كتاب: " أزمة الليبرالية العربية .. نموذج مصر" / إسلام السيد جادالله
صفحة 1 من اصل 1
كتاب: " أزمة الليبرالية العربية .. نموذج مصر" / إسلام السيد جادالله
كتاب: " أزمة الليبرالية العربية .. نموذج مصر" / إسلام السيد جادالله
السبت 2 حزيران (يونيو) 2012
--------------------------------------------------------------------------------
المؤلف: د.هالة مصطفى الناشر: مركز المحروسة
مازالت د.هالة مصطفي تواصل رحلتها التي لم تنقطع بالبحث والتحليل للقوي السياسية والاتجاهات الفكرية الفاعلة في المجتمع المصري، عبر سلسلة متتابعة من الكتب والدراسات التي تناولت بالرصد والتحليل العديد من الإشكاليات الهامة التي كان لها السبق في معالجتها ولفت الانتباه لها، كقضايا حركات الإسلام السياسي وعلاقتها بالدولة، والتحديث والإصلاح والتطورالديمقراطي في مصر، والإسلام
الوقفة هذه المرة جاءت مع التيار الليبرالي، حيث انطلقت د.هالة مصطفي في كتابها الجديد " أزمة الليبرالية العربية ــ نموذج مصر" إلي محاولة الإحاطة بقضية ملحة تتركز حول السؤال الرئيسي: هل مازال لليبرالية مكان في العالم العربي، وهل سيلعب الليبراليون العرب دورا في بناء ديمقراطيات المستقبل. بعبارة أخري، هل التحول الديمقراطي الذي يشهده العالم العربي سيحمل معه أبعاداً ليبرالية تكون بمثابة ضماناً للحريات بمختلف مستوياتها؟
ترى المؤلفة في بداية كتابها أن الحرية المبتغاة ليست فقط حرية سياسية وإنما- وربما تسبقها فى الأهمية أيضاً- الحرية الفردية، والتى بدونها لا تتحقق الشروط الثقافية والمجتمعية اللازمة لعملية التطور الديمقراطي، وليس أبلغ من "الحرية" وصفا وتعريفا لليبرالية، فهي كمذهب وفلسفة تتمحور حول هذه القيمة الإنسانية العليا والراقية.
ولأن مصر تعد هي التجربة الأبرز لليبرالية في المنطقة العربية فقد اختارتها المؤلفة كنموذج أو "كدراسة حالة" Case-Study بحكم تأثيرها الواسع علي محيطها الإقليمي، لقياس مدى نجاح التجربة الليبرالية في العالم العربي، وأكدت المؤلفة في الفصل الثالث من الكتاب أن مصر عرفت أول تجربة لبناء الدولة القومية الحديثة في بداية القرن التاسع عشر، والذي أسس لأهم تجربة ليبرالية عربية تمثلت في وضع أول دستور ليبرالي في المنطقة في عام 1923، وهو الدستور الذي ظلت مبادئه الأساسية في الحرية والمساواة واحترام الفرد وعدم التمييز هي مصدر إلهام لأغلب التشريعات والمواد التي تضمنتها الدساتير اللاحقة في هذا الخصوص.
أما الفكرة الجوهرية التي حرصت المؤلفة علي طرحها والتأكيد عليها عبر صفحات الكتاب فهي أن قوة الأفكار الليبرالية في مصر انتشرت عبر المساهمات الفردية، ربما أكبر بكثير مما انتشرت به عبر المؤسسات السياسية والحزبية بحكم الانقطاع الذي شهدته الحقبة الأولى، بعد قيام ثورة 1952، والتي بانتهائها انتهت معها المؤسسات الدستورية والليبرالية التي أقامتها، ولذلك بقي دور الأفراد هو الفارق الحقيقي الذي حافظ علي قوة الأفكار الليبرالية ونشرها من جيل إلي جيل.
وعرضت المؤلفة لنماذج من مساهمات رموز ورواد النهضة، وهي أسماء تم اختيارها بشكل انتقائي بحكم الأثر الكبير الذي تركه هؤلاء في دعم ونشر قيم الحرية والليبرالية كرفاعة الطهطاوي ومحاولته تقديم نظرية جديدة في الحكم والسياسة تجمع بين التراث الإسلامي والفكر الحديث، وأحمد لطفي السيد وصياغة نموذج مصري من الليبرالية ، وعلي عبدالرازق وتأصيل العلمانية في الفكر الإسلامي ، وطه حسين مؤسس الديمقراطية الليبرالية، ثم قدمت المؤلفة ومضة فكرية جديدة حينما ختمت هذه النماذج بالأديب نجيب محفوظ، حيث رأت أن مبادئ الليبرالية ظلت المدرسة الفكرية التي تشكل مرجعيته الأساسية في إعلائه لقيمة الحرية والفرد والعلمانية والديمقراطية، وهي التي شكلت عالمه الروائي، فيما شكل هو بأعماله وعي أجيال سار بها نحو الحرية.
ومضت المؤلفة في هذا الطرح الفكري وصولاً في الفصل السادس لتجربة الليبرالية في عهد مبارك لتؤكد رؤيتها، باستعراض ما تعرض له الليبراليون من حصار وتضييق في عهده، فعلى خلاف إستراتيجية الاعتقال والسجن والنفي، إثر قيام ثورة يوليو عام1952 والتى كانت لها تجربتها السياسية الخاصة التي نهجت لتقويض التجربة الليبرالية، حيث كان التناقض مع الاتجاه الليبرالي بمثابة الخلفية الرئيسية للفكر السياسي لجمال عبد الناصر، أو عهد السادات والليبرالية المقيدة كما سمَّتها المؤلفة التي لم تشكل انقطاعا عن التركيبة الفكرية والسياسية التى عبرت عنها نخبة ثورة يوليو، ولا عن طبيعة النظام السياسى الذى أقامته.
كما تفصل المؤلفة لذلك في الفصل الرابع والخامس. نزع النظام فى عهد الرئيس السابق مبارك إلى انتهاج سياسة مغايرة حيال التيار الليبرالى فى مصر تحقق المقصد المتمثل فى الإقصاء من دون إثارة الرأى العام فى الداخل أو الخارج، وتمثل ذلك فى انتهاج سياسة تقوم على تجنب المواجهة المباشرة أو العنف الصريح، وقامت تلك الإستراتيجية كما تشرح المؤلفة على عدة محاور :
أولها، إعادة تشكيل النخبة السياسية، وذلك لإضفاء نوع من الشرعية على سياساته والتفافه على الإصلاح الحقيقي، وتم إقصاء العناصر الليبرالية، على نحو شبه كامل،عنها باستثناء مجموعة صغيرة ومنتقاه من رجال الأعمال الذين حرصوا على تحقيق مكاسب هائلة جراء الارتباط بالنظام مقابل عدم المطالبة بإصلاحات سياسية.
ثانيها: الاغتيال المعنوى لليبراليين أو Character Assassination ويهدف إلى تشويه صورة الشخص المستهدف أمام الرأي العام بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، فضلا عن فرض نوع من التعتيم الإعلامي والحصار علي نشاطاته وإبداعه، وقد استخدم النظام السابق هذا الأسلوب حيال شخصيات ليبرالية عديدة، موظفا فى ذلك وسائل الإعلام المختلفة، التى تخضع لسيطرة الدولة، ويتناول الكتاب تفاصيل ما تعرضت له شخصيات ليبرالية سياسية مثل، محمد البرادعى، وأيمن نور، وأسامة الغزالى حرب.
أما مؤلفة الكتاب نفسها فلم تكن بمنأى عن ذلك كله، فبسبب انحيازها لضرورة وجود عملية إصلاح سياسى حقيقي وتمسكها بآرائها المعلنة من خلال عملها الأكاديمي وأبحاثها ومقالاتها، تعرضت لعملية إقصاء واغتيال معنوي سواء داخل دائرة عملها أو من خلال الحملات الدعائية الموجهة ضدها التي هوت إلى مستويات غير معهودة من التجاوز، والتدني اللفظي، والقذف والتجريح، والبعد عن قواعد النقد الموضوعي، والقفز علي الحقائق، والتدليس في استخدام الوقائع، بينما كانت آخر الحلقات في حصار الليبراليين هي تقويض الأحزاب الليبرالية.
وكانت المؤلفة قد استهلت كتابها في الفصل الأول بالبحث والتدقيق في تعريف الليبرالية ومجالاتها، كما استعرضت مجموعة الأسس والقواعد التي تتداخل فيما بينها لتشكل الأساس الفكري لليبرالية وأبرزها: العلمانية التي لا تنفي الدين، بل تؤطره في إطار له خصوصيته، والعقلانية، والتعددية، وتؤكد المؤلفة أن التعريف الدقيق لمصطلح "الليبرالية" يقتضي تعريفه بحسب المجال الذي تطبق من خلاله.
بينما اتخذت الكاتبة الفصل الثاني محاولة للولوج لمقترب نظري لليبرالية العربية مع التركيز على نموذجى المعتزلة والمدرسة الأندلسية (ابن رشد)، وتأصيل معني الحرية في الفكر الإسلامي، حيث اختلف تناول قضية الحرية في الفكر الإسلامي عن تناولها فى العقل الغربى، فعلى حين تناول فلاسفة التنوير إشكالية الحرية فى الفكر الغربي من منظور عقلانى فقط بمنأى عن الدين على أساس أن حضور الدين فى الوعي الغربي فى حقبة العصور الوسطي أعاق مسيرة الحداثة الغربية انطلقت إشكالية الحرية فى الفكر الإسلامى من منطلقات دينية، وبحثت مشكلة الحرية تحت مسائل تتعلق بقضايا (القضاء والقدر)، و(الجبر) و(الاختيار) و(الكسب)، و(خلق الأفعال)، و(الاستطاعة)، وغيرها.
مستقبل الليبيرالية في مصر:
حاولت المؤلفة في الفصل الأخير من الكتاب أن تفسر لماذا تعتبر ثورة 25 يناير ثورة الطبقة الوسطي؟، بإعتبارها ثورة الشعب المصري كله قادتها الأجيال الجديدة، وجاءت من قلب الطبقة الوسطى التي أعادت الروح والوعي للحياة السياسية المصرية، بعد جمود وسكون طويل.
وهي، بهذا المعنى تتجاوز بكثير ثورات الغضب التى قد تشتعل في لحظة ثم تخمد أو ما كان يقول به البعض بأن مصر ليست مرشحة إلا لانفجار يسمى بثورة" الجياع "و "العشوائيات "، وتذكر المؤلفة أن أهم ما ميز ثورة 25 يناير أن أهدافها، هي التي قادتها، أي أنها لم تكن تعبيرا عن فصيل سياسي بعينه، أما عن رؤيتها للعهد الجديد فبينت أنه مازال يحتاج الى رؤية شاملة وتغيير جذري في أركان النظام القديم. فالمهمة لا تزال غير مكتملة.. فتنحية رأس النظام لا تعني انتهاء النظام القديم بعد، إذ إن أجهزته وآلياته لا تزال قائمة وتعمل، وربما تحاول إعادة العجلة إلى الوراء إن استطاعت، ومن هنا تأتي أهمية وخطورة المرحلة الانتقالية.
وختمت د.هالة مصطفي كتابها بدعوة التيار الليبرالي المؤمن بالتحديث والحريات الفردية، إلى التواصل مع ثقافة العصر، والتراث الحضاري الإنساني المشترك للانتظام في تجمع سياسى عريض يضم الليبراليين من الشخصيات المستقلة بمختلف مجالات تخصصاتها العملية، جنبا إلى جنب مع الأحزاب الليبرالية القائمة، وكذلك أى تجمعات ليبرالية جديدة تجنبا للفرقة أو التنافسات الجزئية والمرحلية، حتى يكون لهذا التيار تمثيل قوى عن استحقاق يحيى التعاليم والمبادئ الليبرالية الراسخة فى مصر منذ حقبتها الليبرالية الأولى، ويسهم إسهاما فعالا فى صنع مستقبل .
واستدركت المؤلفة القول إن وجود تكتلات من القوى الإسلامية واليسارية والليبرالية لا يعنى قطيعة بينها، فسوف تظل هناك أرضية مشتركة تمثل الحد الأدنى التوافقى للتغيير الديمقراطى الأساسى مع اختلاف فى برامجها السياسية حول السياسات الداخلية والخارجية، مثلما هو متعارف عليه فى كل الديمقراطيات المتقدمة.
الكتاب هو محاولة لتقديم رؤية عميقة ومتأنية لمسيرة الليبرالية في العالم العربي وللتحديات التي تواجه القوى الليبرالية، ليبقى السؤال : هل سيلعب الليبراليون العرب دوراً في صنع المستقبل؟ وهل التحول الديمقراطي الحالي سيحمل معه أبعاداً ليبرالية أم العكس؟!
عن مجلة الديمقراطية - القاهرة.
السبت 2 حزيران (يونيو) 2012
--------------------------------------------------------------------------------
المؤلف: د.هالة مصطفى الناشر: مركز المحروسة
مازالت د.هالة مصطفي تواصل رحلتها التي لم تنقطع بالبحث والتحليل للقوي السياسية والاتجاهات الفكرية الفاعلة في المجتمع المصري، عبر سلسلة متتابعة من الكتب والدراسات التي تناولت بالرصد والتحليل العديد من الإشكاليات الهامة التي كان لها السبق في معالجتها ولفت الانتباه لها، كقضايا حركات الإسلام السياسي وعلاقتها بالدولة، والتحديث والإصلاح والتطورالديمقراطي في مصر، والإسلام
الوقفة هذه المرة جاءت مع التيار الليبرالي، حيث انطلقت د.هالة مصطفي في كتابها الجديد " أزمة الليبرالية العربية ــ نموذج مصر" إلي محاولة الإحاطة بقضية ملحة تتركز حول السؤال الرئيسي: هل مازال لليبرالية مكان في العالم العربي، وهل سيلعب الليبراليون العرب دورا في بناء ديمقراطيات المستقبل. بعبارة أخري، هل التحول الديمقراطي الذي يشهده العالم العربي سيحمل معه أبعاداً ليبرالية تكون بمثابة ضماناً للحريات بمختلف مستوياتها؟
ترى المؤلفة في بداية كتابها أن الحرية المبتغاة ليست فقط حرية سياسية وإنما- وربما تسبقها فى الأهمية أيضاً- الحرية الفردية، والتى بدونها لا تتحقق الشروط الثقافية والمجتمعية اللازمة لعملية التطور الديمقراطي، وليس أبلغ من "الحرية" وصفا وتعريفا لليبرالية، فهي كمذهب وفلسفة تتمحور حول هذه القيمة الإنسانية العليا والراقية.
ولأن مصر تعد هي التجربة الأبرز لليبرالية في المنطقة العربية فقد اختارتها المؤلفة كنموذج أو "كدراسة حالة" Case-Study بحكم تأثيرها الواسع علي محيطها الإقليمي، لقياس مدى نجاح التجربة الليبرالية في العالم العربي، وأكدت المؤلفة في الفصل الثالث من الكتاب أن مصر عرفت أول تجربة لبناء الدولة القومية الحديثة في بداية القرن التاسع عشر، والذي أسس لأهم تجربة ليبرالية عربية تمثلت في وضع أول دستور ليبرالي في المنطقة في عام 1923، وهو الدستور الذي ظلت مبادئه الأساسية في الحرية والمساواة واحترام الفرد وعدم التمييز هي مصدر إلهام لأغلب التشريعات والمواد التي تضمنتها الدساتير اللاحقة في هذا الخصوص.
أما الفكرة الجوهرية التي حرصت المؤلفة علي طرحها والتأكيد عليها عبر صفحات الكتاب فهي أن قوة الأفكار الليبرالية في مصر انتشرت عبر المساهمات الفردية، ربما أكبر بكثير مما انتشرت به عبر المؤسسات السياسية والحزبية بحكم الانقطاع الذي شهدته الحقبة الأولى، بعد قيام ثورة 1952، والتي بانتهائها انتهت معها المؤسسات الدستورية والليبرالية التي أقامتها، ولذلك بقي دور الأفراد هو الفارق الحقيقي الذي حافظ علي قوة الأفكار الليبرالية ونشرها من جيل إلي جيل.
وعرضت المؤلفة لنماذج من مساهمات رموز ورواد النهضة، وهي أسماء تم اختيارها بشكل انتقائي بحكم الأثر الكبير الذي تركه هؤلاء في دعم ونشر قيم الحرية والليبرالية كرفاعة الطهطاوي ومحاولته تقديم نظرية جديدة في الحكم والسياسة تجمع بين التراث الإسلامي والفكر الحديث، وأحمد لطفي السيد وصياغة نموذج مصري من الليبرالية ، وعلي عبدالرازق وتأصيل العلمانية في الفكر الإسلامي ، وطه حسين مؤسس الديمقراطية الليبرالية، ثم قدمت المؤلفة ومضة فكرية جديدة حينما ختمت هذه النماذج بالأديب نجيب محفوظ، حيث رأت أن مبادئ الليبرالية ظلت المدرسة الفكرية التي تشكل مرجعيته الأساسية في إعلائه لقيمة الحرية والفرد والعلمانية والديمقراطية، وهي التي شكلت عالمه الروائي، فيما شكل هو بأعماله وعي أجيال سار بها نحو الحرية.
ومضت المؤلفة في هذا الطرح الفكري وصولاً في الفصل السادس لتجربة الليبرالية في عهد مبارك لتؤكد رؤيتها، باستعراض ما تعرض له الليبراليون من حصار وتضييق في عهده، فعلى خلاف إستراتيجية الاعتقال والسجن والنفي، إثر قيام ثورة يوليو عام1952 والتى كانت لها تجربتها السياسية الخاصة التي نهجت لتقويض التجربة الليبرالية، حيث كان التناقض مع الاتجاه الليبرالي بمثابة الخلفية الرئيسية للفكر السياسي لجمال عبد الناصر، أو عهد السادات والليبرالية المقيدة كما سمَّتها المؤلفة التي لم تشكل انقطاعا عن التركيبة الفكرية والسياسية التى عبرت عنها نخبة ثورة يوليو، ولا عن طبيعة النظام السياسى الذى أقامته.
كما تفصل المؤلفة لذلك في الفصل الرابع والخامس. نزع النظام فى عهد الرئيس السابق مبارك إلى انتهاج سياسة مغايرة حيال التيار الليبرالى فى مصر تحقق المقصد المتمثل فى الإقصاء من دون إثارة الرأى العام فى الداخل أو الخارج، وتمثل ذلك فى انتهاج سياسة تقوم على تجنب المواجهة المباشرة أو العنف الصريح، وقامت تلك الإستراتيجية كما تشرح المؤلفة على عدة محاور :
أولها، إعادة تشكيل النخبة السياسية، وذلك لإضفاء نوع من الشرعية على سياساته والتفافه على الإصلاح الحقيقي، وتم إقصاء العناصر الليبرالية، على نحو شبه كامل،عنها باستثناء مجموعة صغيرة ومنتقاه من رجال الأعمال الذين حرصوا على تحقيق مكاسب هائلة جراء الارتباط بالنظام مقابل عدم المطالبة بإصلاحات سياسية.
ثانيها: الاغتيال المعنوى لليبراليين أو Character Assassination ويهدف إلى تشويه صورة الشخص المستهدف أمام الرأي العام بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، فضلا عن فرض نوع من التعتيم الإعلامي والحصار علي نشاطاته وإبداعه، وقد استخدم النظام السابق هذا الأسلوب حيال شخصيات ليبرالية عديدة، موظفا فى ذلك وسائل الإعلام المختلفة، التى تخضع لسيطرة الدولة، ويتناول الكتاب تفاصيل ما تعرضت له شخصيات ليبرالية سياسية مثل، محمد البرادعى، وأيمن نور، وأسامة الغزالى حرب.
أما مؤلفة الكتاب نفسها فلم تكن بمنأى عن ذلك كله، فبسبب انحيازها لضرورة وجود عملية إصلاح سياسى حقيقي وتمسكها بآرائها المعلنة من خلال عملها الأكاديمي وأبحاثها ومقالاتها، تعرضت لعملية إقصاء واغتيال معنوي سواء داخل دائرة عملها أو من خلال الحملات الدعائية الموجهة ضدها التي هوت إلى مستويات غير معهودة من التجاوز، والتدني اللفظي، والقذف والتجريح، والبعد عن قواعد النقد الموضوعي، والقفز علي الحقائق، والتدليس في استخدام الوقائع، بينما كانت آخر الحلقات في حصار الليبراليين هي تقويض الأحزاب الليبرالية.
وكانت المؤلفة قد استهلت كتابها في الفصل الأول بالبحث والتدقيق في تعريف الليبرالية ومجالاتها، كما استعرضت مجموعة الأسس والقواعد التي تتداخل فيما بينها لتشكل الأساس الفكري لليبرالية وأبرزها: العلمانية التي لا تنفي الدين، بل تؤطره في إطار له خصوصيته، والعقلانية، والتعددية، وتؤكد المؤلفة أن التعريف الدقيق لمصطلح "الليبرالية" يقتضي تعريفه بحسب المجال الذي تطبق من خلاله.
بينما اتخذت الكاتبة الفصل الثاني محاولة للولوج لمقترب نظري لليبرالية العربية مع التركيز على نموذجى المعتزلة والمدرسة الأندلسية (ابن رشد)، وتأصيل معني الحرية في الفكر الإسلامي، حيث اختلف تناول قضية الحرية في الفكر الإسلامي عن تناولها فى العقل الغربى، فعلى حين تناول فلاسفة التنوير إشكالية الحرية فى الفكر الغربي من منظور عقلانى فقط بمنأى عن الدين على أساس أن حضور الدين فى الوعي الغربي فى حقبة العصور الوسطي أعاق مسيرة الحداثة الغربية انطلقت إشكالية الحرية فى الفكر الإسلامى من منطلقات دينية، وبحثت مشكلة الحرية تحت مسائل تتعلق بقضايا (القضاء والقدر)، و(الجبر) و(الاختيار) و(الكسب)، و(خلق الأفعال)، و(الاستطاعة)، وغيرها.
مستقبل الليبيرالية في مصر:
حاولت المؤلفة في الفصل الأخير من الكتاب أن تفسر لماذا تعتبر ثورة 25 يناير ثورة الطبقة الوسطي؟، بإعتبارها ثورة الشعب المصري كله قادتها الأجيال الجديدة، وجاءت من قلب الطبقة الوسطى التي أعادت الروح والوعي للحياة السياسية المصرية، بعد جمود وسكون طويل.
وهي، بهذا المعنى تتجاوز بكثير ثورات الغضب التى قد تشتعل في لحظة ثم تخمد أو ما كان يقول به البعض بأن مصر ليست مرشحة إلا لانفجار يسمى بثورة" الجياع "و "العشوائيات "، وتذكر المؤلفة أن أهم ما ميز ثورة 25 يناير أن أهدافها، هي التي قادتها، أي أنها لم تكن تعبيرا عن فصيل سياسي بعينه، أما عن رؤيتها للعهد الجديد فبينت أنه مازال يحتاج الى رؤية شاملة وتغيير جذري في أركان النظام القديم. فالمهمة لا تزال غير مكتملة.. فتنحية رأس النظام لا تعني انتهاء النظام القديم بعد، إذ إن أجهزته وآلياته لا تزال قائمة وتعمل، وربما تحاول إعادة العجلة إلى الوراء إن استطاعت، ومن هنا تأتي أهمية وخطورة المرحلة الانتقالية.
وختمت د.هالة مصطفي كتابها بدعوة التيار الليبرالي المؤمن بالتحديث والحريات الفردية، إلى التواصل مع ثقافة العصر، والتراث الحضاري الإنساني المشترك للانتظام في تجمع سياسى عريض يضم الليبراليين من الشخصيات المستقلة بمختلف مجالات تخصصاتها العملية، جنبا إلى جنب مع الأحزاب الليبرالية القائمة، وكذلك أى تجمعات ليبرالية جديدة تجنبا للفرقة أو التنافسات الجزئية والمرحلية، حتى يكون لهذا التيار تمثيل قوى عن استحقاق يحيى التعاليم والمبادئ الليبرالية الراسخة فى مصر منذ حقبتها الليبرالية الأولى، ويسهم إسهاما فعالا فى صنع مستقبل .
واستدركت المؤلفة القول إن وجود تكتلات من القوى الإسلامية واليسارية والليبرالية لا يعنى قطيعة بينها، فسوف تظل هناك أرضية مشتركة تمثل الحد الأدنى التوافقى للتغيير الديمقراطى الأساسى مع اختلاف فى برامجها السياسية حول السياسات الداخلية والخارجية، مثلما هو متعارف عليه فى كل الديمقراطيات المتقدمة.
الكتاب هو محاولة لتقديم رؤية عميقة ومتأنية لمسيرة الليبرالية في العالم العربي وللتحديات التي تواجه القوى الليبرالية، ليبقى السؤال : هل سيلعب الليبراليون العرب دوراً في صنع المستقبل؟ وهل التحول الديمقراطي الحالي سيحمل معه أبعاداً ليبرالية أم العكس؟!
عن مجلة الديمقراطية - القاهرة.
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
مواضيع مماثلة
» أزمة الإخوانيه والحيل الفقهيه! د. السيد ياسين – القاهرة 07نوفمبر2012
» مهدي عامل - ازمة الحضارة العربية ام ازمة البرجوازيات العربية pdf
» الذكر المطلق/ نموذج منه/ 30/5/11
» نموذج من الأغاني الشعبية بالشمال
» أزمة خيارات : قيل والله أعلم!!!!
» مهدي عامل - ازمة الحضارة العربية ام ازمة البرجوازيات العربية pdf
» الذكر المطلق/ نموذج منه/ 30/5/11
» نموذج من الأغاني الشعبية بالشمال
» أزمة خيارات : قيل والله أعلم!!!!
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى