الفقيه محمد بن العربي البقالي
صفحة 1 من اصل 1
الفقيه محمد بن العربي البقالي
الفقيه محمد بن العربي البقالي
الشهير ب:ولد سيدي العربي
فقيه يبحث عن الصلاح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بقلم الاستاذ :عبد السلام الطاهري
الشهير ب:ولد سيدي العربي
فقيه يبحث عن الصلاح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
بقلم الاستاذ :عبد السلام الطاهري
إن موضوع دراستي عن علم من أعلام منطقة جبالة، إنه الفقيه الأديب محمد
بن العربي البقالي العالم المتصوف ،الذي ظل منسيا سنوات عند الدارسين ، لولا التفاتة الدكتور عبدالسلام البكاري ،الذي اعتنى به في كتابيه :" الإشارة والبشارة" ، ثم " الوجيز في تاريخ مسارة "، عند ما قدم له ترجمة ضمن أعلام فقهاء وعلماء بني مسارة ، ثم كان له الفضل في سنة 2006 عند ما قمنا معا بتأليف كتاب عن: " شعر الفقهاء بمنطقة جبالة ،الفقيه محمد بن العربي البقالي المساري نموذجا " ، وكانت غايتنا من ذلك جمع شعره وتحقيقه ودراسته ، لتقريبه من المهتمين والباحثين وسأتناول هذه الشخصية المتعددة الاهتمامات من خلال ثلاثة محاور كبرى :
أ / تقديم ترجمة الفقيه الصوفي :
هذه الشخصية العلمية ، التي تكونت في مساجد بادية بني مسارة ،يمثلها العلامة الصوفي الشريف سيدي محمد بن العربي البقالي المساري، المولود في عام عشرة وثلاثمائة وألف (1310 هـ ) الموافق لـــ " اثنين وتسعين وثمانمائة وألف " ( 1892 م ) قد نشأ في بيت علم وورع وتقوى وشرف ، اعتنى به والده العالم سيدي العربي البقالي الذي ألحقه بالكتاب (المسيد ) في سن مبكرة ، وشجعه على طلب العلم والتحصيل، وقد حفظ القرآن الكريم برواية ورش ثم برواية قالون ، وبالإضافة إلى تلمذته على والده فقد تتلمذ على جماعة من العلماء ، واستفاد من علومهم ومن صلاحهم وتقواهم ، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر : الفقيه الأصولي الدراكة النوازلي سيدي محمد بن قاسم المنصوري المساري ، وسيدي الحاج أحمد بن الحافظ بن سيدي الحاج علي الزواق ( 1897)، وصاحب العلم الوافر والفهامة العلامة سيدي محمد بن أحمد بن محمد مصباح (1916) ، والفقيه البركة المقرئ المتصوف سيدي محمد بن دجون (1911) ، ثم الفقيه سيدي أحمد بن بلال (1934) ،وعلى يد هؤلاء العلماء وغيرهم تكون تكوينا دينيــا عميقا ، ونال شرف العلم ونعم الدراسة على أكابر العلماء وجهابذة الفقهاء والبلغاء، وأصبح فقيها جليلا ،متضلعا في علوم الآلة ، والعلوم الإسلامية ، وقد لازم الشرط في مجموعة من المساجد منها: .مسجد بوقرة من 1912 إلى 1915 ثم 1916 ثم 1918 .مسجد تاكسرت 1915 .مسجد أحجار 1917 .مسجد الهباجين 1920 .مسجد البلاط العمرية 1920 ثم 1924 . . مسجد الأمراج 1925 .مسجد مدشر أمود 1926 .مسجدعين يمل 1926 .مسجد أولاد بنسبيكة 1927 ويمكن أن نستعرض بعض المواد التي درسها هذا العالم الجليل لطلبته ،ونذكر كنموذج ما درسه في مسجد أولاد بنسبيكة منها: . الألفية لابن مالك بشرح سيدي المكودي وحاشية ابن حمدون وتوضيح ابن هشام مع الأزهري . لامية الزقاق بشرح التاودي وحاشية سيدي المهدي الوزاني والصنهاجي . تحفة ابن عاصم بشرح التاودي والتسولي وحاشية الوزاني على الشيخ ميارة . الأحزاب الأولى من مختصر الشيخ خليل بشرح الدردير وحاشية الدسوقي . المرشد المعين لابن عاشر بشرح ميارة الصغير مع حاشية الطالب بلحاج . متن الأجرومية بشرح الأزهري وحاشية ابن حمدون . منظومة الأخضري في المنطق بشرح القويسيني وغيره . فرائض الشيخ خليل في الميراث بشرح الحرشي وحاشية سيدي أحمد بن الخياط الزكاري . المقنع بشرح الممتع مع الورزيزي . الدرر اللوامع لابن بري بشرح التونسي . السملالية في الحساب الاعتيادي ، للسملالي ، والكسور الاعتيادية . المنية في الحساب والجبر والجذر لابن غازي . جامعة الفرائض بالمناسخات . روضة الأزهارللمجرادي في التوقيت . العدة للإمام الهبطي الكبير . الاستعارة للفقيه الطيب بنكيران مع شرح المهدي الوزاني . المنظومة الشاطبية في القراءات السبع للشاطبي المقرئ . شرح الشواهد لابن هشام على الألفية . تفسير الكشاف لجار الله الزمخشري . الوقف للإمام الهبطي (1) ذكرنا بعض المواد فقط ، فهناك مواد أخرى درسها ولم نشر إليها ، وهو في العمق يمثل خزانة متحركة ،زاخرة بالعلوم الإسلامية واللغوية والأدبية ، ويبدو من خلال هذه المواد المتعددة والمتنوعة نموذجا للفقيه العالم الموسوعي ، الذي يجمع بين طريقة الرواية والدراية والتلقين الجيد الذي يسهل على الطلبة الفهم والتحصيل والاستيعاب ،قل نظيره في منطقة جبالة ، من حيث تقديم مادة الدرس وتيسيرالشرح وكثرة الاستشهاد سواء في تدريس علوم الآلة أو العلوم الإسلامية ، كل هذه الفنون كان يدرسها دون أن ينظر إلى أي كتاب أو كراس ، فكل من درس عليه احتار في فهم هذا الفقيه الفهامة الدراكة الصوفي ، إذ لم ير يوما يقرأ في كتاب أو كراس، وحتى في الليل كان رحمه الله لا يشعل الضوء إلا وقت تناول العشاء ، وهذه تعد كرامة من كراماته ( 2) وقد وافته المنية ليلة الجمعة 10 جمادى الثانية عام 1377 هـ موافق 2 يناير 1958 م ودفن صباح الجمعة في موكب رهيب من سكان القبيلة المسارية والقبائل المجاورة ، قرب ضريح سيدي عبدالقادر بن دلحة ، بسفح جبل يسوال شمال مدشر " أولاد بن رضوان" والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي ملامحتصوفه وزهده؟ وهل ترك إنتاجا يعبرعن توجهه الصوفي؟
ب / الانخراط في التصوف :
إن الحديث عن التصوف والمتصوفة يقتضي التذكير بالطرق الصوفية في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين الميلادي ، ومقاربة ظاهرتها ومعرفة أدوارها ووظائفها الاجتماعية والدينية ،لأن هدف الصوفية في العمق هو تطهير النفس من الرذائل والتوجه بها إلى الله تعالى عن صدق ونية في القصد ، وإخلاص في القول والعمل، وترسيخ روح القداسة والولاية ،" وأن ما يوحد بين أتباع الطريقة هو حلقات الورد والذكر والزاوية والمناسبات الدينية وحتى العائلية ، وكذا مآثم الراحلين من الأنصار والمتعاطفين ، تتيح للمنظمين والمريدين فرص التجمع الروحي والاتصال الإنساني ، ويبقى موسم مؤسس الطريقة الذي يقام سنويا حول ضريحه ،في فترة محددة ،أهم فرصة تجمع أكبر عدد من الأنصار والمريدين، وحتى الزوار المتبركين أو الفضوليين، غير أن المواسم في أغلبها لا تمر دون مشاهد تعد موضع استنكار من الفقهاء ونقاد الاجتماع الديني، ومن تم نفهم موقف بعض الملوك الذين نددوا بالرقص والجدب والبدع،التي تجلب في ممارسات المتفقرة "(3) هذا الكلام لا ينطبق على الفقيه الصوفي محمد بن العربي البقالي ، لأنه جمع بين الفقة والشريعة والتصوف، وبذلك كان تصوفه سنيا ، ولم يكن منتميا إلى طريقة صوفية محددة رغم تعاطفه مع الطرق الصوفية الموجودة في المنطقة ، مثل الطريقة الوزانية والدرقاوية وغيرهما،لأنه كان يؤمن بالتصوف السني الخالي من البدع والشعوذة والضلالة، وأن التصوف الحقيقي في نظره هو منهج سلوكي وتعبدي ، قد ينخرط فيه المرء انطلاقا من مقام التحفيز إلى مقام الإنجاز ، فمقام الكمال والصفاء الروحي، وأنه كان يعلم أن كل من " يسير في الطريق دون الوصول إلى هذا الهدف لم يكن صوفيا ، فالصوفي هو الذي صفا وصفاه الله عن الأخلاق المذمومة ، وتخلق بالأخلاق المحمودة حتى أحبه الله وحفظه في جميع حركاته وسكناته ، ووفقه للقيام بأداء عباداته ، وأطلعه على أسراره، وخصه بطوالع أنواره " ( 4 ) وأن هذا الفقيه الصوفي كان منصرفا بفكره إلى الله ، ومستديما لشروق نور الحق في سره، متطلعا على رؤية شمولية ، وهو باستمرار يعيش الأبدية ويدرك أبعادها ، ويسعى للدخول إلى بوابة الحب الإلهي ،وأنه كان يوفق بين حياته العلمية والتعليمية، وبين حياة الزهد والورع، مع إلحاحه على الالتزام بالكتاب والسنة والتمسك بالأخلاق الحميدة ، والسير على هدى السلف الصالح، مستحضرا شروط السلوك في التصوف المرتبط بالكتاب والسنة ، والذي يتوقف عنده على : 1. مجاهدة النفس للوصول إلى التصوف المرتبط بالكتاب والسنة ، ويكون ذلك في مستوى أول بمحاربة ومحوالصفات الدنيئة مثل: الحقد والحسد والعجب والرياء والكبر وحب المحمدة والرياسة ، من أجل تبديل صفات النفس الأمارة بالسوء بالمجاهدة ، وذلك بتقويمها وترقيتها من حسن إلى أحسن ، حتى تستقيم على طريق الله . 2. التوبة عن المعاصي ، لأن النفس الإنسانية يعرض لها الخير والشر، ويطرأ عليها الهدى والضلال ، فعلى الزاهد المتقي أن يعود بها إلى فطرتها النقية ،ومعدنها الأصيل، ثم يروضها بالتزكية مصداقا لقوله تعالى : " قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها " (سورة الشمس ، الآية 10 ) ، ويهذب نفسه ويبحث عن عالم الصفاء والمعراج الروحي (5). 3. الالتزام بالعبادة وتلاوة القرآن الكريم وبالذكر، على اعتبار أنه الطريق الموصل إلى الله تعالى ، فلكل " ذكر فكر، ولكل فكر نور، ولكل نور سر ، ولكل سر عبادة، ولكل عبادة حضور، ولكل حضور شهود، ولكل شهود هيبة، ولكل هيبة تعظيم ،ولكل تعظيم تنزيه، ولكل تنزيه تحميد، ولكل تحميد تقريب، ولكل تقريب حديث، ولكل حديث فهم، ولكل فهم لذة، ولكل لذة شوق "( 6).إذن أين تتجلى صوفية هذا الفقيه العالم ؟ وهل يمكن مقاربتها من خلال ما تركه من إنتاج؟
ج / تجليات صوفية هذا العالم :
إذا عدنا إلى ديوانه سنجد من بين أغراضه الشعرية شعر التوسل ، الذي يمكن اعتباره مرآة عاكسة لقناعاته الصوفية ، وأن الله كما يقول الإمام الجنيد :" خلق القلوب وجعل داخلها سره ، وخلق الأنفاس وجعل مخرجها من داخل القلب بين سر وقلب ، ووضع معرفته في القلب ، وتوحيده في السر ، فما من نفس يخرج إلا بإشارة التوحيد على دلالة المعرفة في بساط الاضطرار إلى الربوبية ، وكل نفس خلاف هذا فهو ميت ، وصاحبه مسؤول عنه " وجوهر هذه الفكرة ينطبق على الشريف سيدي محمد بن العربي البقالي ، الذي يعبد الله بالأنفاس ، ويجتهد في حفظ الأوقات عند الأنفاس ،لأنه يعلم من لم يعاين صفات الله أجمع دقائقه ولطائفه ، لم يوحد الله ، ولم يعرفه ،وأن الطريق إلى الله تكون من داخل المعرفة ، انطلاقا من علم العبودية ، ومعرفة علم الربوبية ، ولتقريب هذا التصور سأختار نماذج من شعره في التوسل من خلال مقطوعتين وقصيدة ، المقطوعة الأولى تعود ظروف نظمها إلى سنة 1945عند ما حل القحط بالمغرب وقد اجتمع الفقهاء والطلبة بالمساجد والأضرحة في قبيلة بني مسارة ، وطلبوا اللطف من الله ليغيثهم بالمطر،أما فقيهنا محمد بن العربي البقالي فقد زار ضريح الولي أبي الشتاء بقرية ازغيرة ببني مزجلدة ، فتوسل في دعائه بالله ثم بأبي الشتاء لشدة تعلقه بالأولياء وإيمانه بكرامتهم وقدرتهم على إنجاز الفعل قائلا:
²بباب من يكنى أبا الشتاء + وقفنا قاصدين إلى الشتاء
بتزروت استغاث به أناس + فأمطروا الغيوث من السماء
أغثنا يامغيث بغيث كاف + وودق نـــافــع بلا عــنــاء
وأرسل السماء علينا ماء + يحاكي دموعنا من البكاء
بجاه المصطفى الهادي الأمين + وآله والصحب والكرماء
كما نجده في مقطوعة ثانية يتضرع فيها إلى الله تعالى ويتوسل بالرسول (ص) ثم بالأولياء الصالحين وبشيوخ الطرق الصوفية على جهة التبرك والتوسل لما اشتد به الكرب، وعزم على الذهاب إلى مدينة الرباط قصد الاستشفاء والعلاج ، معتقدا أن بركات الأولياء ستحل عليه ، وستكون سبب شفائه من دائه قائلا :
يممت رباط الفتح ملتمس الشفا ++ فيا فتاح افتح لي خزائن رحمتي
وهيئ لي الأسباب طبا تفضلا ++ فيا ألله يارؤوف أنعــم برأفــتي
فيا أولياء الله أكرموا ضيفكم ++ فإكرامكم له فــرض بالكـفايـة
ولست أريد الأكل لكن صحة ++ ألا فاسألن الله حسن ضيافتي (7)
وفي سنة 1948 لما اشتد به المرض وألم به الحزن والأسى نظم قصيدة طويلة (عدد أبياتها 46 ب ) يتوسل فيها بأسماء الله الحسنى ، وبجاه النبي المختار (ص) وبالصحابة ، كما توسل بالملائكة والأنبياء والرسل والأولياء والصالحين والعلماء الأتقياء ، وهذا المرض كان سببا في ذهابه إلى مصحة " باروكبير " بالرباط قصد إجراء عملية جراحية قال في مطلعها :
فيا الله يارحمان لطفك أرتــــجي ++ باسمائك الحسنى توسلت من ضري
تقول أجيب دعوة الداعي مخلصا ++ إليك أشكو بثي وحزني من ضيري
بـــجـاه نـبــينا وآلـه جـمـلــــــة ++ وأصحــــابـه طرا وأتــبــاعــه الغــر
مع الرسل والملاك والعرش آية ++ عليه استوى الرحمان في محكم الذكر
ثم قال متوسلا بالأولياء وبعلماء الحديث سنذكر بعض الأبيات من هذا المقطع :
وكل ولي سالك مربي الورى ++ أو مجذوب محبوب يشير إلى الخير
وكل صفي يطرق سمعي ذكره ++ لدى الشرق أو في الغرب والجوف والغير
بأهل صحيحي البخاري ومسلم ++ رجال الموطأ والشفا اشف لي عذري
بمالك والنعمان والشافعي اشفع لي ++ وأحمد والأوزاعي مع سفيان الثوري
والسري السقطي والأشعري والجنيد ++ والحاتمي ذي الجدة ابن حبان والزهر
والجيلالي البغدادي ابن أدهم يقتدى ++ أبي يزيد البسطامي والحسن البصري
وأبي مدين الغوث أغثني براحة ++ شمائل الترميذي وبردة البوصيري
وفي خاتمة هذه القصيدة قال متوسلا :
أمولانا ياإدريس ياابن نبينا ++ وملجأ هذا القطر في العسر واليسر
تعاظمني ضرإليك زواله ++ على تلف إن لم تغثني على الفور
أغثني أغثني إن سقما أصابني ++ فمن فيض جودكم ندى البر والبحر
محمد البقالي ابن العربي ينجلي ++ بطلب الرب الشفاء من ذا الزهري
بجاه إمام المرسلين محمد ++ فلولاه عين اللطف لم يدر من يدري
عليه صلاة الله ما دام ذاكر ++ دعاء عشيا أو نهارا أو في الفجر (
هذه نماذج من شعره في التوسل ،هي صادرة عن ذات متشبعة بالحب الإلهي ، وبالحقيقة المحمدية ، وبكرامات الأولياء، وبالإيمان الصوفي الخالص ، جمع فيها بين إيمان الفقيه واعتقاد المتصوف، ويمكن أن نستخلص من ممارسته ومن شعره ثلاثة أفكار مركزية هي :
ـ إيمانه الشديد بالله تعالى جعله يتضرع إليه .
ـ توسله بجاه الرسول الأكرم وبالملائكة .
ـ تعلقه بالأولياء والصالحين وبالعلماء الأتقياء.
كما نجد هذا الفقيه المتصوف قد اهتم بالمتصوفة في منطقة جبالة وتعلق بهم تعلق العاشق الولهان، المخلص في حبه لهم، وهذا يدل على شدة حبه لهم وتقديرهم ، ومن هؤلاء المتصوفة الشيخ سيدي محمد بن الحاج الهاشمي بن سيدي عبدالقادر بن دلحة المساري الحسني الإدريسي ، الذي خصص له كتيبا صغيرا جمع فيه كراماته ، سماه " اللمحة الصالحة في كرامات الشيخ سيدي محمد بن الحاج الهاشمي " تبركا به ، وتعريفا بكراماته ، والسؤال المطروح هل كان الفقيه محمد بن العربي البقالي يؤمن بالكرامات الرائجة بين أهل الطرق الصوفية؟وهل هذه الكرامات حقيقة أم وهم ؟ وهل هي تعبير عن الولاية والصلاح ؟ أم هي ممارسات تدجيلية مغلفة بطقوس دينية روحانية تزكيها دعوى الشرف والولاية ؟ هذه أسئلة لا تروم التقليل من شأن الكرامة ، ولا من أصحابها ، ولكننا نعتبرها مدخلا لمعرفة الأسباب التي دفعت الفقيه المتصوف إلى الالتجاء للأولياء والصالحين، هي اقتناعه بأن المحبة أمانة الله ، وأن الهمة تسري لأوليائه ، كما أن الوحي يسري لأنبيائه ، فمن له همة فهو في ديوان البالغين ،وأن المحبة لا تنكشف إلا عند ذكر الحبيب ، وهو يعتبر الأولياء والصالحين أحبابه وسنده ،لهذا التجأ إليهم التماسا لكراماتهم ومددهم ، وطمعا في الاستجابة لدعوته ، و طلبا لشفائه ، خاصة وأننا نعلم جميعا كما ذكرالإمام الجنيد " أن لله صفوة من عباده وخلصاء من خلقه ، انتخبهم للولاية واستخلصهم للكرامة، وأفردهم به له، جعل أجسادهم دنيوية ، وأرواحهم نورانية، وأوهامهم روحانية ، وأفهامهم عرشية، وعقولهم حجبية، جعل أوطان أرواحهم غيبية في مغيب الغيب ،جعل لهم تسرحا في غوامض غيوب الملكوت، ليس لهم مأوى إلا إليه ، ولا مستقرا إلا عنده، أولئك الذين أوجدوهم لديه في كون الأزل عنده، ومركب الأحدية لديه، حين دعاهم أجابوا سراعا، كرما منه عليهم وتفضلا" (9) وأن الفقيه البقالي بزهده وتصوفه يدخل في هذه الصفوة ، لأن الكرامة هي اختصاص إلهي وانتخاب، وهي لا تظهر في نظر " ابن تيمية" على فاسق أو كذاب أو دجال، وأن كرامات الأولياء هي من آيات الأنبياء ، لأنها معتادة من الصالحين الأتقياء ،والمؤمنين الأوفياء، ومعجزات الأنبياء فوق ذلك وأن الآيات الكبرى مختصة بالأنبياء،والآيات الصغرى قد تكون للصالحين (10 ) وسيدي محمد البقالي الشريف كان يعرف أن الكرامة ترتكز على عدة إيمانات منها: ـ الإيمان بقدرة الصوفي على القفز فوق البشري والطبيعي . ـ الإيمان بطبيعة إلهية داخل الطبيعة البشرية عند الصوفي . ـ الإيمان بأن كل هذا يتجاوز المآسي البشرية والمخاوف من الله . وأن الفرق بين الولي والدجال هو الفرق بين الصلاح والطلاح ، بين التقوى والفسق ، بين الاستقامة والانحراف ، وأن الفقيه الصوفي محمد بن العربي البقالي جمع بين الفقه والتصوف الخالي من الشوائب ، ولا يختلف في قطبانيته ذو قلب مستنير، ولا عارف بصير، وهذا ما يبرر التجاءه إلى الأولياء والصالحين طلبا لبركتهم ومددهم ،وتوسلا بهم لإغاثته ، لأنه يؤمن بأهمية الكرامات ، وبدور الأقطاب في إغاثة من يستغيث بهم ،وأن شعاره " إعرف الله ثم كن كيف شئت ، فمن عرف الله امتلأ قلبه محبة لله " ، وأن هذه المحبة العظيمة هي التي تؤهل المحب إلى مراقي الولاية والكرامة ، وأن كل كرامة لا تحدث إلا من " شخص مؤمن تقي ، مؤتمر بأمر الله ورسوله ، مجتنبا للنواهي ، متمثلا بأركان الشريعة " (11) ، غير مخالف لأمر شرعي ، قال رسول الله ( ص) : "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها ، وأجر من عمل بها ، من غير أن ينقص من أجورهم شيئ ، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ، ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئ " (12) وختاما أقول على لسان الإمام الجنيد : " من نظر إلى ولي من أولياء الله تعالى ، فقبله وأكرمه ، أكرمه الله على رؤوس الأشهاد " وقد قال تعالى :" ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون "(13) صدق الله العظيم وهذا الأديب الفقيه " لو كان من ساكني الحواضر لجليت عرائس فكره في غرف الخواطر، وطرزت صحف التواريخ بديباج ذكره ، وقرطت الآدان بلؤلؤ شعره ونظمه "(14) ورغم نسيانه زمنا فإنه من أشهر فقهاء وعلماء وأدباء قبيلة بني مسارة ، إذ جمع بين علم الظاهر وعلم الباطن، وبين صفات العلم وصفات العمل،وبين وسائل الاتصال المبنية على التوبة والمجاهدة،وعلى الحب والخوف ،لتزكية النفس والتحلي بكمالات الأخلاق،وصحبة أهل الإيمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ الهوامش : (1) شعر الفقهاء بمنطقة جبالة ، الفقيه محمد بن العربي البقالي المساري نموذجا ص 12 (2) عبدالسلام البكاري ، الإشارة والبشارة ص120 / الوجيز في تاريخ مسارة ص 133 (3) إبراهيم حركات ، التيارات السياسية والفكرية ص62 (4) منال عبدالمنعم جادالله ، التصوف في مصر والمغرب ص 117 (5) عبدالسلام الطاهري ، هاجس الرحلة من المدنس إلى المقدس ص39 ـ 81 (6) محمد المهدي الفاسي ، ممتع الأسماع في ذكر الجزولي والتباع ص 23 (7) عبدالسلام البكاري وعبدالسلام الطاهري ، شعر الفقهاء بمنطقة جبالة ص 86 ـ 87 ( شعر الفقهاء بمنطقة جبالة ص 87 ـ 88 ـ 95 م.س (9) سعاد الحكيم ، تاج العارفين ص 229 (10) ابن تيمية ، النبوات ص 18 (11) محمد رضا بشير القهوجي ، نظرات في التصوف الإسلامي ص 147 (12) حديث نبوي متفق على صحته (13) سورة يونس ، الآية 62 (14) أحمد البلغيثي – الابتهاج بنور السراج ص81
alyamani- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 103
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 15/02/1954
تاريخ التسجيل : 02/09/2009
العمر : 70
مواضيع مماثلة
» وفاة الفقيه البقالي بطنجة
» الفقيه محمد القري الشاعر الملتزم
» محمد العربي العوامي
» تكريم الأستاذ محمد العربي المساري
» أحمـد عبد السلام البقالي
» الفقيه محمد القري الشاعر الملتزم
» محمد العربي العوامي
» تكريم الأستاذ محمد العربي المساري
» أحمـد عبد السلام البقالي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى