خيانة شريف وزان
صفحة 1 من اصل 1
خيانة شريف وزان
في حضــرة الشيــخ والسلطــان : عبد السلام الوزاني…متصوف اتهمه المخزن بالردة
انفردت الطريقة الوزانية عن باقي الطرق الصوفية التي عاصرتها بتجربة صوفية وسياسية، ونفوذ روحي يضاهي نفوذها وغناها المادي، ومتانة علاقتها بالجهاز المخزني جهويا ومركزيا، إلى الحد الذي دفع بأحد الباحثين إلى القول بأن الطريقة الوزانية طريقة مخزنية شريفة ترعرعت في أحضان الحكم العلوي، وارتبطت به بعدة علاقات وروابط حميمية تميزت بها دون بقية الزوايا وبقية الأشراف. ولعل ما يؤكد هذا الرأي توظيف المخزن في فترات تاريخية نفوذ الوزانيين في تركيز وجوده وشرعيته في المناطق النائية كالتخوم الصحراوية الجزائرية المغربيــة، وبالأخـــــص منطقــة تــوات، أو فـي القضــاء علـــى التمردات المحليــة كمـــا هـــو شــأن تمــرد بوعــزة الهبري، وتـدخل بعــض السلاطيـن فـي تعييــن شيــوخ “دار الضمانـة “، وزيارة بعض الأمراء للزوايا الوزانية . وبالمقابل راكم الوزانيون الكثير من الثروات في إطار الممتلكات المادية المتمثلة في “العزائب” والزيارات التي تكاد تأخذ صبغة ضريبة سنوية أو موسمية.
تميزت العلاقة بين المخزن والطريقة الوزانية على العموم بالتوازن وحماية المصالح المشتركة ، لكن فترة مشيخة مولاي عبد السلام الوزاني شكلت بداية تحول في تلك العلاقات، وحملت معها بذور تصدع وتباعد بين الزاوية الوزانية والمخزن، حيث دأب كثير من الباحثين على البحث عن تفسيرات توتر تلك العلاقة التي وصلت حد التنافر والقطيعة: منها عجز الشيخ الوزاني وفشله في التدخل للتخفيف من حدة التوتر القائم بين إسبانيي سبتة وقبائل أنجرة، ودعوته إلى عدم الاستجابة لمطالب إسبانيا، فكانت أن بادرت هذه الأخيرة باحتلال تطوان والضغط على المخزن بتقديم تنازلات ترابية وتعويضات مالية مقابل الانسحاب من المدينة، ومن ثم إقصاء الشريف الوزاني لتحمله مسؤولية هزيمة تطوان وضعف مصداقيته لدى المخزن.
ومن الباحثين، من ربط توتر العلاقة المخزن والوزانية بقضية زواج الشيخ مولاي عبد السلام الوزاني من الإنجليزية “إميلي كين”، الذي يعتبر أول زواج من نوعه في تاريخ الزوايا المغرب، وما أثاره من ردود فعل مخزنية عبرت عنها فحوى الرسالة التي بعث بها النائب السلطاني محمد بركاش إلى السفير البريطاني بطنجة جون دارموند هاي جاء فيها على وجه الخصوص:”فقد بلغنا أن الشريف سيدي الحاج عبد السلام بن سيدي الحاج العربي الوزاني، تزوج بامرأة نصرانية إنجليزية، وتعين علينا إعلامك بأن المرأة المذكورة صارت الآن مراكشية، بسبب تزويجها للشريف الوزاني، ولا يمكن الحكم عليها وعلى مطالبها إلا بحكم شريعة المسلمين. كما لا يخفاك أن كل أرض تتمشى على قوانين شرعها، وأعلمناك لتكون على بصيرة “، فيما اعتبر السلطان المولى الحسن الأول ذلك الزواج انحرافا كبيرا عن الدين والشريعة المطهرة، وردة عن العقيدة.
ومن الباحثين من فسر علاقة الجفاء بين الزاوية الوزانية والمخزن، بمسألة طلب شيخها مولاي عبد السلام الوزاني الاحتماء بالفرنسيين، وما شكلته هذه المسألة من تهديد لسيادة المخزن الحسني الذي لم يتردد في اتهام الشريف الوزاني بالعمالة والخيانة والتفاني في خدمة المخططات التوسعية الفرنسية، بل الأكثر من ذلك دعا سكان وزان وناحيتها إلى الاتفاق فيما بينهم جميعا “بأن لا يتبادلوا معه أي حديث، ولا أي اتفاق، بطريقة لا تترك له أي وسيلة لإنجاح خيانته”.
ومهما اختلفت تفسيرات الباحثين وآراؤهم حول توتر العلاقة بين المخزن و شيخ الطريقة الوزانية في منتصف القرن التاسع عشر، فإن استحضار ظروف العصر التي عاش فيه شريف وزان، واستجلاء خصوصياته المتميزة، دون إغفال المصالح الشخصية التي كثيرا ما تبدو المحدد الأساسي لمواقف شيوخ الطرق والزوايا من الوجود الاستعماري، من شأن ذلك إزالة بعض اللبس عن وضعية شريف وزان التي وصفت بالوضعية الشاذة في تاريخ التصوف المغربي.
أصبحت أطماع فرنسا التوسعية بعد احتلالها الجزائر جلية في الجنوب المغربي والتخوم الجنوبية الشرقية، وهي المناطق ذاتها التي تغلغل فيه نفوذ الطريقة الوزانية، واتسعت فيها امتيازاتها المادية، فكان من الطبيعي أن يشعر الشيخ مولاي عبد السلام الوزاني بخطورة الوجود الفرنسي في تلك المناطق على تأثيره الروحي وعلى مصالح وثرواته المادية، فسارع إلى تقديم الدعم لفرنسا في إخماد ثورة المقراني في الجزائر واصطحب الحاكم الفرنسي بالجزائر إلى توات قصد تسيير مهمة الحملات العسكرية الفرنسية للاحتلال المنطقة، الشيء الذي اعتبرته فرنسا فرصة سانحة لإخبار المخزن “بأن الشريف الوزاني قد أصبح تحت الحماية الفرنسية، مجازاة له على الخدمات التي قدمها لفرنسا في قضايا الحدود بين الجزائر والمغرب، ومن ثم، كانت الحماية التي منحت للشريف الوزاني تبعا لما نشرته جريدة المغرب الأقصى خطوة حاسمة خطتها فرنسا”على درب فرض حمايتها على الإمبراطورية الشريفة “، ثم وشحته فرنسا عام 1876 بوسام ضابط شرفي كبير لفيلق اللفيف الأجنبي.
وبالمقابل، استغل الشريف مولاي عبد السلام الوزاني وضعية الاحتماء بفرنسا للقيام بأعمال تحريضية استهدفت النيل من سيادة المخزن وإضعاف هيبته، كإقدامه على حث سكان منطقة الغرب والملاكين العقاريين على التملص من أداء الواجبات والكلف المخزنية.
كما عبر الشريف الوزاني عن رغبة في تسليح أتباعه للوقوف في وجه أي محاولة يمكن أن يقوم بها المخزن لاحتوائهم، معلنا أن دخوله تحت الحماية الفرنسية نابع من إيمانه الراسخ بأن المغرب لابد أن يكون من نصيب فرنسا، وأنه مستعد للقيام بكل ما في وسعه لتحقيق تلك النتيجة.
خلاصة القول إن تواطؤ شيخ الطريقة الوزانية مولاي عبد السلام الوزاني مع فرنسا، وسعيه إلى دعم مخططاتها التوسعية في المغرب وجد مبرراته في مصلحته الشخصية التي كثيرا ما تبدو المحدد الأساسي لمواقف شيوخ الطرق والزوايا من الوجود الاستعماري، ذلك أن تزايد الضغط الاستعماري على المغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتراجع هيبة المخزن، وإفلات الأمور من يده في كثير من جهات البلاد، كانت من المسوغات التي جعلت شريف وزان يدرك أن مصالحه المادية قد تكون في مأمن، إلا باللجوء إلى طلب الاحتماء بدولة قوية كفرنسا، وهو الأمر الذي تحقق سنة 1883، عند وجد شريف وزان نفسه تحت حماية الدولة الفرنسية، رابطا بذلك مصير الطريقة الوزانية بخدمة الوجود الاستعماري الفرنسي بالمغرب، وسرعان ما ستحول إلى خيار مبدئي التزم به شيوخ الوزانية من بعده.
تقديم وإعداد: الدكتور المصطفى الريس
انفردت الطريقة الوزانية عن باقي الطرق الصوفية التي عاصرتها بتجربة صوفية وسياسية، ونفوذ روحي يضاهي نفوذها وغناها المادي، ومتانة علاقتها بالجهاز المخزني جهويا ومركزيا، إلى الحد الذي دفع بأحد الباحثين إلى القول بأن الطريقة الوزانية طريقة مخزنية شريفة ترعرعت في أحضان الحكم العلوي، وارتبطت به بعدة علاقات وروابط حميمية تميزت بها دون بقية الزوايا وبقية الأشراف. ولعل ما يؤكد هذا الرأي توظيف المخزن في فترات تاريخية نفوذ الوزانيين في تركيز وجوده وشرعيته في المناطق النائية كالتخوم الصحراوية الجزائرية المغربيــة، وبالأخـــــص منطقــة تــوات، أو فـي القضــاء علـــى التمردات المحليــة كمـــا هـــو شــأن تمــرد بوعــزة الهبري، وتـدخل بعــض السلاطيـن فـي تعييــن شيــوخ “دار الضمانـة “، وزيارة بعض الأمراء للزوايا الوزانية . وبالمقابل راكم الوزانيون الكثير من الثروات في إطار الممتلكات المادية المتمثلة في “العزائب” والزيارات التي تكاد تأخذ صبغة ضريبة سنوية أو موسمية.
تميزت العلاقة بين المخزن والطريقة الوزانية على العموم بالتوازن وحماية المصالح المشتركة ، لكن فترة مشيخة مولاي عبد السلام الوزاني شكلت بداية تحول في تلك العلاقات، وحملت معها بذور تصدع وتباعد بين الزاوية الوزانية والمخزن، حيث دأب كثير من الباحثين على البحث عن تفسيرات توتر تلك العلاقة التي وصلت حد التنافر والقطيعة: منها عجز الشيخ الوزاني وفشله في التدخل للتخفيف من حدة التوتر القائم بين إسبانيي سبتة وقبائل أنجرة، ودعوته إلى عدم الاستجابة لمطالب إسبانيا، فكانت أن بادرت هذه الأخيرة باحتلال تطوان والضغط على المخزن بتقديم تنازلات ترابية وتعويضات مالية مقابل الانسحاب من المدينة، ومن ثم إقصاء الشريف الوزاني لتحمله مسؤولية هزيمة تطوان وضعف مصداقيته لدى المخزن.
ومن الباحثين، من ربط توتر العلاقة المخزن والوزانية بقضية زواج الشيخ مولاي عبد السلام الوزاني من الإنجليزية “إميلي كين”، الذي يعتبر أول زواج من نوعه في تاريخ الزوايا المغرب، وما أثاره من ردود فعل مخزنية عبرت عنها فحوى الرسالة التي بعث بها النائب السلطاني محمد بركاش إلى السفير البريطاني بطنجة جون دارموند هاي جاء فيها على وجه الخصوص:”فقد بلغنا أن الشريف سيدي الحاج عبد السلام بن سيدي الحاج العربي الوزاني، تزوج بامرأة نصرانية إنجليزية، وتعين علينا إعلامك بأن المرأة المذكورة صارت الآن مراكشية، بسبب تزويجها للشريف الوزاني، ولا يمكن الحكم عليها وعلى مطالبها إلا بحكم شريعة المسلمين. كما لا يخفاك أن كل أرض تتمشى على قوانين شرعها، وأعلمناك لتكون على بصيرة “، فيما اعتبر السلطان المولى الحسن الأول ذلك الزواج انحرافا كبيرا عن الدين والشريعة المطهرة، وردة عن العقيدة.
ومن الباحثين من فسر علاقة الجفاء بين الزاوية الوزانية والمخزن، بمسألة طلب شيخها مولاي عبد السلام الوزاني الاحتماء بالفرنسيين، وما شكلته هذه المسألة من تهديد لسيادة المخزن الحسني الذي لم يتردد في اتهام الشريف الوزاني بالعمالة والخيانة والتفاني في خدمة المخططات التوسعية الفرنسية، بل الأكثر من ذلك دعا سكان وزان وناحيتها إلى الاتفاق فيما بينهم جميعا “بأن لا يتبادلوا معه أي حديث، ولا أي اتفاق، بطريقة لا تترك له أي وسيلة لإنجاح خيانته”.
ومهما اختلفت تفسيرات الباحثين وآراؤهم حول توتر العلاقة بين المخزن و شيخ الطريقة الوزانية في منتصف القرن التاسع عشر، فإن استحضار ظروف العصر التي عاش فيه شريف وزان، واستجلاء خصوصياته المتميزة، دون إغفال المصالح الشخصية التي كثيرا ما تبدو المحدد الأساسي لمواقف شيوخ الطرق والزوايا من الوجود الاستعماري، من شأن ذلك إزالة بعض اللبس عن وضعية شريف وزان التي وصفت بالوضعية الشاذة في تاريخ التصوف المغربي.
أصبحت أطماع فرنسا التوسعية بعد احتلالها الجزائر جلية في الجنوب المغربي والتخوم الجنوبية الشرقية، وهي المناطق ذاتها التي تغلغل فيه نفوذ الطريقة الوزانية، واتسعت فيها امتيازاتها المادية، فكان من الطبيعي أن يشعر الشيخ مولاي عبد السلام الوزاني بخطورة الوجود الفرنسي في تلك المناطق على تأثيره الروحي وعلى مصالح وثرواته المادية، فسارع إلى تقديم الدعم لفرنسا في إخماد ثورة المقراني في الجزائر واصطحب الحاكم الفرنسي بالجزائر إلى توات قصد تسيير مهمة الحملات العسكرية الفرنسية للاحتلال المنطقة، الشيء الذي اعتبرته فرنسا فرصة سانحة لإخبار المخزن “بأن الشريف الوزاني قد أصبح تحت الحماية الفرنسية، مجازاة له على الخدمات التي قدمها لفرنسا في قضايا الحدود بين الجزائر والمغرب، ومن ثم، كانت الحماية التي منحت للشريف الوزاني تبعا لما نشرته جريدة المغرب الأقصى خطوة حاسمة خطتها فرنسا”على درب فرض حمايتها على الإمبراطورية الشريفة “، ثم وشحته فرنسا عام 1876 بوسام ضابط شرفي كبير لفيلق اللفيف الأجنبي.
وبالمقابل، استغل الشريف مولاي عبد السلام الوزاني وضعية الاحتماء بفرنسا للقيام بأعمال تحريضية استهدفت النيل من سيادة المخزن وإضعاف هيبته، كإقدامه على حث سكان منطقة الغرب والملاكين العقاريين على التملص من أداء الواجبات والكلف المخزنية.
كما عبر الشريف الوزاني عن رغبة في تسليح أتباعه للوقوف في وجه أي محاولة يمكن أن يقوم بها المخزن لاحتوائهم، معلنا أن دخوله تحت الحماية الفرنسية نابع من إيمانه الراسخ بأن المغرب لابد أن يكون من نصيب فرنسا، وأنه مستعد للقيام بكل ما في وسعه لتحقيق تلك النتيجة.
خلاصة القول إن تواطؤ شيخ الطريقة الوزانية مولاي عبد السلام الوزاني مع فرنسا، وسعيه إلى دعم مخططاتها التوسعية في المغرب وجد مبرراته في مصلحته الشخصية التي كثيرا ما تبدو المحدد الأساسي لمواقف شيوخ الطرق والزوايا من الوجود الاستعماري، ذلك أن تزايد الضغط الاستعماري على المغرب في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتراجع هيبة المخزن، وإفلات الأمور من يده في كثير من جهات البلاد، كانت من المسوغات التي جعلت شريف وزان يدرك أن مصالحه المادية قد تكون في مأمن، إلا باللجوء إلى طلب الاحتماء بدولة قوية كفرنسا، وهو الأمر الذي تحقق سنة 1883، عند وجد شريف وزان نفسه تحت حماية الدولة الفرنسية، رابطا بذلك مصير الطريقة الوزانية بخدمة الوجود الاستعماري الفرنسي بالمغرب، وسرعان ما ستحول إلى خيار مبدئي التزم به شيوخ الوزانية من بعده.
تقديم وإعداد: الدكتور المصطفى الريس
sahli- عضو مؤسس للمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 148
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 18/08/1951
تاريخ التسجيل : 26/06/2009
العمر : 73
مواضيع مماثلة
» خيانة المثقفين
» فيديو.. إلقاء القبض على شخص تورط في خيانة زوجية بالخميسات
» واش ما كاينشي ناس دا وزان هنا
» مشاهد من وزان
» صور قديمة لمدينة وزان
» فيديو.. إلقاء القبض على شخص تورط في خيانة زوجية بالخميسات
» واش ما كاينشي ناس دا وزان هنا
» مشاهد من وزان
» صور قديمة لمدينة وزان
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى