورة.
و سوف تبدأ - بتوفيق من الله - بالأمكنة التي ذكرها امرؤ القيس في معلقته ، و منها الدَّخُول و حَوْمَل ، حين قال:
قفا نبْك من ذكرى حبيبٍ و منزلِ = بسقْط اللوى بين الدَّخُول فَحَوْمَلِ
فقد سمعتُ أنهما موضعان قرب جبَل يسمى أسود العين. و لعلك تعلم أن خصمنا الأصمعي كان يروي الشطر الثاني من البيت هكذا ( بسقط اللوى بين الدخول و حومل ) و يرفض ( فَحَومل) لأن المنسوق لا يكون بالفاء. و لكن خديمَنا الفرّاء - رعاه الله - أجازه فقال :" بين الدخول فحومل، معناه فأهل حومل.
و لكن دعنا من هذا الآن. إذْ سيكون عليك أن تستطلع موضعين آخرين ، هما تُوضح و المقْراة ، لأن الملك الضليل ذكرهما في بيته المشهور:
فَتُوضحَ فالمقْراة لم يَعْفُ رسْمُها = لمَا نسَجَتْها منْ جَنُوبٍ و شَمْألِ
و هناك من يزعم أن المقراة غدير يجتمع فيه الماء، فياليت شعري هل بقي فيه ماء حتى يومنا هذا ؟
و أريدك بعد ذلك أن تذهب إلى الموضع المسمى " ثهْمد" ، الذي ذكره الغلام القتيل في معلقته حين قال:
لِخَوْلةَ أطلالٌ ببُرْقَة ثَهْمَدِ = تَلُوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
ثم إلى الموضع المسمى " دَد " ، و هو الذي جاء في قول طرفة:
كأنّ حُدوجَ المالكية غُدْوةً = خلايا سَفينٍ بالنواصف منْ دَدِ
و بعدها تزور الرقمتين ، اللتين ذكرهما زهير بن أبي سُلمى في معلقته ، حين قال:
ديارٌ لها بالرّقْمَتَيْن كأنها = مَراجعُ وشمٍ في نَواشرِ مِعْصَمِ
و قد زعم الأصمعي أن إحدى هاتين الرقمتين توجد قرب المدينة و أن الثانية قرب البصرة ، و لكنني لا أحب آراء الأصمعي ، بل أميل إلى الكلابي القائل بأن الرقمتين معا توجدان بين جرثم و بين مطلع الشمس بأرض بني أسد. فحذار- أيها الوزير- أن تعود من سفرك دون أن تجيئني بالخبر اليقين. و اعلم أن جرثم هذه ، التي تحدث عنها الكلابي هي نفسها التي ذكرها زهير في معلقته :
تَبَصّرْ خليلي هل تَرى منْ ظعائنٍ = تَحَمّلْنَ بالعلياء منْ فوق جُرْثم
و سيكون عليك أيضا أن تبحث عن الجِواء الذي ذكره عنترة في البيت الثاني من معلقته:
يا دارَ عبْلة َ بالجواء تكلمي = و عمي صباحاً دارَ عبلة و اسْلمي
فإني أحسب أنه البلد الذي يسميه أهلُ نجد " جواء عَدْنة" .و لا تنس ، بعد زيارة الجواء، أن تذهب لتأتيني بالأخبار عن المكان المسمى " عُنَيْزَتَين " ، حيث كان يتربع أهل عبلة - أي يَنزلون في الربيع - ثم عن " الغيلم "، حيث كان يحل أهل عنترة ، كما يبين هو نفسه ذلك في قوله :
كيف المَزارُ و قد تربعَ أهلُها = بعُنيزتين و أهلُنا بالغيلم ِ؟
و لا مفرّ أيها الوزير من استكشاف الماء الذي ذكره عنترة في البيت الثامن و العشرين من معلقته ، و هو المسمى ماء الدُّحْرُضَيْن :
شربَتْ بماء الدحرضين فأصبحَتْ = زوراءَ تنْفرُ عن حياض الدّيْلَمِ
و هناك من يقول إنهما ماءان : دُحْرُض و وسيع ، فلما جمعهما عنترة غلّبَ أحدَ الاسمين ، كما تَقول " القمران " و أنتَ تريد الشمس و القمر. و كما تقول " البصرتان " و أنت تعني البصرة و الكوفة .
و أريدك أن تقوم أيضا بزيارة لقرية الأنْدَرين ، و هي قرية مشهورة بخمورها ، ذكرَها عمرو بن كلثوم في مطلع معلقته :
ألا هبّي بصحنك فاصْبَحينا = و لا تُبْقي خمورَ الأنْدرينا
و لا تكن مقصّراً في بحثك عن" قاصرين " ، التي قال عنها عمرو بن كلثوم:
و كأسٍ قد شربتُ ببَعْلَبَكّ = و أخرى في دمشقَ و قاصرينا
أما الأمكنة التي ذكرها الحارث بن حِلِّزَة في معلقته ،فهي كثيرة ولن أفصلها لك في كتابي هذا ، و لكنني أنتظر منك تقريرا مفصلا عنها هي أيضاً.
فإذا أنتَ انتهيتَ من زيارتها و وصفها و تصويرها ، فبادر إلى استكشاف الجبال التي ذكرها أبو عقيل ، لَبيد بن ربيعة ، في معلقته، ومنها الغَوْل و الرجام :
عَفَت الديارُ محلها فمُقامها = بمنىً تأبّدَ غَوْلُها فرجامُها
و هناك من يرى أن الغول ليس جبلا و إنما هو ماء معروف ، و أن الرجام إنما هي حجارة تُجمع أنصاباً. فقف - أبقاك الله - في هذه المواضع المختلفة وتأملها و تمعن فيها و اسألها عن أحوالها فإنها ستجيبك بكلام يتبينه الأذكياء، و لا تتمثل بقول لَبيد:
فوقفتُ أسألها و كيف سؤالُنا = صُمّاً خَوالدَ ما يَبينُ كلامُها
و لعمري إن من يتولى وزارة الشعر لدى طاغية داهية مثلي لَخليق بأن يكلم الجبال و الهضاب و الوديان.
فإذا قرأتَ كتابي هذا ، فتجهز للسفر و ابعث لي بقائمة الأشياء التي ستحتاجها في سفرك. و سأشرح لك ، بحمد الله ، كيف تستغني عنها .
----------------------------------
السلام عليك و رحمة الله ، و بعد
فاعلم أني قضيت ليلة البارحة أنظر في السُّمُوط ، و هي السبْع الطوال ، أو السّبْعيات ، أو المذَهّبات، أو المعلقات ، كما سمّاها حمّاد الراوية. و قد بتُّ أمعن النظرَ في تلك القصائد، و أرى كيف كان الشعراء يُكثرون فيها من ذكر أسماء الأماكن و القُرى و الجبال و المياه . فلما طلع الصباح ، دعوتُ بعض شعراء نجدان و سألتُهم عن تلك المواضع المذكورة في المعلقات ، في أي بلاد هي ، فلم يجبْني منهم أحد. و قد أمرتُ باعتقالهم جميعا و بتسييرهم إلى سجن الكثيب دون إبطاء. إذْ لا يَكون شاعراً عندي من يجهل " جغرافيا المعلقات."
و قد استقر رأيي ، أيها الوزير ، بعد طول تفكير ، على أن تسافر في أقرب الأوقات إلى نجد و الحجاز وإلى أرض البحرين و إلى باقي المناطق التي عاش فيها شعراء المعلقات. و ذلك لكي تعدّ لي تقريرا وافيا كافيا ، بالنص و الصورة ، عن الأماكن المذكورة.
و سوف تبدأ - بتوفيق من الله - بالأمكنة التي ذكرها امرؤ القيس في معلقته ، و منها الدَّخُول و حَوْمَل ، حين قال:
قفا نبْك من ذكرى حبيبٍ و منزلِ = بسقْط اللوى بين الدَّخُول فَحَوْمَلِ
فقد سمعتُ أنهما موضعان قرب جبَل يسمى أسود العين. و لعلك تعلم أن خصمنا الأصمعي كان يروي الشطر الثاني من البيت هكذا ( بسقط اللوى بين الدخول و حومل ) و يرفض ( فَحَومل) لأن المنسوق لا يكون بالفاء. و لكن خديمَنا الفرّاء - رعاه الله - أجازه فقال :" بين الدخول فحومل، معناه فأهل حومل.
و لكن دعنا من هذا الآن. إذْ سيكون عليك أن تستطلع موضعين آخرين ، هما تُوضح و المقْراة ، لأن الملك الضليل ذكرهما في بيته المشهور:
فَتُوضحَ فالمقْراة لم يَعْفُ رسْمُها = لمَا نسَجَتْها منْ جَنُوبٍ و شَمْألِ
و هناك من يزعم أن المقراة غدير يجتمع فيه الماء، فياليت شعري هل بقي فيه ماء حتى يومنا هذا ؟
و أريدك بعد ذلك أن تذهب إلى الموضع المسمى " ثهْمد" ، الذي ذكره الغلام القتيل في معلقته حين قال:
لِخَوْلةَ أطلالٌ ببُرْقَة ثَهْمَدِ = تَلُوح كباقي الوشم في ظاهر اليدِ
ثم إلى الموضع المسمى " دَد " ، و هو الذي جاء في قول طرفة:
كأنّ حُدوجَ المالكية غُدْوةً = خلايا سَفينٍ بالنواصف منْ دَدِ
و بعدها تزور الرقمتين ، اللتين ذكرهما زهير بن أبي سُلمى في معلقته ، حين قال:
ديارٌ لها بالرّقْمَتَيْن كأنها = مَراجعُ وشمٍ في نَواشرِ مِعْصَمِ
و قد زعم الأصمعي أن إحدى هاتين الرقمتين توجد قرب المدينة و أن الثانية قرب البصرة ، و لكنني لا أحب آراء الأصمعي ، بل أميل إلى الكلابي القائل بأن الرقمتين معا توجدان بين جرثم و بين مطلع الشمس بأرض بني أسد. فحذار- أيها الوزير- أن تعود من سفرك دون أن تجيئني بالخبر اليقين. و اعلم أن جرثم هذه ، التي تحدث عنها الكلابي هي نفسها التي ذكرها زهير في معلقته :
تَبَصّرْ خليلي هل تَرى منْ ظعائنٍ = تَحَمّلْنَ بالعلياء منْ فوق جُرْثم
و سيكون عليك أيضا أن تبحث عن الجِواء الذي ذكره عنترة في البيت الثاني من معلقته:
يا دارَ عبْلة َ بالجواء تكلمي = و عمي صباحاً دارَ عبلة و اسْلمي
فإني أحسب أنه البلد الذي يسميه أهلُ نجد " جواء عَدْنة" .و لا تنس ، بعد زيارة الجواء، أن تذهب لتأتيني بالأخبار عن المكان المسمى " عُنَيْزَتَين " ، حيث كان يتربع أهل عبلة - أي يَنزلون في الربيع - ثم عن " الغيلم "، حيث كان يحل أهل عنترة ، كما يبين هو نفسه ذلك في قوله :
كيف المَزارُ و قد تربعَ أهلُها = بعُنيزتين و أهلُنا بالغيلم ِ؟
و لا مفرّ أيها الوزير من استكشاف الماء الذي ذكره عنترة في البيت الثامن و العشرين من معلقته ، و هو المسمى ماء الدُّحْرُضَيْن :
شربَتْ بماء الدحرضين فأصبحَتْ = زوراءَ تنْفرُ عن حياض الدّيْلَمِ
و هناك من يقول إنهما ماءان : دُحْرُض و وسيع ، فلما جمعهما عنترة غلّبَ أحدَ الاسمين ، كما تَقول " القمران " و أنتَ تريد الشمس و القمر. و كما تقول " البصرتان " و أنت تعني البصرة و الكوفة .
و أريدك أن تقوم أيضا بزيارة لقرية الأنْدَرين ، و هي قرية مشهورة بخمورها ، ذكرَها عمرو بن كلثوم في مطلع معلقته :
ألا هبّي بصحنك فاصْبَحينا = و لا تُبْقي خمورَ الأنْدرينا
و لا تكن مقصّراً في بحثك عن" قاصرين " ، التي قال عنها عمرو بن كلثوم:
و كأسٍ قد شربتُ ببَعْلَبَكّ = و أخرى في دمشقَ و قاصرينا
أما الأمكنة التي ذكرها الحارث بن حِلِّزَة في معلقته ،فهي كثيرة ولن أفصلها لك في كتابي هذا ، و لكنني أنتظر منك تقريرا مفصلا عنها هي أيضاً.
فإذا أنتَ انتهيتَ من زيارتها و وصفها و تصويرها ، فبادر إلى استكشاف الجبال التي ذكرها أبو عقيل ، لَبيد بن ربيعة ، في معلقته، ومنها الغَوْل و الرجام :
عَفَت الديارُ محلها فمُقامها = بمنىً تأبّدَ غَوْلُها فرجامُها
و هناك من يرى أن الغول ليس جبلا و إنما هو ماء معروف ، و أن الرجام إنما هي حجارة تُجمع أنصاباً. فقف - أبقاك الله - في هذه المواضع المختلفة وتأملها و تمعن فيها و اسألها عن أحوالها فإنها ستجيبك بكلام يتبينه الأذكياء، و لا تتمثل بقول لَبيد:
فوقفتُ أسألها و كيف سؤالُنا = صُمّاً خَوالدَ ما يَبينُ كلامُها
و لعمري إن من يتولى وزارة الشعر لدى طاغية داهية مثلي لَخليق بأن يكلم الجبال و الهضاب و الوديان.
فإذا قرأتَ كتابي هذا ، فتجهز للسفر و ابعث لي بقائمة الأشياء التي ستحتاجها في سفرك. و سأشرح لك ، بحمد الله ، كيف تستغني عنها .
بقلم :عبد القادر وساط أبو سلمى
hammani- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 50
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/09/1959
تاريخ التسجيل : 25/12/2011
العمر : 65
مواضيع مماثلة
» طاغية نجدان يُعَيّنُ وزيرين جديدين
» الحقاوي: علاقة حب بين وزير ووزيرة ماشي حرام
» على قبر من كتب البيتان من الشعر ؟
» رد على حل : الموصوف في الشعر
» زارو يُبهدل وزير الثقافة السابق بنسالم حمّيش
» الحقاوي: علاقة حب بين وزير ووزيرة ماشي حرام
» على قبر من كتب البيتان من الشعر ؟
» رد على حل : الموصوف في الشعر
» زارو يُبهدل وزير الثقافة السابق بنسالم حمّيش
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى