رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
صباح الخير أيها الشعر رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط 1- من عبد القادر وساط إلى أحمد بوزفور : عن « الواحديين « أو أصحاب القصيدة الواحدة صباح الخير، لم يعد مبلغ عشرة آلاف درهم يعني شيئا ذا بال في زمننا هذا، ولكن يبدو أنه كان مبلغا محترما في زمن هارون الرشيد. ما دفعني إلى إبداء هذه الملاحظة هو خبر طريف رواه أبو الفرج الأصبهاني ، في كتاب الأغاني . فقد ذكرَ أن الخليفة هارون الرشيد رَصَدَ عشرةَ آلاف درهم لمَنْ يقرأ له داليةَ الشاعر الأسود بن يَعْفر بأكملها. و مطلع هذه الدالية هو: نامَ الخَليُّ وما أحسُّ رقادي = والهَمُّ مُحَتضِرٌ لديَّ وسادي ولا شك أن هناك اليوم، بين معاصرينا، منْ يَحفظ هذه القصيدةَ الرائعة من أولها إلى آخرها، لكنْ مَنْ ذا الذي سيعطيه شيكا بمليون سنتيم، مكافأةً له على ذلك؟ وعلى أية حال، فالقصيدة من مختار أشعار العرب، وقائلها معدود ضمن كبار الشعراء. وقد وضعه ابنُ سلام الجمحي في الطبقة الخامسة من فحول الجاهلية، ثم بدا كأنه أحسَّ بالذنب بسبب ذلك التصنيف المجحف، فقال : « كان الأسود شاعرا فحلاً، وكان يُكثر من التنقل في العَرَب ، يُجاورهم فيَذمُّ ويَحْمَد، وله في ذلك أشعار، وله واحدة رائعة طويلة، لاحقة بأجْوَد الشعر، لو كان شفعها بمثلها لكُنّا قدَّمْناه على مرتبته، وهي: نام الخليُّ وما أحسُّ رقادي = و الهمُّ محتضرٌ لديَّ وسادي ثم يقول ابنُ سلام بعد ذلك: « و له شعر جيد ولا كهذه...» وهذه الدالية العجيبة هي القصيدة الرابعة والأربعون ضمن المفضليات، كما لا يخفى عليك . وفيها يشير الأسْوَد بن يَعْفُر إلى عماه بتعبير عجيب هو: و منَ الحوادثِ، لا أبا لك، أنني = ضُربَتْ عليَّ الأرضُ بالأسْدادِ وفيها يَنْعتُ الموتَ بِــ(ذي الأعواد)، حين يَقول: ولقدْ علمْتُ سوى الذي نَبَّأتِني = أنَّ السبيلَ سبيلُ ذي الأعوادِ ونقرأ في اللسان : « ذو الأعواد هو الموت، وعنى بالأعواد ما يُحمل عليه الميت، ذلك أن البوادي لا جنائز لهم ، فهم يضمُّون عُوداً إلى عُود ويَحملون الميتَ عليها .» وهناك من يذهب غير هذا المذهب في شرح (ذي الأعواد). ولكنني أميل شخصيا إلى هذا المعنى بالذات... إثر ذلك يصف الشاعر كيف أن الموت ينتظره أو يتربص به، بل يَرْقُبُه هناك بأعلى الجبل، ثم يضرب المثل بالسابقين الذين لقوا المصيرَ نفسَه فيقول: جَرَت الرياحُ على مَكان ديارهمْ = فكأنّما كانوا على ميعاد ثم إنه يَذكر شبابَه وأيامَ اللهو والشرب ، ويصف القيان و كيف يمشين بالأرفاد (أي بالأقداح الكبيرة، كما يقول الشراح): والبيض تمشي كالبدور وكالدُّمى = ونواعمٌ يمشينَ بالأرْفاد يَنْطقْنَ معروفاً وهُنَّ نواعمٌ = بيضُ الوجوه رقيقة الأكباد ورغم أن للأسْوَد بن يعفر قصائد أخرى، فلم يكن القدماء يَروون له سوى هذه الدالية. بل إنهم كانوا يَعدّونه ضمن أصحاب القصيدة الواحدة، ولذلك قال عنه ابنُ سلام: « وله واحدة رائعة طويلة...» ويا صديقي العزيز، لا أخفيك أني كثير الإعجاب (بأصحاب القصيدة الواحدة) في الشعر العربي... بأولئك الشعراء الرائعين، الهامشيين أو المهمشين، الذين اشتهر كل واحد منهم بقصيدة واحدة، تقول الكثير عن شاعريته العميقة وعن نفسيته المبلبلة وحياته المضطربة وعن مواجهته الشجاعة للموت أو القتل، في نهاية المطاف... أذكر من هؤلاء (الواحديين) عبد يغوث الحارثي: ألا لا تَلوماني كفى اللومَ ما بيا = و ما لكما في اللوم خيرٌ و لا ليا وكعب الغَنَويّ: تَقول ابنةُ العبسيّ: قد شبْتَ بعدنا = و كل امرئ بعد الشباب يَشيبُ ومالك بن الريب: ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً = بجنْب الغضا أزْجي القلاصَ النواجيا وآخرين كثيرين مثل العوام بن عقبة ، وسوار بن المضرب ، والأحيمر السعدي ، وغيرهم من الذين بقوا خارج التاريخ الرسمي للأدب و خارج المقررات الرسمية ... - 2 - من أحمد بوزفور إلى عبدالقادر وساط : هذه القصيدة هي علتي.... صديقي العزيز سي عبد القادر. (أصحاب القصيدة الواحدة) موضوع طريف ولذيذ في الوقت نفسه. أصحاب الواحدة هم الذين اشتهروا، كما أشرتَ صديقي، بقصيدة واحدة أساسا. وهذا طبعا لا يعني أنهم لم يقولوا شعرا آخر. فلصاحبك الأسود بن يعفر مفضلية أخرى هي المفضلية 125، التي يقول مطلعها: قد أصبح الحبل من أسماء مصروما = بعد ائتلاف وحب كان مكتوما ولكنها لا تصل في شعريتها وفكرها وروحها إلى الدالية التي اشتهر بها. وأحب أن أقف قليلا عند البيت الذي وقفت عنده صديقي، وهو قوله: ولقد علمتُ سوى الذي نبأتِني = أن السبيل سبيل ذي الأعواد وأنا أتفق معك كليا في الشرح الذي اخترته لــ (ذي الأعواد)، ولكني أحب أن أشركك معي في تأمل الشرح الآخر. إذ يورد الأنباري - شارح المفضليات - عن أبي عبيدة ، أن « ذا الأعواد « هو جد أكثم بن صيفي . وقد كان معمرا، وكان من أعز أهل زمانه، فاتُّخذت له قبة على سرير، فلم يكن خائف يأتيها إلا أمن، ولا ذليل إلا عز، ولا جائع إلا شبع. فيقول الشاعر: « لو أغفل الموتُ أحدا لأغفل ذا الأعواد. « لا يهمني هذا الشرح، وهو فيما أعتقد مصنوع، ولكن ما يهمني هو ظاهرة غريبة في التراث الأدبي العربي. فلا يكاد يوجد اسم غريب ولا مثل ولا كلمة أو عبارة غامضة، إلا خلقوا لها قصة تفسرها. أي خيال محلق خلاق هذا! وأين منه خيالنا الحديث الكسيح ؟ لقد كانت الحياة سهلة مع هذا الخيال. ما أن يجد العربي مشكلة مع شيء صعب أو غامض أو معقد حتى يخلق له قصة تفسره فيرتاح. وقد يكون للعبارة الواحدة تفاسير متعددة ، وقصص وتأويلات يقبلونها جميعا ويرتاحون. وما إن اتصلوا بالإغريق وبالعقل الإغريقي الذي يطلب الحقيقة، ويطلب المعنى الواحد للحقيقة حتى بدأ العرب يتعسون. فطريق العقل لا يصل، و: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله = وأخو الخيال مع الشقاوة ينعم وكما تقول فيروز ياصديقي (شو بيبقى ياحبيبي/ شو بيبقى من السهر/ شو بيبقى من الليل من الحب من الحكي/ من الضحك من البكي /شو بيبقى يا حبيبي/ يبيبقى ( قصص صغيرة)، عم بتشردها الريح... ولنعد إلى أصحاب لقصيدة الواحدة، أو « الواحديين « بتعبيرك الجميل، فإنني أحب من ( الواحدات ) قصائد رائعة ، منها عينية ابن زريق الشهيرة: لا تعذليه فإن العذل يولعهُ= قد قلتِ حقا ولكن ليس يسمعهُ ما آب من سفر إلا وأزعجه = عزم ٌ إلى سفر بالرغم يزمعه كأنما هو في حل ومرتحل = مُوَكّلٌ بفضاء الله يذرعه أستودع الله في بغداد لي قمرا = بالكرخ من فلَك الأزرار مطلعه ودعتُه وبودي لو يودعني = صفو الحياة وأني لا أودعه وكم تشفع بي أن لا أفارقه = وللضرورات حال لا تشفعه أُعطيتُ ملكا فلم أُحسنْ سياستَه = وكل من لا يسوس الملكَ يُخلعُه ... ومنها عينية سويد بن أبي كاهل اليشكري: بسطت رابعةُ الحبل لنا = فوصلنا الحبل منها ما اتسعْ وهي عين من عيون الشعر الخالدة، وتتطلب مجالا خاصا للحديث. ومنها اليتيمة. تلك القصيدة التي نسجوا حولها وحول قائلها حكايات وأساطير. ونُسبتْ لأكثر من خمسة عشر شاعرا ، منهم صاحبنا القديم ذو الرمة نفسه. ونٌقلَ عن المبرد أنه قال: هذه القصيدة هي علتي. ونسبت إلى العصر الجاهلي تارة والأموي تارة والعباسي أخرى. ولكن اسمها الشهير الذي لا يتغير هو (اليتيمة). ومطلعها: هل بالطلول لسائل ردُّ = أم هل لها بتكلمٍ عهدُ ومنها: لهفي على دعد وما حفلت = إلا بحرِّ تلهفي دعدُ بيضاءُ قد لبس الأديمُ أديمَ الـــــــ = ــحسن فهو لجلدها جلدُ فالوجه مثل الصبح مبيض = والشعر مثل الليل مسود ضدان لما استجمعا حسُنا = والضدُّ يُظهر حسنَه الضدُّ وكأنها وَسْنى إذا نظرتْ = أو مدنف لما يُفقْ بعدُ وبها أبيات إيروتيكية نادرة ، منها: ولها هَنٌ رابٍ مجسَّتُه = ضَيْقُ المسالك حرُّه وقْدُ فإذا طعنتَ طعنتَ في لبد = وإذا سللتَ يكاد ينسدُّ سلام على الواحدات والواحديين... - 3 - من عبد القادر وساط إلى أحمد بوزفور : أحاديث تبقى و الفتى غير خالد... مساء الخير سي أحمد تذكرني قصيدة فيروز (شو بيبقى من الليل)، التي تحدثتَ عنها في رسالتك، بتلك الميمية الرائعة لأبي تمام، التي يقول فيها: ثم انقضت تلك السنون وأهلها = فكأنها وكأنهمْ أحلامُ وياصديقي العزيز، كم تمنيتُ لو سمعتُ بيتَ أبي تمام هذا، تُغَنّيه فيروز بصوتها المدهش ، حتى أطربَ لهُ كما طربَ ابن معروف، قاضي القضاة، حين سمعَ عُلَيّة تغني بصوتها الشجيّ، منْ شعر عمر بن أبي ربيعة: أنيري مكانَ البدر إنْ أفلَ البدْرُ = وقومي مقام الشمس ما استأخرَ الفجرُ أو كما طربَ الشيخ الصالح المقرئ الكنانيّ لصوت المغنّية « صبابة « وهي تردد: بلى إنّ هذا الدهرَ فرّقَ بيننا = وأيّ جميعٍ لا يفَرّقهُ الدهرُ؟ أو كما طربَ ابن مياس لغناء «حبابة « : و صافحْتُ مَنْ لاقيتُ في البيت غَيْرَها = وكُلُّ الهوى منّي لمَنْ لا أصافحُ و هذه (نماذج) من الطرب استقيتُها، كما لا يخفى عليك ، من كتاب (الإمتاع و المؤانسة) لأبي حيان التوحيدي. وأود أن أضيف إليها (نموذجا) آخرَ من كتاب الأغاني، حيث يصف الأصبهاني كيف طربَ الخليفة العباسي موسى الهادي، حين سمع إبراهيم الموصلي يغني رائيةَ أبي صخر الهذلي: لليلى بذات الجيش دارٌ عرفْتُها = وأخرى بذات البين آياتها سَطْرُ فقد روى أبو الفرج أن الخليفة كان يشقّ جزءا من ردائه مع كل مقطع من القصيدة، إلى أنْ مزق رداءه كلّه من شدة الطرب. وصاحبُ هذه الرائية - أبو صخر الهذلي- معدود ضمن (أصحاب القصيدة الواحدة)، مع أن له شعرا آخر كثيرا، في مدح الأمويين على الخصوص. وفي رائيته هذه نجد تلك الأبيات الرائعة التي أعجبَ بها الناس منذ القديم: أمَا والذي أبكى وأضحكَ والذي = أماتَ وأحيا والذي أمْرُهُ الأمْرُ لقد ترَكَتْني أحسد الوحشَ أنْ أرى = أليفين منها لا يَرُوعهما النّفْرُ فما هو إلا أنْ أراها فُجاءةً = فأبْهَت لا عرْفٌ لديّ ولا نكْرُ وفيها كذلك هذا البيت الذي لا أعرف له مثيلا في الشعر القديم: عجبتُ لسعْي الدهر بيني وبينها = فلما انقضى ما بيننا سكنَ الدهْرُ ومن أبيات الرائية كذلك: فيا حبّذا الأحياء ما دُمْت حيّةً = ويا حبذا الأموات إنْ ضَمّك القبّرُ ومن القدماء من يرى أن هذه الرائية هي أحسن قصائد الغزل في الشعر العربي. ومهما يكن فقد جعلتْ أبا صخر الهذلي يحتل مرتبة رفيعة ضمن (الواحديين)... ومن « الواحديين « الذين تغنى المغنون بشعرهم هناك (ماني الموسْوِس)، الذي كان مختل العقل ولكنه كان ذا شاعرية رفيعة، كما لا يخفى عليك يا صديقي. وقد غنى صباح فخري من (واحدته) الأبياتَ التالية: لمّا أناخوا قُبيل الصبح عِيسَهُمُ = ورَحَّلُوها وسارتْ بالدجى الإبلُ وودّعتْ ببَنانٍ عقْدها عَنَمٌ = ناديتُ: لا حملَتْ رجْلاك يا جمَلُ يا حاديَ العيس عرّجْ كي أودعَهُمْ = يا حاديَ العيس في ترحالك الأجلُ والقصيدة من عيون الشعر العربي، ببساطتها وجمال لغتها وحسن سبكها، من مثل قوله: لمّا علمتُ بأنّ القومَ قد رَحَلوا = وراهبُ الدير بالناقوس مشتغلُ وقوله: يُبْكى علينا ولا نبْكي على أحَدٍ = أنَحْنُ أغْلَظُ أكباداً أمِ الإبلُ ؟ ومن « الواحدات « التي يتمنى الواحدُ منا لو سمعها بصوت غنائي عذب، هناك بائية كعْب الغَنَويّ التي نظمها في رثاء أخيه، والتي يقول في تَقولُ ابنةُ العبسيِّ : قدْ شبْتَ بعْدَنا = و كلُّ امرئ بعد الشباب يَشيبُ ومن أبياتها الرائعة: أخي كان يَكْفيني وكان يُعينُني = على نائباتِ الدهرِ حينَ تَنُوبُ ومنها: حليف الندى يَدْعو الندى فيجيبهُ = سريعاً ويَدْعوه الندى فيجيبُ ومنها هذان البيتان اللذان يجمعان بين السذاجة والعمق: لقدْ أفسدَ الموتُ الحياةَ ، و قد أتى = على يومه عِلْقٌ عليَّ حبيبُ فإنْ تكُنِ الأيامُ أحْسَنَّ مَرّةً = إليّ فقد عادتْ لهنَّ ذنوبُ أوَ ليست الأيام تُحسن إلينا بعض الشيء ثم تعود فلا تُبقي على شيء... وهو ما يعود بنا إلى نقطة البداية، أي إلى أغنية فيروز: « شو بيبقى من الليل/ من الحب من الحكي/ من الضحك من البكي...؟» - 4 - من أحمد بوزفور إلى عبدالقادر وساط: هذه النارُ نارُ ليلى فَميلوا ... صديقي العزيز، أنا معك في إعجابك برائية أبي صخر. بل إني أعتبرها واحدة الواحدات، أو (إحدى الإِحَد)، كما يقول الراجز القديم: عدُّونيَ الثعلبَ عند العددِ = حتى استثاروا بيَ إحدى الإِحدِ ورغم أنهم يستعملون عبارة (إحدى الإحد) بمعنى إحدى الدواهي ، فلن نبعد كثيرا عن رائية أبي صخر، التي يقول محمد مظلوم- في كتابه (أصحاب الواحدة) - إنهم كانوا يسمونها (الموت الأحمر). وهي ليست داهية فقط، بل (دويهية)، على طريقة لبيد في تصغير العظيم. والذين يعتبرونها أحسن قصائد الغزل العربي معذورون. وبيت قصيدها، في نظري، هو البيت الذي أفردتَه بين أبيات الشعر العربي غيرَ معارَض: عجبتُ لسعي الدهر بيني وبينها = فلما انقضى ما بيننا سكن الدهرُ وأنا أتصور الآن ذلك العاشق المعشوق، الذي يعيش كل وقته مستثارا مشغولا، لا يجد وقتا ولا راحة ولا تقر به أرض أو تستقر فوقه سماء، فإذا انقضى العشق هدأت النفس وطال الوقت وخمد الحس، فكأن الدهر ساكن لا يتحرك. أليس هذا بعجيب؟ ثم ما رأيك ياصديقي في هذه الواحدة النادرة الغريبة: لامية أبي محمد المرتضى الشهرزوري التي يتحدث فيها عن نار غريبة ليست كنيران الشعر العربي التي نعرفها. يقول في مطلعها: لمعتْ نارهمْ وقد عسعس الليـــ = ـــــلُ وملّ الحادي وحار الدليلُ فتأملتُها وفكري من البيــ = ــن عليل ولحْظُ عيني كليل ثم قابلتُها وقلتُ لصحبي = هذه النار نار ليلى فميلوا إلى أن يقول في آخرها: نارنا هذه تضيء لمن يســ ْ= ــــــري بليل لكنها لا تُنيل منتهى الحظ ما تزود منه الـــــ = ــلَّحظُ ، والمدركون ذاك قليل ... فوقفنا كما عهدتَ حيارى = كل عزم من دونها مخذول ندفع الوقتَ بالرجاء وناهـيــــ = ــــــــك بقلب غذاؤه التعليل كلما ذاق كأسَ يأس مرير = جاء كأسٌ من الرجا معسولُ هذه حالُنا وماوصل العلـــــ = ـــمُ إليه، وكل حال تحولُ وياصديقي العزيز ، هل ترى هذه النار؟ أما أنا فأراها. ولكنني لا أعرفها. هل هي نار الصوفية؟ نار الفلاسفة؟ نار الحب؟ نار النور؟ أم هي نار الأحلام؟ يراها كل واحد حسب حلمه، والأحلام بصمات لا تتشابه ولا تتكرر... - 5 - من عبد القادر وساط إلى أحمد بوزفور: رُبَّ نارٍ بتُّ أرقبُها ... مساء الخير سي أحمد يا لهذه النار التي وصفها الشاعر الشهرزوري في لاميته الرائعة! إني لأتساءل معك: أية نار هي هذه التي يتحدث عنها الشاعر بقوله: لمَعَتْ نارُهُمْ و قد عَسْعَسَ الليلُ = ومَلَّ الحادي وحار الدليلُ هل هي نار الصوفية؟ نار الفلاسفة؟ نار الحب؟ نار النور؟ نار الأحلام؟ هل هي نارٌ (باشْلارية)، نسبة إلى العالم والفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار، صاحب المؤلف الشهير عن (النار في التحليل النفسي)؟ لقد ربطَ هذا العالم والفيلسوف الفرنسي بين النار وكيمياء الحلم . وما اللامية التي نتحدث عنها، يا صديقي، سوى بلورة فنية فريدة لكيمياء الحلم.... كيف نتخيل هذه النارَ إذن، حين نقرأ قول الشاعر عنها: ثم قابلْتُها و قلتُ لصحْبي= هذه النارُ نارُ ليلى فميلوا هل هي تستعر مثل (نار مجوس) التي وصفها كل من امرئ القيس والحارث بن التوأم اليشكريّ ، في قصيدتهما الرائية المشتركة: أحارِ أريكَ بَرْقاً هبَّ وهْناً= كنارِ مجوسَ تَسْتَعرُ اسْتعارا أرقْتُ له و نام أبو شريح = إذا ما قلتُ قد هَدَأ استطارا ثم من هي ليلى هذه التي يتحدث عنها الشاعر الشهرزوري في لاميته البديعة؟ هناك شعراء آخرون، رأوا هم أيضاً (نارَ ليلى) ووصفوها في قصائدهم. فمنهم المجنون ومنهم الشماخ بن ضرار. أما الشاعر الذي خلّدَتْهُ أبياته عن النار، فهو عدي بن زيد العبادي، الذي قال: يا لُبَينى أوقدي النارا = إنّ مَنْ تَهوين قد حارا رُبَّ نارٍ بتُّ أرْقُبُها = تقضم الهنديَّ و الغارا ولها ظبْيٌ يؤجّجُها = عاقدٌ في الخصْر زنّارا ويُحكى أن معاوية بن أبي سفيان قد طرب لهذا الشعر حين سمع ابنَ صياد يغنيه وقال «لا بأس بحكمة الشعر مع حكمة الألحان ...» ويا صديقي العزيز، لقد تساءل شيخ المعرة في (الفصول والغايات) عن (نيران) هؤلاء الشعراء وعن كنهها، وتحدث الجاحظ قبله عن جوانب مختلفة تتعلق بالنار، وذكرَ فيما ذكَر قصةَ رجل يُدعى سهم بن الحارث ، أشعل نارا في الليل فجاءته الجن، فقال في ذلك بيته العجيب: أتَوْا ناري فقلتُ: منُونَ أنتمْ = فقالوا: الجنُّ، قلتُ: عمُوا ظلاما! وتحدث الجاحظ كذلك عن النار التي يراها المرء ولا حقيقة لها و هي تُسمى (نار الحُباحب). وجاء ذكْرها في شعر النابغة (ويوقدْنَ بالصّفّاح نارَ الحُباحبِ) وقد بيّنْتَ في رسالة سابقة، يا صديقي، كيف أن القدماء كانوا إذا إذا استعصى عليهم فهْمُ شيء ما، ابتدعوا له قصة تفسره وتعفيهم من عناء التفكير فيه. وذلك ما فعلوه مع (نار الحباحب)، إذ زعموا - وما أكثر ما كانوا يزعمون!- أن الحباحب اسمُ رجُل، وأن هذا الرجل كان بخيلا، لا يوقد ناراً بليل، كراهية أن يلقاها من ينتفع بها. وكان إذا احتاج إلى إيقادها أوقدها، فإن هو أبصر مستضيئا بها أطفأها! وتحدث الثعالبي، من جهته، في « ثمار القلوب «، عن نار غريبة حقا، هي نار الحَرَّتَيْن ، التي قال فيها الشاعر: ونار الحَرّتَين لها زفيرٌ= يصمُّ لهوله الرجل السميعُ وهي النار التي كانوا يسمونها نار خالد بن سنان، وكانت ببلاد عبس. فإذا كان الليل فهي نار تسطع في السماء وربما تأتي على كل شيء فتحرقه، وإذا كان النهار فإنما هي دخان يفور، ويورد الثعالبي أخبارا عن هذه النار، هي أقرب ما تكون إلى الأساطير... | ||
11/29/2013 |
عدل سابقا من قبل hammani في الثلاثاء ديسمبر 03, 2013 8:02 pm عدل 1 مرات
hammani- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 50
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/09/1959
تاريخ التسجيل : 25/12/2011
العمر : 65
رد: رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
شكرا جزيلا على هده الوثيقة القيمة.
غريبي- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 298
درجة التقدير : 1
تاريخ الميلاد : 02/05/1963
تاريخ التسجيل : 05/06/2012
العمر : 61
رد: رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
من عبد القادر وساط أبي سلمى
الى الصديقين أحمد بوزفور و محمد علي الرباوي
____________________
عن بحر الرمل
_____________________
يا صديقيّ العزيزين،
بمناسبة حديثنا عن العَروض، أود أن أعترفَ لكما بأنني أحبّ بحر الرمل.
أحب الرمل و أحب الشعراء الذين يحبون الرمل ، و (أموت) في القصائد الجميلة المنظومة على الرمل...
و هي قصائد قليلة في الشعر العربي ، بالمقارنة مع تلك المنظومة على باقي البحور....
فأبو سعيد الأصمعي ، مثلا ، لم يُثبتْ و لا قصيدة واحدة على الرمل ضمن نصوصه الشعرية المختارة ، التي يبلغ عددُها اثنين و تسعين !
و المفضل بن محمد الضبّي جمعَ في مختاراته مائةً و ثلاثين قصيدة ، لا نجد من بينها سوى ثلاث قصائد على الرمل، و هي :
1- رائية المرار بن منقذ ، التي يَقول في مطلعها :
عَجَبٌ خولةُ إذْ تُنْكرني
أمْ رأتْ خولةُ شيخاً قد كَبرْ ؟
و هي قصيدة رائعة ، يذكر فيها الشاعر أيامَ الشباب و اللهو و يذكر حبيباته و يفخر بنفسه
و يصف كيف كان يَدخل على الملوك غيرَ هياب...
2- عينية سُويد بن أبي كاهل اليشْكُري، و مطلعها:
بسطَتْ رابعةُ الحبْلَ لنا
فوصلْنا الحبْلَ منها ما اتّسَعْ
و هي من روائع الشعر العربي.
3- ميمية المثقب العبدي ، و منها هذا البيت المشهور:
حسنٌ قولُ "نعمْ "منْ بَعد "لا"
و قبيحٌ قولُ "لا" بعْدَ " نَعَمْ"
و ما ينطبق على شعراء الأصمعيات و المفضليات ينطبق على العديد من الشعراء الكبار ، الذين لم يكونوا يحفلون كثيرا بهذا البحر الجميل. بمن فيهم المتنبي الذي لا نجد في ديوانه سوى ثلاثة نصوص شعرية على الرمل ، منها بائيته في مدح بدر بن عمار ( إنما بدر بن عمار سحابُ / هَطلٌ فيه ثوابٌ و عقابُ) و قد خرجَ في هذه البائية على قواعد الرمل، كما هو معروف. أما النصان الآخران ، فليست لهما قيمة كبرى :
* لا تلومنّ اليهودي على/ أنْ يَرى الشمسَ فلا يُنْكرها
* إن هذا الشعر في الشعر ملَكْ/ سارَ فهو الشمس و الدنيا فلَكْ
كيف نفسر يا تُرى هذا الإعراض عن بحر الرمل؟
و هو البحر الذي وصفه البستاني بأنه " يَجود في الأحزان و الأفراح و الزهريات " و نَعَتَهُ الدباغ بأنه "يحلو في المعاني الرقيقة ، إذْ يبعث النشوةَ و الطرب" ( حسبَ ما أورده الرباوي في أطروحته الممتازة " العروض: دراسة في الإنجاز.")
و في ختام رسالتي هذه، أودّ تذكيركما - يا صديقيّ العزيزين- بقصيدة لا مثيل لها في الشعر العربي. و هي على بحر الرمل . أما صاحبتها فهي ليلى العفيفة ، التي اقتيدت سبية إلى أحد ولاة الفرس فراودها عن نفسها فأبتْ ، فصبّ عليها ألواناً من العذاب. الأمر الذي جعلها تنظم قصيدتها هذه ، مستغيثة بابن عمها البَرّاق:
ليت للبرّاق عيناً فترى
ما أقاسي منْ بلاءٍ و عَنَا
و قد غنت أسمهان هذه القصيدة الفريدة ، فخلدتْ بصوتها الرائع تلك ( التراجيديا) التي عاشتها الشاعرة، و التي جعلتْ قصيدتها تجتاز العصور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من احمد بوزفور الى عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
الرمل وزن نادر فعلا في الشعر العربي كما أشار إلى ذلك سي عبد القادر.. ولكن في هذا النادر تحف وطُرَف لا تُنسى. وأكاد أسمع الرمل يقول مفتخرا:
( تعيرنا أنا قليل نصوصنا = فقلت لها إن الجَمَالَ قليلُ )
ويمكنني أن أشير إلى بعض نصوصه الجميلة، مثل قصيدة جليلة اللامية، وما دمنا في العصر الجاهلي فيمكن أن نتذكر رائية الشاعر الأقدم الأفوه الأودي:
( إن تريْ رأسيَ فيه قَزَعٌ = وشواتي خَلّةً فيها دوارُ )
والتي تتضمن البيت المعروف:
( إنما نعمةُ قوم مُتعةٌ = وحياة المرء ثوب مستعارُ )
ورائية طرفة:
( أصحوت اليوم أم شاقتك هر = ومن الحب جنون مستعر )
وهي قصيدة رائعة لم يشتهر من أبياتها للأسف إلا بيت رديء هو:
( نحن في المشتاة ندعو الجفلى = لا ترى الآدب فينا ينتقر )
ويقول طرفة في آخرها: طرفة الشاب الذي قتل في عز شبابه يقول:
( كنتُ فيكم كالمغطي رأسه = فانجلى اليومَ قناعي وخُمُرْ
سادرا أحسب غيي رشدا = فتناهيتُ وقد صابت بقُرْ )
وعبارة ( صابت بقر) مثل عربي يضرب للأمر إذا استقر ووقع موقعه، (وكأن الأصل أن السحابة صابت أي أمطرت بالمكان الذي يحتاج إليها ). ويبدو لي أن للرمَل علاقة خاصة بالراء فكأنه يحلو بها وكأنها نُقْله حين يعاقره الشعراء. ويعجبني قول الحارث بن حلزة:
( لا تكن محتقرا شأن امرئ = ربما كان من الشأن شؤونُ
ربما قرت عيون بشجا = مُمرض سَخِنتْ منه عيونُ )
أما في العصر الأموي فمن ينسى مهلبية عمر:
( ليت هندا أنجزتنا ما تعدْ = وشفت أنفسنا مما تجدْ
واستبدت مرة واحدة = إنما العاجز من لا يستبد
زعموها سألتْ جاراتها = وتعرت ذات يوم تبتردْ
أكما ينعتني تبصرنني = عمركن الله أم لا يقتصد
فتضاحكن وقد قلن لها = حسنٌ في كل عين من تود
حسدا حُمّلنه من أجلها = وقديما كان في الناس الحسدْ ...)
وقد أولع بالرمَل في العصر العباسي شاعران جميلان هما العباس بن الأحنف والشريف الرضي. يقول العباس:
( خلط الله بروحي روحها = فهما في جسدي شيءٌ أَحَدْ
فهو يحيا أبدا ما اصطحبا = فإذا ما افترقا مات الجسدْ )
( أيها النادبُ قوما هلكوا = صارت الأرضُ عليهم طَبَقا
اندب العشاق لا غيرهم = إنما الهالكُ من قد عشقا )
ويقول الشريف:
( يارفيقيّ قفا نِضويكما = بين أعلام النقا والمنحنى
وانشدا قلبي فقد ضيعتُه = باختياري بين ( جَمع ) و (مِنَى )
عارضا السِّربَ فإن كان فتى = بالعيون النُّجْل يَقضي فَأَنَا
تجرح الأعينُ فينا والطُّلى = قاتل الله الطلى والأعينا
وحديث كان من لذته = ( أُحُدٌ ) يصغي إلينا أذنا
...
سرحةٌ أعجلها البينُ وما = لُبِس الظلُّ ولا ذِيقَ الجَنى
ما رأت عيناي مذ فارقتكم = ياأُهيل الحي شيئا حسنا )
وهل ننسى في الشعر الأندلسي المقطوعة الحلوة التي تنسب لولادة:
( ودع الصبرَ محب ودعكْ = ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن = زاد في تلك الخطى إذ شيعك
ياأخا البدر سناء وسنا = حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم = بت أشكو قصر الليل معك ).
ويكفي في الشعر الحديث أن أحيلكم على ديوان شوقي. والناس يعرفون من شعره المغنى ( علموه كيف يجفو فجفا... ) وما أوقعها في النفس صرخة عبد الوهاب ( الحياة الحب والحب الحياة ).. وجندول طه:
( أين من عيني هاتيك المجالي = ياعروس البحر ياحلم الخيال )
أما شعر التفعيلة الحديث فيتنازعه في الرمل جاذبان: الرمل من جهة، وزن صاف من تفعيلة واحدة ويناسب هذا الشعر ( لأنه شعر تفعيلة وليس شعر تفعيلتين )، وهو من جهة أخرى وزن نادر في الشعر العربي، ولا يعرف عيونه إلا فحول شعراء التفعيلة، فمن الصعب أن يسلس على ألسنة الشادين الميتدئين. وأحيلكم في الإشارة إلى قصائده الجميلة في شعر التفعيلة على العزيزين سي عبد القادر وسي محمد..... للاختصاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد علي الرباوي
من الخليل إلى أولاد ( عباس وحادّين وعلي)
-----------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد، فقد غادرتُ لندن مدينةَ الضباب، وكان لقاء أدبي مع شاعرها الأكبر ت.س. إليوت. قرأ عليَّ معلقة لبيد بن ربيعة التي يقول مَطْلِعها
عَفَتِ الديارُ محلُّها فمقامُها
بِمِنىً تَأَبَّدَ غُولُها فَرِجامُها
وكان بصحبتنا الصديقُ عبد الله الطيب الذي نَبَّه الشاعرَ الإنجليزي العظيم إلى أن هذه المعلقة قد تسربت إلى بعض أجزاء أرضه اليباب . فقال إليوت: لقد قرأتُها مترجمةً إلي الإنجليزية قبل أن أقرأها على الخليل، لكن أرجوك لا تدع هذا الخبر يسري بين العرب، فإن هذا سيجعل الزهو يملأهم . ولكن عبد الله الطيب، بزهوٍ، نشر مقالةً عميقة في مجلة الدوحة، يثبت من خلالها ما لاحظه على الشاعر الإنجليزي.
أبنائي أولاد ( عباس، وحادِّين، وعلي)، حين عدتُ إلى البصرة صباح أمس، زارني مَن تلقى العلم على يدي وهم سيبويه، والأصمعي، والكسائي، وآخرون. فدار الحديث عن الرمَل الذي مَرَّ بكم عبر جداري عبد القادر وساط، ومحمد علي الرباوي. وذكرتُ لهم ما اتفقتم عليه من كون هذا البحر عزيزا في إنجاز الأوائل. فتحدث الأصمعي، أطال الله عمره، وذكرني بشيء كنت أعرفه، لكنه غاب عني، وهو أن كل بحور دائرة المُجْتَلَبِ عزيزة في شعرنا العربي القديم. وأنتم تعلمون أن هذه الدائرة تتألف من الهزج، فالرجز، فالرمل. .
وبحر الرجز، كالرمل، نادر في الشعر القديم. أقصد نادر في القصيدة القديمة، لكنه تربع على عرش الأراجيز . فقد تجنبه الفحولُ في قصائدهم، وهذا التجنب هو ما استثمرتُه حين اخترتُ للبحر مصطلح الرجز . فإذا فتحتَ لسانَك، اكتشفت صحة ما ذهبت إليه. فالرجز داء ييُصيب الإبلَ في أعجازها. والرجز أن تضطرب رِجْلُ البعير، أو فخذاه، إذا أراد القيامَ... وقد رَجِزَ رَجَزا وهو أَرْجَز وهي رَجْزاء، وقيل ناقة رجزاء: ضعيفةُ العَجُز إذا نهضت من مَبْرَكِها لم تَسْتَقِلَّ إلا بعد نهضتين، أو ثلاث. وقد أنشدو لأوس بن حجر، وقيل هو لعبد القادر وساط: :
هَمَمْتَ بِخَيْرٍ ثم قَصَّرْتَ دُونَهُ = كما ناءَتِ الرّجْزاءُ شُدَّ عِقالُها
كل هذه المعاني الدالة على الوضاعة كما جاء في بعض معاني الرمل، جعلتني أختار هذا المصطلح للدلالة على هذا البحر، ولهذا جاء منه المشطورُ، والمجزوء، والمنهوك. وكل هذا يَرِدُ في الأرجوزة، لا في القصيدة. وهذا ما جعل القصيدةَ أكثرَ شرفا من الأرجوزة. وانظروا إلى ما قاله المعري في هذا الباب. وقد نقل بعضُ العلماء رأيا مفاده أن الرجز ليس بشعر؛ لأن منه المشطورَ، والمنهوك. وأضيف إليكم يا أولادي، أن الرجز أخفُّ على لسان المنشد، واللسانُ به أسرعُ من القصيد. وسَمَّيْتُ الرجز رجزا؛ لأنه يُشَبَّه بالرجز في رِجْل الناقة، ورِعْدتها. وهي أن تتحرك، وتسكن، ثم تتحرك، وتسكن. ولكلمة رَ جَ زَ علاقةٌ بالصوت، والحركة؛ إذ الارتجازُ صوت الرعد المتدارَكِ، وتَرَجَّز السحابُ إذا تحرك تحركا بطيئا؛ لكثرة مائه، والمُرْتَجِزُ اسمُ فرس النبي محمد صلى الله عليه وسلم، سُمي بذلك لجهارة صهيله، وحسنه.....كلُّ هذه المعاني اللغوية، وغيرها في لسانكم، كانت حاضرة في ذهني وأنا أختار هذا المصطلح. لكن الغريبَ أن أكذوبةً نقدية شاعت في الدرس النقدي العربي، ترى أن الرجز حمارُ الشعراء، كناية على سهولته. والحق أنه أصعب البحور؛ ولهذا تحاشاه الشعراء في قصائدهم. والقصائد الرجزية الجيدة عزيزة .وبعضُ المقصورات، على هذا البحر، من عيون الشعر العربي. ولو لم يكن صاحبُكم السياب شاعرا رائدا ما كانت أنشودة مطره تبلغ مبلغا رفيعا. .فمن المعاني التي شربتها مادةُ رَ جَ زَ ما في الرِّجْز والرُّجْز من معنى؛ إذ الكلمتان، بالكسر، والضم، عملٌ يؤدي إلى العذاب. وكتابة قصيدة جيدة على الرجَز عمل يؤدي إلى العذاب فعلا. وأريد أن أنهي، يا أولادي، رسالتي هذه، بالإشارة إلى معنى آخر شربته مادةُ رَ جَزَ من كلمة الرَّجازة التي تعني ما زُين به الهودجُ من صوف وشَعَر أحمر . وبهذا فمصطلح الرجز، كالرَّمل، يدل على الوضاعة والرفعة.
لقد أطلت عليكم وأنا أعلم أنكم مشغولون بِجُدُرِكم، أدعو الله لكم، ولمن يقرأ لكم، بالتوفيق والسداد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولد عباس :المقصود به عبد القادر وساط
ولد حادين: المقصود به احمد بوزفور
ولد علي أو ابن علي :المقصود به محمد علي الرباوي
الى الصديقين أحمد بوزفور و محمد علي الرباوي
____________________
عن بحر الرمل
_____________________
يا صديقيّ العزيزين،
بمناسبة حديثنا عن العَروض، أود أن أعترفَ لكما بأنني أحبّ بحر الرمل.
أحب الرمل و أحب الشعراء الذين يحبون الرمل ، و (أموت) في القصائد الجميلة المنظومة على الرمل...
و هي قصائد قليلة في الشعر العربي ، بالمقارنة مع تلك المنظومة على باقي البحور....
فأبو سعيد الأصمعي ، مثلا ، لم يُثبتْ و لا قصيدة واحدة على الرمل ضمن نصوصه الشعرية المختارة ، التي يبلغ عددُها اثنين و تسعين !
و المفضل بن محمد الضبّي جمعَ في مختاراته مائةً و ثلاثين قصيدة ، لا نجد من بينها سوى ثلاث قصائد على الرمل، و هي :
1- رائية المرار بن منقذ ، التي يَقول في مطلعها :
عَجَبٌ خولةُ إذْ تُنْكرني
أمْ رأتْ خولةُ شيخاً قد كَبرْ ؟
و هي قصيدة رائعة ، يذكر فيها الشاعر أيامَ الشباب و اللهو و يذكر حبيباته و يفخر بنفسه
و يصف كيف كان يَدخل على الملوك غيرَ هياب...
2- عينية سُويد بن أبي كاهل اليشْكُري، و مطلعها:
بسطَتْ رابعةُ الحبْلَ لنا
فوصلْنا الحبْلَ منها ما اتّسَعْ
و هي من روائع الشعر العربي.
3- ميمية المثقب العبدي ، و منها هذا البيت المشهور:
حسنٌ قولُ "نعمْ "منْ بَعد "لا"
و قبيحٌ قولُ "لا" بعْدَ " نَعَمْ"
و ما ينطبق على شعراء الأصمعيات و المفضليات ينطبق على العديد من الشعراء الكبار ، الذين لم يكونوا يحفلون كثيرا بهذا البحر الجميل. بمن فيهم المتنبي الذي لا نجد في ديوانه سوى ثلاثة نصوص شعرية على الرمل ، منها بائيته في مدح بدر بن عمار ( إنما بدر بن عمار سحابُ / هَطلٌ فيه ثوابٌ و عقابُ) و قد خرجَ في هذه البائية على قواعد الرمل، كما هو معروف. أما النصان الآخران ، فليست لهما قيمة كبرى :
* لا تلومنّ اليهودي على/ أنْ يَرى الشمسَ فلا يُنْكرها
* إن هذا الشعر في الشعر ملَكْ/ سارَ فهو الشمس و الدنيا فلَكْ
كيف نفسر يا تُرى هذا الإعراض عن بحر الرمل؟
و هو البحر الذي وصفه البستاني بأنه " يَجود في الأحزان و الأفراح و الزهريات " و نَعَتَهُ الدباغ بأنه "يحلو في المعاني الرقيقة ، إذْ يبعث النشوةَ و الطرب" ( حسبَ ما أورده الرباوي في أطروحته الممتازة " العروض: دراسة في الإنجاز.")
و في ختام رسالتي هذه، أودّ تذكيركما - يا صديقيّ العزيزين- بقصيدة لا مثيل لها في الشعر العربي. و هي على بحر الرمل . أما صاحبتها فهي ليلى العفيفة ، التي اقتيدت سبية إلى أحد ولاة الفرس فراودها عن نفسها فأبتْ ، فصبّ عليها ألواناً من العذاب. الأمر الذي جعلها تنظم قصيدتها هذه ، مستغيثة بابن عمها البَرّاق:
ليت للبرّاق عيناً فترى
ما أقاسي منْ بلاءٍ و عَنَا
و قد غنت أسمهان هذه القصيدة الفريدة ، فخلدتْ بصوتها الرائع تلك ( التراجيديا) التي عاشتها الشاعرة، و التي جعلتْ قصيدتها تجتاز العصور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من احمد بوزفور الى عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
الرمل وزن نادر فعلا في الشعر العربي كما أشار إلى ذلك سي عبد القادر.. ولكن في هذا النادر تحف وطُرَف لا تُنسى. وأكاد أسمع الرمل يقول مفتخرا:
( تعيرنا أنا قليل نصوصنا = فقلت لها إن الجَمَالَ قليلُ )
ويمكنني أن أشير إلى بعض نصوصه الجميلة، مثل قصيدة جليلة اللامية، وما دمنا في العصر الجاهلي فيمكن أن نتذكر رائية الشاعر الأقدم الأفوه الأودي:
( إن تريْ رأسيَ فيه قَزَعٌ = وشواتي خَلّةً فيها دوارُ )
والتي تتضمن البيت المعروف:
( إنما نعمةُ قوم مُتعةٌ = وحياة المرء ثوب مستعارُ )
ورائية طرفة:
( أصحوت اليوم أم شاقتك هر = ومن الحب جنون مستعر )
وهي قصيدة رائعة لم يشتهر من أبياتها للأسف إلا بيت رديء هو:
( نحن في المشتاة ندعو الجفلى = لا ترى الآدب فينا ينتقر )
ويقول طرفة في آخرها: طرفة الشاب الذي قتل في عز شبابه يقول:
( كنتُ فيكم كالمغطي رأسه = فانجلى اليومَ قناعي وخُمُرْ
سادرا أحسب غيي رشدا = فتناهيتُ وقد صابت بقُرْ )
وعبارة ( صابت بقر) مثل عربي يضرب للأمر إذا استقر ووقع موقعه، (وكأن الأصل أن السحابة صابت أي أمطرت بالمكان الذي يحتاج إليها ). ويبدو لي أن للرمَل علاقة خاصة بالراء فكأنه يحلو بها وكأنها نُقْله حين يعاقره الشعراء. ويعجبني قول الحارث بن حلزة:
( لا تكن محتقرا شأن امرئ = ربما كان من الشأن شؤونُ
ربما قرت عيون بشجا = مُمرض سَخِنتْ منه عيونُ )
أما في العصر الأموي فمن ينسى مهلبية عمر:
( ليت هندا أنجزتنا ما تعدْ = وشفت أنفسنا مما تجدْ
واستبدت مرة واحدة = إنما العاجز من لا يستبد
زعموها سألتْ جاراتها = وتعرت ذات يوم تبتردْ
أكما ينعتني تبصرنني = عمركن الله أم لا يقتصد
فتضاحكن وقد قلن لها = حسنٌ في كل عين من تود
حسدا حُمّلنه من أجلها = وقديما كان في الناس الحسدْ ...)
وقد أولع بالرمَل في العصر العباسي شاعران جميلان هما العباس بن الأحنف والشريف الرضي. يقول العباس:
( خلط الله بروحي روحها = فهما في جسدي شيءٌ أَحَدْ
فهو يحيا أبدا ما اصطحبا = فإذا ما افترقا مات الجسدْ )
( أيها النادبُ قوما هلكوا = صارت الأرضُ عليهم طَبَقا
اندب العشاق لا غيرهم = إنما الهالكُ من قد عشقا )
ويقول الشريف:
( يارفيقيّ قفا نِضويكما = بين أعلام النقا والمنحنى
وانشدا قلبي فقد ضيعتُه = باختياري بين ( جَمع ) و (مِنَى )
عارضا السِّربَ فإن كان فتى = بالعيون النُّجْل يَقضي فَأَنَا
تجرح الأعينُ فينا والطُّلى = قاتل الله الطلى والأعينا
وحديث كان من لذته = ( أُحُدٌ ) يصغي إلينا أذنا
...
سرحةٌ أعجلها البينُ وما = لُبِس الظلُّ ولا ذِيقَ الجَنى
ما رأت عيناي مذ فارقتكم = ياأُهيل الحي شيئا حسنا )
وهل ننسى في الشعر الأندلسي المقطوعة الحلوة التي تنسب لولادة:
( ودع الصبرَ محب ودعكْ = ذائع من سره ما استودعك
يقرع السن على أن لم يكن = زاد في تلك الخطى إذ شيعك
ياأخا البدر سناء وسنا = حفظ الله زمانا أطلعك
إن يطل بعدك ليلي فلكم = بت أشكو قصر الليل معك ).
ويكفي في الشعر الحديث أن أحيلكم على ديوان شوقي. والناس يعرفون من شعره المغنى ( علموه كيف يجفو فجفا... ) وما أوقعها في النفس صرخة عبد الوهاب ( الحياة الحب والحب الحياة ).. وجندول طه:
( أين من عيني هاتيك المجالي = ياعروس البحر ياحلم الخيال )
أما شعر التفعيلة الحديث فيتنازعه في الرمل جاذبان: الرمل من جهة، وزن صاف من تفعيلة واحدة ويناسب هذا الشعر ( لأنه شعر تفعيلة وليس شعر تفعيلتين )، وهو من جهة أخرى وزن نادر في الشعر العربي، ولا يعرف عيونه إلا فحول شعراء التفعيلة، فمن الصعب أن يسلس على ألسنة الشادين الميتدئين. وأحيلكم في الإشارة إلى قصائده الجميلة في شعر التفعيلة على العزيزين سي عبد القادر وسي محمد..... للاختصاص.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد علي الرباوي
من الخليل إلى أولاد ( عباس وحادّين وعلي)
-----------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وبعد، فقد غادرتُ لندن مدينةَ الضباب، وكان لقاء أدبي مع شاعرها الأكبر ت.س. إليوت. قرأ عليَّ معلقة لبيد بن ربيعة التي يقول مَطْلِعها
عَفَتِ الديارُ محلُّها فمقامُها
بِمِنىً تَأَبَّدَ غُولُها فَرِجامُها
وكان بصحبتنا الصديقُ عبد الله الطيب الذي نَبَّه الشاعرَ الإنجليزي العظيم إلى أن هذه المعلقة قد تسربت إلى بعض أجزاء أرضه اليباب . فقال إليوت: لقد قرأتُها مترجمةً إلي الإنجليزية قبل أن أقرأها على الخليل، لكن أرجوك لا تدع هذا الخبر يسري بين العرب، فإن هذا سيجعل الزهو يملأهم . ولكن عبد الله الطيب، بزهوٍ، نشر مقالةً عميقة في مجلة الدوحة، يثبت من خلالها ما لاحظه على الشاعر الإنجليزي.
أبنائي أولاد ( عباس، وحادِّين، وعلي)، حين عدتُ إلى البصرة صباح أمس، زارني مَن تلقى العلم على يدي وهم سيبويه، والأصمعي، والكسائي، وآخرون. فدار الحديث عن الرمَل الذي مَرَّ بكم عبر جداري عبد القادر وساط، ومحمد علي الرباوي. وذكرتُ لهم ما اتفقتم عليه من كون هذا البحر عزيزا في إنجاز الأوائل. فتحدث الأصمعي، أطال الله عمره، وذكرني بشيء كنت أعرفه، لكنه غاب عني، وهو أن كل بحور دائرة المُجْتَلَبِ عزيزة في شعرنا العربي القديم. وأنتم تعلمون أن هذه الدائرة تتألف من الهزج، فالرجز، فالرمل. .
وبحر الرجز، كالرمل، نادر في الشعر القديم. أقصد نادر في القصيدة القديمة، لكنه تربع على عرش الأراجيز . فقد تجنبه الفحولُ في قصائدهم، وهذا التجنب هو ما استثمرتُه حين اخترتُ للبحر مصطلح الرجز . فإذا فتحتَ لسانَك، اكتشفت صحة ما ذهبت إليه. فالرجز داء ييُصيب الإبلَ في أعجازها. والرجز أن تضطرب رِجْلُ البعير، أو فخذاه، إذا أراد القيامَ... وقد رَجِزَ رَجَزا وهو أَرْجَز وهي رَجْزاء، وقيل ناقة رجزاء: ضعيفةُ العَجُز إذا نهضت من مَبْرَكِها لم تَسْتَقِلَّ إلا بعد نهضتين، أو ثلاث. وقد أنشدو لأوس بن حجر، وقيل هو لعبد القادر وساط: :
هَمَمْتَ بِخَيْرٍ ثم قَصَّرْتَ دُونَهُ = كما ناءَتِ الرّجْزاءُ شُدَّ عِقالُها
كل هذه المعاني الدالة على الوضاعة كما جاء في بعض معاني الرمل، جعلتني أختار هذا المصطلح للدلالة على هذا البحر، ولهذا جاء منه المشطورُ، والمجزوء، والمنهوك. وكل هذا يَرِدُ في الأرجوزة، لا في القصيدة. وهذا ما جعل القصيدةَ أكثرَ شرفا من الأرجوزة. وانظروا إلى ما قاله المعري في هذا الباب. وقد نقل بعضُ العلماء رأيا مفاده أن الرجز ليس بشعر؛ لأن منه المشطورَ، والمنهوك. وأضيف إليكم يا أولادي، أن الرجز أخفُّ على لسان المنشد، واللسانُ به أسرعُ من القصيد. وسَمَّيْتُ الرجز رجزا؛ لأنه يُشَبَّه بالرجز في رِجْل الناقة، ورِعْدتها. وهي أن تتحرك، وتسكن، ثم تتحرك، وتسكن. ولكلمة رَ جَ زَ علاقةٌ بالصوت، والحركة؛ إذ الارتجازُ صوت الرعد المتدارَكِ، وتَرَجَّز السحابُ إذا تحرك تحركا بطيئا؛ لكثرة مائه، والمُرْتَجِزُ اسمُ فرس النبي محمد صلى الله عليه وسلم، سُمي بذلك لجهارة صهيله، وحسنه.....كلُّ هذه المعاني اللغوية، وغيرها في لسانكم، كانت حاضرة في ذهني وأنا أختار هذا المصطلح. لكن الغريبَ أن أكذوبةً نقدية شاعت في الدرس النقدي العربي، ترى أن الرجز حمارُ الشعراء، كناية على سهولته. والحق أنه أصعب البحور؛ ولهذا تحاشاه الشعراء في قصائدهم. والقصائد الرجزية الجيدة عزيزة .وبعضُ المقصورات، على هذا البحر، من عيون الشعر العربي. ولو لم يكن صاحبُكم السياب شاعرا رائدا ما كانت أنشودة مطره تبلغ مبلغا رفيعا. .فمن المعاني التي شربتها مادةُ رَ جَ زَ ما في الرِّجْز والرُّجْز من معنى؛ إذ الكلمتان، بالكسر، والضم، عملٌ يؤدي إلى العذاب. وكتابة قصيدة جيدة على الرجَز عمل يؤدي إلى العذاب فعلا. وأريد أن أنهي، يا أولادي، رسالتي هذه، بالإشارة إلى معنى آخر شربته مادةُ رَ جَزَ من كلمة الرَّجازة التي تعني ما زُين به الهودجُ من صوف وشَعَر أحمر . وبهذا فمصطلح الرجز، كالرَّمل، يدل على الوضاعة والرفعة.
لقد أطلت عليكم وأنا أعلم أنكم مشغولون بِجُدُرِكم، أدعو الله لكم، ولمن يقرأ لكم، بالتوفيق والسداد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولد عباس :المقصود به عبد القادر وساط
ولد حادين: المقصود به احمد بوزفور
ولد علي أو ابن علي :المقصود به محمد علي الرباوي
hammani- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 50
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/09/1959
تاريخ التسجيل : 25/12/2011
العمر : 65
رد: رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
رسالة من أحمد بوزفور إلى عبد القادر وساط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صديقي العزيز. في الشعر العربي القديم موضوعة تجذبني. وهي موضوعة دقيقة يقاربها الشعراء كما يقارب الجراحون جسم المريض المحتضر... برفق وخوف، وبدقة ومهارة. ولا يكاد ينجح في هذه المقاربة إلا القليلون. تلك هي موضوعة القريب الخصم. وقد تذاكرنا منذ بعض الوقت قصيدة جليلة بنت مرة زوجة كلبيب بن وائل الذي قتله أخوها جساس فجرّ حرب البسوس بين بكر وأبناء عمومتهم تغلب. وأنت تعرف بعد ذلك بيت طرفة الشهير في معلقته ( وظلم ذوي القربى أشد مضاضة/ على النفس من وقع الحسام المهند ) وتعرف دون شك أبيات ذلك الحماسي الذي يقول ( قومي هُمُ قتلوا أُميمَ أخي/ فإذا رميتُ يصيبني سهمي ـــ فلئن عفوتُ لأعفونْ جَلَلا/ ولئن سطوتُ لأوهنَنْ عظمي ).. ومن ذلك قول أعرابي قتل أخوه ابنَه خطاً: ( أقول للنفس تأساءً وتعزيةً/ إحدى يديَّ أصابتني ولم تُردِ ـــ كلاهما خَلَفٌ من فقد صاحبه/ هذا أخي حين أدعوهُ وذا ولدي ). على أنني أحب أن أُشركك وأصدقاءنا الأعزاء في تذوق أبيات رائعة ومؤثرة من عينية للبحتري قالها في حرب جرت في أيامه بين قبائل ربيعة ( أحفاد أصحاب حرب البسوس ) حتى كاد يفني بعضهم بعضا. يقول البحتري: ( أَسِيتُ لأخوالي ربيعةَ أنْ عَفَت/ مصايفُها منها وأقوت ربوعُها ــ بكرهيَ أنْ باتت خلاءً ديارُها/ ووحشا مغانيها وشتّى جميعُها ــ إذا افترقوا من وقعة جمَعَتهُمُ/ دماءٌ لأخرى ما يُطَلُّ نجيعُها ــ تَذمّ الفتاة الرودُ شيمةَ بعلها/ إذا بات دون الثأر وهو ضجيعُها ــ حَمِيَّةُ شعبٍ جاهليّ وعزّةٌ/ كُلَيبيةٌ أعيا الرجالَ خضوعُها ــ وفرسان هيجاءٍ تجيشُ صدورُهم/ بأحقادها حتى تضيق دروعُها ــ تُقَتِّلُ من وِترٍ أعزَّ نفوسها/ عليها بأيدٍ ما تكاد تُطيعُها ــ إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها/ تذَكّرت القربى ففاضت دموعُها ــ شواجر أرماحٍ تُقطّع بينها/ شواجرَ أرحامٍ ملومٍ قَطوعُها.....). أما أنا فتفتنني هذه الصنعة الشعرية الدقيقة التي غلب عليها الموضوع حتى أخفاها وهيهات.. هل يخفى القمر؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رسالة من عبد القادر وساط إلى أحمد بوزفور
-----------------------------
صديقي العزيز
شكرا لك على تذكيري بقصيدة البحتري عن الحرب بين " الإخوة " ، فقد كنت أحبها دون سائر شعره . و كان السبب في إعراضي عن باقي قصائده هو أنني كنت أجد في كتب الأدب - و أنا في مطلع الشباب- أن الرجل كان تياها معجبا بنفسه، ميالا إلى التكسب بشعره ، مبالغا في البخل ، قليل الحظ من الوفاء . و كنت في تلك الفترة من العمر أرفض الإقرار بأن الشعر العظيم يبقى شعرا عظيما و إن كان صاحبه جبْساً ، عديم الأخلاق ! ثم قُيّضَ لي أن أقرأ ما كتبه طه حسين عن شعر أبي عبادة و عن هذه القصيدة بالذات ، فأحببْتُها عندئذ و تغيرتْ نظرتي بعد ذلك إلى البحتري الشاعر ، دون أن تتغير نظرتي إلى البحتري الإنسان .
و قد نظمَ هذه القصيدة ، كما هو معلوم ، حين اختصمتْ قبيلة تغلب فيما بينها ، و انتهى بها الأمر إلى حرب شبيهة بحروب الجاهلية ، إلى أن تَدَخّلَ الخليفة العباسي المتوكل شخصيا من أجل إخماد نارها . وتبدأ القصيدة بغزل رقيق، حافل بالبديع . إثر ذلك ينتقل الشاعر إلى ذكْر الناقة ، على الطريقة التقليدية ، ثم إلى
مدح الخليفة المتوكل ، قبل أن يرقى إلى مستوى فني أرفع بكثير ، حين يتحدث عن الحرب الدائرة بين الإخوة و عن الدماء الممزوجة بالدموع :
إذا احتربَتْ يوماً ففاضت دماؤها = تذكرَت القربى ففاضت دموعُها
و يُذَكرني هذا البيت، يا صديقي، بقصة القتّال الكلابي ، و كان حاربَهُ بنو عمه فقتلَ منهم و أسَر - كما يقول القدماء- ثم أنشأ قصيدتَه اللامية المشهورة، التي يقول فيها:
و نَبْكي حين نَقْتلكمْ عليكمْ = و نقْتُلكمْ كأنّا لا نُبالي
و نجد هذه اللامية في ديوان الحماسة ، منسوبة إلى " رَجُل من بني عُقَيل ". و مباشرة بعدها نجد أبياتاً منسوبة هذه المرة للقَتّال الكلابي ، قالها بعد أن قتلَ رجُلاً من بني عمه ، و منها :
فلمّا رأيتُ أنني قد قتلْتُهُ = ندمْتُ عليه أيّ ساعةِ مَنْدَمِ
و قد كان هذا القتّال من اللصوص الفتّاك ، كما لا يخفى عليك . و هناك من يزعم أنه عاش في الجاهلية و امتد به العمر حتى عهد عبدالملك بن مروان. بينما يذهب آخرون إلى أنه شاعر إسلامي ، عاش في عصر الفرزدق و جرير. و قد جمع السكري شعره في أخبار اللصوص. و هو القائل:
إذا جاع لم يفرحْ بأكلةِ ساعةٍ = و لم يبتئسْ منْ فَقْدها و هْو ساغبُ
و من شعره كذلك :
نُعَرّضُ للطّعَان إذا التقينا = وجوهاً لا تُعَرّضُ للسِّبابِ
و من شعره على البسيط :
عبدالسلام تأمّلْ هلْ تَرى ظُعُناً = إني كبرتُ و أنتَ اليومَ ذو بَصَرِ
لا يُبْعدِ اللهُ فتياناً أقول لهمْ = بالأبرق الفرْد لمّا فاتهمْ نظري
صلّى على عَمْرةَ الرحمانُ و ابنتِها = ليلى و صلّى على جاراتها الأخَرِ
و من الذين قتلوا أقاربَهم ثم ذكروهم في أشعارهم قيس بن زهير العبيسي ، الذي قال بعد أن قتل أخوين من أقاربه ، هما حذيفة بن بدر و حمَل بن بدر :
شفيتُ النفسَ منْ حَمَل بنِ بدْرٍ = و سيفي منْ حُذَيفةَ قد شفاني
فإنْ أكُ قد برَدْتُ بهمْ غليلي = فلمْ أقطعْ بهمْ إلا بَناني
أما الحماسي الذي أشرتَ إليه ، و الذي قُتل أخوه على يد قومه ،فأشاطرك الإعجاب بقصيدته الرائعة . و يزعم البعض أن اسمه الحارث بن وعْلة الذهْلي ، و هو غير الحارث بن وعلة الجرمي، أحد شعراء المفضليات.
و قد تفضلتَ صديقي فأوردتَ بيتين من ميميته ، ولكني أشعر برغبة لا تقهر في إيرادها هنا كاملةً ، بأبياتها السبعة :
قومي همُ قَتَلوا أميمَ أخي = فإذا رميتُ يصيبُني سَهْمي
و لَئنْ عفوتُ لأعْفُوَنْ جَلَلاً = و لَئنْ سطوتُ لَأوهِنَنْ عظمي
لا تأمَنَنْ قوماً ظلمْتَهُمُ = و بَدَأتَهمْ بالشتْم و الرُّغْمِ
إنْ يَأبرُوا نخْلاً لغيرهمُ = و القولُ تَحْقرُهُ و قدْ يَنْمي
و زَعَمْتُمُ أنْ لا حُلومَ لنا = إنّ العصا قُرعَتْ لذي الحِلْمِ
و وطئْتَنا وَطْأً على حَنَقٍ = وطْءَ المُقَيَّدِ نابت الهَرْمِ
و ترَكْتَنا لحماً على وضَمٍ = لو كنتَ تستبقي منَ اللحمِ
و أختم - حتى لا أطيل - بقصيدة للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ، يقول فيها :
مَهْلاً بني عمّنا مهْلاً موالينا = لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
لا تطمعوا أنْ تُهينونا و نُكْرمَكمْ = و أنْ نَكفَّ الأذى عنكمْ و تُؤذونا
اللهُ يعلمُ أنا لا نُحبكمُ = و لا نَلومكمُ ألا تُحبّونا
كلٌّ لهُ نيّةٌ في بُغْض صاحبهِ = بنعمة الله نَقْليكمْ و تَقْلُونا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صديقي العزيز. في الشعر العربي القديم موضوعة تجذبني. وهي موضوعة دقيقة يقاربها الشعراء كما يقارب الجراحون جسم المريض المحتضر... برفق وخوف، وبدقة ومهارة. ولا يكاد ينجح في هذه المقاربة إلا القليلون. تلك هي موضوعة القريب الخصم. وقد تذاكرنا منذ بعض الوقت قصيدة جليلة بنت مرة زوجة كلبيب بن وائل الذي قتله أخوها جساس فجرّ حرب البسوس بين بكر وأبناء عمومتهم تغلب. وأنت تعرف بعد ذلك بيت طرفة الشهير في معلقته ( وظلم ذوي القربى أشد مضاضة/ على النفس من وقع الحسام المهند ) وتعرف دون شك أبيات ذلك الحماسي الذي يقول ( قومي هُمُ قتلوا أُميمَ أخي/ فإذا رميتُ يصيبني سهمي ـــ فلئن عفوتُ لأعفونْ جَلَلا/ ولئن سطوتُ لأوهنَنْ عظمي ).. ومن ذلك قول أعرابي قتل أخوه ابنَه خطاً: ( أقول للنفس تأساءً وتعزيةً/ إحدى يديَّ أصابتني ولم تُردِ ـــ كلاهما خَلَفٌ من فقد صاحبه/ هذا أخي حين أدعوهُ وذا ولدي ). على أنني أحب أن أُشركك وأصدقاءنا الأعزاء في تذوق أبيات رائعة ومؤثرة من عينية للبحتري قالها في حرب جرت في أيامه بين قبائل ربيعة ( أحفاد أصحاب حرب البسوس ) حتى كاد يفني بعضهم بعضا. يقول البحتري: ( أَسِيتُ لأخوالي ربيعةَ أنْ عَفَت/ مصايفُها منها وأقوت ربوعُها ــ بكرهيَ أنْ باتت خلاءً ديارُها/ ووحشا مغانيها وشتّى جميعُها ــ إذا افترقوا من وقعة جمَعَتهُمُ/ دماءٌ لأخرى ما يُطَلُّ نجيعُها ــ تَذمّ الفتاة الرودُ شيمةَ بعلها/ إذا بات دون الثأر وهو ضجيعُها ــ حَمِيَّةُ شعبٍ جاهليّ وعزّةٌ/ كُلَيبيةٌ أعيا الرجالَ خضوعُها ــ وفرسان هيجاءٍ تجيشُ صدورُهم/ بأحقادها حتى تضيق دروعُها ــ تُقَتِّلُ من وِترٍ أعزَّ نفوسها/ عليها بأيدٍ ما تكاد تُطيعُها ــ إذا احتربت يوما ففاضت دماؤها/ تذَكّرت القربى ففاضت دموعُها ــ شواجر أرماحٍ تُقطّع بينها/ شواجرَ أرحامٍ ملومٍ قَطوعُها.....). أما أنا فتفتنني هذه الصنعة الشعرية الدقيقة التي غلب عليها الموضوع حتى أخفاها وهيهات.. هل يخفى القمر؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رسالة من عبد القادر وساط إلى أحمد بوزفور
-----------------------------
صديقي العزيز
شكرا لك على تذكيري بقصيدة البحتري عن الحرب بين " الإخوة " ، فقد كنت أحبها دون سائر شعره . و كان السبب في إعراضي عن باقي قصائده هو أنني كنت أجد في كتب الأدب - و أنا في مطلع الشباب- أن الرجل كان تياها معجبا بنفسه، ميالا إلى التكسب بشعره ، مبالغا في البخل ، قليل الحظ من الوفاء . و كنت في تلك الفترة من العمر أرفض الإقرار بأن الشعر العظيم يبقى شعرا عظيما و إن كان صاحبه جبْساً ، عديم الأخلاق ! ثم قُيّضَ لي أن أقرأ ما كتبه طه حسين عن شعر أبي عبادة و عن هذه القصيدة بالذات ، فأحببْتُها عندئذ و تغيرتْ نظرتي بعد ذلك إلى البحتري الشاعر ، دون أن تتغير نظرتي إلى البحتري الإنسان .
و قد نظمَ هذه القصيدة ، كما هو معلوم ، حين اختصمتْ قبيلة تغلب فيما بينها ، و انتهى بها الأمر إلى حرب شبيهة بحروب الجاهلية ، إلى أن تَدَخّلَ الخليفة العباسي المتوكل شخصيا من أجل إخماد نارها . وتبدأ القصيدة بغزل رقيق، حافل بالبديع . إثر ذلك ينتقل الشاعر إلى ذكْر الناقة ، على الطريقة التقليدية ، ثم إلى
مدح الخليفة المتوكل ، قبل أن يرقى إلى مستوى فني أرفع بكثير ، حين يتحدث عن الحرب الدائرة بين الإخوة و عن الدماء الممزوجة بالدموع :
إذا احتربَتْ يوماً ففاضت دماؤها = تذكرَت القربى ففاضت دموعُها
و يُذَكرني هذا البيت، يا صديقي، بقصة القتّال الكلابي ، و كان حاربَهُ بنو عمه فقتلَ منهم و أسَر - كما يقول القدماء- ثم أنشأ قصيدتَه اللامية المشهورة، التي يقول فيها:
و نَبْكي حين نَقْتلكمْ عليكمْ = و نقْتُلكمْ كأنّا لا نُبالي
و نجد هذه اللامية في ديوان الحماسة ، منسوبة إلى " رَجُل من بني عُقَيل ". و مباشرة بعدها نجد أبياتاً منسوبة هذه المرة للقَتّال الكلابي ، قالها بعد أن قتلَ رجُلاً من بني عمه ، و منها :
فلمّا رأيتُ أنني قد قتلْتُهُ = ندمْتُ عليه أيّ ساعةِ مَنْدَمِ
و قد كان هذا القتّال من اللصوص الفتّاك ، كما لا يخفى عليك . و هناك من يزعم أنه عاش في الجاهلية و امتد به العمر حتى عهد عبدالملك بن مروان. بينما يذهب آخرون إلى أنه شاعر إسلامي ، عاش في عصر الفرزدق و جرير. و قد جمع السكري شعره في أخبار اللصوص. و هو القائل:
إذا جاع لم يفرحْ بأكلةِ ساعةٍ = و لم يبتئسْ منْ فَقْدها و هْو ساغبُ
و من شعره كذلك :
نُعَرّضُ للطّعَان إذا التقينا = وجوهاً لا تُعَرّضُ للسِّبابِ
و من شعره على البسيط :
عبدالسلام تأمّلْ هلْ تَرى ظُعُناً = إني كبرتُ و أنتَ اليومَ ذو بَصَرِ
لا يُبْعدِ اللهُ فتياناً أقول لهمْ = بالأبرق الفرْد لمّا فاتهمْ نظري
صلّى على عَمْرةَ الرحمانُ و ابنتِها = ليلى و صلّى على جاراتها الأخَرِ
و من الذين قتلوا أقاربَهم ثم ذكروهم في أشعارهم قيس بن زهير العبيسي ، الذي قال بعد أن قتل أخوين من أقاربه ، هما حذيفة بن بدر و حمَل بن بدر :
شفيتُ النفسَ منْ حَمَل بنِ بدْرٍ = و سيفي منْ حُذَيفةَ قد شفاني
فإنْ أكُ قد برَدْتُ بهمْ غليلي = فلمْ أقطعْ بهمْ إلا بَناني
أما الحماسي الذي أشرتَ إليه ، و الذي قُتل أخوه على يد قومه ،فأشاطرك الإعجاب بقصيدته الرائعة . و يزعم البعض أن اسمه الحارث بن وعْلة الذهْلي ، و هو غير الحارث بن وعلة الجرمي، أحد شعراء المفضليات.
و قد تفضلتَ صديقي فأوردتَ بيتين من ميميته ، ولكني أشعر برغبة لا تقهر في إيرادها هنا كاملةً ، بأبياتها السبعة :
قومي همُ قَتَلوا أميمَ أخي = فإذا رميتُ يصيبُني سَهْمي
و لَئنْ عفوتُ لأعْفُوَنْ جَلَلاً = و لَئنْ سطوتُ لَأوهِنَنْ عظمي
لا تأمَنَنْ قوماً ظلمْتَهُمُ = و بَدَأتَهمْ بالشتْم و الرُّغْمِ
إنْ يَأبرُوا نخْلاً لغيرهمُ = و القولُ تَحْقرُهُ و قدْ يَنْمي
و زَعَمْتُمُ أنْ لا حُلومَ لنا = إنّ العصا قُرعَتْ لذي الحِلْمِ
و وطئْتَنا وَطْأً على حَنَقٍ = وطْءَ المُقَيَّدِ نابت الهَرْمِ
و ترَكْتَنا لحماً على وضَمٍ = لو كنتَ تستبقي منَ اللحمِ
و أختم - حتى لا أطيل - بقصيدة للفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب ، يقول فيها :
مَهْلاً بني عمّنا مهْلاً موالينا = لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
لا تطمعوا أنْ تُهينونا و نُكْرمَكمْ = و أنْ نَكفَّ الأذى عنكمْ و تُؤذونا
اللهُ يعلمُ أنا لا نُحبكمُ = و لا نَلومكمُ ألا تُحبّونا
كلٌّ لهُ نيّةٌ في بُغْض صاحبهِ = بنعمة الله نَقْليكمْ و تَقْلُونا
hammani- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 50
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/09/1959
تاريخ التسجيل : 25/12/2011
العمر : 65
رد: رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
شكرا شكرا شكرا ..شهية هده الرسائل وتستحق اكثر من قراءة سريعة..
غريبي- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 298
درجة التقدير : 1
تاريخ الميلاد : 02/05/1963
تاريخ التسجيل : 05/06/2012
العمر : 61
رد: رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
محمد علي الرباوي
عطلة ولد علي بالشاون
___________________
توقف القطار بنا صباحَ هذا اليوم، بمحطة وطاء الحمام التي تتوسط مدينة الشاون. خرج الناسُ من جوفه كالنمل حين يغادر غاره؛ لتناول وجبةً استقطبته رائحتُها الناعمة. خرجتُ من باب المحطة. كانت ساحة وطاء الحمام شاسعةَ الأطراف، تَصْلُحُ لأن تُستعار لشباب القاهرة؛ للتخطيط لثورةٍ عربية مجيدة. الساحةُ مزينة بنافورة يسميها أهل المدينة بنافورة لوركا. يحيط بالنافورة سرب من أشجار النخيل. كل نخلة تتدلى منها عراجين ذهبية. يتفرع من هذه الساحة شوارع مزدحمة بسكان المدينة، وبالغرباء القادمين من كل أنحاء المعمور. دخلت فندق المعتمد بن عباد وهو من فئة سبعة نجوم. يتألف من سبعين طابقا. توجهت إلى مكتب الاستقبال. استقبلني خلف المكتب شيخٌ أعمى، يتحدث بإسبانية سلسة، وبين أنامله قلمٌ وورقة، طلب أن أملأ الورقةَ بعد أن تسلم بطاقتي الوطنية. نظر فيها وهو الأعمى وقال: "أأنت محمد الرَّبَّاوي الشاعر؟"، قلت: "نعم". قال: " ولِمَ هذا العكاز وأنت ما زلت في شرخ الشباب؟" قلت: "إني أحمل وَرْكاً اصطناعيا، ومدينة الشاون مدينة الجبال، فلا بد من العكاز لأستعين به في اختراق هذه الجبال". ثم أضفت قائلا: " لهذا الاعتبار أرجو أن تكون غرفتي بالطابق الأول". قال: " مع الأسف كل الغرف المريحة محجوزة منذ أمس، حجزها رجاز العرب الذين توسَّط لهم وسّاط عبر بريدنا الإلكتروني، ولم يبق لنا سوى غرفة لشخص واحد رقم 66666 بالطابق ما قبل الأخير. وصَدِّقْني إن له شرفةً رائعة تطل على البلد، وجميل أن تشاهد غروب الشمس من تلك الشرفة". فتح الخادمُ باب الغرفة، توجه إلى الحمّام ثم قال: " الماء هنا يأتينا من راس الما". ثم فتح باب الشرفة، منظر رائع. ناولته قطعتين من فئة 7000 درهما. وضعتُ جسدي على كرسي بالشرفة، أطلقت عيني بعيدا. جبلان عظيمان، كان بأعلى الجبل الأول الشاب عبد الكريم الطبال يجلس صحبةَ طيور وافدة عليه من غرناطة الفيحاء، كان يقرأ عليها ما كتبه عن أبي البقاء الرندي، كان بالجبل المقابل الشاب محمد الميموني يجلس وحوله مجموعة من الشباب على رأسهم عبد القادر وساط، كان يملي عليهم آخر أعوام العقم وهم يدونون ما يسمعون، والصخر فرح بما يدونون في وجهه الأملس.
غادرت الفندق متوجها إلى راس الماء، ولكي أصل إليه أخذتُ الترام أولا، ثم عربة كوتشي. كان الماء أحمر. استغربت أن يكون لون الماء بلون الدم. كان زورق بشاطئ النهر على أهبة الرحيل. طلبت من صاحبه أن يأخذني في رحلة نهرية. قال: " تفضل، ولكن ينبغي أن تعلم أننا سنحاول الوصول إلى مصب هذا النهر". قلت في نفسي: " لا تبعد الشاون عن البحر إلا بمسيرة نصف يوم مشيا على الأقدام"، فقلت له: " أنا مستعد لمصاحبتك ". قضينا سبعين يوما في النهر، ولم نصل إلى المصب. وكلما مر يوم اشتدت حمرة الماء. ذات صباح اعترض طريقنا زورقٌ ملكي يقوده رجل أسمرُ يشبهني، ونحيل نحول جسدي. قبل أن يحدثنا علمتُ من هيئته أنه أمل دنقل. تعجبت كيف نلتقي بهذا الرجل الذي أحببت شعره خلافا لوساط. قال: " ماذا تفعلان هنا؟ أنتما الآن قد دخلتما قلب النيل". قلت: " ما النيل؟" قال: " النهر الذي غنت له أم كلثوم أجمل أغانيها" قلت: " هذا جميل سنستغل وجودنا بالنيل؛ لنزور القاهرة المقهورة". فرد: "النهر ينتهي هنا ". قلت: " كيف وهو يشق القاهرة، ويصب بالبحر الأبيض المتوسط قريبا من مغارة هرقل ". قال: " بين النيل وقاهرة المعز جثث من قتلى مصر". تذكرتُ القصيدة التي كتبها محمد الماغوط الشاعر الجاهلي الذي أحب بردى وكيف تأثر بها دنقل وصاغ على منواله قصيدته عن النيل، لكن رغم الوزن والقافية فإن قصيدة الماغوط كانت الأجمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد علي الرباوي
المعري في ضيافة الطبال
---------------------------
قضى المعري ليلة رائعة في ضيافة عبد الكريم الطبال، في بيته المطل على راس الماء. قرأ عليه أشياءه المنكسرة، وقرأ عليه بستانه، وأعماله الكاملة. كان المعري يقول عند خاتمة كل قصيدة: "عجيب أمر هذ الشعر، يا أيها الكريم، اللغةُ غير لغة أسلافنا، والجمرةُ جمرة أسلافنا، وكأني بك قد مررت بلزومياتي."، رد الطبال: " كانت اللزوميات غذائي الذي لونته بطاقة وردٍ قطفته من رياض حافظ الشيرازي، وأضرابه". رد المعري: " أرى يا عزيزي أن مدينة الشاون هذه الجميلة، هي من أعطى شعرك هذا الطعمَ الخاص، هذا الرأي يشاركني فيه وساط وبوزفور حينما زارا هذه المدينة. قالا: الآن بهذه الزيارة اقتربنا من فهم تجربة الأشياء المنكسرة". رد الطبال: "هذه المدينة تغيرت ما عدت أعرفها"، رد المعري: " كيف؟"، قال الطبال: "منذ دخل القطار ساحة وطاء الحمام، وشق الترام شوارعها". ضحك المعري ثم قال لاشك أنك قرأت هبل الرباوي، ذاك هبل. افتح النافذة، سترى الشاون وردةً كنت شممت غلائلها وأنت صبي ستكتشف أن الغلائل هي الغلائل نفسها وأن العطر هو العطر نفسه."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد علي الرباوي
وفاة المعري بالشاون
---------------------------
هذا الصباحَ، فتح المتنبي جريدته الصباحية. استوقفتْهُ افتتاحيتُها التي كتبها المعري، يتحدث فيها عن الشاون، باعتبارها جوهرة الشمال. وضع الجريدة على الطاولة. جمع حقيبته.
كانت الطائرةُ تدخل أجواء الشاون. نزلت بِمطار عبد الكريم الخطابي، الذي يبعد عن مدينة الشاون بمسافة نصف آهتين. كان وساط في انتظاره، بسيارته الفارهة، عند باب المطار. جلس المتنبي بجواره، وانطلقت بهما السيارة كالسهم. أخذ المتنبي غرفةً بالطابق الأول من فندق المعتمد بن عباد الذي يتوسط ساحة المدينة. تركه وساط ليرتاح من طول السفر، على أن يعود إليه صباح الغد؛ ليأخذه إلى عبد الكريم الطبال.
طلع الصباح، ولم يأت وساط. انتظر المتنبي ساعةً.. ساعتين.. ثم غادر الفندق بعد أن سَلَّمَهُ مكتبُ الاستقبال ورقة بها عنوان الطبال. دخل حي وَلاَّدَة المطلَّ على نافورة ضوئية . في هذا الحي يسكن صاحب البستان. كانت دروب الحي يملأها أصواتُ الأطفال. مر المتنبي بطفلين يتعاركان، وحولهما أطفال يصفقون. تدخل المتنبي وفك ارتباط الطفلين. سأل الأول: "ما اسمك؟". أجاب الطفل: " أنا عبد القادر ولد عباس". ثم سأل الثاني: " وأنت أيها البطل، ما اسمك؟". رد وهو يلهث: " أنا أحمد ولد حَادِّينْ"، ابتسم المتنبي ثم أردف قائلا: " لم هذا العراك؟"، تدخل أحد المتفرجين قائلا: " إنهما اختلفا في قائل بيت من الشعر"، قال المتنبي: " ما هذا البيت؟" قال:
" وقف الخلق ينظرون جميعا = كيف أبني قواعد المجد وحدي"
قال المتنبي: " بيت جميل، لكن ليونةً تسللت إليه". ثم التفت إلى ولد عباس: " لمن هذا البيت؟" رد: " إنه للمتنبي". ابتسم المتنبي ثم سأل أحمد السؤال نفسه فرد: " إنه بيت يعارض صاحبه بيت المعري المشهور:
غير مجد في ملتي واعتقادي = نوح باك ولا ترنم شادي"
ابتسم المتنبي ثم قال: " وددت لو كنتُ صاحب هذه الدالية، وحق للمعري أن يعتبرها من المختارات. أما الدالية التي هي مصدر العراك فهي لشاعر النيل، وليست معارضة لقصيدة الشيخ المعري. صحيح هما من بحر واحد، لكن الروي في دالية المعري مردوف وليس بروي قصيدة شاعر النيل ردف. ثم إن هذا الخلاف لا يستدعي كل هذا العراك"، رد ولد عباس: " نحن نمزح وفي الوقت ذاته نجسد بهذ اللعب ما آلت إليه حال المثقفين الذين لا يحسنون فن الحوار وفن الخلاف". ابتسم المتنبي وسأل الأولاد عن منزل الطبال فقال أحمد: " إنه ذاك الذي على يمينك". طرق الباب طرقتين. خرج الطبال، والعرق يتصبب في جبينه، "مرحبا، تفضل، جئتَ في الوقت المناسب. فقال المتنبي: " ما الأمر؟" رد: " صاحبنا المعري الذي نزل ضيفا علي أمس سكنته الحمى". فقال المتنبي: " ذكرتني قولي فيها
( أقمتُ بأرض مصرَ فلا ورائي = تَخُبُّ بِيَ المطيُّ ولا أمامي
ومَلَّنِيَ الفِراشُ وكان جنبي = يَمل لقاءه في كل عامِ)
دخلا. كان المعري قد أسلمت روحه لباريها دخل الأطفال. كان البكاء يملأ كل ركن بالشاون. أصدر الطبيب مذكرة تسمح بدفن الجثة بمقبرة الشهداء. لكن المتنبي قال: لابد من دفنه بمعرة النعمان، هذه أمنيته". ساهم سكان المدينة في تسديد تكلفة نقل الجثة. كانت الطائرة في أجواء الشام تبحث عن مطار تحط به. كان الدخان المنبعث من الأرض يحجب الرؤية. كل مطارات البلاد فقدت بوصلاتها. تحرك التابوت. وقف المعري قائلا: "أريد أن أدفن بمعرة النعمان"، رد المتنبي: " رجاءً، فقد تأكد لنا أن معرة النعمان فقدت جسدها". قال المعري: " إني أراها.. مُر الربان أن ينزل". حطت الطائرة قريبا من المقبرة. حفر القَبَّارُ قبرا للمعري. فجأة وقف قائد الجند ليقول: ينبغي أخذ الجثة إلى المحكمة لتحاكم، المعري إرهابي".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولد عباس:المقصود به عبد القادر وساط
ولد حادين:المقصود به احمد بوزفور
ولد علي او ابن علي:المقصود به محمد علي الرباوي (حماني)
عطلة ولد علي بالشاون
___________________
توقف القطار بنا صباحَ هذا اليوم، بمحطة وطاء الحمام التي تتوسط مدينة الشاون. خرج الناسُ من جوفه كالنمل حين يغادر غاره؛ لتناول وجبةً استقطبته رائحتُها الناعمة. خرجتُ من باب المحطة. كانت ساحة وطاء الحمام شاسعةَ الأطراف، تَصْلُحُ لأن تُستعار لشباب القاهرة؛ للتخطيط لثورةٍ عربية مجيدة. الساحةُ مزينة بنافورة يسميها أهل المدينة بنافورة لوركا. يحيط بالنافورة سرب من أشجار النخيل. كل نخلة تتدلى منها عراجين ذهبية. يتفرع من هذه الساحة شوارع مزدحمة بسكان المدينة، وبالغرباء القادمين من كل أنحاء المعمور. دخلت فندق المعتمد بن عباد وهو من فئة سبعة نجوم. يتألف من سبعين طابقا. توجهت إلى مكتب الاستقبال. استقبلني خلف المكتب شيخٌ أعمى، يتحدث بإسبانية سلسة، وبين أنامله قلمٌ وورقة، طلب أن أملأ الورقةَ بعد أن تسلم بطاقتي الوطنية. نظر فيها وهو الأعمى وقال: "أأنت محمد الرَّبَّاوي الشاعر؟"، قلت: "نعم". قال: " ولِمَ هذا العكاز وأنت ما زلت في شرخ الشباب؟" قلت: "إني أحمل وَرْكاً اصطناعيا، ومدينة الشاون مدينة الجبال، فلا بد من العكاز لأستعين به في اختراق هذه الجبال". ثم أضفت قائلا: " لهذا الاعتبار أرجو أن تكون غرفتي بالطابق الأول". قال: " مع الأسف كل الغرف المريحة محجوزة منذ أمس، حجزها رجاز العرب الذين توسَّط لهم وسّاط عبر بريدنا الإلكتروني، ولم يبق لنا سوى غرفة لشخص واحد رقم 66666 بالطابق ما قبل الأخير. وصَدِّقْني إن له شرفةً رائعة تطل على البلد، وجميل أن تشاهد غروب الشمس من تلك الشرفة". فتح الخادمُ باب الغرفة، توجه إلى الحمّام ثم قال: " الماء هنا يأتينا من راس الما". ثم فتح باب الشرفة، منظر رائع. ناولته قطعتين من فئة 7000 درهما. وضعتُ جسدي على كرسي بالشرفة، أطلقت عيني بعيدا. جبلان عظيمان، كان بأعلى الجبل الأول الشاب عبد الكريم الطبال يجلس صحبةَ طيور وافدة عليه من غرناطة الفيحاء، كان يقرأ عليها ما كتبه عن أبي البقاء الرندي، كان بالجبل المقابل الشاب محمد الميموني يجلس وحوله مجموعة من الشباب على رأسهم عبد القادر وساط، كان يملي عليهم آخر أعوام العقم وهم يدونون ما يسمعون، والصخر فرح بما يدونون في وجهه الأملس.
غادرت الفندق متوجها إلى راس الماء، ولكي أصل إليه أخذتُ الترام أولا، ثم عربة كوتشي. كان الماء أحمر. استغربت أن يكون لون الماء بلون الدم. كان زورق بشاطئ النهر على أهبة الرحيل. طلبت من صاحبه أن يأخذني في رحلة نهرية. قال: " تفضل، ولكن ينبغي أن تعلم أننا سنحاول الوصول إلى مصب هذا النهر". قلت في نفسي: " لا تبعد الشاون عن البحر إلا بمسيرة نصف يوم مشيا على الأقدام"، فقلت له: " أنا مستعد لمصاحبتك ". قضينا سبعين يوما في النهر، ولم نصل إلى المصب. وكلما مر يوم اشتدت حمرة الماء. ذات صباح اعترض طريقنا زورقٌ ملكي يقوده رجل أسمرُ يشبهني، ونحيل نحول جسدي. قبل أن يحدثنا علمتُ من هيئته أنه أمل دنقل. تعجبت كيف نلتقي بهذا الرجل الذي أحببت شعره خلافا لوساط. قال: " ماذا تفعلان هنا؟ أنتما الآن قد دخلتما قلب النيل". قلت: " ما النيل؟" قال: " النهر الذي غنت له أم كلثوم أجمل أغانيها" قلت: " هذا جميل سنستغل وجودنا بالنيل؛ لنزور القاهرة المقهورة". فرد: "النهر ينتهي هنا ". قلت: " كيف وهو يشق القاهرة، ويصب بالبحر الأبيض المتوسط قريبا من مغارة هرقل ". قال: " بين النيل وقاهرة المعز جثث من قتلى مصر". تذكرتُ القصيدة التي كتبها محمد الماغوط الشاعر الجاهلي الذي أحب بردى وكيف تأثر بها دنقل وصاغ على منواله قصيدته عن النيل، لكن رغم الوزن والقافية فإن قصيدة الماغوط كانت الأجمل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد علي الرباوي
المعري في ضيافة الطبال
---------------------------
قضى المعري ليلة رائعة في ضيافة عبد الكريم الطبال، في بيته المطل على راس الماء. قرأ عليه أشياءه المنكسرة، وقرأ عليه بستانه، وأعماله الكاملة. كان المعري يقول عند خاتمة كل قصيدة: "عجيب أمر هذ الشعر، يا أيها الكريم، اللغةُ غير لغة أسلافنا، والجمرةُ جمرة أسلافنا، وكأني بك قد مررت بلزومياتي."، رد الطبال: " كانت اللزوميات غذائي الذي لونته بطاقة وردٍ قطفته من رياض حافظ الشيرازي، وأضرابه". رد المعري: " أرى يا عزيزي أن مدينة الشاون هذه الجميلة، هي من أعطى شعرك هذا الطعمَ الخاص، هذا الرأي يشاركني فيه وساط وبوزفور حينما زارا هذه المدينة. قالا: الآن بهذه الزيارة اقتربنا من فهم تجربة الأشياء المنكسرة". رد الطبال: "هذه المدينة تغيرت ما عدت أعرفها"، رد المعري: " كيف؟"، قال الطبال: "منذ دخل القطار ساحة وطاء الحمام، وشق الترام شوارعها". ضحك المعري ثم قال لاشك أنك قرأت هبل الرباوي، ذاك هبل. افتح النافذة، سترى الشاون وردةً كنت شممت غلائلها وأنت صبي ستكتشف أن الغلائل هي الغلائل نفسها وأن العطر هو العطر نفسه."
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد علي الرباوي
وفاة المعري بالشاون
---------------------------
هذا الصباحَ، فتح المتنبي جريدته الصباحية. استوقفتْهُ افتتاحيتُها التي كتبها المعري، يتحدث فيها عن الشاون، باعتبارها جوهرة الشمال. وضع الجريدة على الطاولة. جمع حقيبته.
كانت الطائرةُ تدخل أجواء الشاون. نزلت بِمطار عبد الكريم الخطابي، الذي يبعد عن مدينة الشاون بمسافة نصف آهتين. كان وساط في انتظاره، بسيارته الفارهة، عند باب المطار. جلس المتنبي بجواره، وانطلقت بهما السيارة كالسهم. أخذ المتنبي غرفةً بالطابق الأول من فندق المعتمد بن عباد الذي يتوسط ساحة المدينة. تركه وساط ليرتاح من طول السفر، على أن يعود إليه صباح الغد؛ ليأخذه إلى عبد الكريم الطبال.
طلع الصباح، ولم يأت وساط. انتظر المتنبي ساعةً.. ساعتين.. ثم غادر الفندق بعد أن سَلَّمَهُ مكتبُ الاستقبال ورقة بها عنوان الطبال. دخل حي وَلاَّدَة المطلَّ على نافورة ضوئية . في هذا الحي يسكن صاحب البستان. كانت دروب الحي يملأها أصواتُ الأطفال. مر المتنبي بطفلين يتعاركان، وحولهما أطفال يصفقون. تدخل المتنبي وفك ارتباط الطفلين. سأل الأول: "ما اسمك؟". أجاب الطفل: " أنا عبد القادر ولد عباس". ثم سأل الثاني: " وأنت أيها البطل، ما اسمك؟". رد وهو يلهث: " أنا أحمد ولد حَادِّينْ"، ابتسم المتنبي ثم أردف قائلا: " لم هذا العراك؟"، تدخل أحد المتفرجين قائلا: " إنهما اختلفا في قائل بيت من الشعر"، قال المتنبي: " ما هذا البيت؟" قال:
" وقف الخلق ينظرون جميعا = كيف أبني قواعد المجد وحدي"
قال المتنبي: " بيت جميل، لكن ليونةً تسللت إليه". ثم التفت إلى ولد عباس: " لمن هذا البيت؟" رد: " إنه للمتنبي". ابتسم المتنبي ثم سأل أحمد السؤال نفسه فرد: " إنه بيت يعارض صاحبه بيت المعري المشهور:
غير مجد في ملتي واعتقادي = نوح باك ولا ترنم شادي"
ابتسم المتنبي ثم قال: " وددت لو كنتُ صاحب هذه الدالية، وحق للمعري أن يعتبرها من المختارات. أما الدالية التي هي مصدر العراك فهي لشاعر النيل، وليست معارضة لقصيدة الشيخ المعري. صحيح هما من بحر واحد، لكن الروي في دالية المعري مردوف وليس بروي قصيدة شاعر النيل ردف. ثم إن هذا الخلاف لا يستدعي كل هذا العراك"، رد ولد عباس: " نحن نمزح وفي الوقت ذاته نجسد بهذ اللعب ما آلت إليه حال المثقفين الذين لا يحسنون فن الحوار وفن الخلاف". ابتسم المتنبي وسأل الأولاد عن منزل الطبال فقال أحمد: " إنه ذاك الذي على يمينك". طرق الباب طرقتين. خرج الطبال، والعرق يتصبب في جبينه، "مرحبا، تفضل، جئتَ في الوقت المناسب. فقال المتنبي: " ما الأمر؟" رد: " صاحبنا المعري الذي نزل ضيفا علي أمس سكنته الحمى". فقال المتنبي: " ذكرتني قولي فيها
( أقمتُ بأرض مصرَ فلا ورائي = تَخُبُّ بِيَ المطيُّ ولا أمامي
ومَلَّنِيَ الفِراشُ وكان جنبي = يَمل لقاءه في كل عامِ)
دخلا. كان المعري قد أسلمت روحه لباريها دخل الأطفال. كان البكاء يملأ كل ركن بالشاون. أصدر الطبيب مذكرة تسمح بدفن الجثة بمقبرة الشهداء. لكن المتنبي قال: لابد من دفنه بمعرة النعمان، هذه أمنيته". ساهم سكان المدينة في تسديد تكلفة نقل الجثة. كانت الطائرة في أجواء الشام تبحث عن مطار تحط به. كان الدخان المنبعث من الأرض يحجب الرؤية. كل مطارات البلاد فقدت بوصلاتها. تحرك التابوت. وقف المعري قائلا: "أريد أن أدفن بمعرة النعمان"، رد المتنبي: " رجاءً، فقد تأكد لنا أن معرة النعمان فقدت جسدها". قال المعري: " إني أراها.. مُر الربان أن ينزل". حطت الطائرة قريبا من المقبرة. حفر القَبَّارُ قبرا للمعري. فجأة وقف قائد الجند ليقول: ينبغي أخذ الجثة إلى المحكمة لتحاكم، المعري إرهابي".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولد عباس:المقصود به عبد القادر وساط
ولد حادين:المقصود به احمد بوزفور
ولد علي او ابن علي:المقصود به محمد علي الرباوي (حماني)
hammani- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 50
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/09/1959
تاريخ التسجيل : 25/12/2011
العمر : 65
رد: رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
كان بودنا الاستمرار في البحث عن هذه الرسائل الادبية الطريفة وتجميعها وتنسيقها ولكننا توقفنا حينما وجدنا من يستغل الفرصة ويقوم بنقلها الى منتديات اخرى. توقفنا لنرى هل سيضيف رسائل جديدة ام سيتوقف حيث توقفنا ،فوجدناه بعد ان منحناه الوقت الكافي يتوقف حيث توقفنا.حقيقة اننا لسنا نحن من كتب هذه الرسائل ولكن مع ذلك فلنا فضل تجميعها وترتيبها وتصنيفها حسب اغراضها.
hammani- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 50
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/09/1959
تاريخ التسجيل : 25/12/2011
العمر : 65
رد: رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
لا يسعني الا التأسف على اتحاد قرارك الاضطراري ، مع تفهمي لدواعيه الواقعية ، ولا يسعني الا ابداء امتعاضي ممن لا يتورعون في احتراف السطو على اعمال الاخرين دون التقيد بالامانة والنزاهة العلمية التي يتطلبها التوثيق ، وهو امر شائع للاسف في المنتديات العربية.
ولا يفوتني تقديم الشكر لكم -أستادنا الفاضل :hammani - على مقاسمتنا هده الوثائق النادرة .
ولا يفوتني تقديم الشكر لكم -أستادنا الفاضل :hammani - على مقاسمتنا هده الوثائق النادرة .
غريبي- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 298
درجة التقدير : 1
تاريخ الميلاد : 02/05/1963
تاريخ التسجيل : 05/06/2012
العمر : 61
رد: رسائل أدبية بين أحمد بوزفور و عبد القادر وساط ومحمد علي الرباوي
تشكراتي لمجهوداتك في إعداد ونشر هذه الرسائل. وأتأسف للسرقة. كما أتفهم توقفك عن النشر
جبلي- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 278
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 31/12/1966
تاريخ التسجيل : 12/03/2011
العمر : 57
مواضيع مماثلة
» رسائل محمد شكري ومحمد برّادة.. بوح على حافة الألم
» أعلام بني ورياكل
» عثرات اللسان في اللغة لعبد القادر المغربي
» ابتسامات أدبية
» شخصيات أدبية / ابن زنباع الشاعر الطنجي
» أعلام بني ورياكل
» عثرات اللسان في اللغة لعبد القادر المغربي
» ابتسامات أدبية
» شخصيات أدبية / ابن زنباع الشاعر الطنجي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى