أنواع الريع في المغرب الحديث.
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
أنواع الريع في المغرب الحديث.
مقدمة:
+++
تجذر الريع في السياسة المغربية منذ القديم ، اذ كان يتمظهر من خلال تمكين سلاطين وملوك مختلف الدول التي حكمت البلاد ،الاقطاعيات العينية أواطلاق النفود المادي أو المعنوي أومنح السلط الدينية او الدنيوية أوالترخيص باحتكارات تجارية وغيرها ..باشكال مختلفة في كثير من المناطق لأسر او لقبائل او زوايا او لخدام الدولة من باشوات وقياد وغيرهم..حتى ترسخت مظاهره بشكل أصبح من توابث سياسة الدولة المغربية وأحد اهم الأسس والركائز التي تستند اليها في توفير اكبرقدر من التبعية والولاء لها، والمسا ندة لمشاريعها في الحكم والتحكم..بل ودفعت بالمستفيدين الى الاستماتة على شكل النظام المانح لامتياز الريع ، لانه في زوال المانح تصبح هي نفسها مهددة في مصالحها وامتيازاتها .حتى اصبح المستفيدون أكثر حرصا على حفظ النظام السياسي للدولة المانحة لتلك الامتيازات ،واكبر مساند لمشاريعها في التحكم والسيطرة..
لكن مع تغير نظم الحياة السياسية في المغرب خاصة ما بعد حقبة الاستعمار ، وعوض تطوير اليات الحكم والتسيير والتدبير العام بوسائل تناسب التحولات التي مست الفلسفة السياسية للعالم منذ الثورة الفرنسية وكذالك ما بعد الحربين وحصول المغرب على الاستقلال السياسي ، فان الحكم في المغرب انصب اهتمامه على تحديث المنظومة المخزنية وتوليفها مع العصر لايهام الشعب على انه في خدمته، حتى ولو انه لم يتعامل معهم على انهم مواطنين ذوي حقوق كاملة قائمة على المساواة بين الجميع ، بل لكونهم مجرد رعايا قد ينالون قسطا من الرضا او من السخط تبعا لتقييم النظام لمدى ولا ئهم،ووفق تبعيته وخدمته له وليس للصالح العام...
أنواع الريع في المغرب الحديث.
++++++++++++
1/ الريع السياسي :
ويتمثل في انتقاء الوزراء والسفراء وكبار مسؤولي الدولة ..اما من مدن أو مناطق معينة او أسر معينة او احزاب معينة دون غيرها...والعمل على مباركتها وتزكيتها ودعمها ،وتمكينها من الظهور في الساحة والمشهد السياسي، وترسيخها في وعي أولا وعي المجتمع ، بشتى الوسائل كالمال والاعلام، وتقريبها منه.. وتسخير وزارات كالداخلية وغيرها في خدمتها ..وبالمقابل يتم التعتيم على احزاب او منظمات وجمعيات مدنية والتأ ليب ضدها على انها مغضوب عليها ،بحيث توهم العامة كونها ممن يريد نشر الفوضى ويمس بالتوابث الوطنية والتقاليد المخزنية ،اوتعمل على قلب النظام واشاعة الانحلال وما شابه ذلك...
2/ الريع الديني :
وهو ايضا يقوم على دعم الزوايا والجماعات الدينية أوالصوفية بالعقارات والهبات..ومنحها المشروعية عن طريق حضور الشخصيات الحكومية لانشطتها بشكل رسمي، وما شابه ذلك من الوسائل ..بل وعلى منح الامتيازات لاشخاص وتنظيمات ومجالس علمية محلية او جهوية او وطنيه على انها تمثل السياسة الدينية للدولة.وبالتالي تعمل على تمكينهم من الحج ..وحضور المنتديات.. والمؤتمرات الدينية العربية والدولية، من المال العام ،وتعبيد الطريق امامهم ولابنائهم عبر تمكينهم من المنح وفرص الشغل كأساتذة جامعيين في الداخل والخارج أوتعيينهم رؤساء وعمداء ونحوها، والتي يتقضون عنها رواتب وتعويضات وحوافز عالية حتى دون القيام بها ..
3/ الريع الثقافي /الفني / الرياضي / الاعلامي:
--------------------------------
وهو يتمثل في دعم أسماء مغمورة او مشكوك في ما تحصلوا عليه من شهادات عليا ،سواء من كتاب او شعراء او فنانين وحتى رياضيين وذلك عبرمنحهم الامتيازات المختلفة والجوائز والاكراميات والمناصب والاوسمة وغيرها ..والدعاية لهم في الكتب والمقررات المدرسية ، واستضافتهم في البرامج الاذاعية والتلفزية ،وطبع منتوجاتهم على حساب المال العام ..ودعم جرا ئدهم ومجلاتهم واذاعاتهم الخاصة بالاعلانات والاشهارات المدفوعة الأجر، في الوقت الذي يتم فيه حرمان اخرين ولو من النزرالقليل ،بل يتم التهميش والتضيق على مثقفين والتشهير بهم.. رغم مكانتهم المشهود لها عربيا وعالميا او حتى اتهامهم بالعمالة وتنفيد اجندات خارجية..او منع كتبهم والتضيق عليهم في مزاولة انشطتهم الثقافية في الجامعات والقاعا ت العمومية وغيرها..بل وقد يتم اصدار احكام رادعة في حقهم بالحبس او الغرامة او المنع من مزاولة الأنشطة المختلفة...
4/ الريع العقاري/ الفلاحي:
------------------
ويتمثل في تمكين فئات معينه من رخص بناء المركبات السكنية بدون مراقبة او مطايقة للاوصاف القانونية من حيث استعمال القدر المناسب للاسمنت او الحديد او احترام المساحة او عدد الطوابق..بل وعدم مراقبة ظروف العمال وقانون الشغل بها ..وغالبا ما يتم اعفاؤهم من الضرائب كليا او جزئيا بدعوى مراعاة الظرفية..و تشجيع الاستثمار والمقاولات وغيرها من العناوين
او تمكين فئات اخرى من استغلال مقالع الرمال او الحصى او الاحجار او الغاسول او الاسمنت وما الى ذلك ..لمدة طويلة قبل تفويتها من النافذة لنفس المستفيدين او القريبين منهم تحت مسميات شركات اخرى ولو باقحام اسماء أجنبية قد تكون تحت الادارة الفعلية أو تعمل براسمال لنفس الجهات او أقربائهم بهدف التمويه ، بل وحتى عدم احترام سلك المساطر المعمول بها في بعض الاحيان.كما يتم تفويت أراضي وشركات فلاحية أو عقارات عمومية ذات صفة تراثية أو تاريخية بأثمنة رمزية لبعض الشخصيات وعائلاتهم من المقربين والمنعم عليهم دونما الاعلان عن ذلك بشكل شفاف. أضف الى ذالك تفويت وتمكين البعض من رخص استغلال أرصفة و مجالات ولوحات للاعلانات والاشهار في اماكن وشوارع وتقاطعات رئيسة، حتى ولو كانت لا تلائم التصميم، ولا تتناسب مع خصوصية الاحياء ،اوتراعي وظيفة الاماكن العامة، اومصلحة محلات الخواص.
هامش:
++++
لا يكتسي هذا المقال صبغة بحث تاريخي يعتمد المصادر والمراجع ، بقدر ما هو دعوة للمساهمة في اثرائه من طرف القراء بالأمثلة والنمادج التي تطابق بعض أنواع الريع في الوقت الحاضر ، او اغنائه بنمادج اخرى للريع لم يتطرق اليها المقال .
+++
تجذر الريع في السياسة المغربية منذ القديم ، اذ كان يتمظهر من خلال تمكين سلاطين وملوك مختلف الدول التي حكمت البلاد ،الاقطاعيات العينية أواطلاق النفود المادي أو المعنوي أومنح السلط الدينية او الدنيوية أوالترخيص باحتكارات تجارية وغيرها ..باشكال مختلفة في كثير من المناطق لأسر او لقبائل او زوايا او لخدام الدولة من باشوات وقياد وغيرهم..حتى ترسخت مظاهره بشكل أصبح من توابث سياسة الدولة المغربية وأحد اهم الأسس والركائز التي تستند اليها في توفير اكبرقدر من التبعية والولاء لها، والمسا ندة لمشاريعها في الحكم والتحكم..بل ودفعت بالمستفيدين الى الاستماتة على شكل النظام المانح لامتياز الريع ، لانه في زوال المانح تصبح هي نفسها مهددة في مصالحها وامتيازاتها .حتى اصبح المستفيدون أكثر حرصا على حفظ النظام السياسي للدولة المانحة لتلك الامتيازات ،واكبر مساند لمشاريعها في التحكم والسيطرة..
لكن مع تغير نظم الحياة السياسية في المغرب خاصة ما بعد حقبة الاستعمار ، وعوض تطوير اليات الحكم والتسيير والتدبير العام بوسائل تناسب التحولات التي مست الفلسفة السياسية للعالم منذ الثورة الفرنسية وكذالك ما بعد الحربين وحصول المغرب على الاستقلال السياسي ، فان الحكم في المغرب انصب اهتمامه على تحديث المنظومة المخزنية وتوليفها مع العصر لايهام الشعب على انه في خدمته، حتى ولو انه لم يتعامل معهم على انهم مواطنين ذوي حقوق كاملة قائمة على المساواة بين الجميع ، بل لكونهم مجرد رعايا قد ينالون قسطا من الرضا او من السخط تبعا لتقييم النظام لمدى ولا ئهم،ووفق تبعيته وخدمته له وليس للصالح العام...
أنواع الريع في المغرب الحديث.
++++++++++++
1/ الريع السياسي :
ويتمثل في انتقاء الوزراء والسفراء وكبار مسؤولي الدولة ..اما من مدن أو مناطق معينة او أسر معينة او احزاب معينة دون غيرها...والعمل على مباركتها وتزكيتها ودعمها ،وتمكينها من الظهور في الساحة والمشهد السياسي، وترسيخها في وعي أولا وعي المجتمع ، بشتى الوسائل كالمال والاعلام، وتقريبها منه.. وتسخير وزارات كالداخلية وغيرها في خدمتها ..وبالمقابل يتم التعتيم على احزاب او منظمات وجمعيات مدنية والتأ ليب ضدها على انها مغضوب عليها ،بحيث توهم العامة كونها ممن يريد نشر الفوضى ويمس بالتوابث الوطنية والتقاليد المخزنية ،اوتعمل على قلب النظام واشاعة الانحلال وما شابه ذلك...
2/ الريع الديني :
وهو ايضا يقوم على دعم الزوايا والجماعات الدينية أوالصوفية بالعقارات والهبات..ومنحها المشروعية عن طريق حضور الشخصيات الحكومية لانشطتها بشكل رسمي، وما شابه ذلك من الوسائل ..بل وعلى منح الامتيازات لاشخاص وتنظيمات ومجالس علمية محلية او جهوية او وطنيه على انها تمثل السياسة الدينية للدولة.وبالتالي تعمل على تمكينهم من الحج ..وحضور المنتديات.. والمؤتمرات الدينية العربية والدولية، من المال العام ،وتعبيد الطريق امامهم ولابنائهم عبر تمكينهم من المنح وفرص الشغل كأساتذة جامعيين في الداخل والخارج أوتعيينهم رؤساء وعمداء ونحوها، والتي يتقضون عنها رواتب وتعويضات وحوافز عالية حتى دون القيام بها ..
3/ الريع الثقافي /الفني / الرياضي / الاعلامي:
--------------------------------
وهو يتمثل في دعم أسماء مغمورة او مشكوك في ما تحصلوا عليه من شهادات عليا ،سواء من كتاب او شعراء او فنانين وحتى رياضيين وذلك عبرمنحهم الامتيازات المختلفة والجوائز والاكراميات والمناصب والاوسمة وغيرها ..والدعاية لهم في الكتب والمقررات المدرسية ، واستضافتهم في البرامج الاذاعية والتلفزية ،وطبع منتوجاتهم على حساب المال العام ..ودعم جرا ئدهم ومجلاتهم واذاعاتهم الخاصة بالاعلانات والاشهارات المدفوعة الأجر، في الوقت الذي يتم فيه حرمان اخرين ولو من النزرالقليل ،بل يتم التهميش والتضيق على مثقفين والتشهير بهم.. رغم مكانتهم المشهود لها عربيا وعالميا او حتى اتهامهم بالعمالة وتنفيد اجندات خارجية..او منع كتبهم والتضيق عليهم في مزاولة انشطتهم الثقافية في الجامعات والقاعا ت العمومية وغيرها..بل وقد يتم اصدار احكام رادعة في حقهم بالحبس او الغرامة او المنع من مزاولة الأنشطة المختلفة...
4/ الريع العقاري/ الفلاحي:
------------------
ويتمثل في تمكين فئات معينه من رخص بناء المركبات السكنية بدون مراقبة او مطايقة للاوصاف القانونية من حيث استعمال القدر المناسب للاسمنت او الحديد او احترام المساحة او عدد الطوابق..بل وعدم مراقبة ظروف العمال وقانون الشغل بها ..وغالبا ما يتم اعفاؤهم من الضرائب كليا او جزئيا بدعوى مراعاة الظرفية..و تشجيع الاستثمار والمقاولات وغيرها من العناوين
او تمكين فئات اخرى من استغلال مقالع الرمال او الحصى او الاحجار او الغاسول او الاسمنت وما الى ذلك ..لمدة طويلة قبل تفويتها من النافذة لنفس المستفيدين او القريبين منهم تحت مسميات شركات اخرى ولو باقحام اسماء أجنبية قد تكون تحت الادارة الفعلية أو تعمل براسمال لنفس الجهات او أقربائهم بهدف التمويه ، بل وحتى عدم احترام سلك المساطر المعمول بها في بعض الاحيان.كما يتم تفويت أراضي وشركات فلاحية أو عقارات عمومية ذات صفة تراثية أو تاريخية بأثمنة رمزية لبعض الشخصيات وعائلاتهم من المقربين والمنعم عليهم دونما الاعلان عن ذلك بشكل شفاف. أضف الى ذالك تفويت وتمكين البعض من رخص استغلال أرصفة و مجالات ولوحات للاعلانات والاشهار في اماكن وشوارع وتقاطعات رئيسة، حتى ولو كانت لا تلائم التصميم، ولا تتناسب مع خصوصية الاحياء ،اوتراعي وظيفة الاماكن العامة، اومصلحة محلات الخواص.
هامش:
++++
لا يكتسي هذا المقال صبغة بحث تاريخي يعتمد المصادر والمراجع ، بقدر ما هو دعوة للمساهمة في اثرائه من طرف القراء بالأمثلة والنمادج التي تطابق بعض أنواع الريع في الوقت الحاضر ، او اغنائه بنمادج اخرى للريع لم يتطرق اليها المقال .
غريبي- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 298
درجة التقدير : 1
تاريخ الميلاد : 02/05/1963
تاريخ التسجيل : 05/06/2012
العمر : 61
رد: أنواع الريع في المغرب الحديث.
الريع الديني بالمغرب .. عندما يشترون بكلام الله ثمنا قليلا
الريع الديني بالمغرب .. عندما يشترون بكلام الله ثمنا قليلا
ما إن تقلدت الحكومة "نصف الملتحية" مسؤولية تدبير الشأن العام حتى انطلقت شعارات مدوية تهم محاربة اقتصاد الريع، وتنامت محاولات الكشف عن الريع الذي نخر العديد من القطاعات.
الريع أنواع
بالمغرب ظهر الريع في البر والبحر، ويندر أن تجد قطاعا لم يخترقه الريع ووحوشه، خاصة في مجالات توزيع مئات الرخص من أجل استغلال "كريمات" النقل، أو مقالع الرمال واستغلال المناجم، ورخص محلات الخمور، أو رخص الصيد في أعالي البحار.. لكن قليلين جدا من انتبهوا إلى ريع من نوع آخر..ريع خطير يجعل الروحي مصدرا للربح، يرتبط بمجال خاص وشائك هو مجال الدين..إنه الريع الديني.
كل صحفي أراد فتح ملف الريع الديني والإطلاع على بعض خباياه وأسراره سيجد أمامه الكثير من العقبات والغموض، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين، الأول اصطدامه بستار حديدي من الصد، وعدم الرد على الأسئلة المشروعة التي تُطرح بهذا الشأن، والثاني ندرة ـ إن لم نقل انعدام ـ المعطيات والإحصائيات المرتبطة بهذا الملف، إذ غالبا ما تتم مواجهة كل باحث عن تفاصيل هذا الريع بلافتة "إمارة المؤمنين" بهدف ترهيب المزعجين والمتطفلين، مادام الملك هو أكبر سلطة دينية في البلاد وفق الدستور.
الدكتور عبد العالي مجدوب، المختص في الشأن الديني بالمغرب، يُعرف في حديث مع " هسبريس" الريع بأنه هو "الغَلّة" أو "الدخل" أو "الراتب" المضمون لزمن طويل، من غير أن يكون من المستفيد مقابلٌ من عملٍ أو جهد أو إنتاج مُعتَبر في ميزان الاقتصاد الحقيقي.
واسترسل مجدوب بأن هذا الريع ظهر واستفحل في ظل الدولة المخزنية الحديثة، التي كانت يدها دائما مطلقة في التصرف في الملك العمومي والثروات الوطنية من غير حسيب ولا رقيب، وهكذا كانت هذه الدولةُ تعطي الرخص والمأذونيات خارجَ أيّ قانون إلا الهوى والمزاجَ، اللذين يلازمان الاستبداد في كل زمان ومكان".
واعتبر مجدوب الريع الديني بأنه من هذا الريع الخفيِّ أو المُقنَّع، وإن كنا نعرف، بصورة عامة، أن هناك في هذا المجال "غلة" و"استفادة"، وأن هناك "مستغِلا" و"مستفيدا" من غير أن يكون من هذا الأخير عملٌ يستحق من أجله أن يربح ما يربَحه.
وخلص مجدوب إلى أنه للحديث عن "الريع الديني" لا بد من توافر أركان الريع الثلاثة بشكل لا لَبْس فيه، وهذه الأركان هي أولا، الفائدة أو الغلة أو المدخول القار والمضمون، وثانيا المستفيدُ من غير مقابل معقول، وثالثا: السلطةُ الآمرة أو المرخصة بالاستغلال والاستفادة.
الريع عبر المناصب
أولى مظاهر الريع الديني التي نقبت عنها " هسبريس"، بعد طول بحث عن بعض تجليات هذا الصنف من الريع "المقدس"، تتجسد فيما تختزنه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من خبايا "ريعية" مهولة، كان من الصعب أن يتم اكتشافها أول وهلة.
مصدر مطلع من داخل الوزارة أفاد، في حديث لـ" هسبريس"، بأن المناصب التي وزعت داخل الوزارة وتقاسمها بعض المستفيدين، يمكن تسجيلها ضمن "منجزات" الريع الديني في خرق سافر للقانون، المصدر ذاته، الذي طلب عدم ذكر اسمه، قدم مثالا ماديا على ما يقول، مستدلا بأن مسؤولا كبيرا في وزارة الأوقاف حصل منذ فترة على "فيلا" صارت في ملكيته في منطقة حسان بالعاصمة الرباط، وذلك مقابل ثمن زهيد لا يرقى إلى قيمة الفيلا وسعرها الحقيقي في سوق العقار بالبلاد.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وفق المتحدث نفسه، صارت "مُغرَقة" بالموظفين والمستخدمين الذين يسقطون عبر "المظلة" من فوق، حتى باتت الوزارة معروفة ـ عند أهل الدار ـ بكون محور "الراشيدية ـ بني ملال" يهيمن عليها بقوة، السبب يعود إلى وجود شخصيات قوية من هذه المنطقة.
حالة أخرى، كشف عنها مصدرنا على أنها نموذج فاضح للريع الديني، تتجسد في جمع العديد من العلماء والفقهاء بين عدد من المناصب المعوض عنها، أمثلة كثيرة قد يصل مجموع رواتبها في الشهر إلى مائة ألف درهم.
ومن بين هؤلاء، أحد العلماء المبرزين، الذي جمع من المناصب الكبيرة ما يقدر براتب شهري يصل إلى 60 ألف درهم، فضلا عن كونه كان يُدرّس قبل سنتين لطلبة المعهد الملكي للإدارة الترابية "القُيّاد" مادة الحضارة الإسلامية، وهو أيضا أستاذ بمعهد تكوين الأئمة والمُرشدات، وعضو دائم في لجنة الامتحانات بهذا المعهد، يتلقى تعويضا يوميا عن إشرافه على تصحيح الامتحانات، علاوة على كونه يحصل تعويضا شهريا بقيمة 4 آلاف درهم عن كرسي السُّنة رغم عدم حضوره للكرسي، بالإضافة إلى عضويته في لجنة إصلاح القضاء التي عين الملك أعضاءها في مايو 2012.
ولا تتوقف امتيازات عالمنا الجليل التي يحصل عليها بفضل "مناصبه الدينية" المختلفة عند هذا الحد، بل تنضاف إليه التعويضات المالية التي تأتيه عن كل سفرية له إلى خارج الوطن، دون احتساب سيارتيْ الدولة اللتين توجدان تحت تصرفه، وهما معا تشتغلان بالبنزين، ما يعني تكاليف مالية باهظة تُحسب على مالية الأوقاف" يقول مصدر " هسبريس".
أصحاب المناصب الدينية ليسو كلهم بهذا "الحرص" على الجمع بين المناصب والمهام والأموال، بل هناك من يرفض تلقي تعويضات مالية حتى عما يقوم به من عمل، من قبيل الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي لوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى الذي ـ تؤكد مصادر من داخل القناة ـ أنه امتنع عن أخذ تعويضات مالية من قناة "دوزيم" مقابل مشاركته في البرنامج الديني الذي بثته القناة خلال رمضان الفائت.
وزارة الصندوقين
ويتجاوز الريع الديني مثل هذه الامتيازات الوظيفية التي تُصرف فيها أموال الأوقاف الإسلامية دون حسيب ولا رقيب، باعتبار أن ما يميز ميزانية الوزارة دون سواها من الوزارات ومؤسسات الدولة كونها تضم ميزانيتين اثنتين، الأولى ميزانية عامة والثانية ميزانية خاصة، وهذه الأخيرة منها يتم صرف التعويضات المالية بقطاع تدبير الحقل الديني دون مراقبة شفافة من أية جهة.
المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة، الذي أنشئ بظهير ملكي في يونيو 2010 من أجل أن يراقب طرق وآليات صرف أموال وممتلكات الأوقاف، لم يشرع في عمله على أرض الواقع إلى حدود اليوم رغم استكمال قوانينه التنظيمية الداخلية منذ مدة، بل حتى إنه لم تتم خلافة الراحل أحمد رمزي رئيس المجلس الذي توفي في دجنبر 2012، بمعنى أن طيلة سنة ونيف يشتغل المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف دون رئيس له.
وفي هذا السياق تتحدث عدة أصوات عن عرقلة جهات نافذة تستفيد من الريع الديني لعمل هذا المجلس حتى لا يقوم بعمله كما ينبغي، ومن هذه الجهات مسؤولون ذوو نفوذ تصلهم مبالغ مالية بشكل شهري لقاء كراء المحلات التجارية والأراضي الفلاحية والعمارات التابعة للأحباس التي تدر على مالية الأوقاف ملايين الدراهم.
ولهذه الأسباب يُفهم لماذا لم يقم المجلس الأعلى للحسابات أبدا من قبل بافتحاص مالية الأوقاف التي تتكون مداخيلها الهائلة من أموال العقارات والمقالع والأراضي الفلاحية الوقفية، كما يُفهم أيضا تقاعس المفتشية العامة لوزارة المالية عن القيام بافتحاص لمالية الأوقاف.
ولابد من الإشارة إلى أنه من مظاهر الريع الديني المهيمن أيضا على دواليب الوزارة الوصية ما يقع من وساطات وتدخلات لإرسال الأقارب والأصهار، ضمن وفود الأئمة والمرشدين لتأطير الجاليات المغربية في الخارج خاصة في شهر رمضان، وذلك لما تشكله هذه السفريات من إغراءات مادية كبيرة تمنح من لدن الوزارة، كما تُقدم من طرف أبناء الجالية أنفسهم من باب التشجيع والتكريم.
وأكد مصدر مطلع لـ" هسبريس" بأن الريع الديني يظهر كذلك من خلال ما تمنحه الدولة من أعطيات وهبات مالية للزوايا والطرق الصوفية في البلاد، خاصة تلك التي تحظى بإشعاع وإقبال كبير من طرف مريديها داخل البلاد وخارجها.
الزوايا التنين الذي لا يشبع
عبد العالي مجدوب، القيادي السابق في جماعة العدل والإحسان، يرى أنه لا توجد معلومات واضحة ومُوثقة بالمعطيات والأرقام حول الكيفية التي تجري بها الأمور فيما يخص إدارةَ الزوايا الصوفية، ولا الكيفية التي يشتغل بها مستخدموها، موظَّفون دائمون أو مُستخدَمون مؤقتون أو متطوعون، إلى آخر ما هنالك من جزئيات وتفصيلات لا نعرف عنها إلا ما يرويه الناس وما نسمعه عن تجارب من هنا وهناك.
وأردف المتحدث بأن "عالم الزوايا والمواسم وما يدور في فلكهما عالمٌ غامض من الناحية الإدارية والمالية والقانونية"، مضيفا بأن "للدولة المخزنية يد في وجود هذا الغموض واستمراره، وذلك لما تجنيه من مصالح من ولاءِ الزوايا وتبعيتها".
واسترسل بأن الهدايا والهبات والتبرعات، فيما يتعلق بالزوايا والمواسم، هو الآخر غامض، لأننا لا نعرف أن هناك قانونا يلزم هذه "التنظيمات" الدينية التقليدية بأن تنشر كشوفا بأنشطتها المالية، توضح أنواع مداخيلها وأوجه مصاريفها، وغيرَ ذلك مما تتطلبه الشفافية المالية التي يفرضها القانون على مختلف المؤسسات والتنظيمات.
"كيف يتم التصرف في الأموال التي تدخل صناديق الزوايا، وخاصة الزوايا الكبرى، كالزاوية البودشيشية؟ وكيف يتم تحديدُ أجور موظفي هذه التنظيمات؟ ومن يحدد هذه الأجور؟ ومن يمسك الوثائق والحسابات؟ هذه الأسئلة وأمثالُها هي التي تجعلني أرى الريع في هذه المؤسسات الدينية ريعا مختلَّ الأركان، غيرَ واضح بسبب الغموض الذي يطبع عملَ هذه الزوايا وما يتبعها من مواسم وملتقيات واحتفالات دورية" يورد مجدوب.
وانتهى مجدوب إلى أن "الدولة المخزنية توجد على رأس المستفيدين من هذه الزوايا والمواسم وما يتعلق بها من أنشطة متنوعة"، مشيرا إلى أن "استفادة الدولة يعني لزوما أن هناك داخل هذه الزوايا الصوفية مستفيدين من الدولة، من سلطانها ومالها ورعايتها وضمانها".
الريع في المنطقة المظلمة
وقد يتساءل كثيرون إذا كان للريع الديني كل هذه الوجوه والظلال الكثيفة والغامضة أحيانا كثيرة، فلماذا لم تُشر إليه الأصابع بقوة، كما يقع مع الريع في الاقتصاد ورخص النقل ومقالع الرمال والرخام ورخص الصيد البحري؟..
محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، يجيب بأنه سبق للشبكة أن طالبت في العديد من المرات بضرورة إخضاع أموال الأوقاف وأراضي الأحباس للافتحاص، في أفق إنشاء وكالة لتدبير جميع أراضي الدولة بمختلف أنواعها، تكون تابعة لمؤسسة رئيس الحكومة.
وقال المسكاوي لـ" هسبريس" بأن لا أحد يجادل كون اقتصاد الريع بالمغرب شمل جميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية وحتى الدينية، باعتبار أن هاجس شراء النخب والذمم كان مسيطرا على أجهزة المخزن بكل تجلياته، فقد تم على المستوى الديني توفير خزان احتياطي كبير من أراضي الأحباس التي كانت تحت تصرف وزارة الأوقاف.
ولفت المتحدث إلى أن "هذه الأراضي تضم العديد من العقارات التي تدر أموالا طائلة، والتي لا تخضع للمراقبة والمحاسبة، في الوقت الذي نشاهد فيه احتجاجات الأئمة والقيمين الدينين على ظروفهم الاجتماعية".
ومن جهة أخرى، يتابع المتحدث، تجب الإشارة إلى جانب الزوايا الدينية وما يُغدق عليها من أموال، وكان من الصعب خلخلة هذه البنية نظرا لمركزيتها بالنسبة للمخزن السياسي والاقتصادي، علما أن مجموعة من الزوايا قد لعبت أدورا مهمة أثناء الاستعمار، لكن تم تحويل أدوارها بعد ذلك.
ويشرح المسكاوي بأنه كان باستطاعة الزوايا، بعد الاستقلال، المساهمة في نشر الوعي والتعليم التقليدي إلى حين استكمال البنية الإدارية للدولة، لكنها اتجهت معظمها إلى المواسم والولائم والممارسات البعيدة عن الدين، وكانت تستفيد من أموال مهمة من مالية الجماعات المحلية وبعض المؤسسات العمومية دون حسيب أو رقيب".
وخلص الناشط الحقوقي إلى أن محاربة منظومة الفساد بالمغرب من بين مظاهرها الريع الديني من خلال قوانين تضبط طرق الصرف، وإخضاع مالية الأوقاف إلى المراقبة والمحاسبة"، داعيا الزوايا الصوفية أن تكون قدوة في مجال حماية المال العام، انطلاقا من الثقافة الدينية التي تحث على الأمانة في صرف الأموال.
الدكتور أحمد الريسوني: الصناديق السوداء والزوايا الظلماء
لقد سرني أن تعمد هسبريس إلى فتح وطرق باب هذا الملف الشائك..
منذ القديم عُرف فقهاء المذهب المالكي بتشددهم المبالَغِ فيه فيما يخص تدبير أموال الأوقاف والتصرف فيها، وذلك وفقا لقاعدة المذهب المعروفة "سد الذرائع". وكانوا يعللون تشديداتهم بأنهم يحتاطون للأوقاف من أن تتعرض للاستغلال والتلاعب، خاصة من طرف الولاة والنظار وغيرهم من المتنفذين.
ونحن اليوم في دولة حديثة ترفع شعار "دولة القانون" و"دولة المؤسسات"، وفي ظل دستور أقر حق المواطنين في الحصول والإطلاع على المعلومات المتعلقة بتدبير الشؤون العامة، كما أننا في ظل حكومة أكثر ما تردده وتتغنى به هو الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد والريع...ومع ذلك فما يزال المغرب يعج بالصناديق السوداء والزوايا الظلماء، والمناطق المحرمة المكتوب عليها "ممنوع الاقتراب ـ خطر الموت".
إن الأموال الوقفية ليست فقط مثل غيرها من أموال الأمة، من حيث ضرورة إخضاعها للمراقبة الصارمة والمشروعية التامة، في إدارتها وإنفاقها، بل هي أولى بذلك من غيرها، بل الجدير بها أن تكون نموذجا يحتذى في الشفافية والسلامة والبعد عن الشبهات.
لكن للأسف نجد أن ما يحيط بهذا المجال من تعتيم وتكتم وريبة وعلامات استفهام وتعجب، هو أضعاف ما يحيط بغيره من أموال الدولة والمجتمع. وهذا ما جعل كثيرا من الناس يحجمون عن تحبيس أموالهم أو عن تسليمها للجهات الوصية.
لقد أصبح من آكد الواجبات وأكثرها استعجالا فتح التحقيقات وتسليط الأضواء الكاشفة على كل أموال الأوقاف ومداخيلها ومصاريفها، ليعرف الجميع كيف تدار وأين تنفق ولمن تعطى، وبأي قانون أو معيار تنفق وتعطى؟
ـ هناك الصفقات الضخمة التي تخص أموال الأوقاف وعقاراتها، وتتم في ظروف وبطرق مريبة، أقل ما يقال عنها: إنها مثيرة للشكوك والتهم.
ـ وهناك الشيكات والأظرفة المالية التي تعطى بسخاء لبعض الطرق الصوفية والمؤتمرات الصوفية. نحن نعرف أن الصوفية دائما يعتزون بلقب "الفقراء" وبصفة "الزهاد"، فلماذا يعطَوْن مبالغَ غيرَ محددة من أموال الدولة أو من أموال الأوقاف؟! نحن نعرف أن سبحة الصوفي تَعُدُّ الأذكار والأوراد، فهل يريدون تحويلها إلى عَدِّ الأموال؟
ـ الرواتب والأجور..منذ سنين طويلة كنت أتذاكر مع أحد العلماء الفضلاء ـ وكان يومها عضوا بالمجلس العلمي الأعلى ـ، فقال لي بعفوية وبراءة: أنا لا أدري لماذا يعطوننا هذه الرواتب ونحن تقريبا لا نفعل شيئا. فقلت: أظن أن ذلك إنما هو بالدرجة الأولى لكي لا تفعلوا شيئا، ولكي تسكتوا وتدخلوا "سوق رأسكم". لكن فقط يجب عليكم أن تقولوا: العام زين من الناحية الدينية، وأن تؤصلوا هذه النظرية وتشرحوها فوق المنابر.
ـ ولا بد لنا كذلك من التساؤل حول ما تمنحه الأوقاف والدولة عموما من أموال للحج والعمرة، لأناس سبق أن حجوا واعتمروا، ولأناس أثرياء... أليس هذا من "المال السياسي"؟...إذا أرادوا أن يعطوا لطائفة "المؤلفة قلوبهم"، فليعلنوا أولا أن عندنا طائفة المؤلفة قلوبهم، وأننا سنعطيهم كذا وكذا، وليس ذلك من أموال الأوقاف على كل حال. مع العلم أن سهم "المؤلفة قلوبهم" قد انتهى العمل به في الإسلام، منذ عهد الخليفة عمر رضي الله عنه.
وآخر تقليعة للفساد المالي في الشؤون الدينية، هو المحاباة والمتاجرة في منح تأشيرات الحج والعمرة. ولو قمتم بتحقيقات صحفية في هذا الموضوع لكشفتم مشكورين عن فضائح منتنة تزكم الأنوف.
الريع الديني بالمغرب .. عندما يشترون بكلام الله ثمنا قليلا
هسبريس ـ حسن الأشرف
الريع ذلك الغول المخيف القابع في أدراج المؤسسات وبين أوراق الأرشيف، الريع ذلك المجهول الذي يخشاه الجميع، والذي ألصقت به التهم، فهو المسؤول عن التخلف والتنمية المعاقة، وهو الأصل في الفساد السائد في البلاد، يغتال حرية المنافسة، ويدفع المستفيدين منه إلى الإثراء غير المشروع والتكسب من فقر وجهل الآخرين.ما إن تقلدت الحكومة "نصف الملتحية" مسؤولية تدبير الشأن العام حتى انطلقت شعارات مدوية تهم محاربة اقتصاد الريع، وتنامت محاولات الكشف عن الريع الذي نخر العديد من القطاعات.
الريع أنواع
بالمغرب ظهر الريع في البر والبحر، ويندر أن تجد قطاعا لم يخترقه الريع ووحوشه، خاصة في مجالات توزيع مئات الرخص من أجل استغلال "كريمات" النقل، أو مقالع الرمال واستغلال المناجم، ورخص محلات الخمور، أو رخص الصيد في أعالي البحار.. لكن قليلين جدا من انتبهوا إلى ريع من نوع آخر..ريع خطير يجعل الروحي مصدرا للربح، يرتبط بمجال خاص وشائك هو مجال الدين..إنه الريع الديني.
كل صحفي أراد فتح ملف الريع الديني والإطلاع على بعض خباياه وأسراره سيجد أمامه الكثير من العقبات والغموض، والسبب في ذلك يعود إلى أمرين اثنين، الأول اصطدامه بستار حديدي من الصد، وعدم الرد على الأسئلة المشروعة التي تُطرح بهذا الشأن، والثاني ندرة ـ إن لم نقل انعدام ـ المعطيات والإحصائيات المرتبطة بهذا الملف، إذ غالبا ما تتم مواجهة كل باحث عن تفاصيل هذا الريع بلافتة "إمارة المؤمنين" بهدف ترهيب المزعجين والمتطفلين، مادام الملك هو أكبر سلطة دينية في البلاد وفق الدستور.
الدكتور عبد العالي مجدوب، المختص في الشأن الديني بالمغرب، يُعرف في حديث مع " هسبريس" الريع بأنه هو "الغَلّة" أو "الدخل" أو "الراتب" المضمون لزمن طويل، من غير أن يكون من المستفيد مقابلٌ من عملٍ أو جهد أو إنتاج مُعتَبر في ميزان الاقتصاد الحقيقي.
واسترسل مجدوب بأن هذا الريع ظهر واستفحل في ظل الدولة المخزنية الحديثة، التي كانت يدها دائما مطلقة في التصرف في الملك العمومي والثروات الوطنية من غير حسيب ولا رقيب، وهكذا كانت هذه الدولةُ تعطي الرخص والمأذونيات خارجَ أيّ قانون إلا الهوى والمزاجَ، اللذين يلازمان الاستبداد في كل زمان ومكان".
واعتبر مجدوب الريع الديني بأنه من هذا الريع الخفيِّ أو المُقنَّع، وإن كنا نعرف، بصورة عامة، أن هناك في هذا المجال "غلة" و"استفادة"، وأن هناك "مستغِلا" و"مستفيدا" من غير أن يكون من هذا الأخير عملٌ يستحق من أجله أن يربح ما يربَحه.
وخلص مجدوب إلى أنه للحديث عن "الريع الديني" لا بد من توافر أركان الريع الثلاثة بشكل لا لَبْس فيه، وهذه الأركان هي أولا، الفائدة أو الغلة أو المدخول القار والمضمون، وثانيا المستفيدُ من غير مقابل معقول، وثالثا: السلطةُ الآمرة أو المرخصة بالاستغلال والاستفادة.
الريع عبر المناصب
أولى مظاهر الريع الديني التي نقبت عنها " هسبريس"، بعد طول بحث عن بعض تجليات هذا الصنف من الريع "المقدس"، تتجسد فيما تختزنه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من خبايا "ريعية" مهولة، كان من الصعب أن يتم اكتشافها أول وهلة.
مصدر مطلع من داخل الوزارة أفاد، في حديث لـ" هسبريس"، بأن المناصب التي وزعت داخل الوزارة وتقاسمها بعض المستفيدين، يمكن تسجيلها ضمن "منجزات" الريع الديني في خرق سافر للقانون، المصدر ذاته، الذي طلب عدم ذكر اسمه، قدم مثالا ماديا على ما يقول، مستدلا بأن مسؤولا كبيرا في وزارة الأوقاف حصل منذ فترة على "فيلا" صارت في ملكيته في منطقة حسان بالعاصمة الرباط، وذلك مقابل ثمن زهيد لا يرقى إلى قيمة الفيلا وسعرها الحقيقي في سوق العقار بالبلاد.
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وفق المتحدث نفسه، صارت "مُغرَقة" بالموظفين والمستخدمين الذين يسقطون عبر "المظلة" من فوق، حتى باتت الوزارة معروفة ـ عند أهل الدار ـ بكون محور "الراشيدية ـ بني ملال" يهيمن عليها بقوة، السبب يعود إلى وجود شخصيات قوية من هذه المنطقة.
حالة أخرى، كشف عنها مصدرنا على أنها نموذج فاضح للريع الديني، تتجسد في جمع العديد من العلماء والفقهاء بين عدد من المناصب المعوض عنها، أمثلة كثيرة قد يصل مجموع رواتبها في الشهر إلى مائة ألف درهم.
ومن بين هؤلاء، أحد العلماء المبرزين، الذي جمع من المناصب الكبيرة ما يقدر براتب شهري يصل إلى 60 ألف درهم، فضلا عن كونه كان يُدرّس قبل سنتين لطلبة المعهد الملكي للإدارة الترابية "القُيّاد" مادة الحضارة الإسلامية، وهو أيضا أستاذ بمعهد تكوين الأئمة والمُرشدات، وعضو دائم في لجنة الامتحانات بهذا المعهد، يتلقى تعويضا يوميا عن إشرافه على تصحيح الامتحانات، علاوة على كونه يحصل تعويضا شهريا بقيمة 4 آلاف درهم عن كرسي السُّنة رغم عدم حضوره للكرسي، بالإضافة إلى عضويته في لجنة إصلاح القضاء التي عين الملك أعضاءها في مايو 2012.
ولا تتوقف امتيازات عالمنا الجليل التي يحصل عليها بفضل "مناصبه الدينية" المختلفة عند هذا الحد، بل تنضاف إليه التعويضات المالية التي تأتيه عن كل سفرية له إلى خارج الوطن، دون احتساب سيارتيْ الدولة اللتين توجدان تحت تصرفه، وهما معا تشتغلان بالبنزين، ما يعني تكاليف مالية باهظة تُحسب على مالية الأوقاف" يقول مصدر " هسبريس".
أصحاب المناصب الدينية ليسو كلهم بهذا "الحرص" على الجمع بين المناصب والمهام والأموال، بل هناك من يرفض تلقي تعويضات مالية حتى عما يقوم به من عمل، من قبيل الدكتور مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي لوجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى الذي ـ تؤكد مصادر من داخل القناة ـ أنه امتنع عن أخذ تعويضات مالية من قناة "دوزيم" مقابل مشاركته في البرنامج الديني الذي بثته القناة خلال رمضان الفائت.
وزارة الصندوقين
ويتجاوز الريع الديني مثل هذه الامتيازات الوظيفية التي تُصرف فيها أموال الأوقاف الإسلامية دون حسيب ولا رقيب، باعتبار أن ما يميز ميزانية الوزارة دون سواها من الوزارات ومؤسسات الدولة كونها تضم ميزانيتين اثنتين، الأولى ميزانية عامة والثانية ميزانية خاصة، وهذه الأخيرة منها يتم صرف التعويضات المالية بقطاع تدبير الحقل الديني دون مراقبة شفافة من أية جهة.
المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف العامة، الذي أنشئ بظهير ملكي في يونيو 2010 من أجل أن يراقب طرق وآليات صرف أموال وممتلكات الأوقاف، لم يشرع في عمله على أرض الواقع إلى حدود اليوم رغم استكمال قوانينه التنظيمية الداخلية منذ مدة، بل حتى إنه لم تتم خلافة الراحل أحمد رمزي رئيس المجلس الذي توفي في دجنبر 2012، بمعنى أن طيلة سنة ونيف يشتغل المجلس الأعلى لمراقبة مالية الأوقاف دون رئيس له.
وفي هذا السياق تتحدث عدة أصوات عن عرقلة جهات نافذة تستفيد من الريع الديني لعمل هذا المجلس حتى لا يقوم بعمله كما ينبغي، ومن هذه الجهات مسؤولون ذوو نفوذ تصلهم مبالغ مالية بشكل شهري لقاء كراء المحلات التجارية والأراضي الفلاحية والعمارات التابعة للأحباس التي تدر على مالية الأوقاف ملايين الدراهم.
ولهذه الأسباب يُفهم لماذا لم يقم المجلس الأعلى للحسابات أبدا من قبل بافتحاص مالية الأوقاف التي تتكون مداخيلها الهائلة من أموال العقارات والمقالع والأراضي الفلاحية الوقفية، كما يُفهم أيضا تقاعس المفتشية العامة لوزارة المالية عن القيام بافتحاص لمالية الأوقاف.
ولابد من الإشارة إلى أنه من مظاهر الريع الديني المهيمن أيضا على دواليب الوزارة الوصية ما يقع من وساطات وتدخلات لإرسال الأقارب والأصهار، ضمن وفود الأئمة والمرشدين لتأطير الجاليات المغربية في الخارج خاصة في شهر رمضان، وذلك لما تشكله هذه السفريات من إغراءات مادية كبيرة تمنح من لدن الوزارة، كما تُقدم من طرف أبناء الجالية أنفسهم من باب التشجيع والتكريم.
وأكد مصدر مطلع لـ" هسبريس" بأن الريع الديني يظهر كذلك من خلال ما تمنحه الدولة من أعطيات وهبات مالية للزوايا والطرق الصوفية في البلاد، خاصة تلك التي تحظى بإشعاع وإقبال كبير من طرف مريديها داخل البلاد وخارجها.
الزوايا التنين الذي لا يشبع
عبد العالي مجدوب، القيادي السابق في جماعة العدل والإحسان، يرى أنه لا توجد معلومات واضحة ومُوثقة بالمعطيات والأرقام حول الكيفية التي تجري بها الأمور فيما يخص إدارةَ الزوايا الصوفية، ولا الكيفية التي يشتغل بها مستخدموها، موظَّفون دائمون أو مُستخدَمون مؤقتون أو متطوعون، إلى آخر ما هنالك من جزئيات وتفصيلات لا نعرف عنها إلا ما يرويه الناس وما نسمعه عن تجارب من هنا وهناك.
وأردف المتحدث بأن "عالم الزوايا والمواسم وما يدور في فلكهما عالمٌ غامض من الناحية الإدارية والمالية والقانونية"، مضيفا بأن "للدولة المخزنية يد في وجود هذا الغموض واستمراره، وذلك لما تجنيه من مصالح من ولاءِ الزوايا وتبعيتها".
واسترسل بأن الهدايا والهبات والتبرعات، فيما يتعلق بالزوايا والمواسم، هو الآخر غامض، لأننا لا نعرف أن هناك قانونا يلزم هذه "التنظيمات" الدينية التقليدية بأن تنشر كشوفا بأنشطتها المالية، توضح أنواع مداخيلها وأوجه مصاريفها، وغيرَ ذلك مما تتطلبه الشفافية المالية التي يفرضها القانون على مختلف المؤسسات والتنظيمات.
"كيف يتم التصرف في الأموال التي تدخل صناديق الزوايا، وخاصة الزوايا الكبرى، كالزاوية البودشيشية؟ وكيف يتم تحديدُ أجور موظفي هذه التنظيمات؟ ومن يحدد هذه الأجور؟ ومن يمسك الوثائق والحسابات؟ هذه الأسئلة وأمثالُها هي التي تجعلني أرى الريع في هذه المؤسسات الدينية ريعا مختلَّ الأركان، غيرَ واضح بسبب الغموض الذي يطبع عملَ هذه الزوايا وما يتبعها من مواسم وملتقيات واحتفالات دورية" يورد مجدوب.
وانتهى مجدوب إلى أن "الدولة المخزنية توجد على رأس المستفيدين من هذه الزوايا والمواسم وما يتعلق بها من أنشطة متنوعة"، مشيرا إلى أن "استفادة الدولة يعني لزوما أن هناك داخل هذه الزوايا الصوفية مستفيدين من الدولة، من سلطانها ومالها ورعايتها وضمانها".
الريع في المنطقة المظلمة
وقد يتساءل كثيرون إذا كان للريع الديني كل هذه الوجوه والظلال الكثيفة والغامضة أحيانا كثيرة، فلماذا لم تُشر إليه الأصابع بقوة، كما يقع مع الريع في الاقتصاد ورخص النقل ومقالع الرمال والرخام ورخص الصيد البحري؟..
محمد المسكاوي، رئيس الشبكة المغربية لحماية المال العام، يجيب بأنه سبق للشبكة أن طالبت في العديد من المرات بضرورة إخضاع أموال الأوقاف وأراضي الأحباس للافتحاص، في أفق إنشاء وكالة لتدبير جميع أراضي الدولة بمختلف أنواعها، تكون تابعة لمؤسسة رئيس الحكومة.
وقال المسكاوي لـ" هسبريس" بأن لا أحد يجادل كون اقتصاد الريع بالمغرب شمل جميع مناحي الحياة الاقتصادية والسياسية وحتى الدينية، باعتبار أن هاجس شراء النخب والذمم كان مسيطرا على أجهزة المخزن بكل تجلياته، فقد تم على المستوى الديني توفير خزان احتياطي كبير من أراضي الأحباس التي كانت تحت تصرف وزارة الأوقاف.
ولفت المتحدث إلى أن "هذه الأراضي تضم العديد من العقارات التي تدر أموالا طائلة، والتي لا تخضع للمراقبة والمحاسبة، في الوقت الذي نشاهد فيه احتجاجات الأئمة والقيمين الدينين على ظروفهم الاجتماعية".
ومن جهة أخرى، يتابع المتحدث، تجب الإشارة إلى جانب الزوايا الدينية وما يُغدق عليها من أموال، وكان من الصعب خلخلة هذه البنية نظرا لمركزيتها بالنسبة للمخزن السياسي والاقتصادي، علما أن مجموعة من الزوايا قد لعبت أدورا مهمة أثناء الاستعمار، لكن تم تحويل أدوارها بعد ذلك.
ويشرح المسكاوي بأنه كان باستطاعة الزوايا، بعد الاستقلال، المساهمة في نشر الوعي والتعليم التقليدي إلى حين استكمال البنية الإدارية للدولة، لكنها اتجهت معظمها إلى المواسم والولائم والممارسات البعيدة عن الدين، وكانت تستفيد من أموال مهمة من مالية الجماعات المحلية وبعض المؤسسات العمومية دون حسيب أو رقيب".
وخلص الناشط الحقوقي إلى أن محاربة منظومة الفساد بالمغرب من بين مظاهرها الريع الديني من خلال قوانين تضبط طرق الصرف، وإخضاع مالية الأوقاف إلى المراقبة والمحاسبة"، داعيا الزوايا الصوفية أن تكون قدوة في مجال حماية المال العام، انطلاقا من الثقافة الدينية التي تحث على الأمانة في صرف الأموال.
الدكتور أحمد الريسوني: الصناديق السوداء والزوايا الظلماء
لقد سرني أن تعمد هسبريس إلى فتح وطرق باب هذا الملف الشائك..
منذ القديم عُرف فقهاء المذهب المالكي بتشددهم المبالَغِ فيه فيما يخص تدبير أموال الأوقاف والتصرف فيها، وذلك وفقا لقاعدة المذهب المعروفة "سد الذرائع". وكانوا يعللون تشديداتهم بأنهم يحتاطون للأوقاف من أن تتعرض للاستغلال والتلاعب، خاصة من طرف الولاة والنظار وغيرهم من المتنفذين.
ونحن اليوم في دولة حديثة ترفع شعار "دولة القانون" و"دولة المؤسسات"، وفي ظل دستور أقر حق المواطنين في الحصول والإطلاع على المعلومات المتعلقة بتدبير الشؤون العامة، كما أننا في ظل حكومة أكثر ما تردده وتتغنى به هو الحكامة الجيدة ومحاربة الفساد والريع...ومع ذلك فما يزال المغرب يعج بالصناديق السوداء والزوايا الظلماء، والمناطق المحرمة المكتوب عليها "ممنوع الاقتراب ـ خطر الموت".
إن الأموال الوقفية ليست فقط مثل غيرها من أموال الأمة، من حيث ضرورة إخضاعها للمراقبة الصارمة والمشروعية التامة، في إدارتها وإنفاقها، بل هي أولى بذلك من غيرها، بل الجدير بها أن تكون نموذجا يحتذى في الشفافية والسلامة والبعد عن الشبهات.
لكن للأسف نجد أن ما يحيط بهذا المجال من تعتيم وتكتم وريبة وعلامات استفهام وتعجب، هو أضعاف ما يحيط بغيره من أموال الدولة والمجتمع. وهذا ما جعل كثيرا من الناس يحجمون عن تحبيس أموالهم أو عن تسليمها للجهات الوصية.
لقد أصبح من آكد الواجبات وأكثرها استعجالا فتح التحقيقات وتسليط الأضواء الكاشفة على كل أموال الأوقاف ومداخيلها ومصاريفها، ليعرف الجميع كيف تدار وأين تنفق ولمن تعطى، وبأي قانون أو معيار تنفق وتعطى؟
ـ هناك الصفقات الضخمة التي تخص أموال الأوقاف وعقاراتها، وتتم في ظروف وبطرق مريبة، أقل ما يقال عنها: إنها مثيرة للشكوك والتهم.
ـ وهناك الشيكات والأظرفة المالية التي تعطى بسخاء لبعض الطرق الصوفية والمؤتمرات الصوفية. نحن نعرف أن الصوفية دائما يعتزون بلقب "الفقراء" وبصفة "الزهاد"، فلماذا يعطَوْن مبالغَ غيرَ محددة من أموال الدولة أو من أموال الأوقاف؟! نحن نعرف أن سبحة الصوفي تَعُدُّ الأذكار والأوراد، فهل يريدون تحويلها إلى عَدِّ الأموال؟
ـ الرواتب والأجور..منذ سنين طويلة كنت أتذاكر مع أحد العلماء الفضلاء ـ وكان يومها عضوا بالمجلس العلمي الأعلى ـ، فقال لي بعفوية وبراءة: أنا لا أدري لماذا يعطوننا هذه الرواتب ونحن تقريبا لا نفعل شيئا. فقلت: أظن أن ذلك إنما هو بالدرجة الأولى لكي لا تفعلوا شيئا، ولكي تسكتوا وتدخلوا "سوق رأسكم". لكن فقط يجب عليكم أن تقولوا: العام زين من الناحية الدينية، وأن تؤصلوا هذه النظرية وتشرحوها فوق المنابر.
ـ ولا بد لنا كذلك من التساؤل حول ما تمنحه الأوقاف والدولة عموما من أموال للحج والعمرة، لأناس سبق أن حجوا واعتمروا، ولأناس أثرياء... أليس هذا من "المال السياسي"؟...إذا أرادوا أن يعطوا لطائفة "المؤلفة قلوبهم"، فليعلنوا أولا أن عندنا طائفة المؤلفة قلوبهم، وأننا سنعطيهم كذا وكذا، وليس ذلك من أموال الأوقاف على كل حال. مع العلم أن سهم "المؤلفة قلوبهم" قد انتهى العمل به في الإسلام، منذ عهد الخليفة عمر رضي الله عنه.
وآخر تقليعة للفساد المالي في الشؤون الدينية، هو المحاباة والمتاجرة في منح تأشيرات الحج والعمرة. ولو قمتم بتحقيقات صحفية في هذا الموضوع لكشفتم مشكورين عن فضائح منتنة تزكم الأنوف.
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
رد: أنواع الريع في المغرب الحديث.
ما هو الاقتصاد الريعي؟
يقوم اقتصاد الريع على أساس منح الامتيازات والخدمات وفرص العمل لصالح فئة معيّنة من دون مراعاة أي اعتبارات ترتبط بالمنافسة والكفاءة الاقتصادية. وتكمن خطورة الريع، مقارنةً بالفساد أو سوء استخدام المال العام، في أنه يكتسب طابعاً "قانونياً" إذ أن الأحكام التي ترعاه عادة ما تكون مكرّسةً في القوانين والمراسيم.يأخذ الريع أشكالاً عدة، منها ما هو واضح جداً للعيان. هذه هي حال الموافقات والأذونات الممنوحة لشركات النقل العام أو لتشغيل المرامل التي كانت مؤخراً موضوع جدل كبير في المغرب. ومع ذلك، فإن أكثر أشكال الممارسات الريعية شيوعاً ليست بالضرورة الأكثر إشكالية أو الأكبر كلفةً بالنسبة إلى المجتمعات المحلية.
باحث رئيسي غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط
المزيد من إصدارات الباحث
- تقييم السياسات يُعتبر حلقة مفقودة في العالم العربي
- النمو في المنطقة لا يقلّص البطالة
- التنافسية عربياً ... وفي كوريا الجنوبية
- أسباب التهرّب الضريبي في البلدان العربية
يُستخدَم العديد من السياسات العامة بهدف توجيه المنافع الريعية إلى فئات محددة. هذا ما كانت عليه الحال فيما مضى مع سياسة المغربة، ومنح تراخيص الاستيراد أو الحماية التجارية لبعض المنتجات من دون غيرها، أو حتى إعطاء القروض المدعومة لقطاعات معينة. وهذا ما يُترجم نفسه اليوم من خلال الإعفاءات الضريبية الجزئية أو الكلية التي تستفيد منها بعض الأنشطة أو بعض المناطق. هذه أيضاً هي حال بعض المساعدات الحكومية النقدية أو العينية، من قبيل توفير دعم حقيقي لبعض المشاريع الخاصة في قطاع الصناعة أو الزراعة أو السياحة ضمن سياسات ما يُسمّى بتشجيع الاستثمار.
فالدولة، على سبيل المثال، تنازلت في العام 2011 وحده عن 32 مليار درهم (أي ما يُعادل 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي)، من خلال تقديم إعفاءات ضريبية لعدد من القطاعات، بما في ذلك أنشطة تطوير العقار و الزراعة الرأسمالية التي تدرّ على أصحابها أرباحاً مهمة. ولا تزال الدولة تقدم عشرات المليارات من الدراهم المقتطعة من الموازنة العامة في نطاق المساعدات المباشرة إلى مشاريع خاصة. بيد أنه لم يُجرَ أيُّ تقييم جدّي لفاعلية آليات الدعم تلك، ولم تُنشَر يوماً أيُّ قائمة بالمستفيدين من هذه الامتيازات.
لكن الممارسات الريعية لا تترتّب دائماً عن تدخّل الدولة، بل يمكن أيضاً أن تنجم عن عدم تدخّلها، كما هي الحال على سبيل المثال عندما تتغاضى الدولة عن تشكيل تكتلات اقتصادية تهدف إلى عرقلة آليات المنافسة عن طريق الاتفاق حول مستوى الأسعار أو تحديد كميات الإنتاج، أو قيام مؤسسة تهيمن على السوق بإخضاع مموّنيها أو زبائنها إلى ﺸﺮوط تجارية مجحفة. وتبلغ التكلفة على المجتمع، الناجمة عن تلكّؤ الدولة في أداء مهامها في متابعة السير العادي للأسواق وعدم وجود سلطة فعلية لتنظيم المنافسة، مليارات الدراهم.
ما الذي يفسر انتشار الاقتصاد الريعي؟
تُعَدّ الممارسات الريعية في البلدان النامية، مثل المغرب، جزءاً من النظام السياسي والاقتصادي، وتشكل المصدر الأساسي لاكتساب صفة الشرعية. وقد تأسس هذا النظام تاريخياً على عقد ضمني أو صريح تمنح السلطةُ السياسيةُ بموجبه المنفعةَ الريعيةَ لمجموعة من الأشخاص أو الفئات، مقابل ولائها ودعمها السياسي. وقد تطورت آليات توزيع الريع واختلفت أشكالها مع مرور الوقت، إلا أن الغرض منها ومفاعيلها لم يتغيّرا.كلّما تقدّمت دولةٌ على طريق الديمقراطية وأصبحت السلطة السياسية فيها مُلزَمة بتبرير سياساتها وخاضعة إلى المساءلة والمحاسبة، مالت بنيةُ الامتيازات والتقديمات الريعية غير المبرّرة إلى الانهيار. وحدُها المساعدات والتحويلات التي يعتبرها المجتمع مشروعة في إطار منظومة معيّنة للتضامن الاجتماعي، يمكن أن تحظى بالقبول. إلا أن هذه التحويلات في حدّ ذاتها توَزَّع بشفافية وتخضع إلى تقييم صارم. حتى التحويلات التي يتّفق المجتمع على مشروعيتها بادئ الأمر يمكن أن تولّد سلوكاً غير سويّ. وهذه هي حال إعانات البطالة مثلاً التي تقدّمها بعض الدول لمساعدة الأفراد العاطلين عن العمل، والتي تحثّ بعضهم على التلكؤ عن السعي الجدي إلى إيجاد عمل وتجعلهم عالةً على فئات الموظفين الذين يساهمون في تمويل نظام إعانات البطالة.
كيف تؤذي الممارسات الريعية الاقتصاد وتماسُك النسيج الاجتماعي؟
في اقتصادٍ تهيمن عليه الممارسات الريعية، غالباً ما ينزع أصحاب الشأن إلى الانحراف والفساد. فتلقاهم يهدرون وقتهم وأموالهم سعياً وراء المنافع الريعية والاستفادة منها. ويبتعد المستثمرون عن الأنشطة الخاضعة إلى قواعد المنافسة التي تتطلب جهود ابتكار وإنتاجية، مؤثِرين عليها الأنشطة التي توفر الوصول إلى فرص الربح الريعي. وهم غالباً ما يكونون على استعداد لانتهاك القواعد واللوائح أو اللجوء إلى الفساد لاستحداث ربح ريعي أو الحفاظ عليه أو الاستفادة منه.إن انتشار الاقتصاد الريعي يقوّض على نحو خطير تماسُكَ النسيج الاجتماعي. فالأفراد يمكن أن يقبلوا برحابة صدر أن يغتني البعض على أساس الجهد والجدارة، غير أنهم يكونون أقلّ تسامحاً بكثير حيال أولئك الذين ينجحون من خلال التلاعب بالقواعد والتحايل عليها وعبر استغلال امتيازات تُمنَح لهم حصرياً.
وتتطلب مكافحة آليات الممارسات الريعية ووضع حدّ للاختلاس تحت غطاء الشرعية للأموال العامة، منظوراً شمولياً وجهوداً حثيثة. ولن تكون هذه المهمة سهلةً، ولاسيما أنه يتعيّن على الجهات الراغبة في الإصلاح أن تواجه مقاومة جبهة عتيدة من أولئك الذين يريدون حماية "المكتسبات" الريعية التي يستفيدون منها والإبقاء على وضعهم الراهن على ما هو عليه.
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
مواضيع مماثلة
» من تاريخ المغرب الحديث...............
» الحديث المنكر عند نقاد الحديث دراسة نظرية وتطبيقية
» المستفيدون من الريع النقابي قريبا اللائحة ؟
» من الاسرائيليات فى الحديث......
» البخاري....أمير أهل الحديث
» الحديث المنكر عند نقاد الحديث دراسة نظرية وتطبيقية
» المستفيدون من الريع النقابي قريبا اللائحة ؟
» من الاسرائيليات فى الحديث......
» البخاري....أمير أهل الحديث
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى