من مذكرات عبد الرحيم بوعبيد
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
من مذكرات عبد الرحيم بوعبيد
نبذة من المذكرات
إعفاء حكومة عبد الله ابراهيم
ماي /نونبر 1960
في العشرين (20) من ماي، تم إعفاء الحكومة التي يرأسها عبد الله ابراهيم بدون مبرر مقبول. وكان التفسير الوحيد المقدم لذلك الإعفاء هو أن هذه الحكومة طال بقاؤها أكثر مما كان قد قدَّره خصومها سلفاً. وكان الفريق الحكومي، الملغم من الداخل بوزراء متواطئين مع المعارضة، من قبيل يوسف بلعباس، قد استطاع البقاء بالرغم من العديد من التقلبات والحيثيات والظروف ودام بقاؤه أزيد من 15 شهراً، وهو ما يعد رقماً قياسياً بالمقارنة مع الفرق السابقة له منذ 1956.
فقد هاجمت البورجوازية المنتسبة إلى الاستقلال وثارت ثائرتها ضد الاجراءات المطبقة على مستوى الصناعة والتجارة الخارجية والعملة والقرض. كما هاجمت بورجوازية أخرى، بورجوازية الفلاحين الكبار، على غرار الاتحاد المغربي للفلاحة، الحليفة بدورها للاستقلال أو لتيارات أخرى غيره، ذلك لأن أهدافها كانت تتمثل في امتلاكها، بأي وسيلة من الوسائل، لأفضل الضيعات التي بحوزة المعمرين الأجانب. فتم تقديم الاصلاح الزراعي، الذي تبناه المخطط الخماسي 1965-1960، بالرغم من اعتداله ودقته، كما لو أنه عمل يحول الفلاحة المغربية الى نموذج سوفياتي (أو سفيتتها) بما يعني ذلك من كولخوزات وسوفخوزات. وكانت هذه البورجوازية أو تلك، مسخرة ومستخدمة من طرف الشركات الرأسمالية الفرنسية بطريقة واضحة للعيان. فكانت صحافة الاستقلال، صحافة البورجوازية الحضرية أو القروية لا تني، أحياناً بدون تمييز تردد على طول أعمدتها نفس الحجج ونفس الانتقادات التي تبلورها الصحافة الفرنسية خدمة للمصالح الرأسمالية الأجنبية. وخلاصة القول في ذلك، أن البلاد متجهة نحو الكارثة والمغرب يسير نحو إقرار نظام قريب من الشيوعية بهذا القدر أو ذاك، متنكراً بذلك لتقاليده الدينية والثقافية.
وحزب الاستقلال، الذي لم يكن قد بلور لنفسه مذهباً بعدُ (إذ كان عليه انتظار 11 يناير 1962 لفعل ذلك) كان هو رأس الحربة في عملية النسف هاته، أما الحركة المسماة بالشعبية، فلن تكن أكثر من خليط من الأعيان، بلا انسجام ولا إيديولوجية، تدعي أنها تتحدث باسم العالم القروي. حتى المسكين البكاي نفسه، الذي كنت شخصياً أحترم فيه نوعاً من النزاهة، انجر إلى الدخول في جمهرة الصارخين. وأخيراً، قامت صحيفة» لي فار»، الذي كان مديرها الظاهر هو رضى اكديرة، بتنظيم كل هذا وتنسيقه، ذلك لأنها في الواقع كانت تدار من طرف مساعدين تقنيين فرنسيين متخصصين في السجال والتدليس والتشهير.
لم يكن ولي العهد، مولاي الحسن بدوره يتردد في استعمال السلطة المرتبطة باسمه وبمكانته للعمل بشكل مباشر ضد الحكومة الشرعية التي نصبها والده نفسه. فقد صرح أزيد من مرة أنه أول معارض. وكان تصرفه تصرفاً سياسوياً، بدون تحفظ, ولا أعتقد أنني أبالغ إذا ما ذكرت بأنني كنت ومساعدي هدفاً لكل هذه المعارضات، والعدو اللذوذ الذي يجب القضاء عليه. وتكفي قراءة صحافة تلك الفترة، ابتداء من 1956 وإلى حدود ماي 1960 للتأكد من ذلك.
ويحق علي أن أشير إلى الموقف الموضوعي والرصين لمحمد الخامس طوال هذه الفترة. فغالبا ما كانت الفرصة تسنح لي لكي أطلب تحكيمه، بل كانت هناك مجالس للوزراء يرأسها هو تطرح فيها القضايا الخلافية. وبعد توضيح من هذا الطرف وذاك، يحسم الملك لصالح وجهة النظر التي كنت أدافع عنها، بل ويكون ولي العهد نفسه حاضراً.
لاشك أن حصيلة العمل الحكومي، طوال الفترة ما بين 1956-1959 مازال مطروحاً إنجازها، والانكباب عليها، لمصلحة ولفائدة التاريخ المعاصر لبلادنا. بيد أن معالم الاستقلال الاقتصادي للمغرب كان قد تم وضعها في ماي 1960 أو كان يتعين استكمالها وتطويرها على ضوء العبر المستخلصة من التجربة.
ففي القطاع الصناعي، تم إنشاء قطاع عمومي يلعب دور المحرك وقوة الدفع: المركب الكيماوي بآسفي، معمل الصلب والحديد بالناظور، إنشاء وحدات صناعية من أجل تركيب وصناعة الشاحنات (اتفاقية المغرب ـ بيرلي) وتركيب الجرارات وصناعتها (اتفاق لابوريي)، إنشاء وحدة صناعة العجلات (اتفاقية جنرال طاير) صناعة مركب للوحدات النسيجية (منها وحدة كوفيطس بفاس) إنشاء محطة لتكرير النفط بالمحمدية (سامير)، والتي كانت ربما أول محطة للتكرير في بلد من العالم الثالث (اتفاقية ماطيي) اتفاقية في طور الإعداد لتركيب وصناعة السيارات (سوماكا)، إصدار ظهير منظم للبحث واستغلال باطن الأرض، تأميم مناجم جرادة، تأميم الشركة الشريفة للبترول إلخ. وكان مكتب الدراسات والمساهمات الصناعية هو الذي تكلف بالدراسات والسهر على التنفيذ المادي، ولاسيما ما يخص التمويل وتكوين الأطر المغربية.
في القطاع التجاري: تنويع الصادرات والتراجع الواضح لتبعيتنا إزاء سوق منطقة الفرنك (انتقلنا من 80% إلى 40%)، تأميم استيراد الشاي والسكر (المكتب الوطني للشاي والسكر) بدء العمل بتعريفة جمركية جديدة مع التوجه نحو حماية منتوجاتنا الوطنية.
في قطاع القروض والعملة: تأميم ـ بدون تعويض ـ لمؤسسة الإصدار (بنك المغرب) إنشاء بنك وطني للتنمية الاقتصادية مخصص لتمويل المشاريع الصناعية الواردة في المخطط الخماسي، إنشاء بنك للتجارة الخارجية من أجل تشجيع صادراتنا والسهر على تنفيذ تنويع صادراتنا نحو أسواق جديدة، خروج المغرب من منطقة الفرنك وإنشاء العملة الوطنية الجديدة (الدرهم)، حيث أن احتياطتنا الخاصة من العملة الأجنبية كانت تسمح لنا، في سنة 1960 بالصمود لمدة ستة أشهر. إنشاء الصندوق الوطني للإيداع والتدبير المخصص لجلب جزء كبير من الادخار وتوجيه ما تراكم نحو القطاعات المنتجة المنصوص عليها في المخطط الخماسي.
في قطاع الإنتاج الفلاحي: الاصلاح الزراعي عبر استعادة أراضي المعمرين (مليون هكتار) وأراضي الملك العقاري والحبوس (حوالي مليون هكتار) وخلق وحدات التعاون والإنتاج، انطلاقاً من الأراضي الجماعية بمساعدة مالية وتقنية من الدولة، تطوير القطاعات المسقية بهدف الوصول الى مليون هكتار مسقية (المكتب الوطني للسقي). ولأول مرة، ثبت أن الشمندر مادة ذات مردودية، ومن هنا جاء مشروع إنشاء وحدات للتكرير والتصفية. ومن أجل وضع حد للمضاربات المحمومة حول أراضي المعمرين، تم إصدار ظهير يمنع، في غياب ترخيص مسبق من الحكومة أي عملية عقارية بين شخص مغربي وشريك متعاقد أجنبي.
إعداد المخطط الخماسي لسنة 1965/1960، بعد سنتين من الدراسات في مختلف اللجن التي تضم ممثلين عن الأجراء (الاتحاد المغربي للشغل) والفلاحين وغرف الصناعة والتجارة. وقد اتخذت التوجهات الكبرى بأهداف محددة لكل قطاع من القطاعات. أما على مستوى التربية، فقد حددت نسبة مائوية دنيا للتمدرس سنوياً، تفضي بعد 5 سنوات إلى تمدرس 60% من الأطفال.. إلخ.
إن الأمر هنا يتعلق ببعض الأمثلة فقط، لابد أن إثارتها أمر مشروع عشية إعفاء حكومتنا. فبالنسبة للطبقة العاملة ومختلف الطبقات الشعبية، كما في أعين جزء كبير من البورجوازية المتوسطة، كانت مثل هذه الأعمال الملموسة تبشر فعلا بمستقبل أفضل، مما نجم عنه في الحياة الاجتماعية اليومية نوع من الانقسام: الذين يجعلون من أنفسهم ورثة الحماية، مقابل الأغلبية الكبيرة التي حصل لها الوعي بأن إرث الفترة الاستعمارية لابد من أن يوضع في خدمة مجموع الشعب المغربي. وهكذا اندلع صراع طبقي حقيقي. وقد كان حزب الاستقلال يجد ويجتهد في صحافته وتصريحاته من أجل نفي هذا الصراع الطبقي مع الدفع بأن الأمر لا يعدو أن يكون شعاراً مستورداً من الخارج ومناهضاً لمبادىء الاسلام. كما لو أن مبادىء الاسلام تمنح الحرية للأقلية من البورجوازية الكبرى لكي تستولي بدون عمل ولا جهد على الثروات المادية للبلاد عبر نفوذها في الادارة والحكومة وعبر سبل وطرق المضاربة. ولهذا بدا أن العقبة التي لابد من القضاء عليها، هي هذه الحكومة التي ظلت قائمة مدة تقارب 15 شهراً.
مولاي الحسن على رأس الحكومة
ففي هذا السياق ذاته، تلقيت يوم 17 أو 18 ماي، مكالمة هاتفية من لدن الأمير مولاي الحسن ، دعاني فيها إلى عشاء ثنائي، رأساً لرأس. وكان قد مضى ر دح من الزمن لم ألتق به. وصلت إذن في الموعد، بفيلاه بالسويسي. بدا منشرحاً للغاية، لبقاً وودوداً. دام اللقاء أزيد من ثلاث ساعات، وسوف لن أقدم منه هنا سوى النقط الأساسية:
قال الأمير:
ـ لقد قرر جلالة الملك وضع حد لمهام الحكومة الحالية. وهناك فريق آخر قيد التشكيل. لقد وصلنا مرحلة المشاورات النهائية وقد أمرني جلالة الملك بإخبارك رسمياً.
ـ أشكر سموك على دعوتك هاته، وعلى الأخبار الذي قدمته لي، لكن أستسمحك في التعبير عن مفاجأتي: ذلك أن جلالة الملك، باعتباره رئيس الدولة، هو الذي يعود إليه أمر هذا الإخبار، بصفة رسمية وحسب الأعراف، للفريق الحكومي كله.
ـ لنقل إنه إجراء شبه رسمي، لكنه في ظرف أيام قليلة، سيُرسم (يصبح رسميا) كما تقتضيه الأعراف. لكن المهم في هذا المسعى، الذي أمر به جلالة الملك، هو أن أعرض عليك تولي مهام وزارة الخارجية داخل الفريق الجديد. ولابد من أن أوضح لك بأن جلالة الملك يلح على هذا الأمر بشكل خاص.
ـ قبل الإجابة على العرض الذي تشرفت به، اسمح لي سموك بإبداء ملاحظة أولية، مادام الأمر يتعلق بحوار شبه رسمي. خلال تنصيب الفريق الحالي، يوم 24 دجنبر 1958 قيل وقتها، في الخطاب الرسمي للتنصيب بأن الحكومة الجديدة ستتولى مهامها الى ما بعد الانتخابات الجماعية، وأن تشكيلة جديدة ستتشكل على ضوء نتائج هذه الانتخابات الجماعية، بمعنى حكومة أكثر تمثيلية لمختلف توجهات الرأي العام. والحال، أنه بالرغم من تباطؤ وزارة الداخلية وبعد مشاورة الأحزاب السياسية حول نمط الاقتراع، في يونيو 1959، قرر ظهير صادق عليه جلالة الملك تنظيم الانتخابات الجماعية بالاقتراع الأحادي. ويحمل هذا النص القانوني تاريخ شتنبر 1959. وفي دجنبر، سجل الناخبون أنفسهم في اللوائح الانتخابية، ولم يبق سوى تحديد تاريخ الانتخابات، فلماذا إعفاء الحكومة قبل الانتخابات؟
ـ لقد قرر الملك ذلك, غير أن ما تبين من اللقاء هو أن معارضة الأحزاب السياسية الأخرى بلغت من القوة حدا جعل الحفاظ على الحكومة قائمة، خلال الانتخابات، يبدو كما لو أنه يدعم حظوظها. فتقرر، إذن، دعم حظوظ فريق آخر. والحال، أن اعتماد الاقتراع الأحادي بدل الاقتراع باللائحة الذي دعا إليه كل من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية يهدف، في العمق، إلى إقرار سلطة ما اصطلح على تسميته بالنخب المحلية، وذلك بالإبقاء على البنيات والهياكل القروية التقليدية التي كانت تستند إليها سياسة الحماية. كما أن من شأن النتائج الانتخابية عبر تقوية حظوظ العالم القروي، أن يبرز اتجاهات محافظة، إن لم تكن رجعية بحثة.
-سألته:
ـ من هو رئيس المجلس (الحكومي)؟
ـ ولي العهد، أنا شخصياً.
الكشف عن هذا الأمر فاجأني مفاجأة عميقة، وحتى إن سبق لي أن سمعت به، فأنا لم أصدقه.
قلت له:
ـ لكن، يا سمو الأمير، يصعب علي التصديق بهكذا أمر. فأنا لا أرى ولياً للعهد، ومستشاراً لجلالة الملك يضع نفسه على رأس الحكومة، اللهم في ظروف استثنائية حقاً. ذلك لأن الحكم كما يقال هو الاختيار. وعليه، سيكون عليك أن تختار، بإلزام مسؤوليتك السياسية بين هذا التوجه وذاك على المستويات, الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وفي مجال السياسة الخارجية.. فالرجل السياسي العادي ينخرط بكل مسؤوليته السياسية عندما يقدم على اختيار معين. فإذا نجح في عمله، لن يكون قد قام سوى بما أملاه عليه ضميره وتحليله للوضعية، وإذا أخفق، لن يكون أمامه سوى أن يستقيل أو ينحى من طرف الحكم الأعلى، جلالة الملك. هذا هو النظام وهي ذي قواعد اللعبة حتى في ديمقراطية غير كاملة، كما هي ديمقراطيتنا.... ثم واصلت الحديث بالقول:
ـ مبدئياً، فإن أميراً ولياً للعهد يمثل استمرارية نظام الملكية, حيث لا يمكن أن يتعهد بمسؤوليته السياسية، حيث لا تمكن مجازاتك أو محاسبتك، فماذا ستفعل المعارضة في هذه الحالة؟ فإن هي عبرت عن عدم موافقتها على أي إجراء كان، ستكون أولا وقبل كل شيء تعارض ولي العهد، لأن هذه الصفة ستظل، بالرغم من كل شيء هي المهيمنة والغالبة. لست بصدد شكلانية قانونية، بل أحاول أن أتصور أوضاعاً ووضعيات ملموسة, لا، بكل صراحة لا أتفهم الأسباب التي تدفعك إلى تولي رئاسة الحكومة..
أجابني:
ـ لقد قدرت الأمور من جانبها السلبي والإيجابي معاً، وقد تنبأت بالاعتراضات التي ستقوم بها.. لكن القرار اتخذ. وإذا كان جلالة الملك وأنا فكرنا في مشاركتك, فذلك حتى يكون الفريق الجديد ممثلا لكل الاتجاهات.. لا تظن على وجه الخصوص أنني أعارض كل الاجراءات التي اتخذتها.. ففي العمق أنا أيضاً اشتراكي.
ـ يمكنك أن تكون اشتراكياً كإنسان أو كمواطن، لكن لا يمكنك أن تكون اشتراكياً كولي للعهد.. أما في ما يخص مشاركتي الشخصية، فإن أمرها هين للغاية. وعلى كل، كيف يمكنني أن أجمع بين تصوراتي الشخصية وتصورات مناقضة يعبر عنها الآخرون. أنا كمناضل في خدمة قضية أومن بها. فأنا لست سياسياً يبحث عن مناصب..
ـ طيب، سأقدم تقريراً لجلالة الملك عن هذا اللقاء، وعلى كل، سيتم استدعاؤك للمشاورة، كما تقتضي الأعراف ذلك.
كان اللقاء قد انتهى عملياً، كنا نتمشى في الحديقة. وعندما استأذنته في توديعه، خاطبني بقوله:
ـ أنت لا تفهمني، يا عبد الرحيم, لكن، باعتبارك صديقاً سأقول لك (ما في الأمر): أنت لا ترى فيَّ سوى ولي العهد فقط، والحال أنني مناضل مثلك، وإنسان مثلك. يحذوني الطموح في لعب دور في حياة بلادي. أنت تعرف أن أبي مازال شاباً. وأنا سوف لن أنتظر حتى أضع طاقم أسنان لكي أخلفه.. هو ذا عمق تفكيري...
ثم أضاف مبتسماً
ـ لربما ستركب القطار وهو يسير، في يوم من الأيام. فمن يدري؟
هل كانت تلك هي الإرهاصات الأولى لتحول سيطرأ في الوضع، والعودة إلى تصور يؤمن بالملكية المطلقة، تستند تبريراتها الى انقسام الأحزاب السياسية وإرادة العالم القروي، وهي الإرادة المعبر عنها من طرف الأعيان الجدد، أبناء وأقارب القواد والباشوات، الخدام السابقين لإدارة الحماية, سيبين توالي الأحداث أن التوجه كان هو ذاك فعلا.
ابتداء من 26 ماي، شرع محمد الخامس في المشاورات من أجل تشكيل الفريق الحكومي الجديد، وإن كان إجراء شكليا فقط، لأن المسألة كلها سويت قبل أيام من هذا التاريخ، بيد أنه حصل مع ذلك تغيير بمقارنة مع الخطة الأصلية،
إذن أن بعض الشخصيات من بين المؤهلين للوزارات، من أمثال عبد الكريم بنجلون، ألحوا على الملك كي يتولى هو نفسه رئاسة المجلس (الحكومي)، على أن يكون ولي العهد نائب الرئيس فقط.
كان ممثلو الاستقلال، والحركة الشعبية وغيرهم من المستقلين حاضرين، وكنت أول من استدعي إلى لقاء الملك، بدا لي جلالته محرجا أو مكدر البال نوعا ما، يكاد يكون مستسلما. أخبرني جلالته بأنه على علم بمجريات اللقاء مع الأمير مولاي الحسن، وباقتضاب شديد عبرت له عن عميق أسفي لعدم قبول العرض الذي عرض علي نظرا للأسباب التي عرضتها على نجله، هذا دون الإشارة إلى العبارة الأخيرة التي تفوه بها هذا الأخير في نهاية اللقاء.
وقد تفضل جلالته بأن أعرب لي عن رضاه عن العمل الذي قمت به، سوآء إبان المفاوضات من أجل استقلال البلاد، أو في إدارة الاقتصاد والمالية، طوال قرابة ست سنوات بلا انقطاع.
قال لي جلالته:
- البلاد ستكون في حاجة إلى مساهمة رجال أمثالك، ولن يفوتني وقتها اللجوء إلى مساهمتك.
- سأظل رهن إشارة جلالتك ورهن اشارة بلادنا، حتى ولو كان ذلك بشكل شبه رسمي..
في نهاية الصبيحة، تم بث الخبر رسميا، وأصبح ولي العهد نائب رئيس المجلس، جامعا حوله ممثلي مختلف تيارات المعارضة.
بعد أيام قليلة، تم التفويض لولي العهد، نائب رئيس المجلس الحكومي بكل سلطات رئيس المجلس، وعين أحمد رضى اكديرة، المدير العام لديوانه، وبذلك، أصبح هذا الرجل الحذق، الذكي والذي لا ماضي وطني له، مفتاح الفريق الجديد، وكان يستمد سلطته من ثقة الأمير - الرئيس, فقد كان مصنفا من لدن قادة الحركة الوطنية، لاسيما في سنوات 1950/1955 من ضمن الشباب الجديد الذي تعول عليه الحماية، ذلك أنه انتمى إلى مجموعة من المثقفين في الرباط يتزعمهم محمد رشيد ملين، وهو رجل ذو ثقافة صلبة ووطني صادق، يظهر أحيانا تصلبا شديدا، كان الخصم اللدود للمهدي بن بركة، الشيء الذي يفسر نفوره من حزب الاستقلال وعداءه له.
في سنة 1940، أصبح رشيد ملين مدير المطبعة الملكية، وجاء من ضمن من جاء بهم باكديرة الذي تعرف وقتها على الأمير مولاي الحسن.
في سنة 1952، وفي خضم حملة التطهير الكبيرة، تم وضعه رهن الاعتقال في ظروف ذات صعوبة خاصة.
وقد عانى من جراء ذلك جسديا ونفسيا، ولم يستطع أن يسترجع عافيته، بعد هذا الامتحان، وهكذا وجد اكديرة الذي لم يكن سوى ظل له، نفسه ضمن محيط الملك، سنة 1955 بعد عودة العائلة الملكية من المنفى
ومماتشير إليه سيرته الذاتية، التي يبدو أن أصدقاءه الفرنسيين سهروا عليها بعناية فائقة، أنه كان يدافع عن الوطنيين أمام المحاكم، وهي إحالة، ظاهريا صحيحة، إذ أنه دافع عن بعض المناضلين، ولكن بطريقته الخاصة، حيث كان يطالب على وجه الخصوص بتسامح وعطف القضاة بدون أن يحاكم أبدا الحماية، أو يدافع عن قضية موكليه كما كان يفعل محامون آخرون فرنسيون بشجاعة، مجازفين بحياتهم.
في دجنبر 1955، عندما تطلب الأمر تشكيل أول حكومة، في إطار الشروط المنصوص عليها في اتفاقيات سيل سان كلود, استسلمت لإلحاح الأمير مولاي الحسن، حتى يحصل على منصب وزير دولة، باعتباره شخصا مستقلا...
- قال لي الأمير ليطمئنني:
إنه صديقي، وأنا مسؤول عنه.
قيادة الحزب، من جهتها صعقت، وكنت أسمع من كل جانب يبدو أن الانتظارية أكثر ربحا من الإلتزام في سياق الأجواء الاحتفائية وقتها، كنت أبعد ما أكون، ربما بسذاجة، من أن اكتشف لدى هذا الرجل قدراته على الدسائس الماكرة، ولاسيما احساسه بالغل والضغينة على قادة الحزب.
خلال المفاوضات بباريس، في فبراير 1956، أفلح في ألا يثير الانتباه، فقد كان شخصا منزويا، مكلفا بالاتصال مع الصحافة، وهو الشيء الذي كان يزعج عبد الله إبراهيم في عمله، باعتباره كاتب الدولة في الأنباء، أما محمد الخامس فلطالما قابله، ربما عن حدس، بالكثير من الحيطة والحذر، وكان يسلم بحضوره، لأنه مدعوم من طرف ابنه، لكنه تسليم المرغم.
بمجرد تشكيل الفريق الحكومي الجديد، اختار الملك مديرا عاما لديوانه محمد عواد، ذلك الإنسان النزيه أخلاقيا وماديا، وسرعان ما سيجد نفسه، هو المعروف بسلامة طويته ونيته النبيلة، في مواجهة، شبه يومية مع اكديرة المدير العام لديوان الأمير، وقد كان التوتر في أوجه، بين الرجلين وفي علم الجميع. وعندما توفي محمد الخامس، انتصر اكديرة بقوة الأشياء.
الشيء المثير، والمحزن نوعا ما هو رؤية قادة حزب الاستقلال يتخلون عن أي موقف ينم عن الحد الأدنى من الكرامة أمام سيد اللعبة الجديد ممثلا في اكديرة، الذي لم يكن يدع أي فرصة تمر دون تحسيسهم بذلك. وقد كانوا جميعهم، بدون استثناء، رهن أوامره، بل حتى علال الفاسي نفسه، بكل ماضيه ورهافة حساسيته، كان مجبرا في صحافة حزبه على مديح الذكاء السياسي لمدير ديوان الأمير، وقيل إنه كان أحيانا، ينتظر ساعتين قبل أن يحظى بلقاء أكديرة.
لقد تأثر الاستقلال تأثرا عميقا جدا بانشقاق 1959، ذلك الانشقاق الذي يتحمل فيه مسؤولية كبيرة، وقد تسبب ظهور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ودينامية مناضليه، المدعومين من طرف الأغلبية الكبيرة من الجماهير الشعبية المسيسة في إثارة مخاوفه، فكان تفوق العداء والحقد الأعمى على كل الاعتبارات، فأصبح التحالف مع المستقلين (الأحرار) والحركة الشعبية, حزب الدستور الديمقراطي (الحزب الذي أسسه محمد بلحسن الوزاني، بعد حل الشورى والاستقلال، وقد اختفى الحزب الثاني قبل وفاة مؤسسه)، وكل الاتجاهات التي لم يفتأ يرفضها، هو استراتيجيته المفضلة، معتقدا أنه يمكن التحكم فيها. هذه الاستراتيجية الفريدة من نوعها، التي لم تكن أكثر من مجرد وهم، كانت تقدم لمناضليه أو للعاطفين عليه بمثابة تجديد للعهد بين محمد الخامس وحزب الاستقلال، كما في سنوات 1944-1955، وكان يقول بدون اقناع طبعا، بأنه يقبل التواجد في هذا التحالف الجديد من أجل إقرار مؤسسات ديمقراطية، ضمنها دستور على وجه الخصوص، ولكن بدون تحديد ما إذا كان هذا الدستور سينبثق أم لا عن عمل مجلس تأسيسي منتخب بالاقتراع المباشر.
أولى الانتخابات المحلية
ما إن نصبت الحكومة الجديدة يوم 26 ماي 1960 حتى قررت، بالكثير من البهرجة واللغط تنظيم الانتخابات الجماعية والبلدية يوم 29 ماي، بواسطة الاقتراع الأحادي بطبيعة الحال, تم تهييء كل شيء من طرف ادريس المحمدي، بتعاون مع المساعدين التقنيين الفرنسيين، إبان الحكومة السابقة، وبغير علمها وفي غفلة منها عمليا. وانكشفت الحيلة السياسية وانفجرت الفضيحة في واضحة النهار: لقد تم اعفاء حكومتنا قبل الوقت المحدد، أي قبل اجراء الانتخابات، كما تم الوعد بذلك خلال تنصيبها حتى تحظى التشيكلة الجديدة بامتياز السهر على العملية وهي عملية - مفاجأة لمباغتة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وأخذه على حين غرة.
لقد كانت فضيحة، بكل زوايا النظر، أن يتم تحديد 29 ماي تاريخا لاجراء الانتخابات، بعد ثلاثة أيام فقط من تشكيل هذه الحكومة التي نصبت يوم 26 ماي، في حين دامت الترددات والتباطؤات المتعمدة أزيد من سنة.
وبالرغم من عدم استعداده لهذه الاستشارات، فقد قرر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المشاركة فيها، ولم يكن ذلك من أجل النتائج في حد ذاتها، بقدر ما كان ذك أساسا لكون الحملة الانتخابية مناسبة لفضح التوجه اللاشعبي للحاكمين الجدد وشرح اختياراتنا على مستوى الجماعات والبلديات والتوعية بالمشاكل الملموسة.
أنجز التقطيع الانتخابي من طرف المصالح المركزية والمحلية لوزارة الداخلية انطلاقا من الاعتبارات الاثنية في غالب الأحيان، وأنجزت تهيئة اللوائح الانتخابية من طرف العمال ومرؤوسيهم، بدون أي مراقبة تقريبا، وبما أن الحالة المدنية كانت لاتزال في مرحلة جنينية، ولا توجد في العشرات من الجماعات، فإن اللوائح الانتخابية الرسمية أنجزت، خصوصا في البوادي بناء على التعليمات وبناء على إرادة ومزاج ادارة الداخلية، بدون أدنى امكانية عملية لمراقبة مدى صحتها وصلاحيتها.
لقد كان من شبه المستحيل، على الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أن يعين في ظرف أيام قلائل حوالي 10200 مرشح، أما بالنسبة للاستقلال، الشريك في التحالف، وبالتالي في المناورة السياسية فقد كان يملك امكانيات أكثر بفضل قواده و شيوخه ومقدميه، لتقديم المرشحين بمباركة وزارة الداخلية، أما بالنسبة للحركة الشعبية, فإن الإدارة مركزية كانت أو محلية, هي التي تقوم بالعمل بدلها، نظرا للغياب شبه التام لها في البوادي التي تدعى مع ذلك أنها تمثلها.
وبالقليل الممكن من الموضوعية، يبدو واضحا للملاحظ أن التحالف الحكومي ووزارة الداخلية بمعية شبكة الأعوان المحليين، كانوا معبئين، بالوسائل المادية والمالية حتى يمنى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالفشل.
ومع ذلك، وبالرغم من كل هذه الشروط غير الملائمة، وبالرغم من المناهضة المفتوحة للإدارة. وأخيرا، بالرغم من عمليات التزوير المفضوحة، كانت النتائج المحصل عليها من طرف حزبنا هي النتائج الباهرة أكثر من غيرها، فالبلديات الكبرى في الرباط العاصمة والدار البيضاء وطنجة والقنيطرة.. الخ فاز فيها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بأغلبية ساحقة, أما في الجماعات القروية، حيث كان من المستحيل علينا عمليا تقديم مرشحين، فبفضل حيوية الشباب ومناضلي المقاومة وجيش التحرير, فإن النتائج، بالرغم من محدوديتها، كانت نتائج دالة:
بشكل غير رسمي، منحونا حوالي 2500 منتخب من مجموع المستشارين، وحقيقة الأمر، كما تبين من خلال تحرياتنا الخاصة أن العدد تراوح بين 2800 و3000. الاستقلال منحوه قرابة 4200 منتخب، وغالبهم في الجماعات القروية، وقد تبين من بعد أن جزءا كبيرا من هؤلاء المنتخبين هم بالأحرى من العاطفين المقربين من الإدارة المرشحون، الذين سموا بالأحرار (المستقلين)، أي قرابة 2000 مرشح، لم يكونوا في حقيقة أمرهم سوى اعوان الادارة تم تعيينهم جميعا تقريبا، ولاسيما في الجماعات النائية، بدون لوائح انتخابية وبدون مرشحين منافسين، أما الحركة الشعبية، المفروض فيها تمثيل العالم القروي، فلم تحصل سوى على 700 مقعد، علما بأن ذلك كان بفضل التدخل المباشر للإدارة وأخيرا، منح لحزب الدستور الديموقراطي أقل من 200 مستشار.
هذه الاستشارة الأولى، التي شابتها تجاوزات فاضحة ومتعددة، تحت إدارة حكومة اصلا مناهضة لحزبنا، برهنت, أظهرت أن المغرب الجديد، الديموقراطي الطامح إلى اصلاح الهياكل والبنيات، بهدف تحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الكاملة، هو واقع أمر يفرض نفسه بالقوة, فالشبيبة، الحضرية منها وحتى القروية والعمال والأطر والفلاحين الصغار المحرومين من الأرض والتجار أو الحرفيين الصغار والمتوسطين، كل هاته الفئات الاجتماعية اختارت بوضوح اختيارات وتوجهات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وهناك حالة دالة، من بين حالات عديدة يحسن سردها: في إحدى دوائر الرباط بحي السويسي، حيث يقطن كبار شخصيات النظام-البرجوازية التجارية والصناعية الكبيرة - كان محمد الدويري، القيادي في حزب الاستقلال ووزير المالية قد رشح نفسه، في المقابل، رشح الاتحاد الوطني تاجرا بسيطا يبيع الفاخر يسمى لعوينات. وكان الأمير - الرئيس قد أصر، خلال الحملة الانتخابية، بمعية محمد الدويري القيام بجولة في الدائرة، مبرزا بذلك دعمه لوزير المالية فكانت النتيجة أن تم انتخاب لعوينات بأغلبية كبيرة من الأصوات.
اضافة إلى ذلك، أفرزت نتائج الانتخابات الجماعية ملاحظات جديرة بالإشارة:
- من بين المرشحين المستقلين (الاحرار)، الذين رشحتهم الحركة الشعبية، بل حتى حزب الاستقلال سجل العديد من القواد والشيوخ والمقدمين السابقين، ممن كانوا من أعوان ادارة الحماية ضد الحركة الوطنية و الملك محمد الخامس، عودتهم بقوة على الساحة السياسية، وفي غياب إفراز ما كان يسمى بالنخبة القروية الجديدة، شجعت و زارة الداخلية ودعمت ترشحيهم. فكان أن العالم القروي في عهد الحماية تمت وراثته من طرف الفريق الوزاري الجديد.
. كان ظهير 23 يونيو 1960، المؤكد لظهير شتنبر 1959، يعرف ويحدد وضعية المستشارين الجماعيين بمنحهم، على وجه الأخص, الشخصية المعنوية والاستقلالية المادية، بيد أن الوصايات والإكراهات المنصوص عليها كرست نزع اية مبادرة أو أي هامش للعمل للمستشارين الجماعيين، وهكذا لم يكن للرئيس أي سلطة تنظيمية ولا أي سلطة على الأمن، بل لم يكن بمقدوره حتى أن يتعامل تعاملا مباشرا مع المصالح المحلية، كمصالح الأشغال العمومية أو التجهيز القروي و حدهم القواد كانوا يملكون هذه الصلاحيات، بحيث أن اعوان الإدارة المحلية كانوا يخضعون لسلطتهم وحدها، كما كانوا ضباطا للحالة المدنية وللشرطة القضائية.
. لقد استعادت وزارة الدخلية روح، بل حتى نص اصلاح الحماية لسنة 1951، فلم يعد للرؤساء والمستشارين الجماعيين، كما للجماعات الإدارية سوى الدور الباهت كهيآت استشارية، لأنهم أبعدوا من التسيير والمسؤوليات.
. وسرعان ما تعمم صراع الاختصاصات بين القواد والمنتخبين، وانفضح في كل مكان الطابع المضلل لما يسمى باللامركزية الديموقراطية. فلطالما تم الترديد، مرات عديدة أن الهدف هو جعل المستشارين المنتخبين مسيرين مسؤولين، إن لم نقل غير مسيسين، والواقع أن النية الحقيقية، عبر الوصاية الإدارية كانت هي تحويلهم الى مجرد ممثلين ثانويين وخنوعين. وكما كان الأمر عليه في فترة الحماية، تحول القايد الى ضابط الشؤون الأهلية، بصلاحياته ومخازنيته ومدينته ونياشينه ذاتها.
. في السابع عشر (17) من شتنبر 1960، اعطت دورية جديدة تعليمات جديدة بدورها من أجل دحض آخر محاولات المقاومة أو الصمود: فتم تطهير جسم اعوان الداخلية من كل العمال أو القواد، المشتبه في تعاطفهم مع الاتحاد الوطني، أو جيش التحرير وحزب الاستقلال. و قتها، كان البكاي وزير الداخلية وضمانا لنوع من التواجد للحركة الشعبية كان احرضان والخطيب هما اللذان توليا اقتراح اسماء القواد الجدد الذين يجب تعيينهم، وغالبا ما تم اختيارهم من المنحدرين من المنطقة. وهكذا كان يتم تأطير المنتخبين، أي وضعهم تحت المراقبة والزامهم بسلوك معين.
الغرفة الدستورية
أعلن محمد الخامس، عند تنصيب الحكومة الجديدة أن دستورا جديدا سيتم اعداده قبل متم سنة 1962.
وفي 27 غشت 1960 تم الإعلان عن انشاء هيئة سميت باللجنة أو الغرفة الدستورية مكلفة ببلورة مشروع دستور واعداده على أن يتم عرض هذا المشروع على مصادقة الملك، الذي يحتفظ بحق رفضه أو مراجعته، ثم في المرحلة الثانية يعرض مشروع الدستور الذي حظي بمصادقة الملك على استفتاء شعبي مباشر.
والحاصل، أن فكرة اسناد اعداد مشروع دستور إلى لجنة معنية بذاتها لم تكن فكرة جديدة،. بحيث أنها كانت موضوع حديث عدة أشهر من قبل بيد أن الإعلان الرسمي عن انشائها يستدعي الملاحظات الآتية:
1) لقد قرر الملك مدعوما من طرف حزب الاستقلال، التخلي عن مبدأ انتخاب مجلس وطني تأسيسي عن طريق الاقتراع المباشر, نفس الموقف تبناه ا لحزب الديموقراطي الدستوري وظل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو الوحيد الذي ثبت على موقفه.
2) في المقابل، عبر الملك عن ارادته في وضع حد لوضع مؤقت دام أكثر مما يلزم, وهكذا صدر ظهير مؤرخ ب 4 نونبر 1960 يرسم انشاء الغرفة الدستورية المعنية، ثم صدر آخر بتاريخ 11 نونبر 1960 يقدم لائحة الاعضاء 76 الأوائل في الغرفة, أربعون منهم معينون من ضمن مختلف الشخصيات (علماء، اساتذة الخ..) اضافة الى قادة من الأحزاب السياسية المشاركة في التحالف الحكومي، باستثناء قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الأربعون شخصية المذكورة اعلاه عينهم الملك، أما الست وثلاثون شخصية أخرى، فيمثلون الأٍقاليم الستة عشر للبلاد: أربعة ممثلين عن كل من عمالة الرباط والدار البيضاء، وممثلان اثنان عن كل عمالة أخرى والظاهر أن إقصاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان الدافع اليه هو رفض الحزب المشاركة في مثل هذه الهيئة. والواقع هو أن الأحزاب السياسية للتشكيلة الحكومية لم يكن في وسعها سوى أن تبتهج لهذا الحرمان. والغريب حقا، هو أن أول جلسة لهذه الغرفة تمت يوم 7 نونبر 1960، أي قبل نشر الجريدة الرسمية للائحة الاعضاء. وصار عدد هؤلاء 78 عضوا، عوض 76 المنصوص عليها في ظهير 11 نونبر 1960. وبما أنه كان لابد من رئيس لتسيير النقاشات، فقد قدم علال الفاسي ترشيحه فتم انتخابه بأغلبية واسعة في ما يبدو, فتسبب اختيار الرئيس من الاستقلال فوريا في استقالة اعضاء الحركة الشعبية وحزب الدستور الديمقراطي، وهكذا غادر محمد بلحسن الوزاني والمحجوبي أحرضان الجلسة، يتبعهما أصدقاؤهما لم يكن المشهد جديرا بالمشاهدة، وعم اللبس والخلط والاكثر إثارة هو الموقف المتعجرف المتعمد لشخص مثل المحجوبي أحرضان، فهذا الضابط السابق في الجيش الفرنسي، الذي كان بالأمس انسانا لا شأن له، بل يكاد يكون باهتا, استعمل منذ الاستقلال باعتباره احد الناطقين الرسميين بالتوجه البربري، وبالخصوص التوجه المناهض للفاسيين. وقد برهنت نتائج الاستشارات الجماعية وشهدت على قلة شأنه، بل عن عجزه التام على التغلغل في العالم القروي بالرغم من مساعدة الجهاز الاداري والاموال التي كان يستفيد منها بشكل كبير، فقد كان مدينا للقصر الملكي بكل شيء، وهذا الشخص بالذات هو الذي أقر عليه الاختيار لكي يكسر منذ ولادتها، مؤسسة،لاشك انها مفبركة. لكنها على أية حال من إنشاء محمد الخامس. كان سيبدو من المنطقي لو أن الملك نحاه، أو لو ان ولي العهد، نائب الرئيس والماسك بكل السلطات أنبه، لكن لا إجراء من هذا القبيل اتخذ في حقه. ولم يفت أي كان بأن قائد اولماس الصغير، الذي كان بالأمس تحت الحماية بدون جرأة ولا حضور يذكر، يحظى اليوم بحماية من مستويات عليا, ذلك لأن الدمى لا تتحرك لوحدها. وقد قيل ان محمد الخامس تألم عميقا. اما ما كان يردده الرأي العام في كل مكان فهو أن جو التوتر والريبة أصبح يزداد خطورة يوما بعد يوم داخل الفريق الحكومي, أما حزب الاستقلال فقد تلقى الصفعة بدون اي رد فعل، اذ بعد ان تخلى عن مشروع المجلس التأسيسي، الذي سبق ان جعل منه احد مطالبه الاساسية، تخلى من جديد عن مشروع الغرفة الدستورية التي تم تعيين كل اعضائها والموقف الوحيد الذي ظل متشبثا به، مهما كان الثمن، هو البقاء ضمن الفريق الحكومي. نفس الموقف كان يجب ان يكون موقفه وبالاخص فيما يتعلق بالقواعد العسكرية الفرنسية، غير ان محمد الخامس هو الذي ظل حذرا وصارما صلب الموقف ازاء حكومته نفسها. وقد وقعت واقعة ذات دلالة خاصة في هذا الباب، فقد كان مقر القيادة العامة للجيش الفرنسي، يوجد في قلب العاصمة وسط الوزارات المغربية، وكان اجلاؤه يؤجل من اجل الى اخر، فاضطر محمد الخامس، مصحوبا باعضاء من ديوانه وتجريدة من القوات المسلحة الملكية الى أن يتوجه بنفسه الى مقر هذه القيادة ويستولي عليه ويرفع العلم المغربي فوقه، مسجلا بذلك استنكارا مثيرا لموقف الحكومة.
داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ادى انفجار الغرفة الدستورية الى مفاجأة مرحة. حيث ان بعض القادة رأوا فيه تأكيدا على تحليلهم وهو تحليل بالاحرى انتظاري وسطحي، للوضعية, فبالنسبة لهم كان ذلك دلالة على التفسخ والتلاشي الذي لن يفتأ يتزايد ويستفحل. اذن سننتظر ان يتهاوى كل شيء وينهار قطعة قطعة. ولابد انهم سيلجأون الينا من جديد في محاولة لتقويم الوضعية واصلاحها.
في الواقع، كان هذا التحليل يغلف عجز قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن تشكيل قيادة حقيقية ومسؤولة، وعجز عن تحديد استراتيجية محددة بناء على المعطيات الحقيقية للوضع. صحيح ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان يتوفر على تيار واسع من المساندة الشعبية وطاقات تستدعي الحد الادنى من التنظيم, لكن كان المهدي بن بركة في الخارج وعبد الله ابراهيم اغلق عليه باب بيته، مكتفيا ببعض اللقاءات بين الفينة والاخرى، المحجوب بن الصديق كان يعمل كل ما من شأنه ان يجعل الاتحاد المغربي للشغل ومجموع الطبقة العاملة مرتبطين فقط بتعليماته الخاصة وبارادته وحدها. عبد الرحمان اليوسفي. ومحمد البصري وانا شخصيا حاولنا تنظيم لقاءات عمل مع المناضلين الموجودين. اما اجتماعاتنا مع المحجوب بن الصديق وعبد الله ابراهيم، عندما يقدر لها ان تتم فلا تفضي في تقديري الى اي قرار واضح مقبول به من طرف الجميع. وفي الواقع كانت هناك من الرؤي والتحليلات بقدر ما كان هناك من شخص في القيادة. وفي الاخير، اخطرنا السياسيون القادمون من حزب الشورى والاستقلال، مثل عبد الهادي بوطالب واحمد بنسودة بانهم سيقطعون صلتهم بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية ويستعيدون حريتهم في العمل، هل خضعوا للضغوطات او حتى الابتزاز من طرف بعض أعوان السلطة؟ لم يكن الامر مستبعدا تماما. لم يخلق ذهابهم اي فراغ، بل بالعكس من ذلك ساهم في الوضوح داخل الحزب، اذ ان تواجدهم كان يثير العديد من التساؤلات لدى العديد من المناضلين في القاعدة غداة 20 ماي 1960 لما حاولنا الاحاطة بمختلف التحليلات حتى نردها الى ماهو أساسي توصلنا الى هذه الخلاصة: المشكل الرئيسي والاساسي هو مشكل دمقرطة الحياة الوطنية بالنسبة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لا يمكن لهذه الدمقرطة ان تتم الا بانتخاب مجلس وطني تأسيسي من شأنه ان يمنح الشعب كامل السيادة وما كان مجرد وسيلة، صارت له قيمة العقيدة (الدوغما) من كثرة ما تم ترديد واعادة ترديد هذا الشعار، كما لو ان المجلس التأسيسي يمكن ان يمتلك السلطة المعجزة لاصدار الاختيارات والوسائل والسبل لتنفيذها بل يمكننا ان نتساءل هل كل الاطر, بله حتى القياديين، كانوا مقتنعين كل هذا الاقتناع بأن المجلس التأسيسي هو السبيل الوحيد للدمقرطة. ذلك لأن التشبث بهذا الموقف بالنسبة لبعض المناضلين، خصوصا منهم القادمين من تنظيمات المقاومة كان يعد بمثابة طريقة في تدارك وعلاج خيبة وحرمان من حق: وتفسير ذلك هو ان اشتراط وجود مجلس تأسيسي لم يتم التعبير عنه ابان سنوات الكفاح من 1951 الى 1955 وبالنسبة لاطر اخرى، كان الحفاظ على هذا المطلب يمنح الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نوعا من الخصوصية تميزه عن الاتجاهات السياسية الاخرى، شخصيا، ولا سيما ابتداء من 1960 بدا لي ان من العقم والشلل مواصلة التقوقع في هذا الموقف وسجن الذات فيه. فقد كان يبدو من غير الوارد منطقيا، اللهم في حال وقوع حدث طارئ ان تقبل ملكية تتمتع بالشرعية التاريخية، مكرسة ومدعمة بنضالات وكفاحات ضد الاستعمار، تجريد نفسها من كل صلاحياتها لكي تمنحها، بمحض ارادتها الى مجلس وطني منتخب. فالهياكل والبنيات الاجتماعية في المغرب وخصوصا بنيات العالم القروي التي تمثل %80 من مجموع الساكنة لم تكن مستعدة لذلك البتة ومبدأ الدمقرطة لم يكن حتى مقبولا من طرف بعض القادة السياسيين، كما هو حال ادريس المحمدي، وزير الداخيلة الذي طالما اعتبره الاتحاد المغربي للشغل احد المتعاطفين معه، والذي كان يسخر سخرية تامة واحيانا علنيا من الافكار الديمقراطية. فقد كان يرى ان مجموع العالم القروي، بل حتى جزءا كبيرا من السكان الحضريين لم يكونوا يطلبون اكثر من حكمهم بطريقة جيدة (لحكام) ولهذا الغرض كان يثق في الملك. لكن لنترك وجهة نظر المحمدي، الذي لم يكن الوحيد على كل الحال الذي يدافع عنها. فقد كنا هناك معطى تاريخي، جوهري كان البعض يتجاهله وهذا المعطى هو ان تحرير المغرب من الوجود الاجنبي كان عملا مشتركا بين الحركة الوطنية والجماهير الشعبية ومحمد الخامس المجسد بمعنى الكلمة لمطامح شعب بكامله، نحن نعرف انه في الغالب الاعم، يكون القلق هو الذي يدفع الشعوب الى عبادة القادة, في المغرب نجد ان قلق البارحة مثله مثل
الاعتراف بالجميل بعد الاستقلال كانا مازالا يحملان الشعب المغربي على تبجيل عاهله, ولهذا السبب لطالما دافعت عن وجهة نظر اعتبرت وقتها اصلاحية: لا يمكن لدمقرطة المؤسسات ان تتم الا باتفاق وتوافق مع المالك للشرعية التاريخية. فقد كانت، في اعتقادي النهج الثوري الحقيقي. فقد كنت أرى في تشكيل الغرفة الدستورية هيئة بامكانها توحيد وجمع الارادات وتظافرها بفعل التوضيح والمجهودات المتكررين، ما من الشك ان النتائج لن تكون نتائج مثالية، لكن الطريق سيفتح من اجل ان تتسرب الروح الديموقراطية الى العادات والحياة اليومية، على المستويات المحلية والاقليمية والوطنية فقد كنا ندعو الى دستور - برنامج عوض دستور قانوني محض ينحصر في تنظيم العلاقات بين الملك والحكومة والجمعية المنتخبة. وكان ييكون من الصعب الرفض الكلي لمبدأ هذا الدستور - البرنامج: لانه كان سينص على تقوية وبناء الاستقلال الاقتصادي ويتناول اختيارات مثل ضرورة الاصلاح الزراعي، ووجود سياسة للتعليم والتربية واقامة وتطوير قطاع عام او شبه عام، الوحيدين القادرين على ضمان حد ادنى من الادخار لفائدة الاستثمار الخ. وكانت النقاشات ستمس المشاكل العميقة الحقيقية. اسفت شخصيا لتعليق عمل تلك الغرفة الدستورية, ذلك انني كنت اعتقد ان محمد الخامس سيقبل استئناف العمل بها اذا ما نحن اتخذنا مبادرة عودتها من جديد مقابل بعض الشروط او التعديلات, بل قد كنت أجريت حوارا مع روبير بارا في صحيفة افريك اكسيون - يسير في هذا الاتجاه. وكان بارا قد اختار كعنوان للحوار كيف يمكن انقاذ الملكية، فلم أوافق على العنوان، لان الامر يتعلق بالاحرى بوضع مسلسل الدمقرطة و للخروج من المأزق وحالة الانحسار التي كنا موجودين فيها جميعا. وهذا الموقف الذي نشر استقبل استقبالا مختلفا ومتباينا من طرف قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وسيتكفل توالي الاحداث، للاسف بالبرهنة على أن مثل هذا التوجه هو الذي يناسب معطيات الظرفية
.
من محمد الخامس إلى الحسن الثاني
خلال الايام التي تلت اطلاق سراحه يوم 3 مارس 1982 بعد اقامة اجبارية طويلة بميسور، استقبل المرحوم عبد الرحيم بوعبيد من طرف الحسن الثاني بالقصر الملكي بمراكش في مقابلة خاصة, ولما عاد عبد الرحيم الى بيت اسرته، روى محتوى اللقاء الذي دار بين الرجلين بالكلمات التالية:
سأل الملك الراحل مخاطبه: اذن، عبد الرحيم، انت غير حاقد علي؟
أجابه عبد الرحيم: ابدا يا جلالة الملك، لكنني اشعر بنوع من الاسف مع ذلك، واتحسر على انني لم احظ بالوقت الكافي للانتهاء من كتابة مذكراتي...
وقد ترك عبد الرحيم بالفعل كتابات لم يسبق نشرها، حرر الاساسي منها قبل فرض الاقامة عليه بميسور واستكملها خلالها. المخطوطات الموجودة تحمل عنوان «مذكرة طريق مناضل» وتضم فهرست اولى لكتاب كان صاحبه ينوي كتابته ولاشك، لكنه لم ينعم بالوقت الكافي لاستكماله. وتترك دراسة هذه الكتابات بالفعل الانطباع بوجود عمل بمستويات مختلفة في الكتابة، يكون احيانا عملا غير كامل. والفترة المعينة هنا تمتد من 1942 الى 1961 بيد ان الكتابات لا تغطي، بمنطق كرونولوجي وواسع مجموع هذه السنوات، كما هو عليه الحال في الممارسة الكلاسيكية لمذكرات السياسيين ,ومن هنا تأتي صعوبة جمعها في إصدار واحد ووحيد ,ولهذا السبب أيضا قر اختيار مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد على نشرها بشكل دوري تحت عنوان «ارشيفات مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد».
وهذه الصيغة تهدف إلى تقديم مادة خام للناس، اغلبها لم يسبق نشره ويكتسي اهميته الخاصة في التاريخ المعاصر والحديث للبلاد، وفي السياق الحالي للنقاشات الدائرة حول كتابة التاريخ القريب للمغرب.
يتعلق الأمر هنا بالاقرار والاعتراف بالعلاقة الوطيدة بين الذاكرة والتاريخ بدون الاستسلام، مع ذلك لاغراء الخلط بين النوعين، وفي سياق هذه الروح ذاتها، يستجيب اطلاق مجموعة ارشيفات مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد في سنة 2006 وموضوعة هذا العدد الاول منها المخصص للفترة الانتقالية 1960/1961 للعديد من الاعتبارات اولها كون سنة 2006 تتميز بتخليد الذكرى الخمسينية لاستقلال المغرب، كحدث حاسم في مسار عبد الرحبيم بوعبيد،. و عليه، فنحن نحتفي هنا بذاكرته وبدره في حصول المغرب على الاستقلال في الان ذاته, ثاني هذه الاعتبارات، هو ان الاحداث السياسية التي تخللت فترة 1961 - 1960 تشكل لا محالة منعطفا حاسما في الحياة السياسية المغربية، كما انها طبعت مسار عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله، واخيرا، فإن قوة النقاشات وحدة السجالات التي تخللت هذه الفترة مازال لها بالتأكيد صداها حاليا. وبهذا المعنى، فان المساهمة الحالية لعبد الرحيم بوعبيد، فضلا عن مواقفه العلنية المعروفة، تعد مساهمة ثمينة، لاشك انها ستتيح اثراء المعرفة حول هذه المرحلة ومعرفتها.
حديث متبادل مع بن بركة حول المؤسسات.
كنا عائدين من دامبير من الضاحية الباريسية بعد لقاء في بيت روبير بارا، بمعية فرانسوا مورياك, جورج سوفير وبعض الاصدقاء الاخرين, بالكاد تكلمنا عن الوضع في المغرب، لأننا، بالأحرى، تحدثنا عن دوغول وعن حرب الجزائر.
كنت قلت لفرانسوا مورياك:
- ان الجنرال دوغول هو الوحيد القادر على التفاوض مع جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، ومانديس فرانس نفسه يعتقد ذلك، ويحثنا على اللقاء به، فلا أحد قادر على وضع حد لهذه الحرب، ولاشك ان الرأي العام الفرنسي سيسانده ويزكيه، في اغلبيته الساحقة
-سألني فرانسوا مورياك
-هل طلب منكم ذلك؟ عندما أفكر بعمق، هذا لن يفاجئني من طرفه.. ثم مال جهتي واضاف بصوته الاجش الخافت:
- لديكم مشاكلكم مع ولي العهد في المغرب، وانا ايضا لدي اميري، لكن بدون مشاكلكم ، وهذا الامير هو دوغول
ثم حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، استأذنا اصدقاءنا للعودة الى باريس، عبر الطريق السيار غربا
كنت جالسا الى جانب المهدي بن بركة الذي كان يسوق السيارة، فيما جلس المهدي العلوي في المقاعد الخلفية, استأنفنا مناقشاتنا اللانهائية حول السبل والوسائل الكفيلة باقرار نظام ديمقراطي. وجهة نظري كانت هي ان التوافق هو السبيل الوحيد في سياق الظرفية الداخلية المغربية.
قلت:
ان الوقوف عند شرط المجلس الاستشاري المغربي، المنتخب عبر الاقتراع السري، سيكون خطأ فادحا، فليس بمقدورنا ان نفرض على ملك يحظى بشعبية، حظي بمباركة مجموع الشعب،
إعفاء حكومة عبد الله ابراهيم
ماي /نونبر 1960
في العشرين (20) من ماي، تم إعفاء الحكومة التي يرأسها عبد الله ابراهيم بدون مبرر مقبول. وكان التفسير الوحيد المقدم لذلك الإعفاء هو أن هذه الحكومة طال بقاؤها أكثر مما كان قد قدَّره خصومها سلفاً. وكان الفريق الحكومي، الملغم من الداخل بوزراء متواطئين مع المعارضة، من قبيل يوسف بلعباس، قد استطاع البقاء بالرغم من العديد من التقلبات والحيثيات والظروف ودام بقاؤه أزيد من 15 شهراً، وهو ما يعد رقماً قياسياً بالمقارنة مع الفرق السابقة له منذ 1956.
فقد هاجمت البورجوازية المنتسبة إلى الاستقلال وثارت ثائرتها ضد الاجراءات المطبقة على مستوى الصناعة والتجارة الخارجية والعملة والقرض. كما هاجمت بورجوازية أخرى، بورجوازية الفلاحين الكبار، على غرار الاتحاد المغربي للفلاحة، الحليفة بدورها للاستقلال أو لتيارات أخرى غيره، ذلك لأن أهدافها كانت تتمثل في امتلاكها، بأي وسيلة من الوسائل، لأفضل الضيعات التي بحوزة المعمرين الأجانب. فتم تقديم الاصلاح الزراعي، الذي تبناه المخطط الخماسي 1965-1960، بالرغم من اعتداله ودقته، كما لو أنه عمل يحول الفلاحة المغربية الى نموذج سوفياتي (أو سفيتتها) بما يعني ذلك من كولخوزات وسوفخوزات. وكانت هذه البورجوازية أو تلك، مسخرة ومستخدمة من طرف الشركات الرأسمالية الفرنسية بطريقة واضحة للعيان. فكانت صحافة الاستقلال، صحافة البورجوازية الحضرية أو القروية لا تني، أحياناً بدون تمييز تردد على طول أعمدتها نفس الحجج ونفس الانتقادات التي تبلورها الصحافة الفرنسية خدمة للمصالح الرأسمالية الأجنبية. وخلاصة القول في ذلك، أن البلاد متجهة نحو الكارثة والمغرب يسير نحو إقرار نظام قريب من الشيوعية بهذا القدر أو ذاك، متنكراً بذلك لتقاليده الدينية والثقافية.
وحزب الاستقلال، الذي لم يكن قد بلور لنفسه مذهباً بعدُ (إذ كان عليه انتظار 11 يناير 1962 لفعل ذلك) كان هو رأس الحربة في عملية النسف هاته، أما الحركة المسماة بالشعبية، فلن تكن أكثر من خليط من الأعيان، بلا انسجام ولا إيديولوجية، تدعي أنها تتحدث باسم العالم القروي. حتى المسكين البكاي نفسه، الذي كنت شخصياً أحترم فيه نوعاً من النزاهة، انجر إلى الدخول في جمهرة الصارخين. وأخيراً، قامت صحيفة» لي فار»، الذي كان مديرها الظاهر هو رضى اكديرة، بتنظيم كل هذا وتنسيقه، ذلك لأنها في الواقع كانت تدار من طرف مساعدين تقنيين فرنسيين متخصصين في السجال والتدليس والتشهير.
لم يكن ولي العهد، مولاي الحسن بدوره يتردد في استعمال السلطة المرتبطة باسمه وبمكانته للعمل بشكل مباشر ضد الحكومة الشرعية التي نصبها والده نفسه. فقد صرح أزيد من مرة أنه أول معارض. وكان تصرفه تصرفاً سياسوياً، بدون تحفظ, ولا أعتقد أنني أبالغ إذا ما ذكرت بأنني كنت ومساعدي هدفاً لكل هذه المعارضات، والعدو اللذوذ الذي يجب القضاء عليه. وتكفي قراءة صحافة تلك الفترة، ابتداء من 1956 وإلى حدود ماي 1960 للتأكد من ذلك.
ويحق علي أن أشير إلى الموقف الموضوعي والرصين لمحمد الخامس طوال هذه الفترة. فغالبا ما كانت الفرصة تسنح لي لكي أطلب تحكيمه، بل كانت هناك مجالس للوزراء يرأسها هو تطرح فيها القضايا الخلافية. وبعد توضيح من هذا الطرف وذاك، يحسم الملك لصالح وجهة النظر التي كنت أدافع عنها، بل ويكون ولي العهد نفسه حاضراً.
لاشك أن حصيلة العمل الحكومي، طوال الفترة ما بين 1956-1959 مازال مطروحاً إنجازها، والانكباب عليها، لمصلحة ولفائدة التاريخ المعاصر لبلادنا. بيد أن معالم الاستقلال الاقتصادي للمغرب كان قد تم وضعها في ماي 1960 أو كان يتعين استكمالها وتطويرها على ضوء العبر المستخلصة من التجربة.
ففي القطاع الصناعي، تم إنشاء قطاع عمومي يلعب دور المحرك وقوة الدفع: المركب الكيماوي بآسفي، معمل الصلب والحديد بالناظور، إنشاء وحدات صناعية من أجل تركيب وصناعة الشاحنات (اتفاقية المغرب ـ بيرلي) وتركيب الجرارات وصناعتها (اتفاق لابوريي)، إنشاء وحدة صناعة العجلات (اتفاقية جنرال طاير) صناعة مركب للوحدات النسيجية (منها وحدة كوفيطس بفاس) إنشاء محطة لتكرير النفط بالمحمدية (سامير)، والتي كانت ربما أول محطة للتكرير في بلد من العالم الثالث (اتفاقية ماطيي) اتفاقية في طور الإعداد لتركيب وصناعة السيارات (سوماكا)، إصدار ظهير منظم للبحث واستغلال باطن الأرض، تأميم مناجم جرادة، تأميم الشركة الشريفة للبترول إلخ. وكان مكتب الدراسات والمساهمات الصناعية هو الذي تكلف بالدراسات والسهر على التنفيذ المادي، ولاسيما ما يخص التمويل وتكوين الأطر المغربية.
في القطاع التجاري: تنويع الصادرات والتراجع الواضح لتبعيتنا إزاء سوق منطقة الفرنك (انتقلنا من 80% إلى 40%)، تأميم استيراد الشاي والسكر (المكتب الوطني للشاي والسكر) بدء العمل بتعريفة جمركية جديدة مع التوجه نحو حماية منتوجاتنا الوطنية.
في قطاع القروض والعملة: تأميم ـ بدون تعويض ـ لمؤسسة الإصدار (بنك المغرب) إنشاء بنك وطني للتنمية الاقتصادية مخصص لتمويل المشاريع الصناعية الواردة في المخطط الخماسي، إنشاء بنك للتجارة الخارجية من أجل تشجيع صادراتنا والسهر على تنفيذ تنويع صادراتنا نحو أسواق جديدة، خروج المغرب من منطقة الفرنك وإنشاء العملة الوطنية الجديدة (الدرهم)، حيث أن احتياطتنا الخاصة من العملة الأجنبية كانت تسمح لنا، في سنة 1960 بالصمود لمدة ستة أشهر. إنشاء الصندوق الوطني للإيداع والتدبير المخصص لجلب جزء كبير من الادخار وتوجيه ما تراكم نحو القطاعات المنتجة المنصوص عليها في المخطط الخماسي.
في قطاع الإنتاج الفلاحي: الاصلاح الزراعي عبر استعادة أراضي المعمرين (مليون هكتار) وأراضي الملك العقاري والحبوس (حوالي مليون هكتار) وخلق وحدات التعاون والإنتاج، انطلاقاً من الأراضي الجماعية بمساعدة مالية وتقنية من الدولة، تطوير القطاعات المسقية بهدف الوصول الى مليون هكتار مسقية (المكتب الوطني للسقي). ولأول مرة، ثبت أن الشمندر مادة ذات مردودية، ومن هنا جاء مشروع إنشاء وحدات للتكرير والتصفية. ومن أجل وضع حد للمضاربات المحمومة حول أراضي المعمرين، تم إصدار ظهير يمنع، في غياب ترخيص مسبق من الحكومة أي عملية عقارية بين شخص مغربي وشريك متعاقد أجنبي.
إعداد المخطط الخماسي لسنة 1965/1960، بعد سنتين من الدراسات في مختلف اللجن التي تضم ممثلين عن الأجراء (الاتحاد المغربي للشغل) والفلاحين وغرف الصناعة والتجارة. وقد اتخذت التوجهات الكبرى بأهداف محددة لكل قطاع من القطاعات. أما على مستوى التربية، فقد حددت نسبة مائوية دنيا للتمدرس سنوياً، تفضي بعد 5 سنوات إلى تمدرس 60% من الأطفال.. إلخ.
إن الأمر هنا يتعلق ببعض الأمثلة فقط، لابد أن إثارتها أمر مشروع عشية إعفاء حكومتنا. فبالنسبة للطبقة العاملة ومختلف الطبقات الشعبية، كما في أعين جزء كبير من البورجوازية المتوسطة، كانت مثل هذه الأعمال الملموسة تبشر فعلا بمستقبل أفضل، مما نجم عنه في الحياة الاجتماعية اليومية نوع من الانقسام: الذين يجعلون من أنفسهم ورثة الحماية، مقابل الأغلبية الكبيرة التي حصل لها الوعي بأن إرث الفترة الاستعمارية لابد من أن يوضع في خدمة مجموع الشعب المغربي. وهكذا اندلع صراع طبقي حقيقي. وقد كان حزب الاستقلال يجد ويجتهد في صحافته وتصريحاته من أجل نفي هذا الصراع الطبقي مع الدفع بأن الأمر لا يعدو أن يكون شعاراً مستورداً من الخارج ومناهضاً لمبادىء الاسلام. كما لو أن مبادىء الاسلام تمنح الحرية للأقلية من البورجوازية الكبرى لكي تستولي بدون عمل ولا جهد على الثروات المادية للبلاد عبر نفوذها في الادارة والحكومة وعبر سبل وطرق المضاربة. ولهذا بدا أن العقبة التي لابد من القضاء عليها، هي هذه الحكومة التي ظلت قائمة مدة تقارب 15 شهراً.
مولاي الحسن على رأس الحكومة
ففي هذا السياق ذاته، تلقيت يوم 17 أو 18 ماي، مكالمة هاتفية من لدن الأمير مولاي الحسن ، دعاني فيها إلى عشاء ثنائي، رأساً لرأس. وكان قد مضى ر دح من الزمن لم ألتق به. وصلت إذن في الموعد، بفيلاه بالسويسي. بدا منشرحاً للغاية، لبقاً وودوداً. دام اللقاء أزيد من ثلاث ساعات، وسوف لن أقدم منه هنا سوى النقط الأساسية:
قال الأمير:
ـ لقد قرر جلالة الملك وضع حد لمهام الحكومة الحالية. وهناك فريق آخر قيد التشكيل. لقد وصلنا مرحلة المشاورات النهائية وقد أمرني جلالة الملك بإخبارك رسمياً.
ـ أشكر سموك على دعوتك هاته، وعلى الأخبار الذي قدمته لي، لكن أستسمحك في التعبير عن مفاجأتي: ذلك أن جلالة الملك، باعتباره رئيس الدولة، هو الذي يعود إليه أمر هذا الإخبار، بصفة رسمية وحسب الأعراف، للفريق الحكومي كله.
ـ لنقل إنه إجراء شبه رسمي، لكنه في ظرف أيام قليلة، سيُرسم (يصبح رسميا) كما تقتضيه الأعراف. لكن المهم في هذا المسعى، الذي أمر به جلالة الملك، هو أن أعرض عليك تولي مهام وزارة الخارجية داخل الفريق الجديد. ولابد من أن أوضح لك بأن جلالة الملك يلح على هذا الأمر بشكل خاص.
ـ قبل الإجابة على العرض الذي تشرفت به، اسمح لي سموك بإبداء ملاحظة أولية، مادام الأمر يتعلق بحوار شبه رسمي. خلال تنصيب الفريق الحالي، يوم 24 دجنبر 1958 قيل وقتها، في الخطاب الرسمي للتنصيب بأن الحكومة الجديدة ستتولى مهامها الى ما بعد الانتخابات الجماعية، وأن تشكيلة جديدة ستتشكل على ضوء نتائج هذه الانتخابات الجماعية، بمعنى حكومة أكثر تمثيلية لمختلف توجهات الرأي العام. والحال، أنه بالرغم من تباطؤ وزارة الداخلية وبعد مشاورة الأحزاب السياسية حول نمط الاقتراع، في يونيو 1959، قرر ظهير صادق عليه جلالة الملك تنظيم الانتخابات الجماعية بالاقتراع الأحادي. ويحمل هذا النص القانوني تاريخ شتنبر 1959. وفي دجنبر، سجل الناخبون أنفسهم في اللوائح الانتخابية، ولم يبق سوى تحديد تاريخ الانتخابات، فلماذا إعفاء الحكومة قبل الانتخابات؟
ـ لقد قرر الملك ذلك, غير أن ما تبين من اللقاء هو أن معارضة الأحزاب السياسية الأخرى بلغت من القوة حدا جعل الحفاظ على الحكومة قائمة، خلال الانتخابات، يبدو كما لو أنه يدعم حظوظها. فتقرر، إذن، دعم حظوظ فريق آخر. والحال، أن اعتماد الاقتراع الأحادي بدل الاقتراع باللائحة الذي دعا إليه كل من حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية يهدف، في العمق، إلى إقرار سلطة ما اصطلح على تسميته بالنخب المحلية، وذلك بالإبقاء على البنيات والهياكل القروية التقليدية التي كانت تستند إليها سياسة الحماية. كما أن من شأن النتائج الانتخابية عبر تقوية حظوظ العالم القروي، أن يبرز اتجاهات محافظة، إن لم تكن رجعية بحثة.
-سألته:
ـ من هو رئيس المجلس (الحكومي)؟
ـ ولي العهد، أنا شخصياً.
الكشف عن هذا الأمر فاجأني مفاجأة عميقة، وحتى إن سبق لي أن سمعت به، فأنا لم أصدقه.
قلت له:
ـ لكن، يا سمو الأمير، يصعب علي التصديق بهكذا أمر. فأنا لا أرى ولياً للعهد، ومستشاراً لجلالة الملك يضع نفسه على رأس الحكومة، اللهم في ظروف استثنائية حقاً. ذلك لأن الحكم كما يقال هو الاختيار. وعليه، سيكون عليك أن تختار، بإلزام مسؤوليتك السياسية بين هذا التوجه وذاك على المستويات, الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وفي مجال السياسة الخارجية.. فالرجل السياسي العادي ينخرط بكل مسؤوليته السياسية عندما يقدم على اختيار معين. فإذا نجح في عمله، لن يكون قد قام سوى بما أملاه عليه ضميره وتحليله للوضعية، وإذا أخفق، لن يكون أمامه سوى أن يستقيل أو ينحى من طرف الحكم الأعلى، جلالة الملك. هذا هو النظام وهي ذي قواعد اللعبة حتى في ديمقراطية غير كاملة، كما هي ديمقراطيتنا.... ثم واصلت الحديث بالقول:
ـ مبدئياً، فإن أميراً ولياً للعهد يمثل استمرارية نظام الملكية, حيث لا يمكن أن يتعهد بمسؤوليته السياسية، حيث لا تمكن مجازاتك أو محاسبتك، فماذا ستفعل المعارضة في هذه الحالة؟ فإن هي عبرت عن عدم موافقتها على أي إجراء كان، ستكون أولا وقبل كل شيء تعارض ولي العهد، لأن هذه الصفة ستظل، بالرغم من كل شيء هي المهيمنة والغالبة. لست بصدد شكلانية قانونية، بل أحاول أن أتصور أوضاعاً ووضعيات ملموسة, لا، بكل صراحة لا أتفهم الأسباب التي تدفعك إلى تولي رئاسة الحكومة..
أجابني:
ـ لقد قدرت الأمور من جانبها السلبي والإيجابي معاً، وقد تنبأت بالاعتراضات التي ستقوم بها.. لكن القرار اتخذ. وإذا كان جلالة الملك وأنا فكرنا في مشاركتك, فذلك حتى يكون الفريق الجديد ممثلا لكل الاتجاهات.. لا تظن على وجه الخصوص أنني أعارض كل الاجراءات التي اتخذتها.. ففي العمق أنا أيضاً اشتراكي.
ـ يمكنك أن تكون اشتراكياً كإنسان أو كمواطن، لكن لا يمكنك أن تكون اشتراكياً كولي للعهد.. أما في ما يخص مشاركتي الشخصية، فإن أمرها هين للغاية. وعلى كل، كيف يمكنني أن أجمع بين تصوراتي الشخصية وتصورات مناقضة يعبر عنها الآخرون. أنا كمناضل في خدمة قضية أومن بها. فأنا لست سياسياً يبحث عن مناصب..
ـ طيب، سأقدم تقريراً لجلالة الملك عن هذا اللقاء، وعلى كل، سيتم استدعاؤك للمشاورة، كما تقتضي الأعراف ذلك.
كان اللقاء قد انتهى عملياً، كنا نتمشى في الحديقة. وعندما استأذنته في توديعه، خاطبني بقوله:
ـ أنت لا تفهمني، يا عبد الرحيم, لكن، باعتبارك صديقاً سأقول لك (ما في الأمر): أنت لا ترى فيَّ سوى ولي العهد فقط، والحال أنني مناضل مثلك، وإنسان مثلك. يحذوني الطموح في لعب دور في حياة بلادي. أنت تعرف أن أبي مازال شاباً. وأنا سوف لن أنتظر حتى أضع طاقم أسنان لكي أخلفه.. هو ذا عمق تفكيري...
ثم أضاف مبتسماً
ـ لربما ستركب القطار وهو يسير، في يوم من الأيام. فمن يدري؟
هل كانت تلك هي الإرهاصات الأولى لتحول سيطرأ في الوضع، والعودة إلى تصور يؤمن بالملكية المطلقة، تستند تبريراتها الى انقسام الأحزاب السياسية وإرادة العالم القروي، وهي الإرادة المعبر عنها من طرف الأعيان الجدد، أبناء وأقارب القواد والباشوات، الخدام السابقين لإدارة الحماية, سيبين توالي الأحداث أن التوجه كان هو ذاك فعلا.
ابتداء من 26 ماي، شرع محمد الخامس في المشاورات من أجل تشكيل الفريق الحكومي الجديد، وإن كان إجراء شكليا فقط، لأن المسألة كلها سويت قبل أيام من هذا التاريخ، بيد أنه حصل مع ذلك تغيير بمقارنة مع الخطة الأصلية،
إذن أن بعض الشخصيات من بين المؤهلين للوزارات، من أمثال عبد الكريم بنجلون، ألحوا على الملك كي يتولى هو نفسه رئاسة المجلس (الحكومي)، على أن يكون ولي العهد نائب الرئيس فقط.
كان ممثلو الاستقلال، والحركة الشعبية وغيرهم من المستقلين حاضرين، وكنت أول من استدعي إلى لقاء الملك، بدا لي جلالته محرجا أو مكدر البال نوعا ما، يكاد يكون مستسلما. أخبرني جلالته بأنه على علم بمجريات اللقاء مع الأمير مولاي الحسن، وباقتضاب شديد عبرت له عن عميق أسفي لعدم قبول العرض الذي عرض علي نظرا للأسباب التي عرضتها على نجله، هذا دون الإشارة إلى العبارة الأخيرة التي تفوه بها هذا الأخير في نهاية اللقاء.
وقد تفضل جلالته بأن أعرب لي عن رضاه عن العمل الذي قمت به، سوآء إبان المفاوضات من أجل استقلال البلاد، أو في إدارة الاقتصاد والمالية، طوال قرابة ست سنوات بلا انقطاع.
قال لي جلالته:
- البلاد ستكون في حاجة إلى مساهمة رجال أمثالك، ولن يفوتني وقتها اللجوء إلى مساهمتك.
- سأظل رهن إشارة جلالتك ورهن اشارة بلادنا، حتى ولو كان ذلك بشكل شبه رسمي..
في نهاية الصبيحة، تم بث الخبر رسميا، وأصبح ولي العهد نائب رئيس المجلس، جامعا حوله ممثلي مختلف تيارات المعارضة.
بعد أيام قليلة، تم التفويض لولي العهد، نائب رئيس المجلس الحكومي بكل سلطات رئيس المجلس، وعين أحمد رضى اكديرة، المدير العام لديوانه، وبذلك، أصبح هذا الرجل الحذق، الذكي والذي لا ماضي وطني له، مفتاح الفريق الجديد، وكان يستمد سلطته من ثقة الأمير - الرئيس, فقد كان مصنفا من لدن قادة الحركة الوطنية، لاسيما في سنوات 1950/1955 من ضمن الشباب الجديد الذي تعول عليه الحماية، ذلك أنه انتمى إلى مجموعة من المثقفين في الرباط يتزعمهم محمد رشيد ملين، وهو رجل ذو ثقافة صلبة ووطني صادق، يظهر أحيانا تصلبا شديدا، كان الخصم اللدود للمهدي بن بركة، الشيء الذي يفسر نفوره من حزب الاستقلال وعداءه له.
في سنة 1940، أصبح رشيد ملين مدير المطبعة الملكية، وجاء من ضمن من جاء بهم باكديرة الذي تعرف وقتها على الأمير مولاي الحسن.
في سنة 1952، وفي خضم حملة التطهير الكبيرة، تم وضعه رهن الاعتقال في ظروف ذات صعوبة خاصة.
وقد عانى من جراء ذلك جسديا ونفسيا، ولم يستطع أن يسترجع عافيته، بعد هذا الامتحان، وهكذا وجد اكديرة الذي لم يكن سوى ظل له، نفسه ضمن محيط الملك، سنة 1955 بعد عودة العائلة الملكية من المنفى
ومماتشير إليه سيرته الذاتية، التي يبدو أن أصدقاءه الفرنسيين سهروا عليها بعناية فائقة، أنه كان يدافع عن الوطنيين أمام المحاكم، وهي إحالة، ظاهريا صحيحة، إذ أنه دافع عن بعض المناضلين، ولكن بطريقته الخاصة، حيث كان يطالب على وجه الخصوص بتسامح وعطف القضاة بدون أن يحاكم أبدا الحماية، أو يدافع عن قضية موكليه كما كان يفعل محامون آخرون فرنسيون بشجاعة، مجازفين بحياتهم.
في دجنبر 1955، عندما تطلب الأمر تشكيل أول حكومة، في إطار الشروط المنصوص عليها في اتفاقيات سيل سان كلود, استسلمت لإلحاح الأمير مولاي الحسن، حتى يحصل على منصب وزير دولة، باعتباره شخصا مستقلا...
- قال لي الأمير ليطمئنني:
إنه صديقي، وأنا مسؤول عنه.
قيادة الحزب، من جهتها صعقت، وكنت أسمع من كل جانب يبدو أن الانتظارية أكثر ربحا من الإلتزام في سياق الأجواء الاحتفائية وقتها، كنت أبعد ما أكون، ربما بسذاجة، من أن اكتشف لدى هذا الرجل قدراته على الدسائس الماكرة، ولاسيما احساسه بالغل والضغينة على قادة الحزب.
خلال المفاوضات بباريس، في فبراير 1956، أفلح في ألا يثير الانتباه، فقد كان شخصا منزويا، مكلفا بالاتصال مع الصحافة، وهو الشيء الذي كان يزعج عبد الله إبراهيم في عمله، باعتباره كاتب الدولة في الأنباء، أما محمد الخامس فلطالما قابله، ربما عن حدس، بالكثير من الحيطة والحذر، وكان يسلم بحضوره، لأنه مدعوم من طرف ابنه، لكنه تسليم المرغم.
بمجرد تشكيل الفريق الحكومي الجديد، اختار الملك مديرا عاما لديوانه محمد عواد، ذلك الإنسان النزيه أخلاقيا وماديا، وسرعان ما سيجد نفسه، هو المعروف بسلامة طويته ونيته النبيلة، في مواجهة، شبه يومية مع اكديرة المدير العام لديوان الأمير، وقد كان التوتر في أوجه، بين الرجلين وفي علم الجميع. وعندما توفي محمد الخامس، انتصر اكديرة بقوة الأشياء.
الشيء المثير، والمحزن نوعا ما هو رؤية قادة حزب الاستقلال يتخلون عن أي موقف ينم عن الحد الأدنى من الكرامة أمام سيد اللعبة الجديد ممثلا في اكديرة، الذي لم يكن يدع أي فرصة تمر دون تحسيسهم بذلك. وقد كانوا جميعهم، بدون استثناء، رهن أوامره، بل حتى علال الفاسي نفسه، بكل ماضيه ورهافة حساسيته، كان مجبرا في صحافة حزبه على مديح الذكاء السياسي لمدير ديوان الأمير، وقيل إنه كان أحيانا، ينتظر ساعتين قبل أن يحظى بلقاء أكديرة.
لقد تأثر الاستقلال تأثرا عميقا جدا بانشقاق 1959، ذلك الانشقاق الذي يتحمل فيه مسؤولية كبيرة، وقد تسبب ظهور الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ودينامية مناضليه، المدعومين من طرف الأغلبية الكبيرة من الجماهير الشعبية المسيسة في إثارة مخاوفه، فكان تفوق العداء والحقد الأعمى على كل الاعتبارات، فأصبح التحالف مع المستقلين (الأحرار) والحركة الشعبية, حزب الدستور الديمقراطي (الحزب الذي أسسه محمد بلحسن الوزاني، بعد حل الشورى والاستقلال، وقد اختفى الحزب الثاني قبل وفاة مؤسسه)، وكل الاتجاهات التي لم يفتأ يرفضها، هو استراتيجيته المفضلة، معتقدا أنه يمكن التحكم فيها. هذه الاستراتيجية الفريدة من نوعها، التي لم تكن أكثر من مجرد وهم، كانت تقدم لمناضليه أو للعاطفين عليه بمثابة تجديد للعهد بين محمد الخامس وحزب الاستقلال، كما في سنوات 1944-1955، وكان يقول بدون اقناع طبعا، بأنه يقبل التواجد في هذا التحالف الجديد من أجل إقرار مؤسسات ديمقراطية، ضمنها دستور على وجه الخصوص، ولكن بدون تحديد ما إذا كان هذا الدستور سينبثق أم لا عن عمل مجلس تأسيسي منتخب بالاقتراع المباشر.
أولى الانتخابات المحلية
ما إن نصبت الحكومة الجديدة يوم 26 ماي 1960 حتى قررت، بالكثير من البهرجة واللغط تنظيم الانتخابات الجماعية والبلدية يوم 29 ماي، بواسطة الاقتراع الأحادي بطبيعة الحال, تم تهييء كل شيء من طرف ادريس المحمدي، بتعاون مع المساعدين التقنيين الفرنسيين، إبان الحكومة السابقة، وبغير علمها وفي غفلة منها عمليا. وانكشفت الحيلة السياسية وانفجرت الفضيحة في واضحة النهار: لقد تم اعفاء حكومتنا قبل الوقت المحدد، أي قبل اجراء الانتخابات، كما تم الوعد بذلك خلال تنصيبها حتى تحظى التشيكلة الجديدة بامتياز السهر على العملية وهي عملية - مفاجأة لمباغتة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وأخذه على حين غرة.
لقد كانت فضيحة، بكل زوايا النظر، أن يتم تحديد 29 ماي تاريخا لاجراء الانتخابات، بعد ثلاثة أيام فقط من تشكيل هذه الحكومة التي نصبت يوم 26 ماي، في حين دامت الترددات والتباطؤات المتعمدة أزيد من سنة.
وبالرغم من عدم استعداده لهذه الاستشارات، فقد قرر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية المشاركة فيها، ولم يكن ذلك من أجل النتائج في حد ذاتها، بقدر ما كان ذك أساسا لكون الحملة الانتخابية مناسبة لفضح التوجه اللاشعبي للحاكمين الجدد وشرح اختياراتنا على مستوى الجماعات والبلديات والتوعية بالمشاكل الملموسة.
أنجز التقطيع الانتخابي من طرف المصالح المركزية والمحلية لوزارة الداخلية انطلاقا من الاعتبارات الاثنية في غالب الأحيان، وأنجزت تهيئة اللوائح الانتخابية من طرف العمال ومرؤوسيهم، بدون أي مراقبة تقريبا، وبما أن الحالة المدنية كانت لاتزال في مرحلة جنينية، ولا توجد في العشرات من الجماعات، فإن اللوائح الانتخابية الرسمية أنجزت، خصوصا في البوادي بناء على التعليمات وبناء على إرادة ومزاج ادارة الداخلية، بدون أدنى امكانية عملية لمراقبة مدى صحتها وصلاحيتها.
لقد كان من شبه المستحيل، على الاتحاد الوطني للقوات الشعبية أن يعين في ظرف أيام قلائل حوالي 10200 مرشح، أما بالنسبة للاستقلال، الشريك في التحالف، وبالتالي في المناورة السياسية فقد كان يملك امكانيات أكثر بفضل قواده و شيوخه ومقدميه، لتقديم المرشحين بمباركة وزارة الداخلية، أما بالنسبة للحركة الشعبية, فإن الإدارة مركزية كانت أو محلية, هي التي تقوم بالعمل بدلها، نظرا للغياب شبه التام لها في البوادي التي تدعى مع ذلك أنها تمثلها.
وبالقليل الممكن من الموضوعية، يبدو واضحا للملاحظ أن التحالف الحكومي ووزارة الداخلية بمعية شبكة الأعوان المحليين، كانوا معبئين، بالوسائل المادية والمالية حتى يمنى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بالفشل.
ومع ذلك، وبالرغم من كل هذه الشروط غير الملائمة، وبالرغم من المناهضة المفتوحة للإدارة. وأخيرا، بالرغم من عمليات التزوير المفضوحة، كانت النتائج المحصل عليها من طرف حزبنا هي النتائج الباهرة أكثر من غيرها، فالبلديات الكبرى في الرباط العاصمة والدار البيضاء وطنجة والقنيطرة.. الخ فاز فيها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بأغلبية ساحقة, أما في الجماعات القروية، حيث كان من المستحيل علينا عمليا تقديم مرشحين، فبفضل حيوية الشباب ومناضلي المقاومة وجيش التحرير, فإن النتائج، بالرغم من محدوديتها، كانت نتائج دالة:
بشكل غير رسمي، منحونا حوالي 2500 منتخب من مجموع المستشارين، وحقيقة الأمر، كما تبين من خلال تحرياتنا الخاصة أن العدد تراوح بين 2800 و3000. الاستقلال منحوه قرابة 4200 منتخب، وغالبهم في الجماعات القروية، وقد تبين من بعد أن جزءا كبيرا من هؤلاء المنتخبين هم بالأحرى من العاطفين المقربين من الإدارة المرشحون، الذين سموا بالأحرار (المستقلين)، أي قرابة 2000 مرشح، لم يكونوا في حقيقة أمرهم سوى اعوان الادارة تم تعيينهم جميعا تقريبا، ولاسيما في الجماعات النائية، بدون لوائح انتخابية وبدون مرشحين منافسين، أما الحركة الشعبية، المفروض فيها تمثيل العالم القروي، فلم تحصل سوى على 700 مقعد، علما بأن ذلك كان بفضل التدخل المباشر للإدارة وأخيرا، منح لحزب الدستور الديموقراطي أقل من 200 مستشار.
هذه الاستشارة الأولى، التي شابتها تجاوزات فاضحة ومتعددة، تحت إدارة حكومة اصلا مناهضة لحزبنا، برهنت, أظهرت أن المغرب الجديد، الديموقراطي الطامح إلى اصلاح الهياكل والبنيات، بهدف تحقيق تنميته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الكاملة، هو واقع أمر يفرض نفسه بالقوة, فالشبيبة، الحضرية منها وحتى القروية والعمال والأطر والفلاحين الصغار المحرومين من الأرض والتجار أو الحرفيين الصغار والمتوسطين، كل هاته الفئات الاجتماعية اختارت بوضوح اختيارات وتوجهات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.
وهناك حالة دالة، من بين حالات عديدة يحسن سردها: في إحدى دوائر الرباط بحي السويسي، حيث يقطن كبار شخصيات النظام-البرجوازية التجارية والصناعية الكبيرة - كان محمد الدويري، القيادي في حزب الاستقلال ووزير المالية قد رشح نفسه، في المقابل، رشح الاتحاد الوطني تاجرا بسيطا يبيع الفاخر يسمى لعوينات. وكان الأمير - الرئيس قد أصر، خلال الحملة الانتخابية، بمعية محمد الدويري القيام بجولة في الدائرة، مبرزا بذلك دعمه لوزير المالية فكانت النتيجة أن تم انتخاب لعوينات بأغلبية كبيرة من الأصوات.
اضافة إلى ذلك، أفرزت نتائج الانتخابات الجماعية ملاحظات جديرة بالإشارة:
- من بين المرشحين المستقلين (الاحرار)، الذين رشحتهم الحركة الشعبية، بل حتى حزب الاستقلال سجل العديد من القواد والشيوخ والمقدمين السابقين، ممن كانوا من أعوان ادارة الحماية ضد الحركة الوطنية و الملك محمد الخامس، عودتهم بقوة على الساحة السياسية، وفي غياب إفراز ما كان يسمى بالنخبة القروية الجديدة، شجعت و زارة الداخلية ودعمت ترشحيهم. فكان أن العالم القروي في عهد الحماية تمت وراثته من طرف الفريق الوزاري الجديد.
. كان ظهير 23 يونيو 1960، المؤكد لظهير شتنبر 1959، يعرف ويحدد وضعية المستشارين الجماعيين بمنحهم، على وجه الأخص, الشخصية المعنوية والاستقلالية المادية، بيد أن الوصايات والإكراهات المنصوص عليها كرست نزع اية مبادرة أو أي هامش للعمل للمستشارين الجماعيين، وهكذا لم يكن للرئيس أي سلطة تنظيمية ولا أي سلطة على الأمن، بل لم يكن بمقدوره حتى أن يتعامل تعاملا مباشرا مع المصالح المحلية، كمصالح الأشغال العمومية أو التجهيز القروي و حدهم القواد كانوا يملكون هذه الصلاحيات، بحيث أن اعوان الإدارة المحلية كانوا يخضعون لسلطتهم وحدها، كما كانوا ضباطا للحالة المدنية وللشرطة القضائية.
. لقد استعادت وزارة الدخلية روح، بل حتى نص اصلاح الحماية لسنة 1951، فلم يعد للرؤساء والمستشارين الجماعيين، كما للجماعات الإدارية سوى الدور الباهت كهيآت استشارية، لأنهم أبعدوا من التسيير والمسؤوليات.
. وسرعان ما تعمم صراع الاختصاصات بين القواد والمنتخبين، وانفضح في كل مكان الطابع المضلل لما يسمى باللامركزية الديموقراطية. فلطالما تم الترديد، مرات عديدة أن الهدف هو جعل المستشارين المنتخبين مسيرين مسؤولين، إن لم نقل غير مسيسين، والواقع أن النية الحقيقية، عبر الوصاية الإدارية كانت هي تحويلهم الى مجرد ممثلين ثانويين وخنوعين. وكما كان الأمر عليه في فترة الحماية، تحول القايد الى ضابط الشؤون الأهلية، بصلاحياته ومخازنيته ومدينته ونياشينه ذاتها.
. في السابع عشر (17) من شتنبر 1960، اعطت دورية جديدة تعليمات جديدة بدورها من أجل دحض آخر محاولات المقاومة أو الصمود: فتم تطهير جسم اعوان الداخلية من كل العمال أو القواد، المشتبه في تعاطفهم مع الاتحاد الوطني، أو جيش التحرير وحزب الاستقلال. و قتها، كان البكاي وزير الداخلية وضمانا لنوع من التواجد للحركة الشعبية كان احرضان والخطيب هما اللذان توليا اقتراح اسماء القواد الجدد الذين يجب تعيينهم، وغالبا ما تم اختيارهم من المنحدرين من المنطقة. وهكذا كان يتم تأطير المنتخبين، أي وضعهم تحت المراقبة والزامهم بسلوك معين.
الغرفة الدستورية
أعلن محمد الخامس، عند تنصيب الحكومة الجديدة أن دستورا جديدا سيتم اعداده قبل متم سنة 1962.
وفي 27 غشت 1960 تم الإعلان عن انشاء هيئة سميت باللجنة أو الغرفة الدستورية مكلفة ببلورة مشروع دستور واعداده على أن يتم عرض هذا المشروع على مصادقة الملك، الذي يحتفظ بحق رفضه أو مراجعته، ثم في المرحلة الثانية يعرض مشروع الدستور الذي حظي بمصادقة الملك على استفتاء شعبي مباشر.
والحاصل، أن فكرة اسناد اعداد مشروع دستور إلى لجنة معنية بذاتها لم تكن فكرة جديدة،. بحيث أنها كانت موضوع حديث عدة أشهر من قبل بيد أن الإعلان الرسمي عن انشائها يستدعي الملاحظات الآتية:
1) لقد قرر الملك مدعوما من طرف حزب الاستقلال، التخلي عن مبدأ انتخاب مجلس وطني تأسيسي عن طريق الاقتراع المباشر, نفس الموقف تبناه ا لحزب الديموقراطي الدستوري وظل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية هو الوحيد الذي ثبت على موقفه.
2) في المقابل، عبر الملك عن ارادته في وضع حد لوضع مؤقت دام أكثر مما يلزم, وهكذا صدر ظهير مؤرخ ب 4 نونبر 1960 يرسم انشاء الغرفة الدستورية المعنية، ثم صدر آخر بتاريخ 11 نونبر 1960 يقدم لائحة الاعضاء 76 الأوائل في الغرفة, أربعون منهم معينون من ضمن مختلف الشخصيات (علماء، اساتذة الخ..) اضافة الى قادة من الأحزاب السياسية المشاركة في التحالف الحكومي، باستثناء قادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية الأربعون شخصية المذكورة اعلاه عينهم الملك، أما الست وثلاثون شخصية أخرى، فيمثلون الأٍقاليم الستة عشر للبلاد: أربعة ممثلين عن كل من عمالة الرباط والدار البيضاء، وممثلان اثنان عن كل عمالة أخرى والظاهر أن إقصاء الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان الدافع اليه هو رفض الحزب المشاركة في مثل هذه الهيئة. والواقع هو أن الأحزاب السياسية للتشكيلة الحكومية لم يكن في وسعها سوى أن تبتهج لهذا الحرمان. والغريب حقا، هو أن أول جلسة لهذه الغرفة تمت يوم 7 نونبر 1960، أي قبل نشر الجريدة الرسمية للائحة الاعضاء. وصار عدد هؤلاء 78 عضوا، عوض 76 المنصوص عليها في ظهير 11 نونبر 1960. وبما أنه كان لابد من رئيس لتسيير النقاشات، فقد قدم علال الفاسي ترشيحه فتم انتخابه بأغلبية واسعة في ما يبدو, فتسبب اختيار الرئيس من الاستقلال فوريا في استقالة اعضاء الحركة الشعبية وحزب الدستور الديمقراطي، وهكذا غادر محمد بلحسن الوزاني والمحجوبي أحرضان الجلسة، يتبعهما أصدقاؤهما لم يكن المشهد جديرا بالمشاهدة، وعم اللبس والخلط والاكثر إثارة هو الموقف المتعجرف المتعمد لشخص مثل المحجوبي أحرضان، فهذا الضابط السابق في الجيش الفرنسي، الذي كان بالأمس انسانا لا شأن له، بل يكاد يكون باهتا, استعمل منذ الاستقلال باعتباره احد الناطقين الرسميين بالتوجه البربري، وبالخصوص التوجه المناهض للفاسيين. وقد برهنت نتائج الاستشارات الجماعية وشهدت على قلة شأنه، بل عن عجزه التام على التغلغل في العالم القروي بالرغم من مساعدة الجهاز الاداري والاموال التي كان يستفيد منها بشكل كبير، فقد كان مدينا للقصر الملكي بكل شيء، وهذا الشخص بالذات هو الذي أقر عليه الاختيار لكي يكسر منذ ولادتها، مؤسسة،لاشك انها مفبركة. لكنها على أية حال من إنشاء محمد الخامس. كان سيبدو من المنطقي لو أن الملك نحاه، أو لو ان ولي العهد، نائب الرئيس والماسك بكل السلطات أنبه، لكن لا إجراء من هذا القبيل اتخذ في حقه. ولم يفت أي كان بأن قائد اولماس الصغير، الذي كان بالأمس تحت الحماية بدون جرأة ولا حضور يذكر، يحظى اليوم بحماية من مستويات عليا, ذلك لأن الدمى لا تتحرك لوحدها. وقد قيل ان محمد الخامس تألم عميقا. اما ما كان يردده الرأي العام في كل مكان فهو أن جو التوتر والريبة أصبح يزداد خطورة يوما بعد يوم داخل الفريق الحكومي, أما حزب الاستقلال فقد تلقى الصفعة بدون اي رد فعل، اذ بعد ان تخلى عن مشروع المجلس التأسيسي، الذي سبق ان جعل منه احد مطالبه الاساسية، تخلى من جديد عن مشروع الغرفة الدستورية التي تم تعيين كل اعضائها والموقف الوحيد الذي ظل متشبثا به، مهما كان الثمن، هو البقاء ضمن الفريق الحكومي. نفس الموقف كان يجب ان يكون موقفه وبالاخص فيما يتعلق بالقواعد العسكرية الفرنسية، غير ان محمد الخامس هو الذي ظل حذرا وصارما صلب الموقف ازاء حكومته نفسها. وقد وقعت واقعة ذات دلالة خاصة في هذا الباب، فقد كان مقر القيادة العامة للجيش الفرنسي، يوجد في قلب العاصمة وسط الوزارات المغربية، وكان اجلاؤه يؤجل من اجل الى اخر، فاضطر محمد الخامس، مصحوبا باعضاء من ديوانه وتجريدة من القوات المسلحة الملكية الى أن يتوجه بنفسه الى مقر هذه القيادة ويستولي عليه ويرفع العلم المغربي فوقه، مسجلا بذلك استنكارا مثيرا لموقف الحكومة.
داخل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ادى انفجار الغرفة الدستورية الى مفاجأة مرحة. حيث ان بعض القادة رأوا فيه تأكيدا على تحليلهم وهو تحليل بالاحرى انتظاري وسطحي، للوضعية, فبالنسبة لهم كان ذلك دلالة على التفسخ والتلاشي الذي لن يفتأ يتزايد ويستفحل. اذن سننتظر ان يتهاوى كل شيء وينهار قطعة قطعة. ولابد انهم سيلجأون الينا من جديد في محاولة لتقويم الوضعية واصلاحها.
في الواقع، كان هذا التحليل يغلف عجز قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن تشكيل قيادة حقيقية ومسؤولة، وعجز عن تحديد استراتيجية محددة بناء على المعطيات الحقيقية للوضع. صحيح ان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان يتوفر على تيار واسع من المساندة الشعبية وطاقات تستدعي الحد الادنى من التنظيم, لكن كان المهدي بن بركة في الخارج وعبد الله ابراهيم اغلق عليه باب بيته، مكتفيا ببعض اللقاءات بين الفينة والاخرى، المحجوب بن الصديق كان يعمل كل ما من شأنه ان يجعل الاتحاد المغربي للشغل ومجموع الطبقة العاملة مرتبطين فقط بتعليماته الخاصة وبارادته وحدها. عبد الرحمان اليوسفي. ومحمد البصري وانا شخصيا حاولنا تنظيم لقاءات عمل مع المناضلين الموجودين. اما اجتماعاتنا مع المحجوب بن الصديق وعبد الله ابراهيم، عندما يقدر لها ان تتم فلا تفضي في تقديري الى اي قرار واضح مقبول به من طرف الجميع. وفي الواقع كانت هناك من الرؤي والتحليلات بقدر ما كان هناك من شخص في القيادة. وفي الاخير، اخطرنا السياسيون القادمون من حزب الشورى والاستقلال، مثل عبد الهادي بوطالب واحمد بنسودة بانهم سيقطعون صلتهم بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية ويستعيدون حريتهم في العمل، هل خضعوا للضغوطات او حتى الابتزاز من طرف بعض أعوان السلطة؟ لم يكن الامر مستبعدا تماما. لم يخلق ذهابهم اي فراغ، بل بالعكس من ذلك ساهم في الوضوح داخل الحزب، اذ ان تواجدهم كان يثير العديد من التساؤلات لدى العديد من المناضلين في القاعدة غداة 20 ماي 1960 لما حاولنا الاحاطة بمختلف التحليلات حتى نردها الى ماهو أساسي توصلنا الى هذه الخلاصة: المشكل الرئيسي والاساسي هو مشكل دمقرطة الحياة الوطنية بالنسبة للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لا يمكن لهذه الدمقرطة ان تتم الا بانتخاب مجلس وطني تأسيسي من شأنه ان يمنح الشعب كامل السيادة وما كان مجرد وسيلة، صارت له قيمة العقيدة (الدوغما) من كثرة ما تم ترديد واعادة ترديد هذا الشعار، كما لو ان المجلس التأسيسي يمكن ان يمتلك السلطة المعجزة لاصدار الاختيارات والوسائل والسبل لتنفيذها بل يمكننا ان نتساءل هل كل الاطر, بله حتى القياديين، كانوا مقتنعين كل هذا الاقتناع بأن المجلس التأسيسي هو السبيل الوحيد للدمقرطة. ذلك لأن التشبث بهذا الموقف بالنسبة لبعض المناضلين، خصوصا منهم القادمين من تنظيمات المقاومة كان يعد بمثابة طريقة في تدارك وعلاج خيبة وحرمان من حق: وتفسير ذلك هو ان اشتراط وجود مجلس تأسيسي لم يتم التعبير عنه ابان سنوات الكفاح من 1951 الى 1955 وبالنسبة لاطر اخرى، كان الحفاظ على هذا المطلب يمنح الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نوعا من الخصوصية تميزه عن الاتجاهات السياسية الاخرى، شخصيا، ولا سيما ابتداء من 1960 بدا لي ان من العقم والشلل مواصلة التقوقع في هذا الموقف وسجن الذات فيه. فقد كان يبدو من غير الوارد منطقيا، اللهم في حال وقوع حدث طارئ ان تقبل ملكية تتمتع بالشرعية التاريخية، مكرسة ومدعمة بنضالات وكفاحات ضد الاستعمار، تجريد نفسها من كل صلاحياتها لكي تمنحها، بمحض ارادتها الى مجلس وطني منتخب. فالهياكل والبنيات الاجتماعية في المغرب وخصوصا بنيات العالم القروي التي تمثل %80 من مجموع الساكنة لم تكن مستعدة لذلك البتة ومبدأ الدمقرطة لم يكن حتى مقبولا من طرف بعض القادة السياسيين، كما هو حال ادريس المحمدي، وزير الداخيلة الذي طالما اعتبره الاتحاد المغربي للشغل احد المتعاطفين معه، والذي كان يسخر سخرية تامة واحيانا علنيا من الافكار الديمقراطية. فقد كان يرى ان مجموع العالم القروي، بل حتى جزءا كبيرا من السكان الحضريين لم يكونوا يطلبون اكثر من حكمهم بطريقة جيدة (لحكام) ولهذا الغرض كان يثق في الملك. لكن لنترك وجهة نظر المحمدي، الذي لم يكن الوحيد على كل الحال الذي يدافع عنها. فقد كنا هناك معطى تاريخي، جوهري كان البعض يتجاهله وهذا المعطى هو ان تحرير المغرب من الوجود الاجنبي كان عملا مشتركا بين الحركة الوطنية والجماهير الشعبية ومحمد الخامس المجسد بمعنى الكلمة لمطامح شعب بكامله، نحن نعرف انه في الغالب الاعم، يكون القلق هو الذي يدفع الشعوب الى عبادة القادة, في المغرب نجد ان قلق البارحة مثله مثل
الاعتراف بالجميل بعد الاستقلال كانا مازالا يحملان الشعب المغربي على تبجيل عاهله, ولهذا السبب لطالما دافعت عن وجهة نظر اعتبرت وقتها اصلاحية: لا يمكن لدمقرطة المؤسسات ان تتم الا باتفاق وتوافق مع المالك للشرعية التاريخية. فقد كانت، في اعتقادي النهج الثوري الحقيقي. فقد كنت أرى في تشكيل الغرفة الدستورية هيئة بامكانها توحيد وجمع الارادات وتظافرها بفعل التوضيح والمجهودات المتكررين، ما من الشك ان النتائج لن تكون نتائج مثالية، لكن الطريق سيفتح من اجل ان تتسرب الروح الديموقراطية الى العادات والحياة اليومية، على المستويات المحلية والاقليمية والوطنية فقد كنا ندعو الى دستور - برنامج عوض دستور قانوني محض ينحصر في تنظيم العلاقات بين الملك والحكومة والجمعية المنتخبة. وكان ييكون من الصعب الرفض الكلي لمبدأ هذا الدستور - البرنامج: لانه كان سينص على تقوية وبناء الاستقلال الاقتصادي ويتناول اختيارات مثل ضرورة الاصلاح الزراعي، ووجود سياسة للتعليم والتربية واقامة وتطوير قطاع عام او شبه عام، الوحيدين القادرين على ضمان حد ادنى من الادخار لفائدة الاستثمار الخ. وكانت النقاشات ستمس المشاكل العميقة الحقيقية. اسفت شخصيا لتعليق عمل تلك الغرفة الدستورية, ذلك انني كنت اعتقد ان محمد الخامس سيقبل استئناف العمل بها اذا ما نحن اتخذنا مبادرة عودتها من جديد مقابل بعض الشروط او التعديلات, بل قد كنت أجريت حوارا مع روبير بارا في صحيفة افريك اكسيون - يسير في هذا الاتجاه. وكان بارا قد اختار كعنوان للحوار كيف يمكن انقاذ الملكية، فلم أوافق على العنوان، لان الامر يتعلق بالاحرى بوضع مسلسل الدمقرطة و للخروج من المأزق وحالة الانحسار التي كنا موجودين فيها جميعا. وهذا الموقف الذي نشر استقبل استقبالا مختلفا ومتباينا من طرف قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وسيتكفل توالي الاحداث، للاسف بالبرهنة على أن مثل هذا التوجه هو الذي يناسب معطيات الظرفية
.
من محمد الخامس إلى الحسن الثاني
خلال الايام التي تلت اطلاق سراحه يوم 3 مارس 1982 بعد اقامة اجبارية طويلة بميسور، استقبل المرحوم عبد الرحيم بوعبيد من طرف الحسن الثاني بالقصر الملكي بمراكش في مقابلة خاصة, ولما عاد عبد الرحيم الى بيت اسرته، روى محتوى اللقاء الذي دار بين الرجلين بالكلمات التالية:
سأل الملك الراحل مخاطبه: اذن، عبد الرحيم، انت غير حاقد علي؟
أجابه عبد الرحيم: ابدا يا جلالة الملك، لكنني اشعر بنوع من الاسف مع ذلك، واتحسر على انني لم احظ بالوقت الكافي للانتهاء من كتابة مذكراتي...
وقد ترك عبد الرحيم بالفعل كتابات لم يسبق نشرها، حرر الاساسي منها قبل فرض الاقامة عليه بميسور واستكملها خلالها. المخطوطات الموجودة تحمل عنوان «مذكرة طريق مناضل» وتضم فهرست اولى لكتاب كان صاحبه ينوي كتابته ولاشك، لكنه لم ينعم بالوقت الكافي لاستكماله. وتترك دراسة هذه الكتابات بالفعل الانطباع بوجود عمل بمستويات مختلفة في الكتابة، يكون احيانا عملا غير كامل. والفترة المعينة هنا تمتد من 1942 الى 1961 بيد ان الكتابات لا تغطي، بمنطق كرونولوجي وواسع مجموع هذه السنوات، كما هو عليه الحال في الممارسة الكلاسيكية لمذكرات السياسيين ,ومن هنا تأتي صعوبة جمعها في إصدار واحد ووحيد ,ولهذا السبب أيضا قر اختيار مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد على نشرها بشكل دوري تحت عنوان «ارشيفات مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد».
وهذه الصيغة تهدف إلى تقديم مادة خام للناس، اغلبها لم يسبق نشره ويكتسي اهميته الخاصة في التاريخ المعاصر والحديث للبلاد، وفي السياق الحالي للنقاشات الدائرة حول كتابة التاريخ القريب للمغرب.
يتعلق الأمر هنا بالاقرار والاعتراف بالعلاقة الوطيدة بين الذاكرة والتاريخ بدون الاستسلام، مع ذلك لاغراء الخلط بين النوعين، وفي سياق هذه الروح ذاتها، يستجيب اطلاق مجموعة ارشيفات مؤسسة عبد الرحيم بوعبيد في سنة 2006 وموضوعة هذا العدد الاول منها المخصص للفترة الانتقالية 1960/1961 للعديد من الاعتبارات اولها كون سنة 2006 تتميز بتخليد الذكرى الخمسينية لاستقلال المغرب، كحدث حاسم في مسار عبد الرحبيم بوعبيد،. و عليه، فنحن نحتفي هنا بذاكرته وبدره في حصول المغرب على الاستقلال في الان ذاته, ثاني هذه الاعتبارات، هو ان الاحداث السياسية التي تخللت فترة 1961 - 1960 تشكل لا محالة منعطفا حاسما في الحياة السياسية المغربية، كما انها طبعت مسار عبد الرحيم بوعبيد رحمه الله، واخيرا، فإن قوة النقاشات وحدة السجالات التي تخللت هذه الفترة مازال لها بالتأكيد صداها حاليا. وبهذا المعنى، فان المساهمة الحالية لعبد الرحيم بوعبيد، فضلا عن مواقفه العلنية المعروفة، تعد مساهمة ثمينة، لاشك انها ستتيح اثراء المعرفة حول هذه المرحلة ومعرفتها.
حديث متبادل مع بن بركة حول المؤسسات.
كنا عائدين من دامبير من الضاحية الباريسية بعد لقاء في بيت روبير بارا، بمعية فرانسوا مورياك, جورج سوفير وبعض الاصدقاء الاخرين, بالكاد تكلمنا عن الوضع في المغرب، لأننا، بالأحرى، تحدثنا عن دوغول وعن حرب الجزائر.
كنت قلت لفرانسوا مورياك:
- ان الجنرال دوغول هو الوحيد القادر على التفاوض مع جبهة التحرير الوطنية الجزائرية، ومانديس فرانس نفسه يعتقد ذلك، ويحثنا على اللقاء به، فلا أحد قادر على وضع حد لهذه الحرب، ولاشك ان الرأي العام الفرنسي سيسانده ويزكيه، في اغلبيته الساحقة
-سألني فرانسوا مورياك
-هل طلب منكم ذلك؟ عندما أفكر بعمق، هذا لن يفاجئني من طرفه.. ثم مال جهتي واضاف بصوته الاجش الخافت:
- لديكم مشاكلكم مع ولي العهد في المغرب، وانا ايضا لدي اميري، لكن بدون مشاكلكم ، وهذا الامير هو دوغول
ثم حوالي الساعة الرابعة بعد الزوال، استأذنا اصدقاءنا للعودة الى باريس، عبر الطريق السيار غربا
كنت جالسا الى جانب المهدي بن بركة الذي كان يسوق السيارة، فيما جلس المهدي العلوي في المقاعد الخلفية, استأنفنا مناقشاتنا اللانهائية حول السبل والوسائل الكفيلة باقرار نظام ديمقراطي. وجهة نظري كانت هي ان التوافق هو السبيل الوحيد في سياق الظرفية الداخلية المغربية.
قلت:
ان الوقوف عند شرط المجلس الاستشاري المغربي، المنتخب عبر الاقتراع السري، سيكون خطأ فادحا، فليس بمقدورنا ان نفرض على ملك يحظى بشعبية، حظي بمباركة مجموع الشعب،
hensali- عضو مؤسس للمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 271
درجة التقدير : 3
تاريخ الميلاد : 10/11/1951
تاريخ التسجيل : 27/08/2009
العمر : 73
رد: من مذكرات عبد الرحيم بوعبيد
شكرا الأخ الحنصالي على هذا النبش الجميل ، والواضح ومن خلال القراءة الأولى للمقالة/الوثيقة ، يتضح أننا إزاء ثورة هادئة ،... ثورة رغم قصر مدتها ، أنجزت من المؤسسات ما كان للمغرب أن ينجزها لو لم يقيض له الله أناسا من طينة صاحب هذا الجزء من مذكراته ،المرحوم الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد ، ... إنجازات .... مواقف تسجل للرجل وثلة من رفاقه . يستحقون عليها كل الاحترام والتقدير ، واتخاذها نموذجا يحتذى في التفكير في مصير البلد.
تحياتي وتقديري ، والشكر الجزيل ، شخصيا من المعجبين بمثل الذي جئتنا به الليلة الأخ الحنصالي.
هذا ما أوحت به القراءة الأولية، والمؤكد أنها ستغني معارفنا عن مرحلة جد حساسة من تاريخ المغرب ، وبصمت ما نعيشه الآن ببصماتها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
تحياتي وتقديري ، والشكر الجزيل ، شخصيا من المعجبين بمثل الذي جئتنا به الليلة الأخ الحنصالي.
هذا ما أوحت به القراءة الأولية، والمؤكد أنها ستغني معارفنا عن مرحلة جد حساسة من تاريخ المغرب ، وبصمت ما نعيشه الآن ببصماتها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠
كلمة حق في زمن النفاق
يجب أن تقال
يجب أن تقال
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
مواضيع مماثلة
» عبد اللطيف اللعبي: حوار عبر الأثير، مع عبد الرحيم بوعبيد… رسالة بوعبيد ..
» برنامج رواد عن عبد الرحيم بوعبيد
» برنامج الرواد مع عبد الرحيم بوعبيد
» وفاة رجل.. وفاة عبد الرحيم بوعبيد
» مذكرات قلم 1/ 18-2-12
» برنامج رواد عن عبد الرحيم بوعبيد
» برنامج الرواد مع عبد الرحيم بوعبيد
» وفاة رجل.. وفاة عبد الرحيم بوعبيد
» مذكرات قلم 1/ 18-2-12
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى