التواصل التربوي والبيداغوجي:
صفحة 1 من اصل 1
التواصل التربوي والبيداغوجي:
التواصل التربويوالبيداغوجي:
إن العملية التعليمية عمليةتواصلية في الأصل، و من ثمة فهي تخضع لمجموعة من المحددات التي تخضع لها أية عمليةتواصلية أخرى. لكن هذا لا يمنع من أن بعض مميزاتها تجعل من التواصل فيها ظاهرةتختلف في بعض جوانبها عما يمكن ملاحظته في مجالات أخرى. فما طبيعة هذا التواصل الذييصطلح عليه بالتواصل التربوي أو البداغوجي ؟
و ما هي بعض أشكاله؟ و ما طبيعةصعوبات و معيقات التواصل التربوي الفعال؟ و كيف تساهم مختلف مكونات العمليةالتعليمية الذاتية و الموضوعية في تحسين المردودية؟
1) مفهوم التواصل التربوي وأشكاله:
إن التواصل البيداغوجي هو ذلكالتواصل الذي تتم من خلاله العملية التعليمية ـ التعلمية ، هذه العملية تتأسس فيعمومها على ركائز أو مكونات ضرورية تتجسد في المدرس و المتمدرس و المنهاج التعليمي،و بحكم أن عملية التواصل عملية دينامية و جدلية، فإن المدرس و المتمدرس يتناوبانعلى لعب دوريالمرسلوالمستقبلو ذلك بشكل تفاعلي، و يبقى المنهاجذلك المكون الذي يضم المضمون (الإرسالية) والقناةالتي عبرها يتمتبادل الرسائل. و هكذا يكون التواصل البيداغوجي بمثابة الميكانيزم الذي يتم عبرهالتفاعل بين المدرس و المتمدرسين بغية الوصول إلى أهداف تتحدد قبلا. و يتضمن هذاالميكانيزم حمولة معرفية يود أحد الطرفين المتواصلين إيصالها إلى الآخر، كما يتضمن "وعاء" سيكولوجيا هو مجموع الشحنات الوجدانية و المواقف و الاتجاهات و الإحساساتالتي تصاحب إرسال الرسالة و استقبالها. و يتفاعل هذان الوجهان و يؤثر بعضهما فيبعض، فالخبرة التي يود المدرس نقلها إلى التلاميذ قد يتأثر وصولها إليهم بحسبموقفهم منه، و اتجاهاتهم نحو العملية التعليمية و ميولهم إلى المادة، و كذلكبتصوراتهم حول موقف المدرس منهم و علاقته الوجدانية بهم و العكسصحيح.
و يمكن أن نميز بين ثلاثة أشكال منالتواصل البيداغوجي ، هي :أ ـالتواصل العمودي:هو قوامالطريقة التقليدية الإلقائية،حيث يكون المدرس في الغالب مرسلا والتلميذ مستقبلا و العلاقة بينهما علاقة تراتبية عمودية تجسد التصورات التي يحملهاكل طرف عن الآخر و مواقفه منه و إدراكاته بموقع ذاته و موقع الآخر.و هو نوع منالتواصل لم يعد مستساغا في غير خطبالجمعة و نشرات الأخبار، و لكنه مع ذلك لا يمكنالاستغناءعنه نهائيا في التربية الحديثة، فهو مفتاح لابد منه للمرور إلى مابعده،يحتاجه المدرسون لإعداد الوضعيات التطبيقية و لتوفيرمنطلقات الدخول في الدرس.... ب ـ التواصلالأفقي:هو قوام الطريقةالاستجوابية، و يتحقق بين المدرس من ناحية و بين أفراد المتلقين من ناحية أخرى،بحيثيعمل الأستاذ على توزيع لحظات التواصل بينه وبين أكبر عدد ممكن من تلاميذه، و لكنهيبقى دائما هوالسائل ليظل التلميذ في أغلب أطوار الحصة هو المجيب.
و رغم أن هذا النمط من التواصل فيهنوع من إشراك المتعلم،فإنه قد يتحول إلى نوع من التواصل العمودي، و التلقينالمقنّع، و ذلك حين يكتفي المدرس لسؤاله بإجابة واحدة يتصرف فيها ليكتب على السبورةعدة جمل أو عدة أسطر.ج ـ التواصل المفتوح المتنوع الاتجاهات:هو قوام الطرق النشيطةالقائمة على الملاحظة الحية و التجربة المباشرة و الممارسة الشخصية. ويكون فيها المدرس مجرد عنصر من عناصر المجموعة يساعد ويوجه و لا يفرض شيئا من عنده، و لا يقدمحلولا جاهزة منصنعه أو من صنع غيره.هذا النوع منالتواصلالمفتوح يتمتع بالأولوية المطلقة في الدروس ذاتالصبغة التجريبية و المرتبطة بملاحظةظواهر واقعية ، لكنهلا يمكن أنيتمتع بنفس الأولوية في الدروس ذات الصبغةالنظرية التجريدية أوالتعامل مع القيم و الأحكام غيرالمرئية
و على العموم فإن التواصلالبيداغوجي الناجح هو الذي تتداخل فيه الأنواع الثلاثة بوعي و مهارة، فلا سبيل إلىالدخول في تواصل أفقي سليم، و لا إلى الدخول في تواصل مفتوحمتنوع الاتجاهات، دونالمرور من مرحلة التواصل العمودي الذي لا يجوز أن يأخذ أكثر من لحظات موزعة بإحكامعلى أجزاء الحصة و خطوات الدرس،توجهمسار الدرس، و لا تتحكم في بناء مضامينه. 2) حدود و معيقاتالتواصل البيداغوجي:
إن الطبيعة الدينامية لجماعة الفصل، و كذلك السياق الذي تتم فيه عملية التواصل التربوي، تفرز في كثير من الأحيانمجموعة من الصعوبات و العوائق التي تجعل من هذه العملية عملية غير مريحة دائما، ممايخلق توترات تكبر خطورتها أو تقل بحسب مدى وعي المدرس السيكوسيولوجي . و من ضمن هذهالصعوبات التي تحد من إمكانية خلق تواصل تربوي فعال، يمكن أن نذكر مايلي:
أ)المعيقاتالفكرية: و تتعلق أساسا باللغة المستعملة في إيصال المعرفةالمدرسية،هذه اللغة التييمكن لها أن تفوق مستوى المستقبل، حيث أن القاموس المرجعي لكل منالمدرس/المرسل و التلميذ/المستقبل لا يكونان في توافق تام. إن نوع التواصل السائد فيمدارسنا هو من نوع التواصل غير المتكافئ. فالتلميذ ليس ندّا للمدرس، و من ثمفشاطئاهما المرتبطان بالتواصل ليسا متطابقين. و كلما ابتعد هذان الشاطئان عنبعضهما، كلما كانت الصعوبات أخطر و أكبر، و إذ كان من المفروض على الطرفين أن يقلصامن تباعد شاطئيهما هروبا من السقوط في حوار الصم. فإن المدرس بالأساس هو المطالبأكثر بالعمل على تحقيق ذلك.
و هذا ليس من السهولة بمكان، بحكمأن المدرس يعيش مواطنتين، فهو ينتمي إلى عالم الراشدين و محكوم عليه بالعيش مع عالمالأطفال، و هذه المفارقة تخلق إشكالية وجودية بالنسبة إليه، فإن هو توحد بأطفاله،فقد ذاته كراشد و عجز عن حمل متعلميه إلى المزيد من النضج، و إن هو توحد بعالمالراشدين فقد أطفاله و لم يستطع التواصل معهم، لذا تطرح على عاتق المدرس مهام جسامو وعي كبير.
ب) المعيقات السيكولوجية:و يشملالمستوى العلائقي والانطباعات التي تتكون تجاه الآخر، كالفكرةالتي يكونهاالتلميذ عن المدرس أو المدرس عن التلميذ, هذا الرأي القبلي يمكن أنيكون سببا للتنافر أو للاستقبال السلبي، كما أن التمثلات التي تترسخلدى التلميذ حولالدراسة أو النظام التعليمي أو حول علاقةالمدرسة بسوق الشغل قد تؤثر سلبا أو إيجابا على العملية التواصليةالتربوية.
ج) المعيقات المرضية:تتجلى فيمايمكن أن يلحق بالحواس، سواء لدى المرسل أو المستقبل من أعطاب، و هذا يحدثويلحق أضرارا بالقناتين المستعملتين في إيصالالرسالة داخل الفصل , سواء القناةالسمعية الصوتية أوالمرئية البصرية
(أمثلة : صعوبة النطق ببعض الحروف – خلل في السمع- ضعف البصر-أعطاب حسية/حركية أخرى ...)د) عوائق تتعلق بظروف الإرسالوالاستقبال:- التشويشات التي يحدثها الضجيج داخل القسم أو خارجه،هذه التشويشات التي تؤثر كما سبقت الإشارة إلى ذلك على انتقال الرسالة.
- النبرات الصوتية لكل من المدرس أوالتلميذ أثناء الحوار التواصلي.
- الاكتظاظ داخل القسم الدراسي مما يكون سببا في تعدد شبكة التواصل و كذابعد المسافةبين المرسل و المستقبل و ذلك مما يزيد القناةالتواصليةتعقيدا.
3) العوامل الذاتية والموضوعية و دورها في تحسين التواصل التربوي:
- النبرات الصوتية لكل من المدرس أوالتلميذ أثناء الحوار التواصلي.
- الاكتظاظ داخل القسم الدراسي مما يكون سببا في تعدد شبكة التواصل و كذابعد المسافةبين المرسل و المستقبل و ذلك مما يزيد القناةالتواصليةتعقيدا.
3) العوامل الذاتية والموضوعية و دورها في تحسين التواصل التربوي:
تتأثر مردودية العملية التعليميةالتعلمية بمجموعة من العوامل منها ما هو مرتبط بذات المدرس و منها ما هو موضوعي ، وفي كثير من الأحيان ، يتداخل ما هو ذاتي بما هو موضوعي بفعل جدلية الظواهر وتركيبتها و تفاعلها.
أ) العوامل الذاتية:إن من أهم العوامل الذاتية في خلق تواصل تربوي فعال، و من ثم الوصول إلى المردودية المستهدفة، هو وجودموقف إيجابيلدى المدرسمن العملية التعليمية. فلا يمكن للمدرس أن يكون إيجابيا في عمله ، ما لم تكن مواقفهمن عملية التدريس إيجابية ، و لعل ما يلاحظ من تردّ في المردودية التعليمية يرجع فيجزء كبير منه إلى التمثل السلبي عن الذات المهنية ، فطبيعي جدا أن مدرسا لا يرغب فيمهنة التدريس ستكون فعاليته ناقصة و سلبية نظرا لغياب الدافعية لديه، مما يترتب عنهاحتراق نفسي يزيد من سلبية اتجاهه نحو ذاته و نحو مهنته، و هو ما يلاحظ داخل بعضالأقسام، حيث تسود الأجواء المكهربة و يطغى العقاب الانتقامي و البحث عن كبش الفداءو الاستهتار و الرتابة. و هي كلها معطيات لا يمكن أن تحقق المردودية المتوخاة.فيحين أن الفصول التي يدرس بها مدرسون يتمتعون بحد معقول من تقبلهم لمهنتهم ، غالباما تنعدم فيها مثل هذه الظواهر أو تقل إلى درجة يكون تأثيرهاضعيفا.
و يرتبط بهذا الموقف عاملان آخران، هماحب الطفل و احترام شخصيته،و في غياب هذين المحددين لا يمكن لعمليةالتواصل أن تتم بالشكل الذي يسمح بتحسين المردودية، ذلك أن حب الطفل يجسدالشرطالوجدانيللتواصل، في حين أن احترام شخصيته يعني أساسا القدرة على تكييف خطابناوفق قدراته و إمكانياته، و هو ما يجسدالشرط المعرفيلهذا التواصل، أيمضمونه. إن الأطفال في الفصول الدراسية حساسون جدا لهذين الشرطين، بحيث نلاحظ أنالطفل الذي لا يشعر أنه متقبَّل من مدرسه، غالبا ما ينفر من المضمون الذي يقدمه هذاالأخير. فالحب يمنح الشعور بالأمن و الثقة في الذات أولا و في مصدر الحب ثانية، وهذه الثقة ضرورية في إيجاد تواصل سليم ينتج مردودية تنسجم و الأهداف المسطرة، و قدأصبحت الدراسات السيكولوجية الآن أكثر اقتناعا بهذا التداخل بين ما هو وجداني و ماهو معرفي، معتبرة أن الفصل بينهما في إطار الشخصية فصل لا يعكس وحدتها .
و تلعبإمكانات المدرسالديداكتيكيةدورا لا يخلو أهمية في الإسهام في تواصل تربوي ناجح، ذلك أنتكوينه البيداغوجي و امتلاكه للميكانيزمات التعليمية يعتبران أمرا مهما في هذاالمجال، إذ لا يكفي حب الطفل و معرفة مرحلته النمائية ، بل ينبغي أيضا امتلاكالتقنيات الكفيلة بالتواصل التربوي، أي القدرة على النزول بهذه الشحنات الوجدانية والنظرية إلى مجال الممارسة. فالفعل التعليمي لم يعد يرتكز على الحدس و التلقائية،بل أصبح عملا مضبوطا و مقننا و مخططا له، و هذا ما يستلزم من المدرس أن يكون مخططاو مقوما و منشطا ... لأنه لم يعد فقط مستهلكا للمقررات و التوصيات و التعليمات، بلأصبح مطالبا بممارسة البحث التربوي، متخذا من فصله مجالا لرصد الظواهر و وضعالفرضيات و تجريبها، و هو ما يتيح له إمكانية تشخيص العوائق و رصد مكامن القوة، وإيجاد أساليب العلاج للمشاكل و المثبطات .
ب) العوامل الموضوعية:و يمكن تصنيفها إلى عوامل مادية ، عوامل بشريةاجتماعية و عوامل بيداغوجية. و إن كان هذا التصنيف منهجيا من المفروض ألا يغيبالتداخل و التفاعل الموجودين بين تلك العوامل.
فعلى المستوىالمادي، تلعبالبنية التحتية للمؤسسة و إمكانات الفصل ، من حيث التجهيزات و الوسائل التعليميةدورا مهما في تسهيل عملية التواصل التربوي، و من ثم تحسين المردودية التعليمية. إنالتواصل يحتاج إلى قنوات و وسائط لنقل الخطاب، و كلما كانت هذه القنوات جيدة وغنية، كلما كان التواصل سليما و ناجحا. كما أن الطبيعة "الايكولوجية" للفصل تخلقأجواء نفسية تتميز بالارتياح، مما يقلص من حالات التو ثر أو الشعور بالكآبة والرتابة.
و بالنسبة للعواملالبشريةو الاجتماعية، فتدخل ضمنها الظواهر التشريعية و المظاهر التسييرية والإدارية، و كذلك علاقات المدرس بالجماعات الأخرى المهتمة بالتلميذ كالأسرة و جمعيةآباء و أولياء التلاميذ و غيرها. و هي كلها عوامل تلعب دورها في تحسين مردوديةالتعليم. كما أنها تساعد أو تعيق المدرس في خلق تواصل تربوي سليم، إذ كلما كانتإدارة المؤسسة و الأسرة متعاونتين، كلما شجع ذلك على خلق تواصل فعال بين الأطرافالمعنية، و من ثم خلق تواصل تربوي داخل الفصل.
و تلعب المعطياتالبيداغوجيةمن أهداف و برامج و طرائق رسمية و أساليب تقويم، دورا خطيرا فيعملية التواصل و تحديد طبيعة المردودية التعليمية، إذ كلما كانت الأهداف واضحة ومدروسة و علمية ، و كلما كانت البرامج في مستوى المتعلمين و حاجاتهم و ميولهم،وكلما كانت الطرائق ترمي إلى عدم الاقتصار على شحن الأدمغة ، بل إلى تطوير الشخصية وتعليم التعلم، و كذلك كلما كانت أساليب التقويم هادفة إلى توظيف التغذية الراجعة،كلما وجدت الأدوات البيداغوجية السليمة لإحداث تواصل تربوي إيجابي، ومن ثم المردودية المتحسنة باستمرار.
إن العوامل الذاتية و الموضوعيةالتي أشرنا إليها من باب المثال لا الحصر ، و التي تؤثر في المردودية التعليمية، هيعوامل متداخلة يصعب الفصل بينها نظرا لأن العملية التعليمية - التعلمية عمليةدينامية و جدلية كلية في نفس الوقت. و طبيعتها هذه هي التي تجعل الفصل بين مكوناتهاو محدداتها فصلا منهجيا .
المصدر : منتديات دفاتر التربوية
♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠
كلمة حق في زمن النفاق
يجب أن تقال
يجب أن تقال
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
مواضيع مماثلة
» نظرا لاهمية التنشيط بالمؤسسات التربوية ومالها من فوائد ، اقدم هذا الفيلم التربوي الهادف من منطقة الصويرة اتمنى المشاهدة وابداء الراي للنقاش شكرا
» الارشاد السيكلوجي في المجال التربوي
» عودة موفقة الى المدارس و الى العمل التربوي
» توسيع العرض التربوي ومنح استقلالية للمؤسسات التعليمية من سمات مشروع ميزانية 2014
» اعتداء على الطاقم الاداري و التربوي...أستاذة حامل في حالة حرجة و المدير يتعرض لكسور
» الارشاد السيكلوجي في المجال التربوي
» عودة موفقة الى المدارس و الى العمل التربوي
» توسيع العرض التربوي ومنح استقلالية للمؤسسات التعليمية من سمات مشروع ميزانية 2014
» اعتداء على الطاقم الاداري و التربوي...أستاذة حامل في حالة حرجة و المدير يتعرض لكسور
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى