قانون نيوتن النفسي
صفحة 1 من اصل 1
قانون نيوتن النفسي
قانون [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]النفسي
الجمعة 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
بقلم: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
أنا حزين وأنتم أوغاد، هذا هو شعار كل إنسان !(أحمد خالد توفيق)
بحسب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]للفعل فإن : “كل فعل له رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه”. فالعقدة أو المشكلة النفسية هنا (كفعل) تخلق تعويضا (كرد فعل) يوازي شدتها لكنه يعاكسها في الاتجاه النفسي، فعقدة الضعف تجد تعويضها بإظهار القوة، وعقدة النقص تجده بإظهار التفوق. وبما أننا سنتطرق لشعور الإهمال والتجاهل، فإنه سنجد رد الفعل الموازي له في القوة والمعاكس له في الاتجاه هو بالسعي للفت الانتباه وجذب الاهتمام. فالتجاهل كفعل يقابله الاهتمام كرد فعل حسب القانون النيوتني.
وبه فكلما زاد احساس المرء بالإهمال، كلما زادت رغبته بلفت الانتباه. فهو رضيع يصرخ تلقائيا ما إن يفارق الوسط الآمن بالرحم، يفسر البعض أن الصرخة لها علاقة بالشيطان الذي يظهر له أو يقرصه وما سواه من اعتماد سلسلة هاري بوتر لتقديم التفاسير االخزعب-علمية ! . وهناك من يرجعه للأكسجين الذي يستنشقه الجنين من أنفه عند خروجه للعالم (باعتبار أنه يؤلمه أول الأمر)، ولو كان هذا فعلا لصرخ جميع أطفال العالم بتلك اللحظة دون استثناء، لأن البعض منهم يولدون دون أن يحدثوا صوتا، حتى تقوم الممرضة بقرصهم أو صفعهم لتدوي صرختهم بالارجاء، وذلك بغرض التأكد من أن الطفل لا يعاني من البكم (الخرس).
فالرضيع هنا يشعر بالوسط المغاير الذي لم يتكيف معه بعد، ليهدأ بعدما تضمه الأم فيسكن ويشعر بأنه لازال بمأمن، يفسر البعض سبب ذلك بأنه يسمع (بصدر الأم) دقات القلب التي كان يسمعها بالرحم، فيشعر بالهدوء والارتياح (ممكن !)، “ففي متحف العلوم في لندن تم إنشاء غرفة مظلمة قُصد منها أن تحاكي الرحم من الداخل، وداخل هذه الغرفة تُعزف أصوات مسجلة مأخودة من داخل رحم امرأة. وقد لوحظ أن الأطفال الصغار يقضون وقتا طويلا على نحو ملحوظ جالسين مبتهجين في هذه البيئة الآمنة الشبيهة برحم الأم، والتي لابد أن الصوت المعاد تسجيله المماثل لدقات قلب الأم، قد مثّل مكوّنا مميزا من مكوناتها.. (وقد فشلت إحدى المحاولات بعد ذلك !)”(1) لهذا قلنا ممكن !
هذا الصدر سيشكل الوسط الجديد الموفر للأمان والحماية والغذاء، انطلاقا من العلاقة التي ستتوطد بين الثدي والرضيع. بذلك ما أن يشعر الرضيع بالخوف أو الجوع وما سواه من أحاسيس تفيد أنه معرض للإهمال، حتى يلفت انتباه الأم بصراخه كي تحضر وتهتم به.
حين يبلغ السنة أو السنتين، وحتى يضمن استمرار الاهتمام والحب حوله تحقيقا للأمان، فإنه ما أن يشعر بأن الأم (أو الاهل) انشغلوا عنه أو اهملوه حتى يتعمد فعل سلوكات معينة تلفت الانتباه، وهي إما بافتعال شجارات مع صغار آخرين (اخوته او رفاقه)، كسر بعض الأغراض، أو الأسلوب التقليدي بالصراخ والبكاء.
لكن عندما يكبر، ستتعدد الأساليب، فتختلف وتزداد تعقيدا. من بعض النماذج الحية التي تتطرق لهذا الموضوع، سنركز على مشهد عايناه (ويتكرر باستمرار بمختلف مناطق العالم)، وهو لسكير من مستوى المستيقظ من النوم (يمشي ويتكلم كأنه استيقظ للتو من النوم، وهذا ناتج عن انخفاض مستوى الوعي، كما يحدث في بدايات النوم أو عند اللحظات الأولى عند الاستيقاظ من نوم عميق، فالوعي يكون في مستويات منخفضة، لذلك يتحدثون ببطء ويترنحون بالمشي، فالجهاز العصبي لا يتحكم جيدا بالوظائف الجسدية نظرا لأن الوعي غير كامل بعد، لأنه حاصل بين حالة الإغماء و حالة الوعي التام، بين “تعطل تلك الوظائف” و“سرعة القيام بها”).
كثير من البشر يشربون الكحول، غير أن هناك من يشربون بغرض الاستمتاع والتسلية وإضفاء رونق خاص على الجلسات الاجتماعية فيما بينهم. وهناك من يسكرون بغرض الهروب من الواقع، حتى يصلوا لحالة “شبه اغماء” تُدخِلهم بعالم الأحلام بعيدا عن الواقع المر. وكما تتسرب الأفكار المقلقة والمخاوف والرغبات لأحلام النائم، فإن السكير كذلك تتسرب مخاوفه ورغباته لتكشف عن نفسها، حتى وإن وصل بسكره لحالة “تخدير”.
والمشهد كان كالتالي :
يتجول السكير بالأنحاء باحثا عن شخص يحاوره.. (نظرا لأنه يحتاج لشخص يحكي له عن نفسه ويبيّن له أنه مهم، وغالبا ما يقوم هذا النوع من السكيرين ـ الذين لا يتوقفون عن الكلام عن انفسهم ولا يتركون المستمع يذهب لحاله حتى يستمع لكامل قصصهم ـ بهذه السخافات للتخلص من احساس الاهمال والوحدة والوضاعة، ويروا أهميتهم الفقودة بعيني المستمع) .. ويسعى للبحث عن شخص لا يعرفه جيدا حتى يتمكن من الكذب عليه (فهم لا يلتفتون لمن يعرفونهم جيدا !). وجد أحدهم ثم بدأ يحكي له، كان يبدو ذلك الشخص على انه مشغلول وعليه الاسراع، لهذا تخلص من ذلك السكير بعد مدة وجيزة. ظل هذا الأخير يجُول لمدة بتلك الأنحاء، وبما أنه لم يجد ظالته، فإنه انتقل للطور الآخر نظرا لأن احساس الاهمال (وعدم منحه اهتمام) اشتد وتأكد له واقعيا حتى وهو تحت مفعول السكر. لدى فإنه توجه للحي الذي يسكن فيه بالضبط، ثم بدأ يصرخ بأعلى صوته (لم يكن كلامه مفهوما غير أن الرسالة التي كانت تتضمنها أقواله : هو أنه أفضل من الجميع، وأن الآخرين أشرار وحسدة وجواسيس - وهم سبب وضعه الحالي، وهذه هي أغلب مفاهيم مدمني الكحول). مُعدِّلاً بذلك الاقتباس الذي افتتحنا به الموضوع بصيغة أكثر دقة : أنا حزين “لأنكم” أوغاد، وهذا هو شعار(ي).
فنظرا لشدة الإحساس بالإهمال، فإن الدافع للفت الانتباه سيبحث لصاحبه عن افضل وسيلة محققة لذلك. وهي الخروج للشارع بساعة متأخرة بالليل، وذلك حتى يوقظ جميع سكان حيّه (من لا يقدرّون قيمته ربما)، الذين سيطُلون من نوافذهم ولن يجدوا غيره بالشارع، وبهذا يحقق هدفه بشد انتباه الجميع للتركيز عليه “هو” فقط ! . ـ الآن رأوه .. الآن سار موجودا .. الآن لم يعد شخصا هامشيا .. الآن كل اهتمام الآخرين تركز حوله ! .
تُذَكِّرنا مثل هذه المواقف، بتعبير ل“كولن ولسن” أورده بمؤلفه عن “تاريخ الاجرام” يقول فيه : “إن أغلب ممارسات الشباب و التي تبدو في أشكال متنوّعة ـ من ارتداء أزياء غريبة و قيادة السيارات بسرعة فائقة تتجاوز 150 كيلومتر في الساعة ـ ليست إلا سلوكيات تسعى إلى تأسيس إحساس بالذات. لا يُعاني الكلب من تلك المشاعر و المشاكل، فليس لديه إحساس بالذات”. أي احساس بأنهم موجودين من خلال نظرات الآخرين وانتباههم لهم. كما في اقتباس من “برنارد شو” جاء فيه : “أن تكره الآخر ليس إثماً عظيماً، لكن أن تتجاهله هو الوحشية بعينها” ! . لأنك بتجاهله تنفي وجوده وتدمر سعادته التي يربطها بنظرة الآخرين له ! . بل حتى أن الغالبية تربط سعادتها بالآخرين، لتظهر (هذه السعادة) بتواجدهم معهم وتختفي بذهابهم، فيتركوا لهم الحزن برحيلهم أو تخلّيهم عنهم، ويأخدوا السعادة التي ينفي الفرد مشاركته بنسبة منها لخلقها معهم، هذه النسبة التي تظل حتى لو رحلوا ! والتي كان ادراكه لها سينقذه من الحزن والاكتئاب.
لكن يظل النموذج الأكثر طرافة، هم أولائك الذين لا يجدون طريقة ما للفت الانتباه إلا عن طريق صنع الفرجة، فيقومون بالتشجار والاقتتال مقلدين لقطات الأفلام وأبطال السينما، حتى يتسنى لهم جذب الحشود للتفرج (كما يجذب فيلم الأكشن المارة بإعلانه الضخم). ومن جهتنا نؤكد أنه لولا ذلك الجمهور المتابع للحدث (نظرا لفراغه الوقتي وقلة اهتماماته) فإن الشجار لن يكتمل أو لن يحدث بتاتا، لأنهم يعتمدون على الجمهور لإنجاح العرض (وهذا يحدث خاصةً وغالباً “بالأسواق والأحياء” الشعبية، نظرا لتكاثر الكائنات التي تشعر بوطئة الاهمال والتفاهة بتلك الأوساط، والتي تتوق للفت الانتباه ـ مثل نجوم السينما أو الرياضة ! ـ بأي فرصة تحقق استعراضا للذات (مهما كانت غبية).
يمكن التأكد من هذه النقطة، بملاحظه العروض الرياضية التي ليس بها جمهور (وبدون نقل تلفزي)، والتي يتابعها الجمهور. ومقارنة المستوى الرياضي ومهارات اللاعبين بين كلا الموقفين.
فكأس العالم والأولمبيات والكلاسيكو الاسباني ك“مَشاهد”، تصل فيها المهارات الرياضية لأوجها والبراعة لقمتها، وذلك طبعا لأنها الأحداث التي تكون الأكثر متابعة على مستوى العالم ساعتها.
هذا.. دون الحديث عن الطبقات الأخرى التي تسعى لكسب الشهرة عن طريق تحويل ذواتها ل“نجوم” (بالقوة والاكراه) وذلك بانتاج البومات أو كليبات ودفع الأموال لعرضها على الإذاعات وقنوات التلفاز، أو تصوير فيديوهات (غنائية أو كوميدية أو مجرد حديث) وتحميلها بالمواقع الالكترونية .. تجعلهم يبدون كمهرجين بدل فنانين (رغم أن المهرج المسرحي أو البهلوان يعتبر “فنانا” بجد ولا يجب تشبيهه بصُنّاع السخافات ـ زيادة على أنه لا يحق لأحد منعهم، فذلك من حقهم في التعبير عن انفسهم). نحن فقط نشير إلى أن الفن يرتبط بالأصالة وليس بالتقليد والتشبّه، واعتبار أن التقليد المشوَّه للآخرين “ابداع” رغم انف الجميع ! .
هامش:
1 - جلين ويلسون - سيكولوجية الفنون والثقافات، ترجمة شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة الكويت ـ ص55
الجمعة 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2013
بقلم: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
أنا حزين وأنتم أوغاد، هذا هو شعار كل إنسان !(أحمد خالد توفيق)
بحسب [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]للفعل فإن : “كل فعل له رد فعل مساوٍ له في القوة ومعاكس له في الاتجاه”. فالعقدة أو المشكلة النفسية هنا (كفعل) تخلق تعويضا (كرد فعل) يوازي شدتها لكنه يعاكسها في الاتجاه النفسي، فعقدة الضعف تجد تعويضها بإظهار القوة، وعقدة النقص تجده بإظهار التفوق. وبما أننا سنتطرق لشعور الإهمال والتجاهل، فإنه سنجد رد الفعل الموازي له في القوة والمعاكس له في الاتجاه هو بالسعي للفت الانتباه وجذب الاهتمام. فالتجاهل كفعل يقابله الاهتمام كرد فعل حسب القانون النيوتني.
وبه فكلما زاد احساس المرء بالإهمال، كلما زادت رغبته بلفت الانتباه. فهو رضيع يصرخ تلقائيا ما إن يفارق الوسط الآمن بالرحم، يفسر البعض أن الصرخة لها علاقة بالشيطان الذي يظهر له أو يقرصه وما سواه من اعتماد سلسلة هاري بوتر لتقديم التفاسير االخزعب-علمية ! . وهناك من يرجعه للأكسجين الذي يستنشقه الجنين من أنفه عند خروجه للعالم (باعتبار أنه يؤلمه أول الأمر)، ولو كان هذا فعلا لصرخ جميع أطفال العالم بتلك اللحظة دون استثناء، لأن البعض منهم يولدون دون أن يحدثوا صوتا، حتى تقوم الممرضة بقرصهم أو صفعهم لتدوي صرختهم بالارجاء، وذلك بغرض التأكد من أن الطفل لا يعاني من البكم (الخرس).
فالرضيع هنا يشعر بالوسط المغاير الذي لم يتكيف معه بعد، ليهدأ بعدما تضمه الأم فيسكن ويشعر بأنه لازال بمأمن، يفسر البعض سبب ذلك بأنه يسمع (بصدر الأم) دقات القلب التي كان يسمعها بالرحم، فيشعر بالهدوء والارتياح (ممكن !)، “ففي متحف العلوم في لندن تم إنشاء غرفة مظلمة قُصد منها أن تحاكي الرحم من الداخل، وداخل هذه الغرفة تُعزف أصوات مسجلة مأخودة من داخل رحم امرأة. وقد لوحظ أن الأطفال الصغار يقضون وقتا طويلا على نحو ملحوظ جالسين مبتهجين في هذه البيئة الآمنة الشبيهة برحم الأم، والتي لابد أن الصوت المعاد تسجيله المماثل لدقات قلب الأم، قد مثّل مكوّنا مميزا من مكوناتها.. (وقد فشلت إحدى المحاولات بعد ذلك !)”(1) لهذا قلنا ممكن !
هذا الصدر سيشكل الوسط الجديد الموفر للأمان والحماية والغذاء، انطلاقا من العلاقة التي ستتوطد بين الثدي والرضيع. بذلك ما أن يشعر الرضيع بالخوف أو الجوع وما سواه من أحاسيس تفيد أنه معرض للإهمال، حتى يلفت انتباه الأم بصراخه كي تحضر وتهتم به.
حين يبلغ السنة أو السنتين، وحتى يضمن استمرار الاهتمام والحب حوله تحقيقا للأمان، فإنه ما أن يشعر بأن الأم (أو الاهل) انشغلوا عنه أو اهملوه حتى يتعمد فعل سلوكات معينة تلفت الانتباه، وهي إما بافتعال شجارات مع صغار آخرين (اخوته او رفاقه)، كسر بعض الأغراض، أو الأسلوب التقليدي بالصراخ والبكاء.
لكن عندما يكبر، ستتعدد الأساليب، فتختلف وتزداد تعقيدا. من بعض النماذج الحية التي تتطرق لهذا الموضوع، سنركز على مشهد عايناه (ويتكرر باستمرار بمختلف مناطق العالم)، وهو لسكير من مستوى المستيقظ من النوم (يمشي ويتكلم كأنه استيقظ للتو من النوم، وهذا ناتج عن انخفاض مستوى الوعي، كما يحدث في بدايات النوم أو عند اللحظات الأولى عند الاستيقاظ من نوم عميق، فالوعي يكون في مستويات منخفضة، لذلك يتحدثون ببطء ويترنحون بالمشي، فالجهاز العصبي لا يتحكم جيدا بالوظائف الجسدية نظرا لأن الوعي غير كامل بعد، لأنه حاصل بين حالة الإغماء و حالة الوعي التام، بين “تعطل تلك الوظائف” و“سرعة القيام بها”).
كثير من البشر يشربون الكحول، غير أن هناك من يشربون بغرض الاستمتاع والتسلية وإضفاء رونق خاص على الجلسات الاجتماعية فيما بينهم. وهناك من يسكرون بغرض الهروب من الواقع، حتى يصلوا لحالة “شبه اغماء” تُدخِلهم بعالم الأحلام بعيدا عن الواقع المر. وكما تتسرب الأفكار المقلقة والمخاوف والرغبات لأحلام النائم، فإن السكير كذلك تتسرب مخاوفه ورغباته لتكشف عن نفسها، حتى وإن وصل بسكره لحالة “تخدير”.
والمشهد كان كالتالي :
يتجول السكير بالأنحاء باحثا عن شخص يحاوره.. (نظرا لأنه يحتاج لشخص يحكي له عن نفسه ويبيّن له أنه مهم، وغالبا ما يقوم هذا النوع من السكيرين ـ الذين لا يتوقفون عن الكلام عن انفسهم ولا يتركون المستمع يذهب لحاله حتى يستمع لكامل قصصهم ـ بهذه السخافات للتخلص من احساس الاهمال والوحدة والوضاعة، ويروا أهميتهم الفقودة بعيني المستمع) .. ويسعى للبحث عن شخص لا يعرفه جيدا حتى يتمكن من الكذب عليه (فهم لا يلتفتون لمن يعرفونهم جيدا !). وجد أحدهم ثم بدأ يحكي له، كان يبدو ذلك الشخص على انه مشغلول وعليه الاسراع، لهذا تخلص من ذلك السكير بعد مدة وجيزة. ظل هذا الأخير يجُول لمدة بتلك الأنحاء، وبما أنه لم يجد ظالته، فإنه انتقل للطور الآخر نظرا لأن احساس الاهمال (وعدم منحه اهتمام) اشتد وتأكد له واقعيا حتى وهو تحت مفعول السكر. لدى فإنه توجه للحي الذي يسكن فيه بالضبط، ثم بدأ يصرخ بأعلى صوته (لم يكن كلامه مفهوما غير أن الرسالة التي كانت تتضمنها أقواله : هو أنه أفضل من الجميع، وأن الآخرين أشرار وحسدة وجواسيس - وهم سبب وضعه الحالي، وهذه هي أغلب مفاهيم مدمني الكحول). مُعدِّلاً بذلك الاقتباس الذي افتتحنا به الموضوع بصيغة أكثر دقة : أنا حزين “لأنكم” أوغاد، وهذا هو شعار(ي).
فنظرا لشدة الإحساس بالإهمال، فإن الدافع للفت الانتباه سيبحث لصاحبه عن افضل وسيلة محققة لذلك. وهي الخروج للشارع بساعة متأخرة بالليل، وذلك حتى يوقظ جميع سكان حيّه (من لا يقدرّون قيمته ربما)، الذين سيطُلون من نوافذهم ولن يجدوا غيره بالشارع، وبهذا يحقق هدفه بشد انتباه الجميع للتركيز عليه “هو” فقط ! . ـ الآن رأوه .. الآن سار موجودا .. الآن لم يعد شخصا هامشيا .. الآن كل اهتمام الآخرين تركز حوله ! .
تُذَكِّرنا مثل هذه المواقف، بتعبير ل“كولن ولسن” أورده بمؤلفه عن “تاريخ الاجرام” يقول فيه : “إن أغلب ممارسات الشباب و التي تبدو في أشكال متنوّعة ـ من ارتداء أزياء غريبة و قيادة السيارات بسرعة فائقة تتجاوز 150 كيلومتر في الساعة ـ ليست إلا سلوكيات تسعى إلى تأسيس إحساس بالذات. لا يُعاني الكلب من تلك المشاعر و المشاكل، فليس لديه إحساس بالذات”. أي احساس بأنهم موجودين من خلال نظرات الآخرين وانتباههم لهم. كما في اقتباس من “برنارد شو” جاء فيه : “أن تكره الآخر ليس إثماً عظيماً، لكن أن تتجاهله هو الوحشية بعينها” ! . لأنك بتجاهله تنفي وجوده وتدمر سعادته التي يربطها بنظرة الآخرين له ! . بل حتى أن الغالبية تربط سعادتها بالآخرين، لتظهر (هذه السعادة) بتواجدهم معهم وتختفي بذهابهم، فيتركوا لهم الحزن برحيلهم أو تخلّيهم عنهم، ويأخدوا السعادة التي ينفي الفرد مشاركته بنسبة منها لخلقها معهم، هذه النسبة التي تظل حتى لو رحلوا ! والتي كان ادراكه لها سينقذه من الحزن والاكتئاب.
لكن يظل النموذج الأكثر طرافة، هم أولائك الذين لا يجدون طريقة ما للفت الانتباه إلا عن طريق صنع الفرجة، فيقومون بالتشجار والاقتتال مقلدين لقطات الأفلام وأبطال السينما، حتى يتسنى لهم جذب الحشود للتفرج (كما يجذب فيلم الأكشن المارة بإعلانه الضخم). ومن جهتنا نؤكد أنه لولا ذلك الجمهور المتابع للحدث (نظرا لفراغه الوقتي وقلة اهتماماته) فإن الشجار لن يكتمل أو لن يحدث بتاتا، لأنهم يعتمدون على الجمهور لإنجاح العرض (وهذا يحدث خاصةً وغالباً “بالأسواق والأحياء” الشعبية، نظرا لتكاثر الكائنات التي تشعر بوطئة الاهمال والتفاهة بتلك الأوساط، والتي تتوق للفت الانتباه ـ مثل نجوم السينما أو الرياضة ! ـ بأي فرصة تحقق استعراضا للذات (مهما كانت غبية).
يمكن التأكد من هذه النقطة، بملاحظه العروض الرياضية التي ليس بها جمهور (وبدون نقل تلفزي)، والتي يتابعها الجمهور. ومقارنة المستوى الرياضي ومهارات اللاعبين بين كلا الموقفين.
فكأس العالم والأولمبيات والكلاسيكو الاسباني ك“مَشاهد”، تصل فيها المهارات الرياضية لأوجها والبراعة لقمتها، وذلك طبعا لأنها الأحداث التي تكون الأكثر متابعة على مستوى العالم ساعتها.
هذا.. دون الحديث عن الطبقات الأخرى التي تسعى لكسب الشهرة عن طريق تحويل ذواتها ل“نجوم” (بالقوة والاكراه) وذلك بانتاج البومات أو كليبات ودفع الأموال لعرضها على الإذاعات وقنوات التلفاز، أو تصوير فيديوهات (غنائية أو كوميدية أو مجرد حديث) وتحميلها بالمواقع الالكترونية .. تجعلهم يبدون كمهرجين بدل فنانين (رغم أن المهرج المسرحي أو البهلوان يعتبر “فنانا” بجد ولا يجب تشبيهه بصُنّاع السخافات ـ زيادة على أنه لا يحق لأحد منعهم، فذلك من حقهم في التعبير عن انفسهم). نحن فقط نشير إلى أن الفن يرتبط بالأصالة وليس بالتقليد والتشبّه، واعتبار أن التقليد المشوَّه للآخرين “ابداع” رغم انف الجميع ! .
هامش:
1 - جلين ويلسون - سيكولوجية الفنون والثقافات، ترجمة شاكر عبد الحميد، عالم المعرفة الكويت ـ ص55
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
مواضيع مماثلة
» سيدة تسأل نيوتن....؟؟؟
» بين الموت الرقمي أو القبر الإلكتروني (الدنيوي) والموت النفسي أوالقبر الأخروي؟
» مستجدات قانون الأسرة / المغرب
» مستجدات قانون الأسرة : التعدد المشروط
» قانون الصحافة والنشر المملكة المغربية بتنفيذ القانون رقم 77.00 المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1.58.378
» بين الموت الرقمي أو القبر الإلكتروني (الدنيوي) والموت النفسي أوالقبر الأخروي؟
» مستجدات قانون الأسرة / المغرب
» مستجدات قانون الأسرة : التعدد المشروط
» قانون الصحافة والنشر المملكة المغربية بتنفيذ القانون رقم 77.00 المغير والمتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1.58.378
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى