صراع الامومة و الانسانية .........بقلمي
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
صراع الامومة و الانسانية .........بقلمي
كانت سعاد مشتتة التفكير بشكل لافت ، ولأن أحمد يعرفها كظهر كفه فقد كان متأكدا أن في الامر ما يشغلها ،و لأنها رفضت الإفصاح عنه فقد نمى شكه و ازداد الحاحه و يقينه .
-ما الامر عزيزتي ؟ أخبريني ...ما الذي يزعج أميرتي .
أخفت سعاد وجهها خلف اللاب توب، وادعت بلا مبالاة أن كل شيء على خير ما يرام ، لكنها حاولت بجهد تزييف نبرة صوتها، و لأنه كان داهية في حفظ معالمها كلها ، فقد لاحظ ارتجاف صوتها فتقدم نحوها و صوب عينيه الحادتين بعينيها و طلب منها ثانية أن تخبره بما يزعجها .
-قلت لك لا شيء، لما تصر لهذا الحد؟
-لأنني احبك ،و تعنيني سعادتك ،و لا أريد أن تخفي عني ما قد يزعجك ، ألم نتفق على التشارك في كل شيء ؟
طأطأت سعاد رأسها ،و أجابت في حزن :
-بلى ، و لكن قد لا يكون أوان هذا الموضوع قد آن .
حدق أحمد في وجه سعاد و قد اعتلته حيرة ،
-اذا ، هناك ما تخفيه بالفعل ، أخبريني بالموضوع و لا تكترثي بالنتيجة أو الاوان .
زمت سعاد شفتيها و كأن الحروف ستفلت منها، و كان هذا يعني لأحمد ان الاعتراف قد أوشك .
-حسنا ، هناك سيدة تريد التخلي عن طفلتها .
تهجم وجه أحمد ، لكنه ظل صامتا فهو يعرف ان سعاد لن تكتفي بهذه الجملة القصيرة ، فالكلام المكتوم عندها قد لا يخرج أبدا و ان خرج فقد لا يتوقف أبدا .
-لقد عملت أن الطفلة في عمر السنتين و هو سن مناسبة للتكفل بها ، فهي لن تحتاج لحليب أمها و لن تمرض كثيرا و لن تحمل ذكريات عن أهلها ، وسيسهل الاعتناء بها .
ألم تعترض على تربية طفل غير شرعي ؟ ها هي ذي فرصتنا قد جاءت الينا ، فقد طلق والد الطفلة أمها ،و رفض الانفاق عليها ،و قد ملت الام من الوضع، و عبرت عن رغبتها الكاملة في التنازل لي عنها ، فما بالك معترضا ؟ ألم نتفق من قبل على ذلك ؟ انتظرنا طويلا أن يمنحنا اخوتنا ، اقاربنا، اصدقاؤنا، أحد أطفالهم لكن ...كما ترى ، لا أحد يهتم، و لا احد يشعر بمعاناتنا ، ثم ، ان كنت تنتظر العثور على يتيم الابوين ، فربما علينا التخطيط لقتل قبيلة بأسرها لنحصل على مبتغانا ، فلو –فرضا- مات الابوان في حادث مرور، فانه يوجد حتما كفيل من اقاربه ، فاحذف هذه الفكرة من رأسك رجاءا ...الايتام صاروا عملة صعبة جدا .
لقد وعدتني، وعدت اننا لن نبقى طول العمر بغير أطفال ، و انا احوج ما يكون اليهم ، و قد تقدم بي العمر و سيتقدم .
افق يا احمد ، لقد هرمنا ، أقراننا يزوجون أبناءهم ،و لعل بعضهم ينتظر حفيدا ، و نحن لم نسمع كلمة بابا و ماما و لم نحظ بعناق طفل و قبلته لحد الساعة .
ربما تشعر بالخوف لدخول طفلة غريبة الى حياتنا، ربما تفكر بأنها ستقلب نظامنا ، و ستحد من حرياتنا، و من تواصلنا ،و سعادتنا ، ربما ستقلب ترتيب البيت ، ربما ستغير رائحته ، ربما ستحرمنا النوم ، لكن كل الناس يمرون بهكذا أوضاع ،و كلهم يتجاوزونها، ليعيشوا فيما بعد شيئا اسمه اسرة .
لما هذا التجهم ؟ هل كنت تنوي البقاء بغير أطفال لما تبقى من حياتك ؟ و الله لن اسامحك يا احمد ، لن أسامحك أبدا ، فقد وعدتني و اتفقنا أن أصبر لثلاث سنين حتى يتحسن وضعك ، و ها هي السنوات تتضاعف و صرنا بحمد الله نعيش في كفاف و زيادة ، فلما الانتظار ؟
كانت سعاد في ثورتها و ثرثرتها كالشلال المنهمر الذي يعجز المرىء عن إيقاف تدفقه ،و مع انها كانت تشعر بحزن زوجها و جرحه ،غير انها لم تستطع منع الانفجار، بينما بقي صامتا كالحجر الاصم .
حين ساد بعض الصمت قال في تودد أقرب الى التذلل:
-أطلب منك ان تصبري ، ثقي بي ، فانا لن اخذلك ، ولست انوي التخلي عن وعدي ،و لكن امنحيني بعض الوقت .
قاطعته في غضب :
-الوقت ؟ مزيدا من الوقت لماذا ؟ اعلم انني قد لا اقبل بطفل تأتيني به بعد عشر او خمس سنين ، قد لا أكون حينها قادرة على العطاء ، قد لا أكون قادرة على تحمل تربية أطفال .
كانت سعاد تشعر بأنها تؤذي زوجها، ذاك الرجل الذي تعشقه بكل جوارحها، لكنها الامومة كانت تسري فيها فجردتها من رقتها و حنانها ،و باتت تتصرف بوحشية لم تعهدها ،و كأن امرأة أخرى بداخلها، تتحكم بأقوالها و افعالها .
غادر احمد للنوم باكرا، و كانت سعاد تتخيل أنه قد يكون في فراشه مفكرا أو ربما باكيا .
صلت سعاد صلاة الاستخارة ،ثم آوت بدورها الى النوم .
في اليوم التالي ، بدأت تفكر بتعلم الطبخ لصغار السن، و بشراء الألبسة للوافدة الجديدة ،و بشكل المهد ،و مكانه، و حتى بالاسم جديد ،الذي يجب ان يسجل مضافا الى اسمها على شهادة الميلاد
-هبة ، قد يكون هذا الاسم مناسبا ...لا بل عائشة ، انا احب هذا الاسم ، بل سأختار اسم أسماء ... اريدها طفلة مميزة جدا ، سأجعلها تحفظ القرآن ،و سأودعها لتعلم رياضة دفاعية ، لتنشأ متدينة ،قوية، واثقة من نفسها ، و سيعتمد عليها احمد، و ستدير له المكتب بعد ان يتقاعد ، و سنزوجها لرجل نختاره بعناية ...يجب ان يكون شبيها لأبيها احمد .
فجأة تذكرت سعاد أم الطفلة، فيجب ان تسمح لها برؤيتها ، ربما كل عيد .
بدأت سعاد تفكر في السبب الذي قد يدفع أما لتتخلى عن فلذة كبدها ، هل يكون العوز وراء ذلك ؟
تخيلت سعاد لحظة تستلم الطفلة من أمها ، و شعورها بالتمزق و العذاب و كأن روحها تنسل منها ... هل ستنساها في غضون أسبوع ؟ هل ستنساها يوما ؟
شعرت سعاد بالقرف من نفسها ، كيف تستطيع ان تصنع هذا بأم مكلومة ؟ جارت عليها الدنيا، و انقلب عليها زوجها، و ربما جاعت، و لم تجد من يمد يده اليها ، ثم تسرق هي أجمل ما تبقى لها من الحياة ؟.
نزلت دمعتان حارتان من عيني سعاد و قررت أن تمنح أم الطفلة كل مدخراتها و تخصص لها مبلغا شهريا بسيطا كي تستطيع المحافظة على ابنتها تحت جناحها و تنسى ابدا فكرة التخلي عنها .
narjes ahmed- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 95
درجة التقدير : 3
تاريخ الميلاد : 16/04/1973
تاريخ التسجيل : 20/10/2013
العمر : 51
رد: صراع الامومة و الانسانية .........بقلمي
اما هذا الصمت الذي يصم الاذان ؟
narjes ahmed- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 95
درجة التقدير : 3
تاريخ الميلاد : 16/04/1973
تاريخ التسجيل : 20/10/2013
العمر : 51
رد: صراع الامومة و الانسانية .........بقلمي
قصة تزخر بالمشاعر الانسانية النبيلة ، وبمظاهر الصراع بين الرغبة والممكن ..هي مشاعر من صميم الواقع الانساني الدي قد يتككر في كل زمان ومكان من دون ان يرتبط بطبقة معينة او مستوى ثقافي محدد ..قصة تلتقط ادق اللحظات واحرجها واكثرها حرارة من صلب واقع المجتمع ونفسية الام و نمط هواجس الزوج..
نص ممتع كالعادة باسلوبه المتدفق السخي ، نتمى دوما متابعة الجديد منك ..واعدرينا على بخلنا في الرد لانشغالاتنا الجمة .وتقبلي كل التقدير على سخائك وجودك علينا بفيض قلمك المتميز.
نص ممتع كالعادة باسلوبه المتدفق السخي ، نتمى دوما متابعة الجديد منك ..واعدرينا على بخلنا في الرد لانشغالاتنا الجمة .وتقبلي كل التقدير على سخائك وجودك علينا بفيض قلمك المتميز.
غريبي- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 298
درجة التقدير : 1
تاريخ الميلاد : 02/05/1963
تاريخ التسجيل : 05/06/2012
العمر : 61
رد: صراع الامومة و الانسانية .........بقلمي
في تفاعلك الأخ غريبي مع أختنا .. كفاية بل إنابة عن / عني - القارئ .
أصبت في تقديم العذر ، مؤكدة قراءتنا وتتبعنا لكل كتابات الأخت .. أتمنى لها المزيد من التألق.
أصبت في تقديم العذر ، مؤكدة قراءتنا وتتبعنا لكل كتابات الأخت .. أتمنى لها المزيد من التألق.
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
رد: صراع الامومة و الانسانية .........بقلمي
شكرا لمروركم الكريم ، فقد اسعدتني التفاتتكم اللطيفة و اعتذر لانني متطلبة جدا و اصر على التعليق باستمرار ، فهو يعني لي الكثير ، لذا. ساظل بانتظار المزيد من تعليقاتكم و لن اعذر غيابكم عني تحت اي ظرف .غريبي كتب:قصة تزخر بالمشاعر الانسانية النبيلة ، وبمظاهر الصراع بين الرغبة والممكن ..هي مشاعر من صميم الواقع الانساني الدي قد يتككر في كل زمان ومكان من دون ان يرتبط بطبقة معينة او مستوى ثقافي محدد ..قصة تلتقط ادق اللحظات واحرجها واكثرها حرارة من صلب واقع المجتمع ونفسية الام و نمط هواجس الزوج.. نص ممتع كالعادة باسلوبه المتدفق السخي ، نتمى دوما متابعة الجديد منك ..واعدرينا على بخلنا في الرد لانشغالاتنا الجمة .وتقبلي كل التقدير على سخائك وجودك علينا بفيض قلمك المتميز.
narjes ahmed- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 95
درجة التقدير : 3
تاريخ الميلاد : 16/04/1973
تاريخ التسجيل : 20/10/2013
العمر : 51
رد: صراع الامومة و الانسانية .........بقلمي
لطف منك التواجد هنا و توقيع رأيك ايضا .محمد الورياكلي كتب:في تفاعلك الأخ غريبي مع أختنا .. كفاية بل إنابة عن / عني - القارئ .
أصبت في تقديم العذر ، مؤكدة قراءتنا وتتبعنا لكل كتابات الأخت .. أتمنى لها المزيد من التألق.
انا ممتنة و لكني كما اسلفت الذكر لا اعذر هذا الصمت الغريب هنا ، فبالكاد اسمع همساتكم ، لكنني عازمة على الاستمرار و الله هو المعين .
narjes ahmed- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 95
درجة التقدير : 3
تاريخ الميلاد : 16/04/1973
تاريخ التسجيل : 20/10/2013
العمر : 51
مواضيع مماثلة
» حكم صينية حول العلاقات الانسانية
» تاء التأنيث .......بقلمي
» جدي المبجل .......بقلمي
» فتى الاحلام..........بقلمي
» كلنا بشر و لكن .........بقلمي
» تاء التأنيث .......بقلمي
» جدي المبجل .......بقلمي
» فتى الاحلام..........بقلمي
» كلنا بشر و لكن .........بقلمي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى