الثقافة في شمال المغرب
صفحة 1 من اصل 1
الثقافة في شمال المغرب
الثقافة العربية المعاصرة في شمال المملكة المغربية -1-
دعوة الحق
دعوة الحق
العددان 156 و157
قبل ان ادخل في صلب الموضوع، لابد من توضيح بعض المفاهيم :
اولا – مفهوم الثقافة العربية:
ان مؤتمر اليونيسكو المنعقد ما بين 29 ماي و 3 يونيو 1960 لنظر، في الثقافة العربية المعاصرة، و الذي حضره بعض خبراء العرب اصدر تقريرا:
وصف الثقافة العربية المعاصرة بالشمول، لكن على المستوى الذاتي الداخلي، لا على المستوى الخارجي العالمي، لكون مجهودات الفكر العربي متجهة الى ابناء جلدته و الى جماعات محدودة، اكثر مما هو متجه الى الجماعات الخارجية .. هذا من جهة العطاء .. و اما من جهة الاخذ، فان الثقافة العربية دائمة الاستمداد، و الاقتباس، من عصارة الثقافات الاخرى المعاصرة برمتها، سواء منها الشرقية و الغربية اما عن طريق البعثات او المترجمات، او بشتى الاتصالات و العلاقات..
و على العموم - يقول التقرير – فان الثقافة العربية المعاصرة اجتازت ثلاث مراحل:
الاولى - من عام 1870 الى قيام الحرب العالمية الاولى .. و هي فترة تتسم ببزوغ بوادر النهضة، و تأجج الافكار .. و الانطلاق نحو بعث اللغة العربية و الاقبال على المترجمات .. و تجديد في الفكر و تكوين نهضة قومية، و اصلاح اجتماعي..
الثانية – من عام 1914 الى انتهاء الحرب العالمية الثانية (أي ما بين الحربين) .. هذه الفترة تميزت بتطور في اللغة العربية و ادابها، و ظهور نخبة مثقفة ثقافة عصرية.
الثالثة من عام 1945 الى اليوم .. هذه الفترة برزت فيها الشخصية العربية الاسلامية، مستقلة في كثير من المجالات لها ذاتيتها المتميزة، و كيانها الخاص بين الدول .. وهي تطمح الى ما هو ابعد و اسعد ..
هذا من ناحية الثقافة العربية المعاصرة بصفة عامة، و اما الثقافة المغربية المعاصرة فينبغي ان نعالج تطورها في اطار الثقافات القومية، الخاص بكل امة .. اذ ان لكل امة ثقافتها الخاصة .. فاذا كان العلم عالميا و المعرفة عامة، فان لكل امة ثقافتها الخاصة، التي تقوم على اسس و مقومات مستمدة من ذاتها، و تاريخها و لغتها، و ثراتها و ماثرها الاصيلة .. و انه لا سبيل الى ان تتداخل ثقافة في ثقافة اخرى متباينة، و ان كان في الامكان ان تستمد احداهما من الاخرى، القدر المشترك، او ما تقتضيه ظروف المعايشة، و التفاهم ، و التعارف .. دون ان تفقد احداهما ميزتها الخاصة، و قيمتها الذاتية مما يجعلنا مضطرين الى التنبيه الى خطأ النظرية التي تقول بانسانية الثقافة بمعنى ان ثقافة الامم ينبغي ان تختلط و تمتزج و يذوب بعضها في بعض، الى ان تصير ثقافة انسانية واحدة ، فهذه النظرية انما تستهدف القضاء على بعض الثقافات المناهضة لثقافة معينة – او بالاحرى ان تكون الغلبة و السيطرة لثقافة قوية، ثوفرت لها اسباب الظهور و الانتشار، على ثقافة محلية ضعيفة لم تستكمل بعد اسباب نهضتها، و قدرتها على التماسك.. كما هو الشأن في ثقافتنا ازاء الثقافات الغربية الجبارة، التي حلت بساحات بلادنا، و ارادت اكتساحنا و القضاء على ثقافتنا بحجة العالمية و الانسانية..
هذا و لا ننكر ان في الثقافات على اختلافها و تقاربها قدرا مشتركا ، ينبغي ان ينعت بانه انساني كدواعي الخير و الحق و العدل.. هذه التي لا تخلو منها ثقافة اية امة ذات حضارة و طبع سليم..
و في هذا المضمار ينبغي ايضا ان لا نخلط بين الثقافة و الحضارة، اذ لكل منهما مقوماتها و اسسها.. فاذا كانت الثقافة قومية، و ذاتية ، فان الحضارة تابى الا ان تكون او على الاقل ان تكون عملا لا يعرف الحدود، و ارثا مشتركا بين سائر الاجيال.. و من هنا كانت الحضارة تتسم غالبا بطابع الشمول، في حين تجد الثقافة تتميز بطابع الذاتية و القومية.
و انطلاقا من هذا المفهوم، نصل الى ان الثقافة المغربية – اذا كان لها شبه، فهو الثقافات العربية الاخرى – انها ترتكز على مقومات الامة العربية عموما، من عقيدة اسلامية، و اخلاق قرانية، و لغة عربية، و اداب و علوم، و تاريخ، و تراث، و امجاد مشتركة.. ثم على مقوماتناالقومية الخاصة، من جغرافية، و بيئة، و مجتمع، و أشياء اخرى حسية، و معنوية، يدق التعبير عنها، و تابى التحديد و الحصر .. ذلك لانها اشبه بالطقس و المناخ او بالعبير و الرحيق الذي ترعاه النحل من الازهار و الاشجار وهو متعدد الانواع.
و جمال القول في الثقافة المغربية، انها مرتكزة على التراث الاسلامي العربي، و قائمة على ارضيتنا و اصولنا العريقة، و في نفس الوقت تصطبغ بالعصر و بالبيئة التي نعيش فيها ..
و لا ازعم ان ثقافتنا بالامس، هي ثقافة اليوم و الغد.. بحيث تظل بلادنا على لون واحد من الثقافة تتوارثه الاجيال دون تغيير او تبديل – فهذا هو الجمود بعينه، و القضاء على كياننا.. و لكن الثقافة المغربية الحقة هي التي تتكيف مع الزمان و مع مقتضيات الاحوال..
و هذا الموضوع – موضوع الثقافة المغربية – قد وفاه حقه الاستاذ انور الجندي في كتابه:"الفكر و الثقافة المعاصرة في شمال افريقيا" وهو يوصي بان تظل الثقافة المغربية العربية مفتوحة امام الثقافات الاجنبية تأخذ منها و تعطي، و لكن يجب ان تظل قادرة على رفض ما لا يتفق مع كيانها، و مزاج اهلها.. حفاظا على الشخصية العربية الاسلامية، و صونا للذات المغربية و طابعها الخاص.
ذلك اننا اذا امعنا النظر و استعرضنا انواعا من الثقافات، في القديم و الحديث، فاننا نجد ان بعض الثقافات، يغلب عليها الجانب المادي، و البعض يغلب عليه الجانب الروحي، و البعض يتعادل فيه الجانبان .. و لا شك ان معظم ثقافات هذا العصر، تغلب فيها الماديات على الروحانيات اذ كادت المعتقدات الدينية و القيم لاخلاقية، تنعدم منها او تتضاءل، حتى لا تكاد تذكر .. و هذا موضع الخطر بالنسبة الينا، لاننا - و يا للاسف – تقع بلادنا في مفترق الطرق، حيث تتصارع الثقافات المادية، و تتلاطم امواجها في كل وقت و حين..
زيادة على اننا مازلنا في صراع عنيف – لا مع الثقافات المادية و التيارات الوافدة، بل مع انفسنا و ضد بعضنا، فاننا لم نحدد الى الان مفهوم الثقافة المغربية، التي ينبغي ان ناخذ بها انفسنا، و نرى عليها اجيالنا، فمازلنا نتساءل هل ناخذ ذات اليمين، او ذات اليسار، هل نسير مع الماديات الغربية، و نكتفي بقشور مغرياتها و زخارفها، ام نرجع الى التمسك بمعتقداتنا الدينية و اخلاقنا الاصيلة و قيمنا الروحية و سلوكنا القويم، مع التخلق و التعلم بمقتضيات العصر.. ما زلنا في حيرة من امرنا، وما زال أولياؤنا يذهبون في ذلك طرائق قددا..
و مقياس ذلك ، انك لو طرحت سؤالا و قلت: من هو المثقف عندنا، او ما هي المقومات الثقافية التي نكون و نربى عليها اجيالنا..
فالمتشبث بالقيم الروحية، يريد من المثقف ان يكون مومنا مسلما، قولا و عملا، عارفا بما احل الله و ما حرم، مجتنبا النواهي و مؤتمرا باوامر الشريعة.
و المتشبث بالقومية الوطنية، يريد من المثقف – بجانب ما ذكر – ان يكون عربيا غيورا على لغته و دينه و ووطنه..
و المتشبث بالمادية الحديثة، يريد من المثقف ان يكون على قدر كبير او قليل من ثقافة العصر، و من التقنيات و الصناعات، و من اللغات الاجنبية و الشؤون المالية و الاقتصادية، و مشاكل العصر و مجريات الاحوال.
و هكذا.. فالكل يطلب من المثقف الشيء الذي يعنيه.. و هنا يكمن المشكل، فالمتطلبات من المثقف كثيرة و متنوعة، ووقته لا يتسع للاحاطة بها، و لا لبلوغ مداها .. فاذا ضاق به الوقت و انصرف عن جانب، و اكتفى بجانب منها رمي بالقصور او بالزيغ و الضلال..
و نحن نعلم ان الاخذ بمقومات الثقافة له وقت محدود، عندما يكون الطبع قابلا، و الجسم لدنا مرنا –وهو ما دون العشرين او ما دون الثلاثين على اكبر تقدير – لمن اراد ان يتم الرضاعة – رضاعة العلوم و الفنون – و قليل من يتسع له هذا الوقت لاستيعاب فنون الثقافة، و تكوين شخصيته حسب تلك المتطلبات..
فلم نكن نحن وحدنا الذين ضجوا من هذا المشكل، مشكل ازدحام برامج التكوين و التثقيف في مراحل التعليم المتوسط و العالي – فكثير من الامم، عدلت من برامجها التعليمية و الثقافية و قدمت الاهم فالاهم، و اكتفت بما هو ضروري و اساسي، محسنة في نفس الوقت، اساليب التعليم، و مقربة المواد من الاذهان، و الغت في معظمها ما هو نظري، و اعتمت الممارسة و التجربة، و أكثرت من وسائل التطبيق – بهذا امكن لها اختصار الوقت و تزويد الطلاب باكثر ما يمكن من انواع التثقيف، وهي قاعدة "ما لا يمكن كله لا يترك جله او بعضه" التي كان اسلافنا يعملون بها في مضمار التعليم و التثقيف.
ان الثقافة المستوعبة الشاملة، شيء صعب المنال مهما توفرت الاسباب، و اتسع الوقت و تطاول العمر، و اذا كان الامر كذلك، فلتكن الاولية للمقومات النفسية و الفكرية ثم مقومات السلوك و الاخلاق.. و بعدها المقومات المهنية و المعاشية.. لانه لا غنى لاحد عن تقويم نفسه و تحسين اخلاقه..
عليك بالنفس و استكمال فضائلها
فانت بالنفس، لا بالجسم انسان
و لعل هذا هو ميزة ثقافة اجيالنا القديمة، الذين استطاعوا بقليل من الثقافة القويمة الاصيلة ان يقوموا بجلائل الاعمال و يصلوا الى غايات تنقطع دونها الامال..
ان المثقفين ثقافة مهنية محضة، لم تحصن بثقافة اخلاقية واقية، جديرون بان ينقلبوا على المجتمع و يكونوا شرا عليه، و اداة من ادوات التخريب.. و هذا لا يحتاج الى برهان، و المحسوس اعظم برهان..
فهذا الحذر ، و هذا الحس – هو الذي جعل الكثير من المثقفين على اجيالنا، و على مجتمعنا، يلتمسون النجاة و يطلبون السلامة في الرجوع الى الثقافة المغربية الاصيلة، ملتزمين معها ان تكون ثقافة عربية، مطعمة بمقتضيات العصر، مجارية لثقافات الامم الحديثة فيما تحسن فيه المجاراة و تفيد المباراة..
و لا مؤاخذة، اذا اطلت في مفهوم الثقافة العربية المعاصرة..التي هي موضوع هذا الحديث، لاني اريد ان يفهم بادي ذي بدء، المغزى الذى ارمي اليه في تنايا البحث.
ثانيا – مبدأ المعاصرة:
و كذلك لابد من تحديد مبدأ "المعاصرة" التي اجول في مداها، و اتحدث في نطاقها.
ان كثيرا من من متتبعي الاحداث المغربية ، الواقعة في القرون الاخيرة، يذهبون الى ان المغرب لم يدخل باب "العصرالحديث"الا في منتصف القرن الماضي التاسع عشر.. و بالتحديد بعد وقعة اسلي (1844) ثم بعد وقعة تطوان (1860) أي ان المعاصرة للنهضة الحديثة العالمية، لم تبدأ في المملكة المغربية الا منذ قرن و نيف.. وهو امد متأخر جدا عن عصر النهضة الحديثة الذي ابتدأ عند معظم دول اوربا من القرن السادس عشر .. و عند بعض الدول الشرقية ... كال عثمان و مصر و لبنان منذ نحو قرنين .. أي في اواخر القرن الثامن عشر.. و لكننا اذا عرفنا ان مدافع نابليون هي التي ايقظت الشرق يوم ضرب الشواطئ المصرية و ضرب يافا و غيرها.. ادركنا ان في اذان المغاربة، كاذان المشارقة، صمما بالغا، لا يوقظه و لا يسمعه الا قصف المدفع، و رجع الرجات، وهز الرجفات، و ما يدرينا.. ماذا كان يكون حال المغاربة، لو لم تقصف مدافع الفرنسيين و مدافع الاسبان سواحل المغرب و مدنه و حدوده، اكان يظل نائما و يغط في سباته..
اقول ، و قد افاق الشرق ذعرا
من الحا الشبيهة بالمنام
اقول بصوته لحماة دار
رماها من بغاة الغرب رام
بنا عطل السماع، فاسمعونا
بقعقعة الحديد لدى الصدام
وهي ابيات لشاعر القطرين خليل مطران لما ضرب الاسطول الايطالي شواطئ لبنان.
على أي حال، فان المغرب ادركته اليقظة في ذلك الحين.. و كانت يقظة بطيئة متمهلة.. او يقظة متثائبة.. متمطية، لا يقظة مستوفزة، فلا اريد ان اطيل، و استعرض تلك الاحداث الاليمة، و تلك النتائج المفجعة التي ترتبت عن احتلال تطوان و عن احتلال وجدة و الحدود الشرقية..
و انما الذي اريد استرعاء الانتباه اليه، هو ان كثيرا من اجزاء المغرب و مدنه الساحلية وقعت قبل ذلك بكثير تحت ايدي المغيرين .. فلقد احتل البرتغال سبتة سنة 1415، و احتلوا طنجة سنة 1471 – أي قبل سقوط غرناطة بنحو 21 سنة، لذلك كان المهاجرون الاندلسيون لا يمرون على طنجة و سبتة المحتلتين بل كانوا يلتمسون طريقهم عبر موانئ الريف او مرتيل – و هذا ايضا هو السبب في ان سكان طنجة لا ينتمون الى العنصر الاندلسي. كما احتلوا غيرها من مدن السواحل و كذلك الاسبان احتلوا مليلية سنة 1496 – و بعدها العرائش عام 1019 ه و غير ذلك مما نتج عن التوزيع الاستعماري القديم بمقتضى الاتفاق المبرم، بين تينك الدولتين الاستعماريتين و المصادق عليه من البابا الكسندر السادس سنة 1494 الذي كان يقضي بتقسيم المغرب شطرين ، من حجرة باديس شرقا لاسبانيا، و منها غربا للبرتغال.. و قد طال احتلال تلك الدولتين لجل السواحل المغربية، امادا طويلة، و الحضارة العالمية قائمة انذاك على مسمع و مراى من الجميع.. و الخطر محدق بالمغرب من كل جانب.. منذ ذلك الحين وهو يرى و يعي الاحداث.. و يتتبع عن كثب ما عليه الامم المجاورة، من تقدم و رقي ، و مع ذلك لم يستيقظ و لم يأخذ بأسباب النهضة و المعاصرة الا عند وقعة اسلي ووقعة تطوان..
اننا لو ربطنا الأسباب بالمسببات، ورددنا الاشياء الى اشباهها، لقلنا ان نهضة المغرب و اخذه باسباب المعاصرة كان يجب ان تبدأ باحتلال البرتغال الاول لسبتة سنة 1415 م (819 ه) لا باحتلال الاسبان لتطوان سنة 1860 م. او بالاحرى بعد وقعة وادي المخازن سنة 1578 التي انتصر فيها المغرب ايما انتصار و اندحر فيها البرتغال و احلافه ايما اندحار.. و لكن لكل اجل كتاب.
ثالثا – مدلول الشمال
و اما اقليم الشمال، الذي نحصر في حدوده هذا البحث، فهو من عرف الجغرافيين، هو ما يقابل الجنوب.. أي ان المغرب منذ ان خلقه الله فيه شمال و جنوب كسائر البلدان – فهذا الشمال، معروف و محدود من بعض الجهات الا انه لم يحدد بكيفية طبيعية من جهة جنوبه، و ان كان البعض يريد تحديده بوادي سبو، فتدخل فيه اجزاء من اقاليم الرباط ، و مكناس، و فاس و مجموع اقليمي تطوان و طنجة و الريف. و اما التحديد الاداري المتعارف عليه ابان الحمايتين الفرنسية و الاسبانية، فانه تحديد تحكمي، بعيد عن الحقيقة و الواقع.. هذا و ان الطريف في الامر، ان الرياضيين اصابوا عندما يتحدثون عن شطر الشمال، و شطر الجنوب، في القسمين الرياضيين لكرة القدم.. قائلين للقسم الوطني الاول: شطر الشمال، فيدخلون فيه الفرق الواقعة ابتداء من الرباط فما فوق.. و للقسم الوطني الثاني، شطر الجنوب، قاصدين الفرق الواقعة ابتداء من البيضاء فما دونها جنوبا..
ترى، هل نذهب مع الرياضيين.. ام نسير مع الاداريين.
اولا – مفهوم الثقافة العربية:
ان مؤتمر اليونيسكو المنعقد ما بين 29 ماي و 3 يونيو 1960 لنظر، في الثقافة العربية المعاصرة، و الذي حضره بعض خبراء العرب اصدر تقريرا:
وصف الثقافة العربية المعاصرة بالشمول، لكن على المستوى الذاتي الداخلي، لا على المستوى الخارجي العالمي، لكون مجهودات الفكر العربي متجهة الى ابناء جلدته و الى جماعات محدودة، اكثر مما هو متجه الى الجماعات الخارجية .. هذا من جهة العطاء .. و اما من جهة الاخذ، فان الثقافة العربية دائمة الاستمداد، و الاقتباس، من عصارة الثقافات الاخرى المعاصرة برمتها، سواء منها الشرقية و الغربية اما عن طريق البعثات او المترجمات، او بشتى الاتصالات و العلاقات..
و على العموم - يقول التقرير – فان الثقافة العربية المعاصرة اجتازت ثلاث مراحل:
الاولى - من عام 1870 الى قيام الحرب العالمية الاولى .. و هي فترة تتسم ببزوغ بوادر النهضة، و تأجج الافكار .. و الانطلاق نحو بعث اللغة العربية و الاقبال على المترجمات .. و تجديد في الفكر و تكوين نهضة قومية، و اصلاح اجتماعي..
الثانية – من عام 1914 الى انتهاء الحرب العالمية الثانية (أي ما بين الحربين) .. هذه الفترة تميزت بتطور في اللغة العربية و ادابها، و ظهور نخبة مثقفة ثقافة عصرية.
الثالثة من عام 1945 الى اليوم .. هذه الفترة برزت فيها الشخصية العربية الاسلامية، مستقلة في كثير من المجالات لها ذاتيتها المتميزة، و كيانها الخاص بين الدول .. وهي تطمح الى ما هو ابعد و اسعد ..
هذا من ناحية الثقافة العربية المعاصرة بصفة عامة، و اما الثقافة المغربية المعاصرة فينبغي ان نعالج تطورها في اطار الثقافات القومية، الخاص بكل امة .. اذ ان لكل امة ثقافتها الخاصة .. فاذا كان العلم عالميا و المعرفة عامة، فان لكل امة ثقافتها الخاصة، التي تقوم على اسس و مقومات مستمدة من ذاتها، و تاريخها و لغتها، و ثراتها و ماثرها الاصيلة .. و انه لا سبيل الى ان تتداخل ثقافة في ثقافة اخرى متباينة، و ان كان في الامكان ان تستمد احداهما من الاخرى، القدر المشترك، او ما تقتضيه ظروف المعايشة، و التفاهم ، و التعارف .. دون ان تفقد احداهما ميزتها الخاصة، و قيمتها الذاتية مما يجعلنا مضطرين الى التنبيه الى خطأ النظرية التي تقول بانسانية الثقافة بمعنى ان ثقافة الامم ينبغي ان تختلط و تمتزج و يذوب بعضها في بعض، الى ان تصير ثقافة انسانية واحدة ، فهذه النظرية انما تستهدف القضاء على بعض الثقافات المناهضة لثقافة معينة – او بالاحرى ان تكون الغلبة و السيطرة لثقافة قوية، ثوفرت لها اسباب الظهور و الانتشار، على ثقافة محلية ضعيفة لم تستكمل بعد اسباب نهضتها، و قدرتها على التماسك.. كما هو الشأن في ثقافتنا ازاء الثقافات الغربية الجبارة، التي حلت بساحات بلادنا، و ارادت اكتساحنا و القضاء على ثقافتنا بحجة العالمية و الانسانية..
هذا و لا ننكر ان في الثقافات على اختلافها و تقاربها قدرا مشتركا ، ينبغي ان ينعت بانه انساني كدواعي الخير و الحق و العدل.. هذه التي لا تخلو منها ثقافة اية امة ذات حضارة و طبع سليم..
و في هذا المضمار ينبغي ايضا ان لا نخلط بين الثقافة و الحضارة، اذ لكل منهما مقوماتها و اسسها.. فاذا كانت الثقافة قومية، و ذاتية ، فان الحضارة تابى الا ان تكون او على الاقل ان تكون عملا لا يعرف الحدود، و ارثا مشتركا بين سائر الاجيال.. و من هنا كانت الحضارة تتسم غالبا بطابع الشمول، في حين تجد الثقافة تتميز بطابع الذاتية و القومية.
و انطلاقا من هذا المفهوم، نصل الى ان الثقافة المغربية – اذا كان لها شبه، فهو الثقافات العربية الاخرى – انها ترتكز على مقومات الامة العربية عموما، من عقيدة اسلامية، و اخلاق قرانية، و لغة عربية، و اداب و علوم، و تاريخ، و تراث، و امجاد مشتركة.. ثم على مقوماتناالقومية الخاصة، من جغرافية، و بيئة، و مجتمع، و أشياء اخرى حسية، و معنوية، يدق التعبير عنها، و تابى التحديد و الحصر .. ذلك لانها اشبه بالطقس و المناخ او بالعبير و الرحيق الذي ترعاه النحل من الازهار و الاشجار وهو متعدد الانواع.
و جمال القول في الثقافة المغربية، انها مرتكزة على التراث الاسلامي العربي، و قائمة على ارضيتنا و اصولنا العريقة، و في نفس الوقت تصطبغ بالعصر و بالبيئة التي نعيش فيها ..
و لا ازعم ان ثقافتنا بالامس، هي ثقافة اليوم و الغد.. بحيث تظل بلادنا على لون واحد من الثقافة تتوارثه الاجيال دون تغيير او تبديل – فهذا هو الجمود بعينه، و القضاء على كياننا.. و لكن الثقافة المغربية الحقة هي التي تتكيف مع الزمان و مع مقتضيات الاحوال..
و هذا الموضوع – موضوع الثقافة المغربية – قد وفاه حقه الاستاذ انور الجندي في كتابه:"الفكر و الثقافة المعاصرة في شمال افريقيا" وهو يوصي بان تظل الثقافة المغربية العربية مفتوحة امام الثقافات الاجنبية تأخذ منها و تعطي، و لكن يجب ان تظل قادرة على رفض ما لا يتفق مع كيانها، و مزاج اهلها.. حفاظا على الشخصية العربية الاسلامية، و صونا للذات المغربية و طابعها الخاص.
ذلك اننا اذا امعنا النظر و استعرضنا انواعا من الثقافات، في القديم و الحديث، فاننا نجد ان بعض الثقافات، يغلب عليها الجانب المادي، و البعض يغلب عليه الجانب الروحي، و البعض يتعادل فيه الجانبان .. و لا شك ان معظم ثقافات هذا العصر، تغلب فيها الماديات على الروحانيات اذ كادت المعتقدات الدينية و القيم لاخلاقية، تنعدم منها او تتضاءل، حتى لا تكاد تذكر .. و هذا موضع الخطر بالنسبة الينا، لاننا - و يا للاسف – تقع بلادنا في مفترق الطرق، حيث تتصارع الثقافات المادية، و تتلاطم امواجها في كل وقت و حين..
زيادة على اننا مازلنا في صراع عنيف – لا مع الثقافات المادية و التيارات الوافدة، بل مع انفسنا و ضد بعضنا، فاننا لم نحدد الى الان مفهوم الثقافة المغربية، التي ينبغي ان ناخذ بها انفسنا، و نرى عليها اجيالنا، فمازلنا نتساءل هل ناخذ ذات اليمين، او ذات اليسار، هل نسير مع الماديات الغربية، و نكتفي بقشور مغرياتها و زخارفها، ام نرجع الى التمسك بمعتقداتنا الدينية و اخلاقنا الاصيلة و قيمنا الروحية و سلوكنا القويم، مع التخلق و التعلم بمقتضيات العصر.. ما زلنا في حيرة من امرنا، وما زال أولياؤنا يذهبون في ذلك طرائق قددا..
و مقياس ذلك ، انك لو طرحت سؤالا و قلت: من هو المثقف عندنا، او ما هي المقومات الثقافية التي نكون و نربى عليها اجيالنا..
فالمتشبث بالقيم الروحية، يريد من المثقف ان يكون مومنا مسلما، قولا و عملا، عارفا بما احل الله و ما حرم، مجتنبا النواهي و مؤتمرا باوامر الشريعة.
و المتشبث بالقومية الوطنية، يريد من المثقف – بجانب ما ذكر – ان يكون عربيا غيورا على لغته و دينه و ووطنه..
و المتشبث بالمادية الحديثة، يريد من المثقف ان يكون على قدر كبير او قليل من ثقافة العصر، و من التقنيات و الصناعات، و من اللغات الاجنبية و الشؤون المالية و الاقتصادية، و مشاكل العصر و مجريات الاحوال.
و هكذا.. فالكل يطلب من المثقف الشيء الذي يعنيه.. و هنا يكمن المشكل، فالمتطلبات من المثقف كثيرة و متنوعة، ووقته لا يتسع للاحاطة بها، و لا لبلوغ مداها .. فاذا ضاق به الوقت و انصرف عن جانب، و اكتفى بجانب منها رمي بالقصور او بالزيغ و الضلال..
و نحن نعلم ان الاخذ بمقومات الثقافة له وقت محدود، عندما يكون الطبع قابلا، و الجسم لدنا مرنا –وهو ما دون العشرين او ما دون الثلاثين على اكبر تقدير – لمن اراد ان يتم الرضاعة – رضاعة العلوم و الفنون – و قليل من يتسع له هذا الوقت لاستيعاب فنون الثقافة، و تكوين شخصيته حسب تلك المتطلبات..
فلم نكن نحن وحدنا الذين ضجوا من هذا المشكل، مشكل ازدحام برامج التكوين و التثقيف في مراحل التعليم المتوسط و العالي – فكثير من الامم، عدلت من برامجها التعليمية و الثقافية و قدمت الاهم فالاهم، و اكتفت بما هو ضروري و اساسي، محسنة في نفس الوقت، اساليب التعليم، و مقربة المواد من الاذهان، و الغت في معظمها ما هو نظري، و اعتمت الممارسة و التجربة، و أكثرت من وسائل التطبيق – بهذا امكن لها اختصار الوقت و تزويد الطلاب باكثر ما يمكن من انواع التثقيف، وهي قاعدة "ما لا يمكن كله لا يترك جله او بعضه" التي كان اسلافنا يعملون بها في مضمار التعليم و التثقيف.
ان الثقافة المستوعبة الشاملة، شيء صعب المنال مهما توفرت الاسباب، و اتسع الوقت و تطاول العمر، و اذا كان الامر كذلك، فلتكن الاولية للمقومات النفسية و الفكرية ثم مقومات السلوك و الاخلاق.. و بعدها المقومات المهنية و المعاشية.. لانه لا غنى لاحد عن تقويم نفسه و تحسين اخلاقه..
عليك بالنفس و استكمال فضائلها
فانت بالنفس، لا بالجسم انسان
و لعل هذا هو ميزة ثقافة اجيالنا القديمة، الذين استطاعوا بقليل من الثقافة القويمة الاصيلة ان يقوموا بجلائل الاعمال و يصلوا الى غايات تنقطع دونها الامال..
ان المثقفين ثقافة مهنية محضة، لم تحصن بثقافة اخلاقية واقية، جديرون بان ينقلبوا على المجتمع و يكونوا شرا عليه، و اداة من ادوات التخريب.. و هذا لا يحتاج الى برهان، و المحسوس اعظم برهان..
فهذا الحذر ، و هذا الحس – هو الذي جعل الكثير من المثقفين على اجيالنا، و على مجتمعنا، يلتمسون النجاة و يطلبون السلامة في الرجوع الى الثقافة المغربية الاصيلة، ملتزمين معها ان تكون ثقافة عربية، مطعمة بمقتضيات العصر، مجارية لثقافات الامم الحديثة فيما تحسن فيه المجاراة و تفيد المباراة..
و لا مؤاخذة، اذا اطلت في مفهوم الثقافة العربية المعاصرة..التي هي موضوع هذا الحديث، لاني اريد ان يفهم بادي ذي بدء، المغزى الذى ارمي اليه في تنايا البحث.
ثانيا – مبدأ المعاصرة:
و كذلك لابد من تحديد مبدأ "المعاصرة" التي اجول في مداها، و اتحدث في نطاقها.
ان كثيرا من من متتبعي الاحداث المغربية ، الواقعة في القرون الاخيرة، يذهبون الى ان المغرب لم يدخل باب "العصرالحديث"الا في منتصف القرن الماضي التاسع عشر.. و بالتحديد بعد وقعة اسلي (1844) ثم بعد وقعة تطوان (1860) أي ان المعاصرة للنهضة الحديثة العالمية، لم تبدأ في المملكة المغربية الا منذ قرن و نيف.. وهو امد متأخر جدا عن عصر النهضة الحديثة الذي ابتدأ عند معظم دول اوربا من القرن السادس عشر .. و عند بعض الدول الشرقية ... كال عثمان و مصر و لبنان منذ نحو قرنين .. أي في اواخر القرن الثامن عشر.. و لكننا اذا عرفنا ان مدافع نابليون هي التي ايقظت الشرق يوم ضرب الشواطئ المصرية و ضرب يافا و غيرها.. ادركنا ان في اذان المغاربة، كاذان المشارقة، صمما بالغا، لا يوقظه و لا يسمعه الا قصف المدفع، و رجع الرجات، وهز الرجفات، و ما يدرينا.. ماذا كان يكون حال المغاربة، لو لم تقصف مدافع الفرنسيين و مدافع الاسبان سواحل المغرب و مدنه و حدوده، اكان يظل نائما و يغط في سباته..
اقول ، و قد افاق الشرق ذعرا
من الحا الشبيهة بالمنام
اقول بصوته لحماة دار
رماها من بغاة الغرب رام
بنا عطل السماع، فاسمعونا
بقعقعة الحديد لدى الصدام
وهي ابيات لشاعر القطرين خليل مطران لما ضرب الاسطول الايطالي شواطئ لبنان.
على أي حال، فان المغرب ادركته اليقظة في ذلك الحين.. و كانت يقظة بطيئة متمهلة.. او يقظة متثائبة.. متمطية، لا يقظة مستوفزة، فلا اريد ان اطيل، و استعرض تلك الاحداث الاليمة، و تلك النتائج المفجعة التي ترتبت عن احتلال تطوان و عن احتلال وجدة و الحدود الشرقية..
و انما الذي اريد استرعاء الانتباه اليه، هو ان كثيرا من اجزاء المغرب و مدنه الساحلية وقعت قبل ذلك بكثير تحت ايدي المغيرين .. فلقد احتل البرتغال سبتة سنة 1415، و احتلوا طنجة سنة 1471 – أي قبل سقوط غرناطة بنحو 21 سنة، لذلك كان المهاجرون الاندلسيون لا يمرون على طنجة و سبتة المحتلتين بل كانوا يلتمسون طريقهم عبر موانئ الريف او مرتيل – و هذا ايضا هو السبب في ان سكان طنجة لا ينتمون الى العنصر الاندلسي. كما احتلوا غيرها من مدن السواحل و كذلك الاسبان احتلوا مليلية سنة 1496 – و بعدها العرائش عام 1019 ه و غير ذلك مما نتج عن التوزيع الاستعماري القديم بمقتضى الاتفاق المبرم، بين تينك الدولتين الاستعماريتين و المصادق عليه من البابا الكسندر السادس سنة 1494 الذي كان يقضي بتقسيم المغرب شطرين ، من حجرة باديس شرقا لاسبانيا، و منها غربا للبرتغال.. و قد طال احتلال تلك الدولتين لجل السواحل المغربية، امادا طويلة، و الحضارة العالمية قائمة انذاك على مسمع و مراى من الجميع.. و الخطر محدق بالمغرب من كل جانب.. منذ ذلك الحين وهو يرى و يعي الاحداث.. و يتتبع عن كثب ما عليه الامم المجاورة، من تقدم و رقي ، و مع ذلك لم يستيقظ و لم يأخذ بأسباب النهضة و المعاصرة الا عند وقعة اسلي ووقعة تطوان..
اننا لو ربطنا الأسباب بالمسببات، ورددنا الاشياء الى اشباهها، لقلنا ان نهضة المغرب و اخذه باسباب المعاصرة كان يجب ان تبدأ باحتلال البرتغال الاول لسبتة سنة 1415 م (819 ه) لا باحتلال الاسبان لتطوان سنة 1860 م. او بالاحرى بعد وقعة وادي المخازن سنة 1578 التي انتصر فيها المغرب ايما انتصار و اندحر فيها البرتغال و احلافه ايما اندحار.. و لكن لكل اجل كتاب.
ثالثا – مدلول الشمال
و اما اقليم الشمال، الذي نحصر في حدوده هذا البحث، فهو من عرف الجغرافيين، هو ما يقابل الجنوب.. أي ان المغرب منذ ان خلقه الله فيه شمال و جنوب كسائر البلدان – فهذا الشمال، معروف و محدود من بعض الجهات الا انه لم يحدد بكيفية طبيعية من جهة جنوبه، و ان كان البعض يريد تحديده بوادي سبو، فتدخل فيه اجزاء من اقاليم الرباط ، و مكناس، و فاس و مجموع اقليمي تطوان و طنجة و الريف. و اما التحديد الاداري المتعارف عليه ابان الحمايتين الفرنسية و الاسبانية، فانه تحديد تحكمي، بعيد عن الحقيقة و الواقع.. هذا و ان الطريف في الامر، ان الرياضيين اصابوا عندما يتحدثون عن شطر الشمال، و شطر الجنوب، في القسمين الرياضيين لكرة القدم.. قائلين للقسم الوطني الاول: شطر الشمال، فيدخلون فيه الفرق الواقعة ابتداء من الرباط فما فوق.. و للقسم الوطني الثاني، شطر الجنوب، قاصدين الفرق الواقعة ابتداء من البيضاء فما دونها جنوبا..
ترى، هل نذهب مع الرياضيين.. ام نسير مع الاداريين.
و لعلنا لا نعدو الحقيقة، اذا قلنا ان شمال المغرب له وحدته و كيانه المتميز.. و ذلك يتجلى في الوحدة المتماسكة طبيعيا و اجتماعيا، بين اقاليم الرباط و فاس و طنجة و تطوان و ما اليها من المدن و البلدان.. و ربما كانت هذه الوحدة المتماسكة هي ما رعاه التقسيم الاداري الاخير حين اضاف بعض الاقاليم الى بعض.. فجعل بعض تلك الاقاليم تندمج اقتصاديا في اقليم واحد، حيث اعتبر اقليم الشمال يمتد الى ابواب الرباط.. الا انه لم يعتبر معه ما يتعلق بمكناس و فاس.
و لكن في هذا الحديث، و رغبة في الاختصار.. اراني مضطرة الى تضييق النطاق شيئا ما .. فاقتصر على ما يتعلق بالمدينتين الرئيسيتين في الشمال: طنجة و تطوان، و ما اليهما..
دور الشمال:
و معلوم ان الشمال بهذا المعنى الخاص، له دور هام في تاريخ المغرب، قديما و حديثا.. فنحن اذا نظرنا الى موقعه في الخريطة المغربية، ادركنا بالبداهة مدى خطورته و اهميته.. فهو باب المغرب ، و طريق مواصلاته البرية و البحرية منذ قديم الزمان.. فمن سواحله دخل الفاتحون، و عن طرقه اجتازوا من الشرق، وواصلوا سيرهم الى بقية التخوم و الثغور المغربية.. ثم منه خرجت الافواج عبر التاريخ الى المحيط، و الى الابيض المتوسط، و الى البوغاز.. فكل الحركات الواقعة في المغرب ذهابا و ايابا، فهي من هذا الاقليم و اليه.. و معظم المدن العريقة في القدم: طنجة ، سبتة، تمودة، و ليلي، شميس او لكسوس، تطوان القديمة، روسادير (مليلية)، و اخريات.. كلها واقعة في هذا الاقليم الشمالي – مما اضفى عليه صفة خاصة، ربطته بالخارج في بعض الاحيان، اكثر من ارتباطه بالداخل، و لاسيما طنجة التي كان يضاف اليها المغرب كله قديما عندما كانوا يقولون موريطانيا الطنجية، و يقصدون المغرب كله او معظمه، و نجد في خرائب وليلي الرومانية، بابا يعرف بباب طنجة ، كانت تسير منه العربات الرومانية على عجلات حديدية في طريق ممهدة عبر الشمال الى ميناء طنجة، و لعله اول طريق من نوعه في عموم المغرب.. و ذلك ما جعل المولى ادريس الاكبر يتخذ في اول امره طنجة مقرا لحكمه ثم انتقل الى وليلي لما راها متصلة بطنجة وواقعة بين قبائل اوربة و غيرها من القبائل الموالية له.. و كذلك الولاة المسلمون، من عقبة الى موسى ابن نصير.. فقد اتخذوا من طنجة مركز اعمالهم، و منطلق تحركاتهم.. و فيها استخلف موسى بن نصير ، مولاه طارق بن زياد، الحاكم على جميع الاقاليم التابعة له.. فكان طارق وهو من اصل مغربي معروف، اول حاكم مغربي معروف، اول حاكم مغربي مسلم اتخذ طنجة عاصمة ادارية لولاية المغرب بعد الفتح الاسلامي.. و لما وجه الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز بعثة تعليمية تتكون من القراء الفقهاء، لنشر الدين الاسلامي، و بث التعليم العربي بين المغاربة الحديثي العهد بالاسلام، انزلوهم طنجة .. و منها كانوا ينطلقون الى سائر النواحي، يعلمون القران و تعاليم الدين الحنيف- فكانت طنجة ايضا من هذه الوجهة اول منار شع منه نور الهداية الاسلامية الى جميع ارجاء الوطن المغربي.. و بطبيعة الحال فلابد من مسجد جامع بطنجة يكون مقرا لهذه البعثة التعليمية الاسلامية الاولى و ان كان التاريخ لا يسعفنا بذكر هذا المسجد الاول.. و لكننا نفترض وجوده لاقامة الشعائر الدينية ، و لاتخاذه مدرسة للتعليم و الارشاد، شأن سائر المساجد حيثما كانت. و كل ما نعلمه ، هو انه كان بالموضع الذي عليه المسجد الاعظم الان، مسجد قديم حول الى كنيسة في عهد البرتغال، ثم اعيد بناؤه مسجدا، لما استعيدت طنجة من الانجليز.
و لعل من المفيد ان نذكر بالمناسبة بعض المساجد الاولى المؤسسة هناك من قبل موسى بن نصير، و اصحابه، في الاقليم القريب من طنجة، اذذ اسعفنا التاريخ بذكرها .. منها مسجد اشرافات بغمارة، في قبيلة الاخماس، على بعد 35 كلم من شفشاون الحالية .. بناه – كما يقول ابن عسكر في كتابه "الدوحة" – طارق بن زياد، اواخر المائة الاولى للهجرة.. و يقال انه اقدم جامع في المغرب.. و قد كان مقرا للعلم و اشتهر بالقراءات العشر.. وهو الان على غير ما كان عليه في سالف العهد – و منها المسجد المعروف بالجامع البيضاء) بقبيلة بني حسان على بعد نحو 30 كلم من تطوان – على ربوة عالية هناك، قرب سوق الاربعاء، و يعرف عند العامة بمسجد الملائكة، تقديرا لشأنه.. وهو مسجد صغير ، يتبرك به الاهالي، و يقدسونه، معتقدين ان من اخذ منه شيئا لابد ان يصاب بسوء، لذلك حماه الله من التلف و الخراب.. و اذا تلاشى منه شيئ اسرعوا الى تلافيه و اصلاحه.. وهم ينسبونه خلفا عن سلف الى موسى بن نصير و يسمونه باسمه في القديم.. غير ان العمارة اصبحت اليوم بعيدة عنه، فلم تعد تقام فيه الصلوات الا قليلا.. و ربما صار مهجورا..
و كانت هناك مساجد اخرى من هذا القبيل تقادمت و اندثرت و لم يبق منها الا الاطلال.. و ما اجدر ان تحيي و ترمم، و ترفع من جديد، و يذكر فيها اسم الله – و لاسيما انها اسست من اول يوم ، من اول عهد هذه البلاد بالاسلام، كمسجد قباء الذي قال الله فيه : "لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه.."
و مما يجدر ذكره ان سبتة كانت اذ ذاك ، بجانب طنجة مدينة عامرة مشهورة، الا انها في ذلك الحين ايام الفتح الاسلامي الاول، ظلت مقرا للحاكم القوطي المعروف باسم يوليان الغماري المزعوم انه من اصل مغربي، من غمارة، حيث انه داهن القائد الفاتح موسى بن نصير، و القى اليه بفروض الطاعة و الولاء، فاقره موسى على عمله.. و في نفس الوقت كان له ارتباط اخر بالقوط، حكام الجزيرة الاندلسية، و حافظ عليه كذلك..
لذلك كان دور سبتة في ذلك العهد الاول، دون الدور العظيم الذي انفردت به طنجة – و اما تطوان فهي وقتئذ لا تكاد تذكر، الا كبلدة مغمورة ليس بمعمورة. لان عمارتها من جديد تأخرت كثيرا..
و مجمل القول في تطوان – على سبيل التذكير – نقلا عن تاريخ تطوان لاستاذنا الحاج محمد داود، ان كثيرا من المؤرخين اشاروا الى انها قديمة العهد و حديثة العمارة. فلقد ذكر الحسن الوزان، المعروف بليون الافريقي : ان مؤسسسيها هم الافارقة الاقدمون، و انها من جملة البلاد المفتتحة من قبل المسلمين حينما فتحوا سبتة و طنجة و ما والاهما، و انها ظلت خالية في القرون الاولى، بسبب ان امراء الادارسة تولوا هدمها و اخلاءها، استجابة لرغبة اهل سبتة، الذين زعموا انها تضر بمرافقهم. و من المحتمل ان يكون سكان تطوان اذ ذاك اتخذوها مركزا للغارات على السواحل ، فكان ذلك سبب خرابها و هجرها، ردحا من الزمان. ثم اشار البكري في كتابه : "المسالك و الممالك"، الى ما يفيد انها اصبحت عامرة في عهده أي في القرن الخامس الهجري، و كذلك الشريف الادريسي ذكرها في كتابه "نزهة المشتاق" وهو من ابناء القرن السادس، بانها حصن بربري مأهول بالسكان. وقد استوطنها في ذلك العهد الشيخ سيدي عبد الله التبين، مهاجرا اليها من غرناطة – و كذلك الشيخ عبد الله الفخار، الذي انتقل من سبتة .. و كلاهما له ضريح مازال مزارة معروفة بتطوان الى الان .. ثم اعتراها ما يقتضي اعادة بنائها من جديد في العهد المريني حيث امر السلطان ابو ثابت المريني بتحصينها سنة 1308 م – 708 ه .. و استمرت في عمارتها مرة اخرى الى ان خربها القراصنة الاسبان و البرتغال اوائل المائة التاسعة من الهجرة.. أي عقب احتلال البرتغال لسبتة 1415 م) و لما اخذت افواج الاندلسيين تصل الى المغرب عقب الجلاء عن غرناطة و مالقة و غيرهما.. قصدها القائد الاندلسي ابو الحسن علي المنظري، و من معه من الغرناطيين الذين كانوا نزلوا فيما قبل بشفشاون – قيل انهم نحو اربعين عائلة و قيل اكثر – فاستوطنوها و عمروها و بنوا سنة 1493 م 898 ه ( أي بعد سقوط غرناطة بنحو عام ) على النحو الذي هي عليه الان تقريبا. ثم تكاثر اليها جموع المهاجرين الاندلسيين و غيرهم من الجزائريين و اهل فاس و الريف.. فاتسع عمرانها و عظم شأنها شيئا فشيئا . و معلوم ان عمارة الاندلسيين لتطوان ، لم تتم الا بمساعدة الشريف علي بن راشد العلمي، باني مدينة شفشاون في ذلك العهد، اذ انه هو الذي اقر الاندلسيين على استيطان تطوان، بعد استئذان امير البلاد السلطان الوطاسي محمد الشيخ .. و ذكر مؤرخ قديم ان القائد المنظري شكا الى الشريف ابن راشد تعسف السكان الجبليين، و افسادهم ما بناه الاندلسيون، فاستقدم ابن راشد اربعمائة فارس، من قبائل الريف لحماية الاندلسيين .. و بوجود اولئك و بحراستهم ساد الامن و تم المشروع .. و من اجل ذلك ظل المنظري و اولاده، في اتصال مستمر، و تعاون وثيق، مع علي بن راشد و ابنائه.. معاونين معهم في تنظيم البلاد و حكمها، و دفع غائلة الاسبان و البرتغال.. وقد توثقت العلائق بين العائلتين .. المعروفة" بالسيدة الحرة" ذات الشهرة و الذكرو تزوج المنظري الحفيد بعائشة بنت علي بن راشد الحميد.. حيث انها استطاعت ان تخلف زوجها في حكم تطوان و ما جاورها، و ان تقوم بقيادة الجيوش بنفسها، و تخوض معارك حامية ضد معاقل الاسبان و البرتغال.. و كان لها اسطول قوي يخوض البحار و يحمي الثغور.. و من اخبارها انها تزوجت ايضا بالسلطان الوطاسي احمد، لما حل بتطوان، متفقدا أحوالها . و لما غادر تطوان فوض اليها حكمها، و تسيير شؤون الاقاليم فقامت بذلك خير قيام، و كان لها صوت في الخارج و تحدث عنها الافرنج باعجاب، و لها مراسلات معهم و علاقات دولية مدونة في التاريخ باسم الاميرة حاكمة تطوان.. الى غير ذلك من اخبارها العجيبة مما جعل المؤرخين يسجلون هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ تطوان بل في تاريخ المغرب كله.. حيث ان الانفراد بالحكم لم يتفق لامرأة اخرى بالمغرب.. اللهم الا ما كان من زهور الوطاسية التي تحدث عنها التاريخ بانها حكمت فاس نحو عام في ظروف حرجة مماثلة قبل ان يتمكن الوطاسيون من الحكم. و اما الاميرة خناتة زوجة المولى اسماعيل ووالدة الملك عبد الله فانها لم تنفرد بالحكم قط، اذ ان نفوذها لم يكن يصل الى البت في الامور، و مزاولة السلطة الفعلية في حرية و تفويض..فالمكتوبات الرسمية التي كانت تصدر عن خناتة لم تكن تتجاوز دور الوساطات، او ما يسمى بالتدخلات .. و كذلك ضرتها المعروفة بالاميرة ام العز.. فهي دون ذلك بكثير .. و حتى لقب الاميرة، او الملكة، او السلطانة، فانه لم يكن يخلع بصفة رسمية، على زوجات الملوك و بناتهم و انما على سبيل التحلية و الاكرام.. على انني وقفت اخيرا على رسالة رسمية محفوظة في مجموعة الوثائق الرسمية باسبانيا، وجهتها للافاطمة زوجة السلطان سيدي محمد بن عبد الله الى الاميرة الاسبانية مدام لويزة دي اسطورياس زوجة الامير الاسباني الذي اصبح ملكا باسم كارلوس الثالث. جوابا من اميرتنا عن رسالة سابقة، واردة اليها من الاميرة الاسبانية المذكورة، تطلب فيها منها تسريح اسيرات اسبانيات فاجابتها اميرتنا بان ليس بالمغرب – وقتها – اسيرات اسبانيات، قائلة "لو كان عندنا اسيرات سرحناهن لاجل خاطرك" .. و ذاكرة انها وجهت اليها على سبيل الهدية قيسارية من اللوبان (علبة صفراء للحلي) و زوج دمالج من ذهب قائلة : "هما من الذهب الذي يأتينا من جناوة متاعنا - و هما من الحلية التي نستعملها في ايدينا ، تفكرة من عندنا اليك".
فالرسالة بسيطة في اسلوبها و تفكيرها، مما يدل على انها صادرة من للافاطمة نفسها مباشرة.. و لكن الذي لفت نظري بغرابة من الرسالة هو انها تحمل في طالعتها عبارة : "من السلطانة العظيمة بالمملكة المغربية لالتنا فاطمة ادام الله عزها، زوجة مولانا السلطان الاعظم سلطان مراكش و فاس و مكناسة و تافيلالت و سوس و درعة نصره الله.. " مما يدل على ان الرسالة صدرت عنها بوصفها "سلطانة عظيمة بالمملكة المغربية" وهو وصف غير مألوف.. الا ان يكون الكاتب السلطاني الذي تولى توجيه الرسالة اراد ان يخلع على الكاتبة القاب الفخامة، قصد اكبارها في عين الاميرة الاسبانية المكتوب اليها.. و هذا جانب مهم من تاريخنا النسائي يحتاج الى مزيد بيان لا يتسع المقام للاسترسال فيه، وربما افرده بحديث اخر ان شاء الله..
و إلى الحلقة القادمة.
و لكن في هذا الحديث، و رغبة في الاختصار.. اراني مضطرة الى تضييق النطاق شيئا ما .. فاقتصر على ما يتعلق بالمدينتين الرئيسيتين في الشمال: طنجة و تطوان، و ما اليهما..
دور الشمال:
و معلوم ان الشمال بهذا المعنى الخاص، له دور هام في تاريخ المغرب، قديما و حديثا.. فنحن اذا نظرنا الى موقعه في الخريطة المغربية، ادركنا بالبداهة مدى خطورته و اهميته.. فهو باب المغرب ، و طريق مواصلاته البرية و البحرية منذ قديم الزمان.. فمن سواحله دخل الفاتحون، و عن طرقه اجتازوا من الشرق، وواصلوا سيرهم الى بقية التخوم و الثغور المغربية.. ثم منه خرجت الافواج عبر التاريخ الى المحيط، و الى الابيض المتوسط، و الى البوغاز.. فكل الحركات الواقعة في المغرب ذهابا و ايابا، فهي من هذا الاقليم و اليه.. و معظم المدن العريقة في القدم: طنجة ، سبتة، تمودة، و ليلي، شميس او لكسوس، تطوان القديمة، روسادير (مليلية)، و اخريات.. كلها واقعة في هذا الاقليم الشمالي – مما اضفى عليه صفة خاصة، ربطته بالخارج في بعض الاحيان، اكثر من ارتباطه بالداخل، و لاسيما طنجة التي كان يضاف اليها المغرب كله قديما عندما كانوا يقولون موريطانيا الطنجية، و يقصدون المغرب كله او معظمه، و نجد في خرائب وليلي الرومانية، بابا يعرف بباب طنجة ، كانت تسير منه العربات الرومانية على عجلات حديدية في طريق ممهدة عبر الشمال الى ميناء طنجة، و لعله اول طريق من نوعه في عموم المغرب.. و ذلك ما جعل المولى ادريس الاكبر يتخذ في اول امره طنجة مقرا لحكمه ثم انتقل الى وليلي لما راها متصلة بطنجة وواقعة بين قبائل اوربة و غيرها من القبائل الموالية له.. و كذلك الولاة المسلمون، من عقبة الى موسى ابن نصير.. فقد اتخذوا من طنجة مركز اعمالهم، و منطلق تحركاتهم.. و فيها استخلف موسى بن نصير ، مولاه طارق بن زياد، الحاكم على جميع الاقاليم التابعة له.. فكان طارق وهو من اصل مغربي معروف، اول حاكم مغربي معروف، اول حاكم مغربي مسلم اتخذ طنجة عاصمة ادارية لولاية المغرب بعد الفتح الاسلامي.. و لما وجه الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز بعثة تعليمية تتكون من القراء الفقهاء، لنشر الدين الاسلامي، و بث التعليم العربي بين المغاربة الحديثي العهد بالاسلام، انزلوهم طنجة .. و منها كانوا ينطلقون الى سائر النواحي، يعلمون القران و تعاليم الدين الحنيف- فكانت طنجة ايضا من هذه الوجهة اول منار شع منه نور الهداية الاسلامية الى جميع ارجاء الوطن المغربي.. و بطبيعة الحال فلابد من مسجد جامع بطنجة يكون مقرا لهذه البعثة التعليمية الاسلامية الاولى و ان كان التاريخ لا يسعفنا بذكر هذا المسجد الاول.. و لكننا نفترض وجوده لاقامة الشعائر الدينية ، و لاتخاذه مدرسة للتعليم و الارشاد، شأن سائر المساجد حيثما كانت. و كل ما نعلمه ، هو انه كان بالموضع الذي عليه المسجد الاعظم الان، مسجد قديم حول الى كنيسة في عهد البرتغال، ثم اعيد بناؤه مسجدا، لما استعيدت طنجة من الانجليز.
و لعل من المفيد ان نذكر بالمناسبة بعض المساجد الاولى المؤسسة هناك من قبل موسى بن نصير، و اصحابه، في الاقليم القريب من طنجة، اذذ اسعفنا التاريخ بذكرها .. منها مسجد اشرافات بغمارة، في قبيلة الاخماس، على بعد 35 كلم من شفشاون الحالية .. بناه – كما يقول ابن عسكر في كتابه "الدوحة" – طارق بن زياد، اواخر المائة الاولى للهجرة.. و يقال انه اقدم جامع في المغرب.. و قد كان مقرا للعلم و اشتهر بالقراءات العشر.. وهو الان على غير ما كان عليه في سالف العهد – و منها المسجد المعروف بالجامع البيضاء) بقبيلة بني حسان على بعد نحو 30 كلم من تطوان – على ربوة عالية هناك، قرب سوق الاربعاء، و يعرف عند العامة بمسجد الملائكة، تقديرا لشأنه.. وهو مسجد صغير ، يتبرك به الاهالي، و يقدسونه، معتقدين ان من اخذ منه شيئا لابد ان يصاب بسوء، لذلك حماه الله من التلف و الخراب.. و اذا تلاشى منه شيئ اسرعوا الى تلافيه و اصلاحه.. وهم ينسبونه خلفا عن سلف الى موسى بن نصير و يسمونه باسمه في القديم.. غير ان العمارة اصبحت اليوم بعيدة عنه، فلم تعد تقام فيه الصلوات الا قليلا.. و ربما صار مهجورا..
و كانت هناك مساجد اخرى من هذا القبيل تقادمت و اندثرت و لم يبق منها الا الاطلال.. و ما اجدر ان تحيي و ترمم، و ترفع من جديد، و يذكر فيها اسم الله – و لاسيما انها اسست من اول يوم ، من اول عهد هذه البلاد بالاسلام، كمسجد قباء الذي قال الله فيه : "لمسجد اسس على التقوى من اول يوم احق ان تقوم فيه.."
و مما يجدر ذكره ان سبتة كانت اذ ذاك ، بجانب طنجة مدينة عامرة مشهورة، الا انها في ذلك الحين ايام الفتح الاسلامي الاول، ظلت مقرا للحاكم القوطي المعروف باسم يوليان الغماري المزعوم انه من اصل مغربي، من غمارة، حيث انه داهن القائد الفاتح موسى بن نصير، و القى اليه بفروض الطاعة و الولاء، فاقره موسى على عمله.. و في نفس الوقت كان له ارتباط اخر بالقوط، حكام الجزيرة الاندلسية، و حافظ عليه كذلك..
لذلك كان دور سبتة في ذلك العهد الاول، دون الدور العظيم الذي انفردت به طنجة – و اما تطوان فهي وقتئذ لا تكاد تذكر، الا كبلدة مغمورة ليس بمعمورة. لان عمارتها من جديد تأخرت كثيرا..
و مجمل القول في تطوان – على سبيل التذكير – نقلا عن تاريخ تطوان لاستاذنا الحاج محمد داود، ان كثيرا من المؤرخين اشاروا الى انها قديمة العهد و حديثة العمارة. فلقد ذكر الحسن الوزان، المعروف بليون الافريقي : ان مؤسسسيها هم الافارقة الاقدمون، و انها من جملة البلاد المفتتحة من قبل المسلمين حينما فتحوا سبتة و طنجة و ما والاهما، و انها ظلت خالية في القرون الاولى، بسبب ان امراء الادارسة تولوا هدمها و اخلاءها، استجابة لرغبة اهل سبتة، الذين زعموا انها تضر بمرافقهم. و من المحتمل ان يكون سكان تطوان اذ ذاك اتخذوها مركزا للغارات على السواحل ، فكان ذلك سبب خرابها و هجرها، ردحا من الزمان. ثم اشار البكري في كتابه : "المسالك و الممالك"، الى ما يفيد انها اصبحت عامرة في عهده أي في القرن الخامس الهجري، و كذلك الشريف الادريسي ذكرها في كتابه "نزهة المشتاق" وهو من ابناء القرن السادس، بانها حصن بربري مأهول بالسكان. وقد استوطنها في ذلك العهد الشيخ سيدي عبد الله التبين، مهاجرا اليها من غرناطة – و كذلك الشيخ عبد الله الفخار، الذي انتقل من سبتة .. و كلاهما له ضريح مازال مزارة معروفة بتطوان الى الان .. ثم اعتراها ما يقتضي اعادة بنائها من جديد في العهد المريني حيث امر السلطان ابو ثابت المريني بتحصينها سنة 1308 م – 708 ه .. و استمرت في عمارتها مرة اخرى الى ان خربها القراصنة الاسبان و البرتغال اوائل المائة التاسعة من الهجرة.. أي عقب احتلال البرتغال لسبتة 1415 م) و لما اخذت افواج الاندلسيين تصل الى المغرب عقب الجلاء عن غرناطة و مالقة و غيرهما.. قصدها القائد الاندلسي ابو الحسن علي المنظري، و من معه من الغرناطيين الذين كانوا نزلوا فيما قبل بشفشاون – قيل انهم نحو اربعين عائلة و قيل اكثر – فاستوطنوها و عمروها و بنوا سنة 1493 م 898 ه ( أي بعد سقوط غرناطة بنحو عام ) على النحو الذي هي عليه الان تقريبا. ثم تكاثر اليها جموع المهاجرين الاندلسيين و غيرهم من الجزائريين و اهل فاس و الريف.. فاتسع عمرانها و عظم شأنها شيئا فشيئا . و معلوم ان عمارة الاندلسيين لتطوان ، لم تتم الا بمساعدة الشريف علي بن راشد العلمي، باني مدينة شفشاون في ذلك العهد، اذ انه هو الذي اقر الاندلسيين على استيطان تطوان، بعد استئذان امير البلاد السلطان الوطاسي محمد الشيخ .. و ذكر مؤرخ قديم ان القائد المنظري شكا الى الشريف ابن راشد تعسف السكان الجبليين، و افسادهم ما بناه الاندلسيون، فاستقدم ابن راشد اربعمائة فارس، من قبائل الريف لحماية الاندلسيين .. و بوجود اولئك و بحراستهم ساد الامن و تم المشروع .. و من اجل ذلك ظل المنظري و اولاده، في اتصال مستمر، و تعاون وثيق، مع علي بن راشد و ابنائه.. معاونين معهم في تنظيم البلاد و حكمها، و دفع غائلة الاسبان و البرتغال.. وقد توثقت العلائق بين العائلتين .. المعروفة" بالسيدة الحرة" ذات الشهرة و الذكرو تزوج المنظري الحفيد بعائشة بنت علي بن راشد الحميد.. حيث انها استطاعت ان تخلف زوجها في حكم تطوان و ما جاورها، و ان تقوم بقيادة الجيوش بنفسها، و تخوض معارك حامية ضد معاقل الاسبان و البرتغال.. و كان لها اسطول قوي يخوض البحار و يحمي الثغور.. و من اخبارها انها تزوجت ايضا بالسلطان الوطاسي احمد، لما حل بتطوان، متفقدا أحوالها . و لما غادر تطوان فوض اليها حكمها، و تسيير شؤون الاقاليم فقامت بذلك خير قيام، و كان لها صوت في الخارج و تحدث عنها الافرنج باعجاب، و لها مراسلات معهم و علاقات دولية مدونة في التاريخ باسم الاميرة حاكمة تطوان.. الى غير ذلك من اخبارها العجيبة مما جعل المؤرخين يسجلون هذه الظاهرة الفريدة في تاريخ تطوان بل في تاريخ المغرب كله.. حيث ان الانفراد بالحكم لم يتفق لامرأة اخرى بالمغرب.. اللهم الا ما كان من زهور الوطاسية التي تحدث عنها التاريخ بانها حكمت فاس نحو عام في ظروف حرجة مماثلة قبل ان يتمكن الوطاسيون من الحكم. و اما الاميرة خناتة زوجة المولى اسماعيل ووالدة الملك عبد الله فانها لم تنفرد بالحكم قط، اذ ان نفوذها لم يكن يصل الى البت في الامور، و مزاولة السلطة الفعلية في حرية و تفويض..فالمكتوبات الرسمية التي كانت تصدر عن خناتة لم تكن تتجاوز دور الوساطات، او ما يسمى بالتدخلات .. و كذلك ضرتها المعروفة بالاميرة ام العز.. فهي دون ذلك بكثير .. و حتى لقب الاميرة، او الملكة، او السلطانة، فانه لم يكن يخلع بصفة رسمية، على زوجات الملوك و بناتهم و انما على سبيل التحلية و الاكرام.. على انني وقفت اخيرا على رسالة رسمية محفوظة في مجموعة الوثائق الرسمية باسبانيا، وجهتها للافاطمة زوجة السلطان سيدي محمد بن عبد الله الى الاميرة الاسبانية مدام لويزة دي اسطورياس زوجة الامير الاسباني الذي اصبح ملكا باسم كارلوس الثالث. جوابا من اميرتنا عن رسالة سابقة، واردة اليها من الاميرة الاسبانية المذكورة، تطلب فيها منها تسريح اسيرات اسبانيات فاجابتها اميرتنا بان ليس بالمغرب – وقتها – اسيرات اسبانيات، قائلة "لو كان عندنا اسيرات سرحناهن لاجل خاطرك" .. و ذاكرة انها وجهت اليها على سبيل الهدية قيسارية من اللوبان (علبة صفراء للحلي) و زوج دمالج من ذهب قائلة : "هما من الذهب الذي يأتينا من جناوة متاعنا - و هما من الحلية التي نستعملها في ايدينا ، تفكرة من عندنا اليك".
فالرسالة بسيطة في اسلوبها و تفكيرها، مما يدل على انها صادرة من للافاطمة نفسها مباشرة.. و لكن الذي لفت نظري بغرابة من الرسالة هو انها تحمل في طالعتها عبارة : "من السلطانة العظيمة بالمملكة المغربية لالتنا فاطمة ادام الله عزها، زوجة مولانا السلطان الاعظم سلطان مراكش و فاس و مكناسة و تافيلالت و سوس و درعة نصره الله.. " مما يدل على ان الرسالة صدرت عنها بوصفها "سلطانة عظيمة بالمملكة المغربية" وهو وصف غير مألوف.. الا ان يكون الكاتب السلطاني الذي تولى توجيه الرسالة اراد ان يخلع على الكاتبة القاب الفخامة، قصد اكبارها في عين الاميرة الاسبانية المكتوب اليها.. و هذا جانب مهم من تاريخنا النسائي يحتاج الى مزيد بيان لا يتسع المقام للاسترسال فيه، وربما افرده بحديث اخر ان شاء الله..
و إلى الحلقة القادمة.
الزاهوية- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 62
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 14/12/1976
تاريخ التسجيل : 16/09/2012
العمر : 47
رد: الثقافة في شمال المغرب
الثقافة العربية المعاصرة في شمال المملكة المغربية -2-
دعوة الحق
158 العدد
تعريب الشمال
فنعود لاتمام ما كنا فيه من التذكير بأيام طنجة الاولى .. ايام الفتح الاسلامي ، حينما كانت طنجة عاصمة الولاية المغربية بأسرها .. اتخذها – كما اسلفنا – كل من طارق وادريس الاول عاصمة المغرب الادارية وعاصمة المغرب الثقافية بنزول اول بعثة ثقافية عربية فيها ، التى قال ابن خلدون في شأنها : " ان موسى ابن نصير انزل بطنجة عربا مع طارق وامرهم ان يعلموا البربر القرآن والفقه " – وقال غيره : انهم كانوا سبعة عشر – ويذكر البعض اسماءهم – وذلك كله حسب ما قلنا – بتدبير من الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذى اهتم اهتماما زائدا بهذه الجهة من خلافته الواسعة ، قصد توطيد اسباب العروبة والاسلام فيها الى الابد ، الامر الذى تحقق والحمد لله ، اذ لم تمر فترة وجيزة حتى رأينا الاقليم وما والاه قد تعرب واهتدى وصار من دعاة الاسلام المتحمسين لنشره ، والذب عنه . فهذا قائدهم طارق قد دعاهم بأمر من موسى الى غزو الاندلس سنة 92 ه فاستجابوا وخطب فيهم ارتجالا خطبته المشهورة قائلا يحمسهم حين فصل بهم البوغاز : البحر وراءكم ، والعدو امامكم ، فليس لكم والله الا الصبر .. الى آخر االخطبة .. ففعلت فيهم الخطبة فعل السحر ، فاندفعوا واكتسحوا الجزيرة جلها ، فى بضعة شهور ، مما دل على صدق ايمانهم وخلوص عروبتهم . وما زال بعض الباحثين فى شك من صدور الخطبة المذكورة من طارق ، نظرا لفصاحتها وسبكها المتين ، ونظرا لكون الجيش المكون من ابناء جموع البربر – مع قلة من ابناء العرب – لا يمكن ان يصل فى تلك المدة الوجيزة ، الى مستوى يتأتى معه ان يستوعب الخطبة ويندفع تحت تأثيرها .. وانا مضطرة هنا لدحض ما يقوله اولئك المتشككون وللذب فى ودوههم عن ذلك الاثر الادبي النفيس الذى يقد بحق – فيما علم – اقدم نص نثري فني عربي فى هذه الديار المغربية كافة ، لا فى الديار الشمالية فحسب ، واني موجزة القول فى ذلك ما امكن .
ان النقاد ازاء خطبة طارق هم ما بين منكر ومتشكك ومقتنع .. شانهم فى ذلك مع كثير من الآثار الادبية القديمة الصادرة عن اصحابها فى عهود قلت فيها وسائل التدوين او انعدمت بالمرة .. واني لا تذكر كيف ان اساتذتنا فى التعليم الاولي كانوا يحرصون على ان يحفوظونا خطبة طارق هذه .. كما كانوا يحفظوننا خطبة قس بن ساعدة الشهيرة – وخطبة المولى ادريس الثاني .. فكنا نجد لهذه الخطب رنة وغنة .. ونستشعر طلاوتها وحلاوتها .. ولكن لما انتقلنا ونقرا فى بعض الكتب ان خطبة المولى ادريس مفتعلة وان خطبة قس منتحلة ( رغم ان من رواتها نبينا العربي عليه الصلاة السلام كما فى السيرة النبوية ) . وان خطبة طارق موضوعة مصنوعة .. واقوالا اخرى جعلتنا نشك فى سائر ما ينسب الى الاقدمين .
بيد ان النقد النزيه والبحث الحصيف توليا الكشف عن الحقيقة واثبتا صحة صدور تلك الخطب عن اصحابها مما لا يدع شكا ولا يقبل ترددا .
وفيما يخص خطبة طارق فان الذين تولوا افك التشكيك فيها هم فى الواقع احد فريقين ، اما فريق اجنبي تمثل فى زمرة من المستشرقين المولعين باثارة الشبهات والشكوك فى كل ما لم يجدوه مسطورا ومدونا فى حينه على الاضابير والاحافير القديمة .. واما فريق من اخواننا الشرقيين الذين يحلو لهم ترديد ما يصدر عن اولئك المتشككين ..
والكل يعلم ان التدوين كان شائعا فى الصدر الاول للاسلام : بيد ان الرواية والاتكال على البديهة والذاكرة كانت اغلب على القوم فى جل ما يصدر عنهم فى مجالسهم ومواقفهم من نثر وشعر . كما ان الجميع يعلم ان الخطب كانت اجل ما يتخاطب به العرب القدماء وانها اكبر وسيلة من وسائل الاعلام عندهم لتبليغ الاوامر وبث الافكار ونشر الوعي والدعوة والتحريض .. فالقائد العام يخطب فى جنده كلما عقد لهم لواء ووجههم الى زحف .. وقائد المعركة يخطب فى كتائبه كلما دفع بهم لخوض معركة .. فلماذا نريد من طارق ان يشذ عن هذه القاعدة المتبعة آنذاك وهو القائد المتمكن من اصول العروبة وتقاليدها العسكرية .. ولماذا نستكثر عليه ان يخطب فى جنده وهو قد دفع بهم لفتح صقع لا عهد للعرب بمثله وراء البحار ..
انني رأيت بعيني لوحة مرسومة من طرف رسام اجنبي قديم فى متحف اوربي .. تمثل طارق بن زياد وسط جيشه الباسل وهو يخطب فيهم ويستثير حميتهم وهم يهتفون ويلوحون .. فهل ذلك الرسام الاجنبي افتعل هو ايضا من مخيلته ذلك المنظر .. واغلب الظن انه لم يسجل ذلك الموقف فى لوحته الا لما شاع وتوارثه قومه من اخبار الفتح الاسلامي الذي ما زال اذ ذاك عالقا بأذهانهم لم تغب عنهم معالمه وحقائقه ..
ان ( الحقيقة والخيال ) كثيرا ما يجور احدهما على الآخر .. او بالاحرى طغيان اوهام الخيال على معالم الحقيقة الناصعة ، فلولا اجنحة الخيال الجامحة لما تشكك الشاكون فيما اثر عن العرب الاقدمين من شعر ونثر .. ولما تشككوا فى بعض ما اثر عن زعماء المسلمين الاولين .. فهذه رسالة عمر الشهيرة التى وضعت اول مسطرة قضائية فى الاسلام .. وهذه خطب علي بن ابي طالب ورسائله التى جمعها اصحابه واعتبروها " نهج البلاغة " فى الآداب العربية الاسلامية .. لقد خاض قوم فى شانها بحور ظلمات الانكار ووغلوا فى دروب التيه والضلال ، منكرين صحة تلك الآثار واثاروا فى وجهها عجاج الشبهات والشكوك .
وكذلك خطبة طارق ، فلقد طغى ازاءها ( الخيال ) الجامح على ( الحقيقة ) الثابتة .. فلو كان الامر يتعلق ببعض عبارات لخطبة لكان فى البحث متسع ، ولاخذ الرد مجال ، اذ يبدو شيء من التزيد فى بعض فقراتها .. نتيجة لتداولها بين الرواة عبر القرون والاجيال .. اما ان يكون الانكار يأتي عليها من اساسها فهذ ما لا سبيل الى قبوله والخوض فى ميدانه ، ما دام يرمي الى هدم لبنة غالية من صرح تاريخنا الادبي ومجدنا العربي ، لا يخص تاريخ الجزء الشمالي وحده بل تاريخنا الوطني الشامل ..
وبالاجمال فان هناك اكثر من دليل على صحة الخطبة وعلى عروبة طارق . . وعلى ان سكان ذلك الاقليم قد تعربوا بسرعة ، فكانوا والحق يقال اول اقليم تعرب فى المغرب وحافظ على عروبته فى صدق وامانة عبر الاجيال . وهذا ما نشاهده اليوم فى سكانه المعروفين " بجبالة " من كونهم يمتازون بنوع من العروبة الخالصة لا تشاهد عند غيرهم ، توارثوها منذ ذلك الحين .. بل هناك شواهد اخرى على سرعة انتشار العربية فى جوانب الاقليم وما جاوره شرقا وجنوبا .. فهذه سبتة بدورها قد تعربت فى ذلك الحين ، ونبغ فيها علماء وشعراء معروفون باسمائهم وانتاجهم العربي ، وهذه اصيلة انجبت كثيرا من فطاحل العلماء فى ذلك الوقت المبكر .. وكذلك مدينة البصرة – القريبة من القصر الكبير ، والمندثرة اليوم .. نبغ فيها علماء وادباء مذكورة اسماؤهم فى كتب التاريخ .. بل ان اثر طنجة التعريبي المبكر – نجده جنوبا فى مدينة وليلي الادريسية وما حولها ( وبفضلها تأسست مدينة فاس حسبما سطر فى التاريخ ) – كما نجده شرقا فى اقليم الريف حيث تأسست مدينة النكور العربية ، فى صدر المائة الثانية من الهجرة ( القريبة من الحسيمة ) على يد صالح بن منصور الحميري وابنائه الذين اسسوا هناك دولة عربية قامت بجلائل الاعمال من بناء المساجد ، ونشر الثقافة العربية ، وتشجيع العلماء والادباء، واستقدامهم من سائر الاطراف .. وفى النكور هذه نزل الامير الاموي عبد الرحمن الداخل ، اواخر المائة الثانية ، ومنها عبر الى الاندلس واسس الدولة الاموية العظيمة ..
لماذا نشك فى سرعة تعريب المغرب فى ذلك الحين خلال نحو ربع قرن او يزيد ، ونحن شاهدناه اليوم قد تفرنس فى اقل من ذلك بكثير ..
ان اعداء العروبة فى هذه الديار ، وفى خارجها ، هم الذين يزرعون هذه الشكوك ، ويوهموننا بمختلف الاقاويل بان المغرب بربري بعيد عن العروبة .
فنصل من هذا العرض الوجيز الى ان هذا الشمال قد تعرب وانه عن طريقه وبفضله تعربت بقية اجزاء المغرب واهتدت الى الصراط المستقيم .
فنعود لاتمام ما كنا فيه من التذكير بأيام طنجة الاولى .. ايام الفتح الاسلامي ، حينما كانت طنجة عاصمة الولاية المغربية بأسرها .. اتخذها – كما اسلفنا – كل من طارق وادريس الاول عاصمة المغرب الادارية وعاصمة المغرب الثقافية بنزول اول بعثة ثقافية عربية فيها ، التى قال ابن خلدون في شأنها : " ان موسى ابن نصير انزل بطنجة عربا مع طارق وامرهم ان يعلموا البربر القرآن والفقه " – وقال غيره : انهم كانوا سبعة عشر – ويذكر البعض اسماءهم – وذلك كله حسب ما قلنا – بتدبير من الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذى اهتم اهتماما زائدا بهذه الجهة من خلافته الواسعة ، قصد توطيد اسباب العروبة والاسلام فيها الى الابد ، الامر الذى تحقق والحمد لله ، اذ لم تمر فترة وجيزة حتى رأينا الاقليم وما والاه قد تعرب واهتدى وصار من دعاة الاسلام المتحمسين لنشره ، والذب عنه . فهذا قائدهم طارق قد دعاهم بأمر من موسى الى غزو الاندلس سنة 92 ه فاستجابوا وخطب فيهم ارتجالا خطبته المشهورة قائلا يحمسهم حين فصل بهم البوغاز : البحر وراءكم ، والعدو امامكم ، فليس لكم والله الا الصبر .. الى آخر االخطبة .. ففعلت فيهم الخطبة فعل السحر ، فاندفعوا واكتسحوا الجزيرة جلها ، فى بضعة شهور ، مما دل على صدق ايمانهم وخلوص عروبتهم . وما زال بعض الباحثين فى شك من صدور الخطبة المذكورة من طارق ، نظرا لفصاحتها وسبكها المتين ، ونظرا لكون الجيش المكون من ابناء جموع البربر – مع قلة من ابناء العرب – لا يمكن ان يصل فى تلك المدة الوجيزة ، الى مستوى يتأتى معه ان يستوعب الخطبة ويندفع تحت تأثيرها .. وانا مضطرة هنا لدحض ما يقوله اولئك المتشككون وللذب فى ودوههم عن ذلك الاثر الادبي النفيس الذى يقد بحق – فيما علم – اقدم نص نثري فني عربي فى هذه الديار المغربية كافة ، لا فى الديار الشمالية فحسب ، واني موجزة القول فى ذلك ما امكن .
ان النقاد ازاء خطبة طارق هم ما بين منكر ومتشكك ومقتنع .. شانهم فى ذلك مع كثير من الآثار الادبية القديمة الصادرة عن اصحابها فى عهود قلت فيها وسائل التدوين او انعدمت بالمرة .. واني لا تذكر كيف ان اساتذتنا فى التعليم الاولي كانوا يحرصون على ان يحفوظونا خطبة طارق هذه .. كما كانوا يحفظوننا خطبة قس بن ساعدة الشهيرة – وخطبة المولى ادريس الثاني .. فكنا نجد لهذه الخطب رنة وغنة .. ونستشعر طلاوتها وحلاوتها .. ولكن لما انتقلنا ونقرا فى بعض الكتب ان خطبة المولى ادريس مفتعلة وان خطبة قس منتحلة ( رغم ان من رواتها نبينا العربي عليه الصلاة السلام كما فى السيرة النبوية ) . وان خطبة طارق موضوعة مصنوعة .. واقوالا اخرى جعلتنا نشك فى سائر ما ينسب الى الاقدمين .
بيد ان النقد النزيه والبحث الحصيف توليا الكشف عن الحقيقة واثبتا صحة صدور تلك الخطب عن اصحابها مما لا يدع شكا ولا يقبل ترددا .
وفيما يخص خطبة طارق فان الذين تولوا افك التشكيك فيها هم فى الواقع احد فريقين ، اما فريق اجنبي تمثل فى زمرة من المستشرقين المولعين باثارة الشبهات والشكوك فى كل ما لم يجدوه مسطورا ومدونا فى حينه على الاضابير والاحافير القديمة .. واما فريق من اخواننا الشرقيين الذين يحلو لهم ترديد ما يصدر عن اولئك المتشككين ..
والكل يعلم ان التدوين كان شائعا فى الصدر الاول للاسلام : بيد ان الرواية والاتكال على البديهة والذاكرة كانت اغلب على القوم فى جل ما يصدر عنهم فى مجالسهم ومواقفهم من نثر وشعر . كما ان الجميع يعلم ان الخطب كانت اجل ما يتخاطب به العرب القدماء وانها اكبر وسيلة من وسائل الاعلام عندهم لتبليغ الاوامر وبث الافكار ونشر الوعي والدعوة والتحريض .. فالقائد العام يخطب فى جنده كلما عقد لهم لواء ووجههم الى زحف .. وقائد المعركة يخطب فى كتائبه كلما دفع بهم لخوض معركة .. فلماذا نريد من طارق ان يشذ عن هذه القاعدة المتبعة آنذاك وهو القائد المتمكن من اصول العروبة وتقاليدها العسكرية .. ولماذا نستكثر عليه ان يخطب فى جنده وهو قد دفع بهم لفتح صقع لا عهد للعرب بمثله وراء البحار ..
انني رأيت بعيني لوحة مرسومة من طرف رسام اجنبي قديم فى متحف اوربي .. تمثل طارق بن زياد وسط جيشه الباسل وهو يخطب فيهم ويستثير حميتهم وهم يهتفون ويلوحون .. فهل ذلك الرسام الاجنبي افتعل هو ايضا من مخيلته ذلك المنظر .. واغلب الظن انه لم يسجل ذلك الموقف فى لوحته الا لما شاع وتوارثه قومه من اخبار الفتح الاسلامي الذي ما زال اذ ذاك عالقا بأذهانهم لم تغب عنهم معالمه وحقائقه ..
ان ( الحقيقة والخيال ) كثيرا ما يجور احدهما على الآخر .. او بالاحرى طغيان اوهام الخيال على معالم الحقيقة الناصعة ، فلولا اجنحة الخيال الجامحة لما تشكك الشاكون فيما اثر عن العرب الاقدمين من شعر ونثر .. ولما تشككوا فى بعض ما اثر عن زعماء المسلمين الاولين .. فهذه رسالة عمر الشهيرة التى وضعت اول مسطرة قضائية فى الاسلام .. وهذه خطب علي بن ابي طالب ورسائله التى جمعها اصحابه واعتبروها " نهج البلاغة " فى الآداب العربية الاسلامية .. لقد خاض قوم فى شانها بحور ظلمات الانكار ووغلوا فى دروب التيه والضلال ، منكرين صحة تلك الآثار واثاروا فى وجهها عجاج الشبهات والشكوك .
وكذلك خطبة طارق ، فلقد طغى ازاءها ( الخيال ) الجامح على ( الحقيقة ) الثابتة .. فلو كان الامر يتعلق ببعض عبارات لخطبة لكان فى البحث متسع ، ولاخذ الرد مجال ، اذ يبدو شيء من التزيد فى بعض فقراتها .. نتيجة لتداولها بين الرواة عبر القرون والاجيال .. اما ان يكون الانكار يأتي عليها من اساسها فهذ ما لا سبيل الى قبوله والخوض فى ميدانه ، ما دام يرمي الى هدم لبنة غالية من صرح تاريخنا الادبي ومجدنا العربي ، لا يخص تاريخ الجزء الشمالي وحده بل تاريخنا الوطني الشامل ..
وبالاجمال فان هناك اكثر من دليل على صحة الخطبة وعلى عروبة طارق . . وعلى ان سكان ذلك الاقليم قد تعربوا بسرعة ، فكانوا والحق يقال اول اقليم تعرب فى المغرب وحافظ على عروبته فى صدق وامانة عبر الاجيال . وهذا ما نشاهده اليوم فى سكانه المعروفين " بجبالة " من كونهم يمتازون بنوع من العروبة الخالصة لا تشاهد عند غيرهم ، توارثوها منذ ذلك الحين .. بل هناك شواهد اخرى على سرعة انتشار العربية فى جوانب الاقليم وما جاوره شرقا وجنوبا .. فهذه سبتة بدورها قد تعربت فى ذلك الحين ، ونبغ فيها علماء وشعراء معروفون باسمائهم وانتاجهم العربي ، وهذه اصيلة انجبت كثيرا من فطاحل العلماء فى ذلك الوقت المبكر .. وكذلك مدينة البصرة – القريبة من القصر الكبير ، والمندثرة اليوم .. نبغ فيها علماء وادباء مذكورة اسماؤهم فى كتب التاريخ .. بل ان اثر طنجة التعريبي المبكر – نجده جنوبا فى مدينة وليلي الادريسية وما حولها ( وبفضلها تأسست مدينة فاس حسبما سطر فى التاريخ ) – كما نجده شرقا فى اقليم الريف حيث تأسست مدينة النكور العربية ، فى صدر المائة الثانية من الهجرة ( القريبة من الحسيمة ) على يد صالح بن منصور الحميري وابنائه الذين اسسوا هناك دولة عربية قامت بجلائل الاعمال من بناء المساجد ، ونشر الثقافة العربية ، وتشجيع العلماء والادباء، واستقدامهم من سائر الاطراف .. وفى النكور هذه نزل الامير الاموي عبد الرحمن الداخل ، اواخر المائة الثانية ، ومنها عبر الى الاندلس واسس الدولة الاموية العظيمة ..
