هل مهدت "الوهابية" الطريق لصعود فكر "داعش" التكفيري؟
صفحة 1 من اصل 1
هل مهدت "الوهابية" الطريق لصعود فكر "داعش" التكفيري؟
هل مهدت "الوهابية" الطريق لصعود فكر "داعش" التكفيري؟
البحث عن جذور فكر "داعش" في التاريخ الإسلامي
هل مهدت "الوهابية" الطريق لصعود فكر "داعش" التكفيري؟
يرصد الكاتب والمحلل علي أنوزلا مراحل التطور التاريخي للفكر "الداعشي" في أوساط الشباب المتدين الذي تبنى العنف داخل بلدانه لتحقيق قناعاته والذين شكلوا مقاتلي تنظيم "القاعدة"، ويشكلون اليوم إحدى أذرع جيش "داعش" وحطب حربها داخل العراق وسوريا، يغذيهم حلمهم بإعادة حكم الخلافة إلى بلاد العرب، وإقامة دولة الإسلام على الأرض بقوة الحديد والنار.
ينظر اليوم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، على اعتباره من أكثر التنظيمات عنفاً في تاريخ الحركات الإسلامية، التي تتبنى الفكر السلفي الجهادي التكفيري، بما فيها حتى التنظيم الأم الذي خرج منه، أي تنظيم "القاعدة" الذي انتمى إليه أبو مصعب الزرقاوي، الأب الشرعي لهذا التنظيم المتطرف. وتعتمد قوة هذا التنظيم على أساس الاستقطاب الطائفي قبل الإيديولوجي. ويعتمد خطابا دينيا متعصبا موجها إلى طائفة بعينها هي طائفة السنة. كما يتبنى العنف والإرهاب كنهج لتحقيق أهدافه.
بداية التأسيس
التاريخ القريب لهذا التنظيم يبدأ في عام 2003 مع الأردني أبو مصعب الزرقاوي، عندما أسس "جماعة التوحيد والجهاد" في العراق، وأعلن مبايعته لأسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" آنذاك. ويمكن اعتبار "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" الذي كان يتزعمه الزرقاوي بمثابة النواة الأولى لـ "داعش"، حيث كان يستقطب أتباعه من طائفة السنة داخل العراق ومن دول أخرى.
وفي عام 2006م حاول الزرقاوي تجميع الجماعات الإسلامية المقاتلة تحت تنظيم "مجلس شورى المجاهدين"، بزعامة أبي عمر عبد الله رشيد البغدادي، لكن هذا المجلس لن يعمر أقل من عشرة أشهر، إذ تم حله في نفس السنة بعد مقتل الزرقاوي، ليحل محله أبو حمزة المهاجر على رأس تنظيم القاعدة في العراق، لكن أبي عمر البغدادي لن يبايعه وسيؤسس"دولة العراق الإسلامية". وفي عام 2010 قتل أبي عمر البغدادي لتتم مبايعة أبي بكر البغدادي أميرا للتنظيم الجديد.
التاريخ القريب لتنظيم "الدولة الإسلامية" يبدأ في عام 2003 مع الأردني أبو مصعب الزرقاوي، عندما أسس "جماعة التوحيد والجهاد" في العراق، وأعلن مبايعته لأسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" آنذاك. ويمكن اعتبار "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" الذي كان يتزعمه الزرقاوي بمثابة النواة الأولى لـ "داعش".
ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، سيجد هذا التنظيم في بلادها مرتعا له للتمدد غربا معلنا حربه المقدسة ضد "النظام النصيري السوري". وفي العام 2012 سيعلن التنظيم بسط نفوذ دولته في الشام والحرب ضد الحركات الجهادية الأخرى المنافسة له خاصة "جبهة النصرة"، وسيٌسقط زعيمه بيعته لتنظيم "القاعدة". وفي عام 2013 أعلن البغدادي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" التي سيتم تلخيصها في كلمة: "داعش".
ورغم تقاسمهما لنفس المرجعية الأيديولوجية المتطرفة، إلا أن تنظيم "النصرة" يتهم مقاتلي "داعش" بالتشدد في تطبيق الشريعة، وقد تحولت خلافاتهما إلى حرب طاحنة بينهما. ولم يستثن تعصب "داعش"، حتى حلفائها الموضوعيين في الأزمة السورية مثل "الجيش السوري الحري" الذي كفره التنظيم واتهمه بالارتداد عن الدين الإسلامي.
جذور فكر "داعش" التكفيري والجهادي
هناك من يعيد جذور هذا الفكر السلفي الجهادي إلى أول خلاف في فجر الإسلام بين علي ابن أبي طالب ومعاوية ابن سفيان، بعد قضية التحكيم بينهما والتي كان من نتائجها انتهاء عهد الخلافة، وتأسيس أول نظام ملكي وراثي في الإسلام في في النصف الأول من القرن الهجري، وكان من نتائج ذلك التحكيم ظهور رافضين له، سموا بـ "الخوارج".
لكن إذا ما سلمنا بأن "الخوارج" هم من أسسوا لأول فكر متشدد في تاريخ الإسلام، إلا أن فكرهم كان ينطلق من موقف سياسي معارض للتحكيم، الذي اعتمد للحسم في الخلاف بين علي ومعاوية وبموجبه انتقل الحكم من زمن الخلافة إلى زمن الحكم عن طريق الثوريت. وسيذهب الخوارج إلى حد تكفير خليفتهم علي إبن أبي طالب، بعد واقعة "التحكيم" ولم يعترفوا بحكم معاوية، وسيتبنون وجوب الثورة على أئمة الجور والفسق والضعف، أي الأئمة الذين يبررون نتائج التحكيم سواء بتبريره أو بقبوله كأمر واقع أو بالخنوع له.
هذا النوع من التفكير التكفيري سيجد من يؤسس له فقهيا. وسيتجسد بجلاء في المذهب الفقهي لأحمد بن حنبل (780-855م)، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. ويقوم هذا المذهب الذي يعتبر من أكثر المذاهب السنية محافظة، على الاعتماد على النص والابتعاد عن الاجتهاد والتأويل واضعا بذلك البنيات الأولى لتأسيس الفكر التكفيري، رغم أن مؤسس هذا المذهب تورع في حياته عن تكفير من كان يحالفه من فرق أخرى كالشيعة والمرجئة والخوارج والمعتزلة.
علي أنوزلا: رغم مرور كل هذه القرون مازال فكر هذا الفقيه أحمد ابن تيمية (661–728م) وفتاويه مثارا للجدل بين جمهور فقهاء الإسلام. فإذا كان أنصاره يعتبرونه مجددا أحيا الدين، فإن خصومه يصفون فكره بالغلو والتشدد، ويتهمونه بنشر الفكر المتطرف والإرهاب.
وفي القرن الثامن الميلادي سيواجه صاحب هذا المذهب فكر "المعتزلة"، الذين كانوا يقولون بخلق القرآن، وهو نفس الرأي الذي كان يتبناه خلفاء تلك الحقبة من التاريخ الإسلامي، وفرضوه على الفقهاء والقضاة، لكن ابن حنبل عارضهم فتعرض للسجن والتعذيب دون أن يثنيه ذلك عن مذهبه الذي صار له أتباع كثر من بعده.
ويعتقد دارسوا هذا المذهب أن المحنة التي تعرض لها مؤسسه هي التي أدت إلى تبلور وانتصار الاتجاه المتطرف داخل أهل السنة والجماعة في تاريخ الإسلام. لذلك ينظر إليه كثيرون على اعتباره المؤسس التاريخي للتوجه السلفي، الذي يعتبر اليوم مرجعا للحركات السلفية الجهادية، بما فيها حتى تلك التي لعبت دورا كبيرا في قيام الدولة السعودية أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
بداية التشدد الفكري
لكن هذا الفكر سيتخذ منحى متشدد، وسيتجسد في فتاوي فقيه عاش قبل سبعة قرون، هو أحمد ابن تيمية (661–728م) اتخذ منه مرجعا لتبرير تشدده وتطرفه. فرغم مرور كل هذه القرون مازال فكر هذا الفقيه وفتاويه مثارا للجدل بين جمهور فقهاء الإسلام. فإذا كان أنصاره يعتبرونه مجددا أحيا الدين، فإن خصومه يصفون فكره بالغلو والتشدد، ويتهمونه بنشر الفكر المتطرف والإرهاب.
ويعد إبن تيمية الذي يوصف بـ "شيخ الإسلام" صاحب تأثير كبير على "الصحوة الإسلامية" بتياراتها المختلفة، وخاصة التيار السلفي الجهادي الذي تعتبر تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" أحد نتاج هذا النوع من الفكر المتشدد الذي ينتصر للنص على حساب العقل.
فكر أحمد ابن تيمية سيجد من يحييه بعد ستة قرون من وفاته، إنها العقيدة "الوهابية" التي تشترك معه في الكثير من القواسم، بل ويعتبر أتباع هذا الفكر ابن تيمية الأب الروحي لهم. فـ "الوهابية" قامت على أساس أن المسلمين عاشوا ستة قرون في جهل وضياع منذ وفاة شيخ الإسلام، ابن تيمية، إلى أن ظهر محمد بن عبد الوهاب الذي يعتقد أتباعه أنه أحيا الدعوة وأعاد الناس إلى العقيدة الصحيحة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية يتبنى فكرة الجهاد كأسلوب لإعادة إقامة دولة الإسلام أو دولة الخلافة.
ما أشبه الليلة بالبارحة
من يعيد استقراء تاريخ بدايات انتشار "الوهابية" في بداية القرن التاسع عشر، سيكتشف الكثير من أوجه الشبه ما بين النهج العنيف الذي كانت تتبعه هذه الحركة بعد تحالفها مع آل سعود لفرض وجودها، وما بين العنف الذي يتبناه تنظيم "داعش" لفرض أفكاره وبسط نفوذه.
فما تشهده اليوم مدن العراق وسوريا من تدمير للمساجد والحسينيات الشيعية وللمزارات والقبور الصوفية، ومن محاكمات شرعية تقيم الحدود وتنفذ الإعدامات الجماعية العشوائية، نكاد نجد شبيها له في تاريخ حركة آل سعود المسنودة بالفكر الوهابي، ما بين عامي 1904 و 1925، حيث قاموا بتدمير مقابر أهل البيت، وصحابة الرسول محمد، واجتثوا المساجد وبيوت الأولياء، ودكوا القباب والمزارات.
تذكر كتب التاريخ أن حرب آل سعود، المسنودة شرعيا من طرف "الوهابية"، ذهب ضحيتها سبعة آلاف قتيل، وانتهت بإقامة المملكة السعودية التي تعهد ملوكها بتنبي الفكر الوهابي المتشدد كمذهب رسمي للدولة، يقوم على فرض تطبيق الشريعة واعتماد قوانينها الصارمة، وهو ما يقول اليوم تنظيم "داعش" إنه يسعى إلى الوصول إليه.
يروي أمين الريحاني في كتابه "تاريخ نجد الحديث وملحقاته" (ص: 28 و 29) أن الحادث الخطير في دعوة محمد عبد الوهاب هو قطعه لشجرة "الذيب" في منطقة الجبيلة، التي كان يتبرك بها الناس، فتبعه أنصاره في تدمير القباب وتحطيم القبور بما فيها قبور أصحاب النبي محمد. أما الحادث الثاني الأكثر خطورة حسب الريحاني، في دعوة مؤسس الوهابية، فكان هو رجم إمرأة اتهمت بالزنا في ساحة عمومية. يصف الريحاني: "رجمت الزانية! فسرى خبرها سير البرق في البوادي والحضر، ووقع وقع الصاعقة في القلوب الأثيمة والقلوب الطاهرة، فسكت أناس، وصاح آخرون".
ويذكر الريحاني أن أمير منطقة الإحساء كتب إلى الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ينذره ويدعوه إلى التراجع عن غيه، مما حمل الشيخ على الهجرة خوفا على حياته، فتلقفه أمير ذو طموح كبير هو محمد ابن سعود، أمير منطقة الدرعية آنذاك، فتعاهدا على عقد العهد الذي جمع بين عقيدة المصلح وسيادة الأمير. عهد "المذهب والسيف" الذي مازال يجمع بين الوهابيين وآل سعود إلى يوم الناس هذا ويجسده العلم الوطني السعودي الذي يجمع ما بين كلمة التوحيد وصورة السيف المسلول.
وتذكر كتب التاريخ أن حرب آل سعود، المسنودة شرعيا من طرف "الوهابية"، ذهب ضحيتها سبعة آلاف قتيل، وانتهت بإقامة المملكة السعودية التي تعهد ملوكها بتنبي الفكر الوهابي المتشدد كمذهب رسمي للدولة، يقوم على فرض تطبيق الشريعة واعتماد قوانينها الصارمة، وهو ما يقول اليوم تنظيم "داعش" إنه يسعى إلى الوصول إليه.
لكن مع مرور الوقت لم تكن علاقة آل سعود دائما على خير مع "الوهابية"، بحيث كانت تمر كثيرا بلحظات توتر أدت إلى ظهور تيارات فكرية من داخل الفكر الوهابي تعادي النظام السعودي وتدعو إلى مقاتلته. ولعل أبرز هذه التيارات هي تنظيم "القاعدة" الذي أسس أسامة بن لادن معلنا عودة التفكير الجهادي إلى أرض الإسلام.
عودة الفكر الجهادي
هذا النوع من الفكر التكفيري الجهادي سيجد مبررا له للعودة مجددا إلى أرض الإسلام كرد فعل هذه المرة على القمع الذي تعرضت له بعض الحركات الإسلامية في دول قمعية في مصر وسوريا في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع حرب أمريكا في أفغانستان سيتم تشجيع هذا الفكر رسميا من قبل أنظمة عربية وقفت إلى جانب أمريكا في حربها ضد الروس في أفغانستان قبل أن ينتقل نفس الفكر إلى العراق، وهذه المرة ضد أمريكا وبدعم من أنظمة عربية كانت تقف ضد التدخل الأمريكي في العراق.
وما بين حرب أفغانستان واحتلال العراق، سينتشر هذا الفكر في أوساط الشباب المتدين الذي سيتبنى العنف داخل بلدانه لتحقيق قناعاته. وأغلب هؤلاء الشباب هم الذين شكلوا مقاتلي تنظيم "القاعدة"، ويشكلون اليوم إحدى أذرع جيش "داعش" وحطب حربها داخل العراق وسوريا، يغذيهم حلمهم بإعادة حكم الخلافة إلى بلاد العرب، وإقامة دولة الإسلام على الأرض بقوة الحديد والنار.
علي أنوزلا
تحرير: لؤي المدهون
حقوق النشر: موقع قنطرة 2014
علي أنوزلا كاتب وصحفي من المغرب، مدير موقع "لكم. كوم" الذي منعته السلطات المغربية عام 2013، أسس ورأس تحرير عدة منابر صحفية ورقية. حاصل على جائزة "قادة من أجل الديمقراطية" 2013 من منظمة "بوميد" الأمريكية. اختارته منظمة "مراسلون بلا حدود" الفرنسية كأحد "أبطال الإعلام" في العالم عام 2014.
البحث عن جذور فكر "داعش" في التاريخ الإسلامي
هل مهدت "الوهابية" الطريق لصعود فكر "داعش" التكفيري؟
يرصد الكاتب والمحلل علي أنوزلا مراحل التطور التاريخي للفكر "الداعشي" في أوساط الشباب المتدين الذي تبنى العنف داخل بلدانه لتحقيق قناعاته والذين شكلوا مقاتلي تنظيم "القاعدة"، ويشكلون اليوم إحدى أذرع جيش "داعش" وحطب حربها داخل العراق وسوريا، يغذيهم حلمهم بإعادة حكم الخلافة إلى بلاد العرب، وإقامة دولة الإسلام على الأرض بقوة الحديد والنار.
ينظر اليوم إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، على اعتباره من أكثر التنظيمات عنفاً في تاريخ الحركات الإسلامية، التي تتبنى الفكر السلفي الجهادي التكفيري، بما فيها حتى التنظيم الأم الذي خرج منه، أي تنظيم "القاعدة" الذي انتمى إليه أبو مصعب الزرقاوي، الأب الشرعي لهذا التنظيم المتطرف. وتعتمد قوة هذا التنظيم على أساس الاستقطاب الطائفي قبل الإيديولوجي. ويعتمد خطابا دينيا متعصبا موجها إلى طائفة بعينها هي طائفة السنة. كما يتبنى العنف والإرهاب كنهج لتحقيق أهدافه.
بداية التأسيس
التاريخ القريب لهذا التنظيم يبدأ في عام 2003 مع الأردني أبو مصعب الزرقاوي، عندما أسس "جماعة التوحيد والجهاد" في العراق، وأعلن مبايعته لأسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" آنذاك. ويمكن اعتبار "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" الذي كان يتزعمه الزرقاوي بمثابة النواة الأولى لـ "داعش"، حيث كان يستقطب أتباعه من طائفة السنة داخل العراق ومن دول أخرى.
وفي عام 2006م حاول الزرقاوي تجميع الجماعات الإسلامية المقاتلة تحت تنظيم "مجلس شورى المجاهدين"، بزعامة أبي عمر عبد الله رشيد البغدادي، لكن هذا المجلس لن يعمر أقل من عشرة أشهر، إذ تم حله في نفس السنة بعد مقتل الزرقاوي، ليحل محله أبو حمزة المهاجر على رأس تنظيم القاعدة في العراق، لكن أبي عمر البغدادي لن يبايعه وسيؤسس"دولة العراق الإسلامية". وفي عام 2010 قتل أبي عمر البغدادي لتتم مبايعة أبي بكر البغدادي أميرا للتنظيم الجديد.
التاريخ القريب لتنظيم "الدولة الإسلامية" يبدأ في عام 2003 مع الأردني أبو مصعب الزرقاوي، عندما أسس "جماعة التوحيد والجهاد" في العراق، وأعلن مبايعته لأسامة بن لادن زعيم تنظيم "القاعدة" آنذاك. ويمكن اعتبار "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" الذي كان يتزعمه الزرقاوي بمثابة النواة الأولى لـ "داعش".
ومع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، سيجد هذا التنظيم في بلادها مرتعا له للتمدد غربا معلنا حربه المقدسة ضد "النظام النصيري السوري". وفي العام 2012 سيعلن التنظيم بسط نفوذ دولته في الشام والحرب ضد الحركات الجهادية الأخرى المنافسة له خاصة "جبهة النصرة"، وسيٌسقط زعيمه بيعته لتنظيم "القاعدة". وفي عام 2013 أعلن البغدادي "الدولة الإسلامية في العراق والشام" التي سيتم تلخيصها في كلمة: "داعش".
ورغم تقاسمهما لنفس المرجعية الأيديولوجية المتطرفة، إلا أن تنظيم "النصرة" يتهم مقاتلي "داعش" بالتشدد في تطبيق الشريعة، وقد تحولت خلافاتهما إلى حرب طاحنة بينهما. ولم يستثن تعصب "داعش"، حتى حلفائها الموضوعيين في الأزمة السورية مثل "الجيش السوري الحري" الذي كفره التنظيم واتهمه بالارتداد عن الدين الإسلامي.
جذور فكر "داعش" التكفيري والجهادي
هناك من يعيد جذور هذا الفكر السلفي الجهادي إلى أول خلاف في فجر الإسلام بين علي ابن أبي طالب ومعاوية ابن سفيان، بعد قضية التحكيم بينهما والتي كان من نتائجها انتهاء عهد الخلافة، وتأسيس أول نظام ملكي وراثي في الإسلام في في النصف الأول من القرن الهجري، وكان من نتائج ذلك التحكيم ظهور رافضين له، سموا بـ "الخوارج".
لكن إذا ما سلمنا بأن "الخوارج" هم من أسسوا لأول فكر متشدد في تاريخ الإسلام، إلا أن فكرهم كان ينطلق من موقف سياسي معارض للتحكيم، الذي اعتمد للحسم في الخلاف بين علي ومعاوية وبموجبه انتقل الحكم من زمن الخلافة إلى زمن الحكم عن طريق الثوريت. وسيذهب الخوارج إلى حد تكفير خليفتهم علي إبن أبي طالب، بعد واقعة "التحكيم" ولم يعترفوا بحكم معاوية، وسيتبنون وجوب الثورة على أئمة الجور والفسق والضعف، أي الأئمة الذين يبررون نتائج التحكيم سواء بتبريره أو بقبوله كأمر واقع أو بالخنوع له.
هذا النوع من التفكير التكفيري سيجد من يؤسس له فقهيا. وسيتجسد بجلاء في المذهب الفقهي لأحمد بن حنبل (780-855م)، أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الحنبلي في الفقه الإسلامي. ويقوم هذا المذهب الذي يعتبر من أكثر المذاهب السنية محافظة، على الاعتماد على النص والابتعاد عن الاجتهاد والتأويل واضعا بذلك البنيات الأولى لتأسيس الفكر التكفيري، رغم أن مؤسس هذا المذهب تورع في حياته عن تكفير من كان يحالفه من فرق أخرى كالشيعة والمرجئة والخوارج والمعتزلة.
علي أنوزلا: رغم مرور كل هذه القرون مازال فكر هذا الفقيه أحمد ابن تيمية (661–728م) وفتاويه مثارا للجدل بين جمهور فقهاء الإسلام. فإذا كان أنصاره يعتبرونه مجددا أحيا الدين، فإن خصومه يصفون فكره بالغلو والتشدد، ويتهمونه بنشر الفكر المتطرف والإرهاب.
وفي القرن الثامن الميلادي سيواجه صاحب هذا المذهب فكر "المعتزلة"، الذين كانوا يقولون بخلق القرآن، وهو نفس الرأي الذي كان يتبناه خلفاء تلك الحقبة من التاريخ الإسلامي، وفرضوه على الفقهاء والقضاة، لكن ابن حنبل عارضهم فتعرض للسجن والتعذيب دون أن يثنيه ذلك عن مذهبه الذي صار له أتباع كثر من بعده.
ويعتقد دارسوا هذا المذهب أن المحنة التي تعرض لها مؤسسه هي التي أدت إلى تبلور وانتصار الاتجاه المتطرف داخل أهل السنة والجماعة في تاريخ الإسلام. لذلك ينظر إليه كثيرون على اعتباره المؤسس التاريخي للتوجه السلفي، الذي يعتبر اليوم مرجعا للحركات السلفية الجهادية، بما فيها حتى تلك التي لعبت دورا كبيرا في قيام الدولة السعودية أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
بداية التشدد الفكري
لكن هذا الفكر سيتخذ منحى متشدد، وسيتجسد في فتاوي فقيه عاش قبل سبعة قرون، هو أحمد ابن تيمية (661–728م) اتخذ منه مرجعا لتبرير تشدده وتطرفه. فرغم مرور كل هذه القرون مازال فكر هذا الفقيه وفتاويه مثارا للجدل بين جمهور فقهاء الإسلام. فإذا كان أنصاره يعتبرونه مجددا أحيا الدين، فإن خصومه يصفون فكره بالغلو والتشدد، ويتهمونه بنشر الفكر المتطرف والإرهاب.
ويعد إبن تيمية الذي يوصف بـ "شيخ الإسلام" صاحب تأثير كبير على "الصحوة الإسلامية" بتياراتها المختلفة، وخاصة التيار السلفي الجهادي الذي تعتبر تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" أحد نتاج هذا النوع من الفكر المتشدد الذي ينتصر للنص على حساب العقل.
فكر أحمد ابن تيمية سيجد من يحييه بعد ستة قرون من وفاته، إنها العقيدة "الوهابية" التي تشترك معه في الكثير من القواسم، بل ويعتبر أتباع هذا الفكر ابن تيمية الأب الروحي لهم. فـ "الوهابية" قامت على أساس أن المسلمين عاشوا ستة قرون في جهل وضياع منذ وفاة شيخ الإسلام، ابن تيمية، إلى أن ظهر محمد بن عبد الوهاب الذي يعتقد أتباعه أنه أحيا الدعوة وأعاد الناس إلى العقيدة الصحيحة. ومن أجل تحقيق هذه الغاية يتبنى فكرة الجهاد كأسلوب لإعادة إقامة دولة الإسلام أو دولة الخلافة.
ما أشبه الليلة بالبارحة
من يعيد استقراء تاريخ بدايات انتشار "الوهابية" في بداية القرن التاسع عشر، سيكتشف الكثير من أوجه الشبه ما بين النهج العنيف الذي كانت تتبعه هذه الحركة بعد تحالفها مع آل سعود لفرض وجودها، وما بين العنف الذي يتبناه تنظيم "داعش" لفرض أفكاره وبسط نفوذه.
فما تشهده اليوم مدن العراق وسوريا من تدمير للمساجد والحسينيات الشيعية وللمزارات والقبور الصوفية، ومن محاكمات شرعية تقيم الحدود وتنفذ الإعدامات الجماعية العشوائية، نكاد نجد شبيها له في تاريخ حركة آل سعود المسنودة بالفكر الوهابي، ما بين عامي 1904 و 1925، حيث قاموا بتدمير مقابر أهل البيت، وصحابة الرسول محمد، واجتثوا المساجد وبيوت الأولياء، ودكوا القباب والمزارات.
تذكر كتب التاريخ أن حرب آل سعود، المسنودة شرعيا من طرف "الوهابية"، ذهب ضحيتها سبعة آلاف قتيل، وانتهت بإقامة المملكة السعودية التي تعهد ملوكها بتنبي الفكر الوهابي المتشدد كمذهب رسمي للدولة، يقوم على فرض تطبيق الشريعة واعتماد قوانينها الصارمة، وهو ما يقول اليوم تنظيم "داعش" إنه يسعى إلى الوصول إليه.
يروي أمين الريحاني في كتابه "تاريخ نجد الحديث وملحقاته" (ص: 28 و 29) أن الحادث الخطير في دعوة محمد عبد الوهاب هو قطعه لشجرة "الذيب" في منطقة الجبيلة، التي كان يتبرك بها الناس، فتبعه أنصاره في تدمير القباب وتحطيم القبور بما فيها قبور أصحاب النبي محمد. أما الحادث الثاني الأكثر خطورة حسب الريحاني، في دعوة مؤسس الوهابية، فكان هو رجم إمرأة اتهمت بالزنا في ساحة عمومية. يصف الريحاني: "رجمت الزانية! فسرى خبرها سير البرق في البوادي والحضر، ووقع وقع الصاعقة في القلوب الأثيمة والقلوب الطاهرة، فسكت أناس، وصاح آخرون".
ويذكر الريحاني أن أمير منطقة الإحساء كتب إلى الشيخ محمد ابن عبد الوهاب ينذره ويدعوه إلى التراجع عن غيه، مما حمل الشيخ على الهجرة خوفا على حياته، فتلقفه أمير ذو طموح كبير هو محمد ابن سعود، أمير منطقة الدرعية آنذاك، فتعاهدا على عقد العهد الذي جمع بين عقيدة المصلح وسيادة الأمير. عهد "المذهب والسيف" الذي مازال يجمع بين الوهابيين وآل سعود إلى يوم الناس هذا ويجسده العلم الوطني السعودي الذي يجمع ما بين كلمة التوحيد وصورة السيف المسلول.
وتذكر كتب التاريخ أن حرب آل سعود، المسنودة شرعيا من طرف "الوهابية"، ذهب ضحيتها سبعة آلاف قتيل، وانتهت بإقامة المملكة السعودية التي تعهد ملوكها بتنبي الفكر الوهابي المتشدد كمذهب رسمي للدولة، يقوم على فرض تطبيق الشريعة واعتماد قوانينها الصارمة، وهو ما يقول اليوم تنظيم "داعش" إنه يسعى إلى الوصول إليه.
لكن مع مرور الوقت لم تكن علاقة آل سعود دائما على خير مع "الوهابية"، بحيث كانت تمر كثيرا بلحظات توتر أدت إلى ظهور تيارات فكرية من داخل الفكر الوهابي تعادي النظام السعودي وتدعو إلى مقاتلته. ولعل أبرز هذه التيارات هي تنظيم "القاعدة" الذي أسس أسامة بن لادن معلنا عودة التفكير الجهادي إلى أرض الإسلام.
عودة الفكر الجهادي
هذا النوع من الفكر التكفيري الجهادي سيجد مبررا له للعودة مجددا إلى أرض الإسلام كرد فعل هذه المرة على القمع الذي تعرضت له بعض الحركات الإسلامية في دول قمعية في مصر وسوريا في النصف الثاني من القرن العشرين. ومع حرب أمريكا في أفغانستان سيتم تشجيع هذا الفكر رسميا من قبل أنظمة عربية وقفت إلى جانب أمريكا في حربها ضد الروس في أفغانستان قبل أن ينتقل نفس الفكر إلى العراق، وهذه المرة ضد أمريكا وبدعم من أنظمة عربية كانت تقف ضد التدخل الأمريكي في العراق.
وما بين حرب أفغانستان واحتلال العراق، سينتشر هذا الفكر في أوساط الشباب المتدين الذي سيتبنى العنف داخل بلدانه لتحقيق قناعاته. وأغلب هؤلاء الشباب هم الذين شكلوا مقاتلي تنظيم "القاعدة"، ويشكلون اليوم إحدى أذرع جيش "داعش" وحطب حربها داخل العراق وسوريا، يغذيهم حلمهم بإعادة حكم الخلافة إلى بلاد العرب، وإقامة دولة الإسلام على الأرض بقوة الحديد والنار.
علي أنوزلا
تحرير: لؤي المدهون
حقوق النشر: موقع قنطرة 2014
علي أنوزلا كاتب وصحفي من المغرب، مدير موقع "لكم. كوم" الذي منعته السلطات المغربية عام 2013، أسس ورأس تحرير عدة منابر صحفية ورقية. حاصل على جائزة "قادة من أجل الديمقراطية" 2013 من منظمة "بوميد" الأمريكية. اختارته منظمة "مراسلون بلا حدود" الفرنسية كأحد "أبطال الإعلام" في العالم عام 2014.
♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠
كلمة حق في زمن النفاق
يجب أن تقال
يجب أن تقال
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
تنظيم "الدولة الإسلامية"...تشويه لمفهوم "دولة الخلافة"؟
الغرب والأزمة العراقية
تنظيم "الدولة الإسلامية"...تشويه لمفهوم "دولة الخلافة"؟
وجَدَت منطقة "الهلال الخصيب" نفسها نَهْبَاً لحرب طائفية بشعة. فداخل الدولتين اللتين مازالتا تحملان اسم سوريا والعراق تعيش اليوم القوى الشيعية والسنية في حالة عداء مفتوح ومرير. إنها حرب تحركها ديناميكية لن تفلح لا تصريحات النوايا الحسنة للرئيس الأميركي باراك أوباما ولا الزيارة الخاطفة لوزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري لبغداد في إيقافها، كما يرى الصحفي الألماني شتيفان بوخن في تحليله التالي لموقع قنطرة.
يبدو الأمر متيسرا على الفهم تقريبا؛ لقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2003 على العراق نظاما سلميا كلّفها أنّ 4500 جنديا لقوا حتفهم فيه منذ ذلك الحين حتى انسحاب القوات الأمريكية سنة 2011. والآن عاد النفط للتدفق من جديد من بلاد ما بين النهرين. وبالتالي فإنه سيصعب على المرء أن يقبل بأن يرى نتيجة ذلك العمل المضني تنهار مجددا بعد ثلاث سنوات فقط.
لا رغبة للرئيس أوباما في أن يظل يكنس ما تركته سياسةُ سابقِه في رئاسة البيت الأبيض من حطام وكسارات جارحة في العراق.
إن العراق يحتاج إلى حكومة "يكون فيها مكان لكل المجموعات والطوائف المكوّنة لشعبه" يصرح الرئيس أوباما الآن. وكان ذلك انتقادا موجها لسياسة رئيس الحكومة نوري المالكي الذي توخى التحيز لتغليب مصالح الشيعة على حساب الطائفة السنية. ينبغي أن يحل الآن رئيس وزراء جديد يقود سياسة توازن طائفي يخدم مصلحة البلاد بكليتها. وبما أنه سيكون على العراق على أية أن يكوّن حكومة جديدة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، فإن هناك احتمالا بأن يعرف التغيير الحكومي مسلكا ديموقراطيا حقيقيا كاملا.
يبدو مطلب أوباما مقترحا معقولا ودبلوماسيا في الآن نفسه، إلا أنه يظل غير واقعي ومنافقاً أيضا.
هذه المنطقة التي أُطلق عليها سابقا اسم :الهلال الخصيب" تجد نفسها الآن نهبا لحرب طائفية بشعة. داخل هاتين الدولتين اللتين مازالتا تحملان اسم سوريا والعراق تعيش اليوم القوى الشيعية والسنية في حالة عداء مفتوح مرير. إنها حرب تحركها ديناميكية لن تفلح لا تصريحات النوايا الحسنة للرئيس الأميركي ولا الزيارة الخاطفة لوزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري لبغداد في إيقافها.
في أحضان "جيش المهدي"
راحت الفصائل الشيعية التي ظلت تعيش حالة تناحر كامل في أوقات الأوضاع العادية تتقارب وتوحد صفوفها في العراق اليوم، وتنضوي كلها تحت جناح آية الله علي السيستاني، وترتمي في أحضان "جيش المهدي" تحت قيادة مقتدى الصدر. وخلف الصفوف الشيعية الموحدة يقف النظام الإيراني لآية الله خامنئي. وحين يُستبدَل المالكي في رئاسة الحكومة فسيكون ذلك إذن بخلف يواصل سياسته القائمة على التمييز الطائفي والالتزام بالتحيز الشيعي.
لقد تفكك الجيش العراقي الآن، والجنود والضباط السنيون التحقوا بمجموعات تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف المسمى داعش ("الدولة الإسلامية في العراق والشام"). وذلك ما حصل أيضا لميليشيات القبائل السنية التي تم تكوينها سابقا وتسليحها -مثلها مثل الجيش العراقي الرسمي- من طرف نظام الاحتلال الأمريكي، ليجعل منها حصنا ضد حركة "القاعدة في بلاد ما بين النهرين". إن هذا فقط هو ما يفسر الهجمة الكاسحة لداعش، التي سيكون من الأصح أن ننعتها بحركة رص صفوف عامة للقوى السنية.
من سيكون له أن يكوّن حكومة توازن وطني في مثل هذا الوضع؟ إن ما يثير القلق أكثر من انعدام الواقعية في دعوة أوباما هو طابعها المنافق، بل إنه يضيف علاوة على ذلك: "إن الولايات المتحدة الأميركية لن تدخل عسكريا لصالح مجموعة أو طائفة بعينها".
لا يمكن إلا لرئيس أميركي يعوِّل -فيما بينه وبين نفسه- على قصر ذاكرة الشعوب في المشرق كما في المغرب أن ينطق بمثل هذه الجملة. أليس هذا الأمر بالذات هو ما ظلت الولايات المتحدة الأميركية تفعله خفية منذ السبعينيات، ثم علنا منذ سنة 1991! عمليات سرية لوكالة المخابرات سي آي أيه داخل المناطق الكردية، تكوين منطقة حظر طيران شمال خط العرض 36 بارتباط بعملية "عاصفة الصحراء"، المساعدة في تكوين إقليم كردستان المستقل بعد اجتياح سنة 2003: بتدرج ظلت الولايات المتحدة تعمل على دعم وتمتين دعائم انفصال منطقة بكاملها عن الكيان الإداري المؤلف للعراق.
احتلت القوات الكردية ("البشمركة") كل من منطقة كركوك الغنية بالنفط وأجزاء من مقاطعة نينوى، التي تنتمي إليها الموصل إحدى كبرى المدن العراقية.
توسع النفوذ الكردي
لقد أصبح "إقليم كردستان المستقل" اليوم عمليا دولة مستقلة غدت تتوسع أكثر فأكثر بفضل وضع الأزمة. وقد احتلت القوات الكردية ("البشمركة") في الأثناء كل من منطقة كركوك الغنية بالنفط وأجزاء من مقاطعة نينوى، التي تنتمي إليها الموصل إحدى كبرى المدن العراقية.
بالرغم من لاواقعيته وطابع النفاق في خطاب أوباما، فإنه بوسعه بكل تأكيد أن يعوّل كليا على مساندة شفهية من رجل سياسة أوروبي، هو وزير الخارجية الألماني. "إن الأمر المهم اليوم هو تكوين حكومة في العراق تشارك فيها كل المناطق والطوائف الدينية"، كما صرح فرنك فالتر شتاينماير يوم الإثنين 23 يونيو/ حزيران 2014 في مجلس الوزراء الأوروبي ببروكسل.
تتحرك السياسة الخارجية اليوم مدفوعة بالمخاوف التي يثيرها خطر ظهور منطقة إرهاب جديدة في الشرق الأوسط يتهدد كذلك أوروبا والولايات المتحدة. لكن، أيعقل أن يثير هذا الشبح المخيف للتنظيم الإرهابي الجديد "داعش" هذا القدر الهائل من التشويش على الحس السياسي؟
يعمد تنظيم داعش حاليا في منطقة "الهلال الخصيب" إلى تهديد وقتل أناس ممن يعتبرهم معادين له: جنود نظاميون وموالون لحكومتي دمشق وبغداد، أقليات مثل اليزيديين والمسيحيين، وأجانب من أعوان المساعدة الإنسانية والصحافيين؛ إن هذا على قدر من الشناعة فعلا. لكنه أيضا ليس سوى الوجه الآخر للحرب الفظيعة التي يخوضها الرئيس السوري الأسد وكذلك المالكي الآن ضد السنة أيضا.
مراجعة مفهوم الخلافة
يمكن للغرب أن يقع في الخطأ الذي يتمثل في أن يرى نفسه، تحت طائلة الخوف من "دولة الإسلام في العراق والشام"، يهمل ويقلل من شأن كل ما عداها. هناك تصحيح يمكن أن يبدأ بمراجعة نقدية لمفوهم "الخلافة" أولا. وإذا كانت هناك إهانة يمكن أن تطال التاريخ، فستكون داعش قد أنجزتها من خلال طموحها الداعي إلى بناء دولة "خلافة".
إن الإشارة التي جاءت في مجلة "در شبيغل" إلى "خليفة بغداد السكير" في العصر الوسيط، الذي لا يمكنه أن يمثل قدوة ومثالا نموذجيا للمتعصبين السنيين، لهي إشارة صحيحة ومسلّية في آن واحد. لكنها في الوقت نفسه تحيد بنا عن الحقيقة أيضا: لقد تقبلت الخلافة الإسلامية في العصر الوسيط إرث الحضارتين اليونانية والفارسية ونجحت في إدماجهما داخل الديانة الإسلامية الجديدة آنذاك. وأنجزت المرور بثقافة البداوة إلى ثقافة عربية حضرية، وكانت تلك واحدة من منجزات التحول العظمى في تاريخ الإنسانية.
المالكي رفض تشكيل حكومة إنقاذ وطنية: أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي رفضه تشكيل حكومة إنقاذ وطنية في الوقت الذي شهدت فيه بلاده هجوما واسعا للمسلحين، ملمحا إلى تمسكه بمواصلة سعيه للبقاء على رأس الحكومة لولاية ثالثة.
استعمل الخلفاء آنذاك أعمدة إغريقية وفارسية أدمجوها في بنايات قصورهم وفي المدارس والمساجد. وما الذي تفعله داعش الآن؟ متعصبو "دولة الإسلام في العراق والشام" ينهبون المعالم الأثرية من نينوى ويبيعونها في السوق السوداء ليمولوا بها حربهم! وعندما تتحدث صحيفة تاتس الألمانية عن "عبور إلى الخلافة" في أثناء حديثها عن حملة النهب التي تقوم بها داعش، فإنه لا يسعنا سوى أن نتمنى أنها تقول ذلك من باب الأسلوب الساخر لا غير.
نزوع إلى التهويل
السياسيون في ألمانيا، وهم أبعد ما يكونون عن حس السخرية، يأخذهم النزوع إلى التهويل. وما تنفك أجهزة الأمن السياسي تحذر في تقاريرها من أن ذوي القرابة الذهنية مع داعش في ألمانيا"، وهم "السلفيون"، "يسعون إلى إلغاء النظام الأساسي القائم على الحرية والديمقراطية وتأسيس دولة دينية تقوم على الشريعة". فهل باستطاعة حفنة من 5000 ناشط، في ألمانيا، أو في بلاد "الهلال الخصيب"، أن تنجز هذا الأمر حقا؟ إن الادّعاء العبثي يلعب دورا على أية حال في تحديد نوعية التفكير والعمل لدى السياسيين أصحاب القرار لدينا.
هناك احتمال أن تتدخل قوات الولايات المتحدة من خلال ضربات جوية ضد داعش، خاصة إذا لم يكتب لمرتجاها الطوباوي المتعلق بـ"حكومة متعددة الانتماءات العقائدية" أن يتحقق. وعندها سيكون تعامل السُّنّة في الهلال الخصيب مع داعش شبيها بتعامل الباشتون الباكستانيين مع حركة طالبان. سيمنحون تعاطفهم مع المجموعة التي تقاتل بلا هوادة وبصفة مطلقة "لصالحهم" وتقدم ضحايا في ذلك.
يقف الشرق الأوسط حاليا أمام منعطف تاريخي. عندما يكون السنة والشيعة في كل من العراق وسوريا، وفي ما وراءهما قد استنفدوا الطريق الحربية كليا وأنهكوا قواهم فيها، سيكون على الأطراف المتحاربة وكفلائهم في طهران والرياض أن يلتقوا على مائدة الحوار المباشر وأن يقرروا إنْ كان ينبغي عليهم أن يعودوا إلى نظام الحدود القديم الذي حددته اتفاقيات نهاية الحرب العالمية الأولى، أو أن يتفقوا على تسطير حدود جديدة تتبع خطوط الفصل بين الطوائف ساعة توقف المعارك.
من يسعَ إلى اتخاذ موقف واقعي في هذا النزاع فسيكون عليه أن يمتنع عن اعتبار هذه الإمكانية من باب المحرَّمات التي لا يجوز التفكير فيها. ومن يظل لا يغيب عن ذهنه ذلك المثال النموذجي لحضارة أكثر تسامحا في عصور سابقة، فسيكون له سلوان في التفكير بأن النظام الجديد البشع قد لا يكون سوى مجرد فاصلة عابرة، لا غير.
شتيفان بوخن
ترجمة: علي مصباح
تحرير: علي المخلافي
♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠
كلمة حق في زمن النفاق
يجب أن تقال
يجب أن تقال
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
ملحمة عائلية بين تل أبيب وغزة في أولى عقود القرن العشرين
كيف كان يعيش اليهود في غزة؟ - حوار مع الكاتبة الإسرائيلية يوديت كاتسير
ملحمة عائلية بين تل أبيب وغزة في أولى عقود القرن العشرين
كيف كان يعيش اليهود في غزة؟ - حوار مع الكاتبة الإسرائيلية يوديت كاتسير
تُعدّ الكاتبة الإسرائيلية يوديت كاتسير إحدى أبرز الكاتبات الشابات في إسرائيل. وغالبا ما تكتب حول نساء قويات الشخصية، تأخذنا معهن في رحلات إلى الماضي. وفي روايتها التي تحمل عنوان "تسيلا"، وهو اسم والدة جدتها، تمضي معتمدةً على رسائل أم جدتها في رحلة أدبية إلى غزة. وتحكي هذه الرواية قصة "تسيلا" التي عاشت مع عائلتها اليهودية 25 عامًا في سلام ووئام إلى جوار جيرانها العرب في غزة. إيغال أفيدان تحدّث إلى يوديت كاتسير وأجرى معها لموقع قنطرة الحوار التالي.
تحمل روايتك الجديدة التي تحقّق نجاحًا كبيرًا في إسرائيل اسم "تسيلا". مَنْ هي هذه السيّدة؟
يوديت كاتسير: تسيلا مارغولين كانت امرأة قوية نجت بصعوبة من مذبحة، ولكنها فقدت فيها إحدى عينيها. وفي وقت لاحق نشرت عدة مقالات نسوية، على الرغم من أنَّها لم تذهب إلى المدرسة قطّ.
بالإضافة إلى ذلك كانت تسيلا أمًا لخمسة أطفال وكانت تحتفظ بسرّ. ما هو هذا السرّ؟
رواية "تسيلا" ملحمة عائلية للكاتبة الإسرائيلية يوديت كاتسير، تم نشرها حتى الآن باللغة العبرية فقط؛ تروي هذه الرواية قصة "تسيلا" والدة جدتها، التي عاشت مع رجلين، 25 عامًا في سلام ووئام بجوار جيرانهم العرب في غزة.
يوديت كاتسير: لقد عاشت مع رجلين سوية. لم تكن علاقتها مع زوجها أليعازر علاقة جيدة، فقد كانت لديها آفاق أوسع بكثير من آفاقه. وفي سنّ السابعة والثلاثين بدأت علاقة صداقة مع شانان الذي كان أصغر منها بتسعة أعوام. كان موهوبًا أدبيًا ومتمكنًا من تسع لغات، بالإضافة إلى أنَّه كان شخصًا نباتيًا مقتنعًا. وعاش 25 عامًا مع أسرتها - حتى وفاة زوجها أليعازر.
بدأت هذه العلاقة الغرامية عندما وجد زوجها أليعازر عملاً في غزة…
كيف كان يعيش اليهود القليلون في غزة؟
يوديت كاتسير: لقد كانت عائلتي، عائلة مارغولين، أوَّل مَنْ انتقل إلى غزة مباشرة بعد نهاية الحرب في خريف عام 1919. وكانوا يعيشون في شقة مستأجرة تتكوّن من خمس غرف وفناء داخلي، حيث كان جميع الزوَّار اليهود يقضون الليل قبل افتتاح أوَّل بنسيون في غزة. وبتشجيع من الحكومة البريطانية والمجلس الصهيوني، استقرَّت هناك عائلات صهيونية أخرى - من بينها طبيب وساعاتي وخبَّاز ونجَّار. وفي خريف عام 1920، أرسلت القيادة الصهيونية أوَّل مُدرِّس للغة العبرية، وقد كان مهاجرًا جديدًا قادمًا من روسيا.
حوار حيّ مع الجيران العرب - كان العرب يطلقون على أليعازر، زوج تسيلا، اسم "أبو يوسف"، وكانت تربطة صلة صداقة برئيس البلدية العربي السابق سعيد الشوا. عاشت عائلة تسيلا في غزة 25 عامًا. نشاهد في هذه الصورة التي تم التقاطها عام 1929. تسيلا مع صديقها شانان (على اليسار) وزوجها أليعازر (في الوسط) والأطفال الأربعة.
إلى أي مدى كانت عائلتك مهمة بالنسبة لهذه الجالية الصغيرة؟
يوديت كاتسير: لقد كانت مهمة للغاية. تسيلا كانت امرأة نشِطة جدًا في هذه الجالية وكان أطفالها الأربعة يشكّلون أغلبية التلاميذ في هذه المدرسة المكوَّنة من سبعة تلاميذ. ولكنها أصبحت بعد فترة قصيرة غير راضية عن مدرسة "شمشون"، وذلك بسبب فارق السنّ بين الأطفال ولأنَّ بعضهم لم يكونوا يعرفون العبرية إلا قليلاً. في البداية كانوا يتعلمون في الهواء الطلق، وفي وقت لاحق انتقلوا إلى غرفة متهالكة. وبعد أن عادت تسيلا إلى تل أبيب، استقال المدرِّس من عمله في عام 1921. ونتيجة لذلك امتنع المجلس الصهيوني عن إرسال بديل عنه لأقل من اثني عشر طفلاً يهوديًا.
وفقط عندما أقدم أليعازر على اتِّهام تسيلا بتدمير الجالية اليهودية في غزة من خلال رحيلها - وكانت هناك مخاوف من أنَّ العائلات الأخرى سترحل قريبًا، إذا لم يحصل أطفالهم على أي تعليم - وهكذا رضخت تسيلا في نهاية المطاف. ولأنَّها كانت تضع المصلحة العامة فوق حياتها الخاصة، فقد عادت إلى غزة مع أطفالها الخمسة في خريف عام 1922 - من دون صديقها شانان. وبعد فترة قصيرة تبعها المدرِّس الجديد وتم افتتاح المدرسة العبرية مرة أخرى.
كيف كانت طبيعة العلاقات بين اليهود الصهاينة والعرب في غزة؟
يوديت كاتسير: كانت في الأعوام الأولى جيدة جدًا. كان أليعازر رئيس الجالية وممثِّلها في المحكمة، وكان العرب يسمونه أبو يوسف، وكانت تربطة صلة صداقة برئيس البلدية العربي السابق سعيد الشوا. يروي يوسف، وهو ابن أليعازر الأوَّل، أنَّ أسرتهم كانت على علاقة جيدة خاصة مع العمال العرب في مطحنة الدقيق. وعندما تزوَّج واحد منهم، أمضى يوسف أسبوعًا في بيت هذا العريس واحتفل معه بحسب التقاليد العربية - بالأغاني والرقص ورواية الحكايات. لقد عاش اليهود بجوار العرب وكان أطفالهم يلعبون مع الأطفال العرب. كان الأطفال الخمسة وجدتي يتحدَّثون العربية بطلاقة - إلى جانب اللغة اليديشية التي كانوا يتكلمونها في البيت وكذلك لغة التعليم العبرية.
لقد أنقذ الجيران العرب هذه العائلة اليهودية إبَّان الحرب الأهلية في عام 1921، وذلك من خلال توفير الماء لهم بالسر - مخالفين بذلك تعليمات القيادة العربية.
ناشطون من أجل السلام - على الرغم من كلّ انتقادات إسرائيل والمنظمات الفلسطينية الراديكالية، تم التوقيع في جنيف بتاريخ 12 / 01 / 2003 على ما يعرف باسم "مبادرة جنيف" للسلام في الشرق الأوسط. شارك في هذه المبادرة أشخاص بارزون منهم وزير العدل الإسرائيلي السابق يوسي بيلين (يسار الصورة) ووزير الثقافة الفلسطيني السابق ورئيس الوفد الفلسطيني ياسر عبد ربه.
لكن في الاضطرابات التي وقعت في شهر آب/ أغسطس عام 1929، كان هؤلاء الجيران العرب أيضًا عاجزين. فما السبب؟
يوديت كاتسير: غادرت تسيلا غزة مع أطفالها في عام 1925. وعندما وقع الهجوم كان أليعازر لا يزال يعيش في غزة؛ وكانت توجد في زيارته بنتان من بناته، كانتا تقضيان عنده العطلة الصيفية.
وعندما وصل الخبر عن مذبحة اليهود في الخليل، توارى جميع اليهود - الذين كان يبلغ عددهم في غزة 44 يهوديًا - في داخل البنسيون اليهودي الوحيد، حيث قضوا الليل. وفي صباح اليوم التالي هرب أغلب أفراد الشرطة البريطانية وتدافعت حشود العرب إلى هناك، ولكن لقد تمكَّن اليهود من إيقافهم. بعد ذلك ظهر رئيس البلدية العربي السابق سعيد الشوا وساعد الجنود البريطانيين على إخلاء اليهود المحاصرين إلى قطار كان مجهزًا من أجل نقلهم في نهاية المطاف إلى تل أبيب. وتم إخلاؤهم تحت وابل من حجارة الشباب المشاغبين العرب.
هل استمرَّت الصداقة بين عائلتك والأصدقاء العرب في غزة حتى بعد وفاة تسيلا في عام 1967؟
يوديت كاتسير: نعم لقد استمرَّت، وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987 كانوا يتبادلون الزيارات - في غزة وفي إسرائيل. أما في هذه الأيَّام فأضطر مرارًا وتكرارًا في تل أبيب إلى الاحتماء مع ابنتي تحت الدرج من الصواريخ القادمة من غزة. وبالإضافة إلى ذلك صار يزداد خوفي كثيرًا بسبب العنف المتزايد من جانب المتطرِّفين اليمينيين اليهود والتعصُّب تجاه أصحاب الآراء المختلفة فيما يتعلّق بالحرب.
لقد شاركتُ بنشاط في "مبادرة جنيف" ذات التوجّهات اليسارية، التي تفاوضت على نموذج مشترك من أجل التوصّل إلى اتِّفاق سلام. واليوم آمل - نظرًا إلى هذا اليأس الحالي الكبير - في التمكّن قريبًا من إنهاء إراقة الدماء والتوصُّل إلى حلّ دبلوماسي لهذا الصراع. وعندئذ أتمنى أنَّني سوف أتمكَّن في يوم ما من اللقاء بأبناء جيران جدي وجدتي في غزة.
حاورها: إيغال أفيدان
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
ملحمة عائلية بين تل أبيب وغزة في أولى عقود القرن العشرين
كيف كان يعيش اليهود في غزة؟ - حوار مع الكاتبة الإسرائيلية يوديت كاتسير
تُعدّ الكاتبة الإسرائيلية يوديت كاتسير إحدى أبرز الكاتبات الشابات في إسرائيل. وغالبا ما تكتب حول نساء قويات الشخصية، تأخذنا معهن في رحلات إلى الماضي. وفي روايتها التي تحمل عنوان "تسيلا"، وهو اسم والدة جدتها، تمضي معتمدةً على رسائل أم جدتها في رحلة أدبية إلى غزة. وتحكي هذه الرواية قصة "تسيلا" التي عاشت مع عائلتها اليهودية 25 عامًا في سلام ووئام إلى جوار جيرانها العرب في غزة. إيغال أفيدان تحدّث إلى يوديت كاتسير وأجرى معها لموقع قنطرة الحوار التالي.
تحمل روايتك الجديدة التي تحقّق نجاحًا كبيرًا في إسرائيل اسم "تسيلا". مَنْ هي هذه السيّدة؟
يوديت كاتسير: تسيلا مارغولين كانت امرأة قوية نجت بصعوبة من مذبحة، ولكنها فقدت فيها إحدى عينيها. وفي وقت لاحق نشرت عدة مقالات نسوية، على الرغم من أنَّها لم تذهب إلى المدرسة قطّ.
بالإضافة إلى ذلك كانت تسيلا أمًا لخمسة أطفال وكانت تحتفظ بسرّ. ما هو هذا السرّ؟
رواية "تسيلا" ملحمة عائلية للكاتبة الإسرائيلية يوديت كاتسير، تم نشرها حتى الآن باللغة العبرية فقط؛ تروي هذه الرواية قصة "تسيلا" والدة جدتها، التي عاشت مع رجلين، 25 عامًا في سلام ووئام بجوار جيرانهم العرب في غزة.
يوديت كاتسير: لقد عاشت مع رجلين سوية. لم تكن علاقتها مع زوجها أليعازر علاقة جيدة، فقد كانت لديها آفاق أوسع بكثير من آفاقه. وفي سنّ السابعة والثلاثين بدأت علاقة صداقة مع شانان الذي كان أصغر منها بتسعة أعوام. كان موهوبًا أدبيًا ومتمكنًا من تسع لغات، بالإضافة إلى أنَّه كان شخصًا نباتيًا مقتنعًا. وعاش 25 عامًا مع أسرتها - حتى وفاة زوجها أليعازر.
بدأت هذه العلاقة الغرامية عندما وجد زوجها أليعازر عملاً في غزة…
يوديت كاتسير: في عام 1919 انتقل أليعازر إلى غزة من أجل العمل هناك في تشغيل مطحنة الحبوب المهجورة والتي كان يملكها شخص ألماني هرب خلال الحرب العالمية الأولى. قام أليعازر بتجديد هذه المطحنة الوحيدة في تلك المدينة المدمرة، وكانت تؤمن قوت أسرته.
تسيلا والدة جدتي لم تكن تستطيع الانفصال عن شانان، ولذلك أخذته معها إلى غزة ليعمل هناك كمُدرِّس خصوصي لأطفالها. وفقط بعدما وصلت عائلات يهودية أخرى إلى غزة، تم إرسال مدرِّس محترف وتم افتتاح أوَّل مدرسة عبرية هناك - مدرسة "شمشون".كيف كان يعيش اليهود القليلون في غزة؟
يوديت كاتسير: لقد كانت عائلتي، عائلة مارغولين، أوَّل مَنْ انتقل إلى غزة مباشرة بعد نهاية الحرب في خريف عام 1919. وكانوا يعيشون في شقة مستأجرة تتكوّن من خمس غرف وفناء داخلي، حيث كان جميع الزوَّار اليهود يقضون الليل قبل افتتاح أوَّل بنسيون في غزة. وبتشجيع من الحكومة البريطانية والمجلس الصهيوني، استقرَّت هناك عائلات صهيونية أخرى - من بينها طبيب وساعاتي وخبَّاز ونجَّار. وفي خريف عام 1920، أرسلت القيادة الصهيونية أوَّل مُدرِّس للغة العبرية، وقد كان مهاجرًا جديدًا قادمًا من روسيا.
حوار حيّ مع الجيران العرب - كان العرب يطلقون على أليعازر، زوج تسيلا، اسم "أبو يوسف"، وكانت تربطة صلة صداقة برئيس البلدية العربي السابق سعيد الشوا. عاشت عائلة تسيلا في غزة 25 عامًا. نشاهد في هذه الصورة التي تم التقاطها عام 1929. تسيلا مع صديقها شانان (على اليسار) وزوجها أليعازر (في الوسط) والأطفال الأربعة.
إلى أي مدى كانت عائلتك مهمة بالنسبة لهذه الجالية الصغيرة؟
يوديت كاتسير: لقد كانت مهمة للغاية. تسيلا كانت امرأة نشِطة جدًا في هذه الجالية وكان أطفالها الأربعة يشكّلون أغلبية التلاميذ في هذه المدرسة المكوَّنة من سبعة تلاميذ. ولكنها أصبحت بعد فترة قصيرة غير راضية عن مدرسة "شمشون"، وذلك بسبب فارق السنّ بين الأطفال ولأنَّ بعضهم لم يكونوا يعرفون العبرية إلا قليلاً. في البداية كانوا يتعلمون في الهواء الطلق، وفي وقت لاحق انتقلوا إلى غرفة متهالكة. وبعد أن عادت تسيلا إلى تل أبيب، استقال المدرِّس من عمله في عام 1921. ونتيجة لذلك امتنع المجلس الصهيوني عن إرسال بديل عنه لأقل من اثني عشر طفلاً يهوديًا.
وفقط عندما أقدم أليعازر على اتِّهام تسيلا بتدمير الجالية اليهودية في غزة من خلال رحيلها - وكانت هناك مخاوف من أنَّ العائلات الأخرى سترحل قريبًا، إذا لم يحصل أطفالهم على أي تعليم - وهكذا رضخت تسيلا في نهاية المطاف. ولأنَّها كانت تضع المصلحة العامة فوق حياتها الخاصة، فقد عادت إلى غزة مع أطفالها الخمسة في خريف عام 1922 - من دون صديقها شانان. وبعد فترة قصيرة تبعها المدرِّس الجديد وتم افتتاح المدرسة العبرية مرة أخرى.
كيف كانت طبيعة العلاقات بين اليهود الصهاينة والعرب في غزة؟
يوديت كاتسير: كانت في الأعوام الأولى جيدة جدًا. كان أليعازر رئيس الجالية وممثِّلها في المحكمة، وكان العرب يسمونه أبو يوسف، وكانت تربطة صلة صداقة برئيس البلدية العربي السابق سعيد الشوا. يروي يوسف، وهو ابن أليعازر الأوَّل، أنَّ أسرتهم كانت على علاقة جيدة خاصة مع العمال العرب في مطحنة الدقيق. وعندما تزوَّج واحد منهم، أمضى يوسف أسبوعًا في بيت هذا العريس واحتفل معه بحسب التقاليد العربية - بالأغاني والرقص ورواية الحكايات. لقد عاش اليهود بجوار العرب وكان أطفالهم يلعبون مع الأطفال العرب. كان الأطفال الخمسة وجدتي يتحدَّثون العربية بطلاقة - إلى جانب اللغة اليديشية التي كانوا يتكلمونها في البيت وكذلك لغة التعليم العبرية.
لقد أنقذ الجيران العرب هذه العائلة اليهودية إبَّان الحرب الأهلية في عام 1921، وذلك من خلال توفير الماء لهم بالسر - مخالفين بذلك تعليمات القيادة العربية.
ناشطون من أجل السلام - على الرغم من كلّ انتقادات إسرائيل والمنظمات الفلسطينية الراديكالية، تم التوقيع في جنيف بتاريخ 12 / 01 / 2003 على ما يعرف باسم "مبادرة جنيف" للسلام في الشرق الأوسط. شارك في هذه المبادرة أشخاص بارزون منهم وزير العدل الإسرائيلي السابق يوسي بيلين (يسار الصورة) ووزير الثقافة الفلسطيني السابق ورئيس الوفد الفلسطيني ياسر عبد ربه.
لكن في الاضطرابات التي وقعت في شهر آب/ أغسطس عام 1929، كان هؤلاء الجيران العرب أيضًا عاجزين. فما السبب؟
يوديت كاتسير: غادرت تسيلا غزة مع أطفالها في عام 1925. وعندما وقع الهجوم كان أليعازر لا يزال يعيش في غزة؛ وكانت توجد في زيارته بنتان من بناته، كانتا تقضيان عنده العطلة الصيفية.
وعندما وصل الخبر عن مذبحة اليهود في الخليل، توارى جميع اليهود - الذين كان يبلغ عددهم في غزة 44 يهوديًا - في داخل البنسيون اليهودي الوحيد، حيث قضوا الليل. وفي صباح اليوم التالي هرب أغلب أفراد الشرطة البريطانية وتدافعت حشود العرب إلى هناك، ولكن لقد تمكَّن اليهود من إيقافهم. بعد ذلك ظهر رئيس البلدية العربي السابق سعيد الشوا وساعد الجنود البريطانيين على إخلاء اليهود المحاصرين إلى قطار كان مجهزًا من أجل نقلهم في نهاية المطاف إلى تل أبيب. وتم إخلاؤهم تحت وابل من حجارة الشباب المشاغبين العرب.
هل استمرَّت الصداقة بين عائلتك والأصدقاء العرب في غزة حتى بعد وفاة تسيلا في عام 1967؟
يوديت كاتسير: نعم لقد استمرَّت، وحتى اندلاع الانتفاضة الأولى في عام 1987 كانوا يتبادلون الزيارات - في غزة وفي إسرائيل. أما في هذه الأيَّام فأضطر مرارًا وتكرارًا في تل أبيب إلى الاحتماء مع ابنتي تحت الدرج من الصواريخ القادمة من غزة. وبالإضافة إلى ذلك صار يزداد خوفي كثيرًا بسبب العنف المتزايد من جانب المتطرِّفين اليمينيين اليهود والتعصُّب تجاه أصحاب الآراء المختلفة فيما يتعلّق بالحرب.
لقد شاركتُ بنشاط في "مبادرة جنيف" ذات التوجّهات اليسارية، التي تفاوضت على نموذج مشترك من أجل التوصّل إلى اتِّفاق سلام. واليوم آمل - نظرًا إلى هذا اليأس الحالي الكبير - في التمكّن قريبًا من إنهاء إراقة الدماء والتوصُّل إلى حلّ دبلوماسي لهذا الصراع. وعندئذ أتمنى أنَّني سوف أتمكَّن في يوم ما من اللقاء بأبناء جيران جدي وجدتي في غزة.
حاورها: إيغال أفيدان
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠♠
كلمة حق في زمن النفاق
يجب أن تقال
يجب أن تقال
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 69
مواضيع مماثلة
» من أجل ما ذا خرج هؤلاء للتظاهر؟
» عالم أزهري لـ أصحاب الفتاوى الوهابية الشاذة: أتبحثون عن الشهرة على حساب صحيح الدين يا سُذّج
» الطريق الجهوية 408/الرئيسية 26قديما
» كلينتون :اتفقنا مع "الاخوان المسلمين" على اعلان "داعش"
» قصة امرأة إيزيدية خطفها "داعش" وباعها كالمواشي
» عالم أزهري لـ أصحاب الفتاوى الوهابية الشاذة: أتبحثون عن الشهرة على حساب صحيح الدين يا سُذّج
» الطريق الجهوية 408/الرئيسية 26قديما
» كلينتون :اتفقنا مع "الاخوان المسلمين" على اعلان "داعش"
» قصة امرأة إيزيدية خطفها "داعش" وباعها كالمواشي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى