دردشة ( بين يدي المتقاعد من رجال التعليم )

" ظهر ثم اختفى ، وظهر ثم اختفى ، وبين الظهور والاختفاء بدا عليه أنه لم يصدق بعد وضعه الحالي أو لم يتكيف معه .

فالتقاعد كان بالنسبة اليه حلما بعيد المنال ، ثم توالت الأيام والشهور ، وانطوت السنون ، واذا به يتوصل باشعار الاحالة على المعاش ، ثم بعد أيام معدودات ، يصل الى خط النهاية ، ثم يستيقظ ذات صباح ، فيجد المنبه صامتا ، لا ينبس ببنت شفة ، فيعلم أنه لأول مرة منذ أربعين سنة ، لا يتأبط محفظته للذهاب الى العمل .

أيكون الحلم قد تحقق ، والتقاعد قد حل ؟ هذا ما لا يصدق ، وان صدق فلن يكون

تصديقه بالسهولة التي يتصورها الآخرون .

واذن ، فهي الحرية استردها واستعادها بعدما تصبب عرقا في الأقسام : أقســــــام

المدارس طبعا ، مدة تعتبر من أينع فترات عمره .

ولقد اقترحت عليه ، وأنا أراه يسير على غير هدى ، أن يحاول العودة الى النادي

، وينخرط فيما ينخرط فيه مشتركوه  من ممارسات بعض الهوايات ، أو القيــــــام

ببعض الأنشطة . وحذرته من العزلة ، فلدينا صديق يجلس معنا داخل النادي ، ،

ويتردد عليه صباحا ومساءا ، ويشغل مقعدا من مقاعده ، ومع هذا يضـــرب على

نفسه طوقا من العزلة ، ويعيش داخل قوقعة استلذ الانطواء في أحشائها .

أخطر ما في الموضوع العزلة ، فاذا سلم لها هذا المتقاعد الحديث العهد بالتقاعد

نفسه ، فقل عليه السلام .

ذلك أن كثيرين اختفوا عن الأنظار ، واستمرأوا الجلوس بالدار ، فعددناهم في عداد

الأموات ، وترحمنا عليهم .

وأنا لا أود ولا أريد لصديقي هذا أن يموت قبل الأوان ، وأن نترحم عليه وهــــــو

حي يرزق ، لا أود ولا أرجو له هذا ، وانما أريد أن يظل حيا بيننا ، يتحرك كما

نتحرك ، ويضرب في الأرض كما نضرب ، ويصل الأرحام ، ويلبي الدعــوات  ،

ويغشى المنتديات  ، ويحضر الى المساجد .

أريد أ،/ يستمتع بتقاعده طولا وعرضا . فالتقاعد نعمة يجب أن نحمد الله عليها ،

ونشكره الشكر الكثير ، ونسأله حسن الختام .

*مصطفى حجاج عن جريدة الشمال عدد 759 بتاريخ 28- 24/11/2014 ص 3

........مع تحيات العتيق