لماذا نشك فى سرعة تعريب المغرب فى ذلك الحين خلال نحو ربع قرن او يزيد ، ونحن شاهدناه اليوم قد تفرنس فى اقل من ذلك بكثير ..
ان اعداء العروبة فى هذه الديار ، وفى خارجها ، هم الذين يزرعون هذه الشكوك ، ويوهموننا بمختلف الاقاويل بان المغرب بربري بعيد عن العروبة .
فنصل من هذا العرض الوجيز الى ان هذا الشمال قد تعرب وانه عن طريقه وبفضله تعربت بقية اجزاء المغرب واهتدت الى الصراط المستقيم .
بعض مزايا الشمال
واذا اردنا ان نسترسل ونطنب شيئا ما فى تعداد فضائل ومزايا هذا الشمال فاننا نجده مصدر اشعاع فكري وعقائدي وثقافي على كثير من البلاد قاصيها ودانيها .
- فمنه انطلقت الدعوة الاسلامية جنوبا .
- ومنه انطلق ادريس الاول واسس الدولة المغربية الاولى واتخذ ابنه ادريس الثاني فاس عاصمة الدولة.
- ومنه انطلقت الجيوش المغربية بقيادة طارق لفتح الاندلس اي من طنجة بالذات .. وقيل من سبتة وهو الاصح ..
- ومن سواحله انطلقت سائر الجيوش المغربية التى انقذت الاندلس غير ما مرة ..
ومنه خرج كثير من الرواد الاوائل يجوبون اقطار المعمور ، يستكشفون المجاهل ويصفون المعالم ..
من سبتة خرج الادريسي وجال وساح ، ودون احسن مرجع فى الجغرافية ووصف البلدان والعمران .. ووضع معه اول خارطة معتمدة للكرة الارضية جاءت افضل من خارطة سابقه بطليموس .
- كما خرج من سبتة رحالة آخرون كابن جبير وابن رشيد .
- ومن طنجة خرج الرحالة العالمي العظيم ابن بطوبة .. واليها رجع بعد ان قضى اكثر من عشرين سنة وهو يجوب الآفاق ويخترق الصعاب ، عاد وقد ملئت جعبته بأخبار المعمور الغريبة النادرة ، التى لا وجود لها الا فى رحلته " تحفة النظار" التى بز بها معاصره ماركو بولو الرحالة الايطالي الشهير .
- فأي خير قدمه هؤلاء الرواد الاوائل للانسانية جمعاء ، وهم ابناء هذا الوطن العزيز .
ولا انسى ان اشيد باعلام آخرين سطع نورهم وشع خيرهم من هذا الاقليم .
- فهذا القاضي عياض السبتي الذى اشرقت انواره على بلاد المشرق كما اشرقت على بلاد المغرب ، فقال قائلهم :
مشارق انوار تبدت بسبتة ومن عجب كون المشارق من غرب
مشيرا الى كتابه العظيم " مشارق الانوار " .
وهذا ابو العباس السبتي صاحب المآثر فى الجود ، صاحب الفلسفة القائلة : " الوجود ينفعل بالجود " . وكان يجمع المال من الاغنياء ويفرقه فى الفقراء ، واسس لذلك زوايا فى عموم المغرب اشهرها زاوية سيدي ابي العباس بمراكش .. ولهذا الشيخ نظرية طريفة فى خصوص مساعدة المرأة المحتاجة حيث قال : ان المرأة الجميلة هي اولى بالمساعدة والاحسان اكثر من الذميمة ، صونا للجميلة من الوقوع فى حبائل الغواية والتردي فى مهاوي الرذيلة .
وهذا القطب المولى عبد السلام بن مشيش ، صاحب جبل العلم الذى شعت منه انوار المعرفة الربانية الى سائر الارجاء شرقا وغربا الى ان صار مدى حياته ، وهو فى خلوته ، مقصد العارفين الكبار .. ولما توفاه الله ، بفعل الاعتداء الشنيع من المجرم الاثيم ابن ابي الطواحين ، صار قبره مزارة عظمى الى اليوم . وليس عليه الا ضريح من حجارة وطين ، بدون قبة مرفوعة ، ولا فرش مبسوطة ، انما هو حوش من حجارة مركومة مفروش بالتراب والحصا ، تنفيذا لقول الشيخ : ان جده ليس الحسن من تراب .. فكانه ابن تيمية ، او احد وهابي هذا الزمان الذين يقولون : خير القبور الدوارس.
واخيرا ، فان هذا الاقليم شهدا احداثا كبارا ووقائع عظمى نصر الله فيها الاسلام واعز المغاربة اجمعين ، يكفي ان نذكر منها واقعة وادي المخازن التى اذل الله فيها للمغرب من اعدائه البرتغال ومن معهم من الاحلاف .
ذلك الانتصار العظيم الذى عقبته انتصارات باسترداد كثير من المدن الساحلية التى كانت محتلة من البرتغال والاسبان والانجليز .. حيث استردت العرائش واصيلا والمعمورة وطنجة والجديدة وغيرها .. ولم يبق الا سبتة ومليلية وما انضاف اليهما من الجزر والسواحل التى تنتظر استرجاعها بحول الله وقوته .
واذا اردنا ان نسترسل ونطنب شيئا ما فى تعداد فضائل ومزايا هذا الشمال فاننا نجده مصدر اشعاع فكري وعقائدي وثقافي على كثير من البلاد قاصيها ودانيها .
- فمنه انطلقت الدعوة الاسلامية جنوبا .
- ومنه انطلق ادريس الاول واسس الدولة المغربية الاولى واتخذ ابنه ادريس الثاني فاس عاصمة الدولة.
- ومنه انطلقت الجيوش المغربية بقيادة طارق لفتح الاندلس اي من طنجة بالذات .. وقيل من سبتة وهو الاصح ..
- ومن سواحله انطلقت سائر الجيوش المغربية التى انقذت الاندلس غير ما مرة ..
ومنه خرج كثير من الرواد الاوائل يجوبون اقطار المعمور ، يستكشفون المجاهل ويصفون المعالم ..
من سبتة خرج الادريسي وجال وساح ، ودون احسن مرجع فى الجغرافية ووصف البلدان والعمران .. ووضع معه اول خارطة معتمدة للكرة الارضية جاءت افضل من خارطة سابقه بطليموس .
- كما خرج من سبتة رحالة آخرون كابن جبير وابن رشيد .
- ومن طنجة خرج الرحالة العالمي العظيم ابن بطوبة .. واليها رجع بعد ان قضى اكثر من عشرين سنة وهو يجوب الآفاق ويخترق الصعاب ، عاد وقد ملئت جعبته بأخبار المعمور الغريبة النادرة ، التى لا وجود لها الا فى رحلته " تحفة النظار" التى بز بها معاصره ماركو بولو الرحالة الايطالي الشهير .
- فأي خير قدمه هؤلاء الرواد الاوائل للانسانية جمعاء ، وهم ابناء هذا الوطن العزيز .
ولا انسى ان اشيد باعلام آخرين سطع نورهم وشع خيرهم من هذا الاقليم .
- فهذا القاضي عياض السبتي الذى اشرقت انواره على بلاد المشرق كما اشرقت على بلاد المغرب ، فقال قائلهم :
مشارق انوار تبدت بسبتة ومن عجب كون المشارق من غرب
مشيرا الى كتابه العظيم " مشارق الانوار " .
وهذا ابو العباس السبتي صاحب المآثر فى الجود ، صاحب الفلسفة القائلة : " الوجود ينفعل بالجود " . وكان يجمع المال من الاغنياء ويفرقه فى الفقراء ، واسس لذلك زوايا فى عموم المغرب اشهرها زاوية سيدي ابي العباس بمراكش .. ولهذا الشيخ نظرية طريفة فى خصوص مساعدة المرأة المحتاجة حيث قال : ان المرأة الجميلة هي اولى بالمساعدة والاحسان اكثر من الذميمة ، صونا للجميلة من الوقوع فى حبائل الغواية والتردي فى مهاوي الرذيلة .
وهذا القطب المولى عبد السلام بن مشيش ، صاحب جبل العلم الذى شعت منه انوار المعرفة الربانية الى سائر الارجاء شرقا وغربا الى ان صار مدى حياته ، وهو فى خلوته ، مقصد العارفين الكبار .. ولما توفاه الله ، بفعل الاعتداء الشنيع من المجرم الاثيم ابن ابي الطواحين ، صار قبره مزارة عظمى الى اليوم . وليس عليه الا ضريح من حجارة وطين ، بدون قبة مرفوعة ، ولا فرش مبسوطة ، انما هو حوش من حجارة مركومة مفروش بالتراب والحصا ، تنفيذا لقول الشيخ : ان جده ليس الحسن من تراب .. فكانه ابن تيمية ، او احد وهابي هذا الزمان الذين يقولون : خير القبور الدوارس.
واخيرا ، فان هذا الاقليم شهدا احداثا كبارا ووقائع عظمى نصر الله فيها الاسلام واعز المغاربة اجمعين ، يكفي ان نذكر منها واقعة وادي المخازن التى اذل الله فيها للمغرب من اعدائه البرتغال ومن معهم من الاحلاف .
ذلك الانتصار العظيم الذى عقبته انتصارات باسترداد كثير من المدن الساحلية التى كانت محتلة من البرتغال والاسبان والانجليز .. حيث استردت العرائش واصيلا والمعمورة وطنجة والجديدة وغيرها .. ولم يبق الا سبتة ومليلية وما انضاف اليهما من الجزر والسواحل التى تنتظر استرجاعها بحول الله وقوته .
اسباب اليقظة
واذا اراد شيئا هيأ اسبابه ، ورب ضارة نافعة .
فان احتلال الفرنسيين للجزائر ، ادى الى تدخلهم فى شؤون المغرب ، والى نشوب حرب بين الجانبين فى وقعة اسلي سنة 1844 .
ثم لم تلبث القوات الاسبانية بدورها تتحرش بالمغرب ، ليدخل معها فى صراع مبيت ، كان من نتيجته احتلال تطوان سنة 1860 ثم لم ينسحبوا منها الا بعد ان اتقلوا كاهل المغرب بغرامة مضنية وبشروط قاسية .. فاشتد الكرب من جهتين على المغاربة وتفاقمت الاهوال والاخطار واشتد الضغط الخارجي وتكالب الدول على اختلافها ما بين طامع وناقم ..
وقد اصبحت طنجة من جديد عش المؤامرات والتجمعات .. واشتغل الرأي الدولي عامة بقضية " المسألة المغربية " كما اشتغلوا فى ذات الوقت " بالمسألة الشرقية " .
وانعقدت مؤتمرات دولية : مؤتمر مدريد ينة 1880 الذى اسفر عن منح امتيازات خاصة لبعض الدول ، تخول لهم التدخل فى شؤون المغرب الداخلية .. ثم مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 الذى انفصل بالاعتراف بسيادة المغرب واستقلاله الا انه منح امتيازات واسعة لخصوص الدولة الفرنسية ( بحكم جوارها ومصالحها فى الجزائر ) ومنح امتيازات اخرى لاسبانيا لكونها تجاور المغرب وتحتل جوانب منه .
ولكي لا تقع الماساة الكبرى ويقع المغرب نهائيا فريسة تكالب الدولتين ، اخذت اصوات المصلحين تنادي بوجوب ادخال اصلاحات على جهاز الدولة المغربية ، ووجوب تسليح البلاد ، باسلحة حديثة ، وتجهيزها بمختلف المعدات الضرورية للمحافظة على كيانها .
فبادر المولى محمد بن عبد الرحمن ، وكذلك ابنه الحسن الاول ، باتخاذ التدابير الممكنة لاستدراك ما فات ، وتلافي تفاقم الاخطار وتكرار الاخطاء .. فكان من جملة التدابير المتخذة استقدام بعض الفنيين الاجانب لدراسة الحالة وتقديم المقترحات المناسبة فاجمعت الآراء على احتياج المغرب الى تكوين الاطر الصالحة باسرع ما يمكن ، كي تنولى اخذ السلطة ، والقيام بالشؤون العسكرية والمدنية .
فوجهت بعثات عديدة الى مختلف انحاء اوربا .. ليتكون بعضها عسكريا ، والبعض فى العلوم والمهن والفنون الحديثة . كما وجهت اخرى الى بعض البلدان الشرقية وخاصة مصر .
ولكي لا اطيل ، فان هذا المسعى اتى ببعض النتائج اذ ان بعض الطلبة المبعوثين الذين استطاعوا ان يتغلبوا على الصعاب ويعودوا بثقافة حديثة ، هم النواة الاولى للنهضة الثقافية المغربية الحديثة .. يضاف اليهم بعض الافراد الذين استطاعوا بوسائلهم الخاصة ان يحصلوا على ثقافة مماثلة تخول لهم القيام بالاعباء وتحمل المسؤوليات .
وكانت طنجة كما قلنا هي مسرح هذا النشاط الجديد ، فبعد ان كانت فقدت مركزها الطلائعي بحكم تبدل ظروفها التى نجمت عن احتلالها البرتغالي والانجليزي ( قرابة قرنين ) وبعد ان كانت تطوان من اجل ذلك هي مركز القنصليات الاجنبية فى الشمال والنشاط السياسي والثقافي – عاد النشاط الى طنجة من جديد وخاصة بعد احتلال تطوان .. فقد اخذت بزمام مقاليد الامور الخارجية كعاصمة دبلوماسية ومقر النائب السلطاني – لكونها اصبحت محط الانظار ومقصد الاجانب من كل جانب –يعتمدون فيها قناصلهم ويؤسسون مراكز تجارية وثقافية ويزودونها بمختلف الوسائل الحديثة .
من ذلك انه كان يلاحظ خلال القرن التاسع عشر ، وجود جاليات كثيرة العدد لمختلف الدول فى طنجة ، ووجود تجهيزات حديثة من مدارس ومستشفيات ومراكز مواصلات كالبريد والتلغراف .. ثم احدثت مراكز لحفظ الامن ودور تجارية ومصارف مالية .. واشياء اخرى انفردت بها طنجة فى فجر النهضة المغربية فيما يخص الثقافة هو المطابع ودور النشر والصحافة بمختلف اتجاهاتها : السياسية والثقافية والتجارية .. غير ان اكثرها كان بلغات اجنبية وتابعا للسفارات الاجنبية ، ومنها صحف تصدر بالعربية تابعة لا صحابها او لهجات اجنبية .
وهذه قائمة بالصحف العربية .. ضاربين صفحا عن الصحف الصادرة باللغات الاجنبية :
- جريدة " المغرب " :
صدرت سنة 1889 ، اول جريدة عربية صدرت بطنجة ، لصاحبها دانيال صوران المحامي ، وباسم عيسى فرح ، ومشاركة سليم كسباني ( شاميان ) .
- جريدة " السعادة " :
اصدرتها القنصلية الفرنسية سنة 1904 باسم ادريس الخبزاوي الجزائري ، وبمساعدة وديع كرم اللبناني .
- جريدة " اظهار الحق " :
صدرت سنة 1904 لصاحبها ابو بكر ابن عبد الوهاب وكان الاستاذ عبد الله كنون فيما بعد من جملة محرريها لما عادت من جديد .
- جريدة " الصباح " :
صدرت سنة 1906 ، اسبوعية سياسية ادبية علمية ، مديرها ابن حيون ومحررها وديع كرم ، وكان لها اتصال وثيق بالحركة الوطنية .
- جريدة " استقلال المغرب " :
اسست سنة 1908 للدكتور المستشرق هايمان البلجيكي ، ولعلها كانت تعبر عن اتجاه القنصلية البلجيكية .
- جريدة " لسان المغرب " :
صدرت سنة 1908 ، مديرها فرج الله نمور ورئيس التحرير اخوه ارتور ، وهي سياسية ادبية، تعنى بالشؤون المغربية ، وهي التى نشرت مشروع الدستور المغربي الذى كانت النخبة المغربية تطالب باعلانه وتطبيقه فى العهد الحفيظي وصحف اخرى لا نطيل بها .
ويتضح من هذه القائمة ماهية كل صحيفة او المنحى الذى تنحو اليه .. مما يغنينا عن كل تعليق .
وكانت هناك صحف اخرى تحرر اصول موادها فى فاس عاصمة المملكة ، وتطبع وتوزع فى طنجة كجريدة " الفجر " المؤسسة سنة 1908 التى كانت تعتبر لسان الحكومة المغربية ، وكان اللبناني الشهير نعمة الله الدحداح من جملة محرريها حينما كان يقيم بطنجة .
وباختصار فان الصحافة عرفت ازدهارا فى طنجة فى تلك الفترة الحرجة .
ولم يكن ينافس طنجة فى مضمار الصحافة اذ ذاك الا سبتة وتطوان اللتان كان لهما بعض السبق التاريخي فى اصدار الصحف وخاصة جريدة " اثنين سبتة " التي كانت تصدر بسبتة يوم الاثنين بحروف عربية وذلك سنة 1883 .. اي قبل جريدة " المغرب " الآنفة الذكر.
ونذكر كذلك جريدة " تلغراف الريف " التى كانت تصدر احدى صفحاتها بالعربية بمدينة مليلية (1901 – 1951 ) ، وكان البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي احد محرريها بالعربية اثناء مقامه بمليلية .
بيد ان الحكومة المغربية يظهر انها تضايقت اذ ذاك من كثرة هذه الصحف المتضاربة وما تحدثه من التشويش والبلبلة فى الافكار فوجهت عن طريق النائب السلطاني بطنجة السيد محمد الطريس الى السلك الدبلوماسي بطنجة امرا بايقاف الصحف التى يصدرونها او يوجهونها ، بحجة ان المغرب لا يتوفر على قانون للصحافة والمطبوعات فى ذلك الحين .. غير اننا لا ندري مدى مفعول هذا القرار الجريء ، وانما اغلبية الصحف قد توقفت واختفت لسبب او لآخر .
واذا اراد شيئا هيأ اسبابه ، ورب ضارة نافعة .
فان احتلال الفرنسيين للجزائر ، ادى الى تدخلهم فى شؤون المغرب ، والى نشوب حرب بين الجانبين فى وقعة اسلي سنة 1844 .
ثم لم تلبث القوات الاسبانية بدورها تتحرش بالمغرب ، ليدخل معها فى صراع مبيت ، كان من نتيجته احتلال تطوان سنة 1860 ثم لم ينسحبوا منها الا بعد ان اتقلوا كاهل المغرب بغرامة مضنية وبشروط قاسية .. فاشتد الكرب من جهتين على المغاربة وتفاقمت الاهوال والاخطار واشتد الضغط الخارجي وتكالب الدول على اختلافها ما بين طامع وناقم ..
وقد اصبحت طنجة من جديد عش المؤامرات والتجمعات .. واشتغل الرأي الدولي عامة بقضية " المسألة المغربية " كما اشتغلوا فى ذات الوقت " بالمسألة الشرقية " .
وانعقدت مؤتمرات دولية : مؤتمر مدريد ينة 1880 الذى اسفر عن منح امتيازات خاصة لبعض الدول ، تخول لهم التدخل فى شؤون المغرب الداخلية .. ثم مؤتمر الجزيرة الخضراء سنة 1906 الذى انفصل بالاعتراف بسيادة المغرب واستقلاله الا انه منح امتيازات واسعة لخصوص الدولة الفرنسية ( بحكم جوارها ومصالحها فى الجزائر ) ومنح امتيازات اخرى لاسبانيا لكونها تجاور المغرب وتحتل جوانب منه .
ولكي لا تقع الماساة الكبرى ويقع المغرب نهائيا فريسة تكالب الدولتين ، اخذت اصوات المصلحين تنادي بوجوب ادخال اصلاحات على جهاز الدولة المغربية ، ووجوب تسليح البلاد ، باسلحة حديثة ، وتجهيزها بمختلف المعدات الضرورية للمحافظة على كيانها .
فبادر المولى محمد بن عبد الرحمن ، وكذلك ابنه الحسن الاول ، باتخاذ التدابير الممكنة لاستدراك ما فات ، وتلافي تفاقم الاخطار وتكرار الاخطاء .. فكان من جملة التدابير المتخذة استقدام بعض الفنيين الاجانب لدراسة الحالة وتقديم المقترحات المناسبة فاجمعت الآراء على احتياج المغرب الى تكوين الاطر الصالحة باسرع ما يمكن ، كي تنولى اخذ السلطة ، والقيام بالشؤون العسكرية والمدنية .
فوجهت بعثات عديدة الى مختلف انحاء اوربا .. ليتكون بعضها عسكريا ، والبعض فى العلوم والمهن والفنون الحديثة . كما وجهت اخرى الى بعض البلدان الشرقية وخاصة مصر .
ولكي لا اطيل ، فان هذا المسعى اتى ببعض النتائج اذ ان بعض الطلبة المبعوثين الذين استطاعوا ان يتغلبوا على الصعاب ويعودوا بثقافة حديثة ، هم النواة الاولى للنهضة الثقافية المغربية الحديثة .. يضاف اليهم بعض الافراد الذين استطاعوا بوسائلهم الخاصة ان يحصلوا على ثقافة مماثلة تخول لهم القيام بالاعباء وتحمل المسؤوليات .
وكانت طنجة كما قلنا هي مسرح هذا النشاط الجديد ، فبعد ان كانت فقدت مركزها الطلائعي بحكم تبدل ظروفها التى نجمت عن احتلالها البرتغالي والانجليزي ( قرابة قرنين ) وبعد ان كانت تطوان من اجل ذلك هي مركز القنصليات الاجنبية فى الشمال والنشاط السياسي والثقافي – عاد النشاط الى طنجة من جديد وخاصة بعد احتلال تطوان .. فقد اخذت بزمام مقاليد الامور الخارجية كعاصمة دبلوماسية ومقر النائب السلطاني – لكونها اصبحت محط الانظار ومقصد الاجانب من كل جانب –يعتمدون فيها قناصلهم ويؤسسون مراكز تجارية وثقافية ويزودونها بمختلف الوسائل الحديثة .
من ذلك انه كان يلاحظ خلال القرن التاسع عشر ، وجود جاليات كثيرة العدد لمختلف الدول فى طنجة ، ووجود تجهيزات حديثة من مدارس ومستشفيات ومراكز مواصلات كالبريد والتلغراف .. ثم احدثت مراكز لحفظ الامن ودور تجارية ومصارف مالية .. واشياء اخرى انفردت بها طنجة فى فجر النهضة المغربية فيما يخص الثقافة هو المطابع ودور النشر والصحافة بمختلف اتجاهاتها : السياسية والثقافية والتجارية .. غير ان اكثرها كان بلغات اجنبية وتابعا للسفارات الاجنبية ، ومنها صحف تصدر بالعربية تابعة لا صحابها او لهجات اجنبية .
وهذه قائمة بالصحف العربية .. ضاربين صفحا عن الصحف الصادرة باللغات الاجنبية :
- جريدة " المغرب " :
صدرت سنة 1889 ، اول جريدة عربية صدرت بطنجة ، لصاحبها دانيال صوران المحامي ، وباسم عيسى فرح ، ومشاركة سليم كسباني ( شاميان ) .
- جريدة " السعادة " :
اصدرتها القنصلية الفرنسية سنة 1904 باسم ادريس الخبزاوي الجزائري ، وبمساعدة وديع كرم اللبناني .
- جريدة " اظهار الحق " :
صدرت سنة 1904 لصاحبها ابو بكر ابن عبد الوهاب وكان الاستاذ عبد الله كنون فيما بعد من جملة محرريها لما عادت من جديد .
- جريدة " الصباح " :
صدرت سنة 1906 ، اسبوعية سياسية ادبية علمية ، مديرها ابن حيون ومحررها وديع كرم ، وكان لها اتصال وثيق بالحركة الوطنية .
- جريدة " استقلال المغرب " :
اسست سنة 1908 للدكتور المستشرق هايمان البلجيكي ، ولعلها كانت تعبر عن اتجاه القنصلية البلجيكية .
- جريدة " لسان المغرب " :
صدرت سنة 1908 ، مديرها فرج الله نمور ورئيس التحرير اخوه ارتور ، وهي سياسية ادبية، تعنى بالشؤون المغربية ، وهي التى نشرت مشروع الدستور المغربي الذى كانت النخبة المغربية تطالب باعلانه وتطبيقه فى العهد الحفيظي وصحف اخرى لا نطيل بها .
ويتضح من هذه القائمة ماهية كل صحيفة او المنحى الذى تنحو اليه .. مما يغنينا عن كل تعليق .
وكانت هناك صحف اخرى تحرر اصول موادها فى فاس عاصمة المملكة ، وتطبع وتوزع فى طنجة كجريدة " الفجر " المؤسسة سنة 1908 التى كانت تعتبر لسان الحكومة المغربية ، وكان اللبناني الشهير نعمة الله الدحداح من جملة محرريها حينما كان يقيم بطنجة .
وباختصار فان الصحافة عرفت ازدهارا فى طنجة فى تلك الفترة الحرجة .
ولم يكن ينافس طنجة فى مضمار الصحافة اذ ذاك الا سبتة وتطوان اللتان كان لهما بعض السبق التاريخي فى اصدار الصحف وخاصة جريدة " اثنين سبتة " التي كانت تصدر بسبتة يوم الاثنين بحروف عربية وذلك سنة 1883 .. اي قبل جريدة " المغرب " الآنفة الذكر.
ونذكر كذلك جريدة " تلغراف الريف " التى كانت تصدر احدى صفحاتها بالعربية بمدينة مليلية (1901 – 1951 ) ، وكان البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي احد محرريها بالعربية اثناء مقامه بمليلية .
بيد ان الحكومة المغربية يظهر انها تضايقت اذ ذاك من كثرة هذه الصحف المتضاربة وما تحدثه من التشويش والبلبلة فى الافكار فوجهت عن طريق النائب السلطاني بطنجة السيد محمد الطريس الى السلك الدبلوماسي بطنجة امرا بايقاف الصحف التى يصدرونها او يوجهونها ، بحجة ان المغرب لا يتوفر على قانون للصحافة والمطبوعات فى ذلك الحين .. غير اننا لا ندري مدى مفعول هذا القرار الجريء ، وانما اغلبية الصحف قد توقفت واختفت لسبب او لآخر .
*****************
بذلت الكاتبة قصارى جهدها لإثبات ان طارق بن زياد هو صاحب الخطبة المشهورة ولكنها لم تقنعني لأن أدلتها كانت مجرد كلام انشائي اكثر منها ادلة علمية.
يتبع
الزاهوية- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 62
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 14/12/1976
تاريخ التسجيل : 16/09/2012
العمر : 47
مواضيع مماثلة
» اليصلوتيون في شمال المغرب
» ألقاب الأندلسيين المهجرين الى شمال المغرب : قبيلة غمارة
» الأكاديمي القباج: الثقافة في المغرب تحوّلت إلى ريع والتعليم هو مفتاح الديمقراطية ونحتاج الى ثورة تعليمية
» الإرهاب الإسلامي في التاريخ [3-5] ... غزو شمال إفريقيا والأندلس وفرنسا
» إحذروا رواسب الثقافة الخرافية
» ألقاب الأندلسيين المهجرين الى شمال المغرب : قبيلة غمارة
» الأكاديمي القباج: الثقافة في المغرب تحوّلت إلى ريع والتعليم هو مفتاح الديمقراطية ونحتاج الى ثورة تعليمية
» الإرهاب الإسلامي في التاريخ [3-5] ... غزو شمال إفريقيا والأندلس وفرنسا
» إحذروا رواسب الثقافة الخرافية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى