" وشهد شاهد من أهلها "في حق الخطابي

ورد في تقديم كتيب محمد العلمي بعنوان : " زعيم الريف محمد بن عبد الكريم الخطابي "بقلم علال الفاسي ما نصه :
" شخصية البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي غنية عن التعريف .فـــان
ما بذله من جهد في سبيل المغرب وتحريره معروف لدى كل الناس ، وقد
أصبح المجاهد المغربي بطل التيار التحرري لا في المغرب وحده ، ولكن في عموم العالم العربي والاسلامي وفي العالم الحر . ولقد سمعت أكبــــــر زعماء البلاد العربية الذين وفدوا الى القاهرة للسلام على البطل بعد نزوله بها يؤكدون تأثير الثورة الريفية على اتجاههم السياسي والنضالي في سبيل الحرية والاستقلال .
ولا ينكر أحد أن ثورة ابن عبد الكريم أول حركة ايجابية من نوعها جرت في البلدان المستعمرة بعد المد الاستعماري الذي جرى على أثــــر انتصار الحلفاء في الحرب الكبرى الأولى . وبذلك فهي أول رد فعل أهلي زعزع
كيان الاستعمار ، وفرض عليه أن يهئ كل قواه لحماية نفسه من الانهيار .
واذا كانت النهاية المعلومة للحرب الريفية لم تحقق النصر المنشود ، فانها كانت والحق يقال بداية النهضة المغربية التي كان من آثارها قيام الحركة الوطنية ، في الوقت الذي احتل الأجنبي آخر معقل للمقاومة المسلحـة في البلاد .فكأنما كان التاريخ على موعد مع الوطنيين الأحــــــرار ليواصلوا العمل الذي بدأه المقاومون الأبطــــــــال من أسـرة الحاج محمد أمزيـــان والخطابي، وخريرو، وموحا وحمو ورحو وزيد وأحمد وغيرهم .
والذين كتبوا عن ثورة الريف معظمهم مـــــن الأجانب لا يستطيعــون أن يتحرروا من الروح الاستعمارية وعقدة التفوق الغربي ، ولذلك لا بــد أن
ننظر الى ما كتبوه نظرة حذر واحتياط .
وهذا ما فعلته أثناء كتابتي للفصل المتعلق بالحركة الريفية مــــــــن كتابي " تاريخ الحركات الاستقلالية في المغرب " اذ كنت أرجع الى تصحيـــح قراءتي وسماعاتي على كل من البطل محمد بن عبد الكريم ، وأخيه محمد
وعمه المجاهد الصالح الأمين سيدي عبد السلام . ومن ســــــوء الحظ أن المذكرات التي كان يمليها البطل على صديقـــــه المرحوم علي الحمــامي
لم يقدر لها الظهور ، والا ففيها غناء عن كل مصدر سواها .
وقد كتب صديقنا المرحوم أمير البيان ، المجاهد الأكبر شكيب أرســــلان
فصلا ممتعا عن بطل الريف في كتابه " حاضر العالم الاسلامي " بين فيه قيمة الزعيم المغربي في نفوس القادة المسلمين .
(....)
وفي هذه المقدمة لي أن أؤكد الى ما لا يحتاج الى تأكيد ، وهو أن ثــورة الريف كانت وطنية تحريرية ، غايتها تحرير المغرب من يــــد الاستعمار الأجنبي ، ولم تكن بحال تمردا على السلطة المركزية المغربية كما حاولت نشر ذلك ادارة الأمور الأهلية الفرنسية والاسبانية في المغرب أثناء الحرب
وكان غرض الاستعماريين من هذه الدعاية أن يقنعوا المرحوم مــــــولاي يوسف والمخزن بسوء نية عبد الكريم ليبرروا تدخلهم المسلح ضــــــده .
وقد أفسدنا على الفرنسيين خطتهم هذه في ابانها حيث كتبنا رسالة دورية نسبناها للبطل الريفي ، كتبناها بالخط في نسخ عديدة وأهرقنا عليها شيئا من الزيت لتظهر وكأنها واردة مع الجبليين القادمين لبيع زيوتـــــهم ، ثم وزعناها على العلماء والمسؤولين في المغرب . وكان فحواها شكر البطل لأعيان الأمة على تأييدهم له وتمنيه أن ينصره الله ليحتفل معهم بجـــــلاء الأجنبي في ضريح مولاي ادريس ، وفي ظل ملك البلاد .وهكذا أفســـدنا على المستعمر دعايته المغرضة دون أن يكتشف أحد مصدر هذه الرسالة التي لم يكتبها الا ثلة من الوطنيين ، منهم الحاج الحسن أبو عياد .
ذكرت مرة هذه الحادثة للبطل محمد بن عبد الكريم أثناء مقامنا في القاهرة ، فابتسم وأخبرني أنه كان اطلع على ذلك وفهم مغزاها وسر كثيرا .
أما أزمة الريف التي حصلت بعد الاستقلال فهي حادث داخلي أراد المؤلف ( محمد العلمي ) أن يسجل ظاهرة اجتماعية والطريقة التي اتبعها المغرب في معالجتها .واني أنصح القارئ لاستكمال الموضوع فيها ، أن يرجع الى ملفات القضايا المرفوعة فيها بمحكمة الاستئناف بطنجة حيث يجــد بيانات تعرف بحقيقة الأزمة وأسبابها ونتائجها .
وختاما أرجوللأستاذ العلمي المزيد من التوفيـــــــق حتى يواصل التأليف والكتابة ، ويعطي القدوة الحسنة للشباب المغربي في ذلك .
الرباط 22 يوليه 1968 .
......................مع تحيات العتيق