نشر أخطر فصول كتاب مصطفى بكرى قبل طرحه: اللحظات الحاسمة بين «مرسى» و«السيسى»
صفحة 1 من اصل 1
نشر أخطر فصول كتاب مصطفى بكرى قبل طرحه: اللحظات الحاسمة بين «مرسى» و«السيسى»
نشر أخطر فصول كتاب مصطفى بكرى قبل طرحه: اللحظات الحاسمة بين «مرسى» و«السيسى»
24نوفمبر
2013
تنشر «الوطن»، ابتداء من هذا العدد، أربع حلقات هامة وخطيرة من كتاب «سقوط الإخوان.. اللحظات الأخيرة بين مرسى والسيسى» للكاتب الصحفى الزميل مصطفى بكرى. ويتضمن الكتاب الذى ستصدر قريباً طبعته المصرية عن الدار المصرية اللبنانية، وطبعته الخليجية عن «مركز المزماة» بدبى، وقائع وأسراراً تُنشر للمرة الأولى عن حقيقة ما جرى خلال فترة حكم الإخوان التى استمرت لمدة عام، وأيضاً تفاصيل الحوار الذى جرى بين الفريق أول عبدالفتاح السيسى والرئيس المعزول محمد مرسى خاصة فى الأيام الأخيرة من حكم مرسى. وفى هذا العدد تنشر «الوطن» أحد فصول الكتاب، والذى يحمل عنوان «خطة الشيطان» تتضمن معلومات غاية فى الأهمية حول كيفية إدارة شئون الحكم فى البلاد، وتدخلات السفيرة الأمريكية آن باترسون وحوارها مع خيرت الشاطر وتتضمن الحلقة وقائع وتفاصيل اللقاء الذى جرى بين الفريق أول عبدالفتاح السيسى وعدد من أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة مع الرئيس «المعزول» محمد مرسى فى قصر القبة يوم 22 يونيو 2013 وكذلك ما تضمنه تقرير «التقدير الاستراتيجى» الذى أعدته القوات المسلحة وحذرت فيه من مخاطر ما تشهده البلاد فى هذا الوقت. وتكشف «الحلقة الأولى» عن محاولات الإخوان لاختراق الأجهزة الأمنية والسيطرة عليها عبر مستشار الرئيس للشئون الأمنية أيمن هدهد وخيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان.
كان الشعب الغاضب ينتظر اللحظة، إنها لحظة الحسم، لحظة الخلاص وتقرير المصير، كانت مصر على فوهة بركان، معارك تندلع فى أكثر من مكان، شهيد فى الفيوم وآخر بالمحلة الكبرى وإحراق لمحلات فى مركز فوّة بكفر الشيخ، تهديدات لا تتوقف، ومؤتمرات حاشدة تنذر وتهدد، طارق الزمر يعلن من مليونية رابعة العدوية أن من سيخرجون فى الثلاثين من يونيو سيُسحقون جميعاً، وعاصم عبدالماجد يحدثنا عن رؤوس أينعت وحان قطافها، «الرئيس» يعلن فى حديث لأخبار اليوم السبت 22 يونيو 2013 أنه لن يمر وقت طويل حتى يكشف عن حقائق جديدة عن المؤامرات التى تحاك ضد البلاد!
يوم الخميس 20 يونيو 2013، كان الأستاذ محمد حسنين هيكل يحذر وينذر، فى حديثه مع الإعلامية لميس الحديدى على قناة «سى بى سى»، ويؤكد أن أيام النظام الحالى باتت معدودة، وأن أحداً لن يستطيع أن يتصدى ويواجه حركة الجماهير التى تنذر بالثورة.
الأصوات تدوّى فى كل مكان، تقارير للصحف الأجنبية تشير إلى أن الأيام المقبلة هى الأخطر فى تاريخ مصر منذ انطلاق ثورة 25 يناير، ألمانيا تعتبر أن النظام المصرى يدعم الإرهاب، والـ«واشنطن بوست» تتهم محمد مرسى بأنه يسعى إلى خلق أفغانستان جديدة فى سوريا، خطاب الرئيس وسط أهله وعشيرته يوم 15 يونيو شكّل نقطة تحول، إنه يزايد على الجميع، يفتح الطريق أمام حظر جوى على بلد عربى، يقطع العلاقات مع سوريا، ومستشاره خالد القزاز يؤكد أن كل من سيذهبون للقتال فى سوريا لن يتعرضوا للمساءلة فى مصر، مرسى يريد إرضاء الأمريكيين فيلجأ إلى المزايدة وسط عشيرته، إنه يبعث برسالة إلى الخارج، القرار هو قرار التنظيم الدولى لجماعة الإخوان ودور الرئيس هنا هو تلاوة القرارات.
فى هذا اليوم العاصف استمع الرئيس السابق بأذنيه إلى كلمات من بعض الشيوخ الحاضرين تتهم كل من سيخرج يوم 30 يونيو بالكفر، قالها الشيخ السلفى محمد عبدالمقصود، وقالها آخرون تهجموا على الشعب المصرى فى وجوده، وكان محمد مرسى سعيداً للغاية، انقسم المجتمع إلى قسمين: الشعب فى جانب، وأهله وعشيرته فى جانب آخر.
الأحداث تتداعى سريعاً، الأزمة تتفاقم، معلومات تتردد عن سرقة سيارات شرطة ومخازن أسلحة فى قلب العاصمة، تدريبات عسكرية على أعمال القتل والاغتيال، تهديدات تنطلق باختطاف رموز المعارضة والإعلاميين ووضعهم فى مكان أمين.
خطة تتكشف عن حصار لمدينة الإنتاج الإعلامى واقتحامها، قرار يصدر فجأة بتغيير صلاح حمزة، رئيس الـ«نايل سايت»، واستبدال شخص مقرب من جماعة الإخوان به، يبدو أن خطة التشويش على الفضائيات يوم 30 يونيو قد بدأت.
هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً، الشعب غير الشعب، والناس غير الناس، إصرار وتحدٍّ، إرادة لا تلين، غضب يعتمل فى النفوس، شعور يصل إلى حد الاختناق. مضيت على رأس مظاهرة كبرى فى شوارع «فوّة» بكفر الشيخ، كانت المدينة كلها تتظاهر، تنطلق أكثر العبارات حدّة ضد الرئيس وجماعته، السيدات يصفقن من نوافذ البيوت الفقيرة، حتى من أعطوا أصواتهم لمحمد مرسى أصبحوا الآن فى الخندق الرافض، أنظر إلى وجوه الناس، الألسنة تصرخ والقلوب تئن وتضج، إنها مشاعر غريبة على المصريين، استطاع محمد مرسى وجماعته أن يصلوا بالناس سريعاً إلى حد لم يصلوا إليه من قبل، لقد ضيّقوا الخناق على كل البشر، فأصبح خيار الناس الواحد والوحيد «ارحل»!
العالم يتابع المشهد المصرى عن كثب، تقارير السفارات تتدفق إلى الخارج، أمريكا تحذر رعاياها، ودول أخرى عديدة تنصح بعدم السفر إلى مصر، السفيرة الأمريكية آن باترسون تطلق تصريحاً فى لقاء لها بمركز ابن خلدون تقول فيه «إن أمريكا لا ترحب بعودة الجيش مرة أخرى للحكم فى مصر»، تتحدث عن الرئيس المنتخب الذى جاء بالصندوق وتحذر من الانقلاب عليه، الكلمات تثير استياءً واسعاً بين المصريين بجميع اتجاهاتهم.
مصدر عسكرى كبير صرّح لقناة العربية، الخميس 20 يونيو 2013، بأن القوات المسلحة لا تقبل الضغوط أو التدخل فى شئونها الداخلية من أى أطراف خارجية بذريعة الديمقراطية.
لقد أكد المصدر أن قرار القوات المسلحة بالدفاع عن مقدرات الوطن وتطلعات الشعب المصرى نابع من مبادئ عملها الوطنى وأنها تلتزم فى ذلك بمعايير الشرعية إلا فى تعارضها مع إرادة الشعب ورؤيته نحو التغيير والإصلاح.
المصدر العسكرى كان يرد تحديداً على مطالبة «باترسون» بعدم تدخل الجيش وإبعاده عن العملية السياسية عندما راحت تقول: «إن الجيش المصرى له علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية وكان على قدر المسئولية فى مرحلة ما بعد الثورة، ولكنه تعرض لكثير من الإهانة، وهو ما خلق حالة من الخوف ورغبة فى ألا يضعوا أنفسهم فى نفس الموقف مرة أخرى، خاصة أن واشنطن لا توافق تماماً على الحكم العسكرى، ومصر يجب أن تكون دولة مدنية»!
كان رد فعل الجيش المصرى قوياً وحاسماً، «آن باترسون» حاولت عبر هذا التصريح إظهار تأييد الإدارة الأمريكية لجماعة الإخوان وممثلها فى الرئاسة محمد مرسى. فى الحادية عشرة من صباح الخميس 20 يونيو كانت باترسون تتجه إلى 3 شارع مكرم عبيد بمدينة نصر، حيث مكتب خيرت الشاطر، كان اللقاء مطولاً، لقد استعرضت خلاله مع الشاطر السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، اتجهت باترسون إلى الرجل الذى يحكم من خلف ستار، إنها الوجهة الصحيحة، هنا منبع القرار، وهنا من يقرر نيابة عن الآخرين.
لقد نصحت «باترسون» خيرت الشاطر بتقديم تنازلات سياسية للمعارضة حتى يمكن إنهاء الأزمة سريعاً، وهى لا تدرك أن الشعب قد اتخذ قراره، وأنه لم يعد يقبل أنصاف الحلول، خياره الوحيد فى هذا الوقت كان إما «نحن» وإما «هم».. الشعوب لا تموت ولا تنقرض سريعاً، الجماعة هى التى يمكن أن تمضى غير مأسوف عليها. الشاطر قال للسفيرة: «ليس لدينا ما نقدمه إلا الاتهامات للمعارضة»، حمّلها مسئولية كل ما يحدث، أدركت باترسون أن الصدام قادم لا محالة، أبلغت إدارتها، حاولت أن تلتقى بعض رموز المعارضة، لم تجد آذاناً مصغية، قبل هذا اللقاء كانت قد التقت اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع، فأسمعها درساً عنيفاً فى ضرورة الالتزام بدورها الدبلوماسى دون تدخل فى الشئون الداخلية للبلاد.
لقد زاد موقف السفيرة الأمريكية من غضب الشارع وإصراره، أدرك الجميع أن واشنطن تحمى مرسى وجماعته، وأن هناك تدخلاً سافراً فى الشئون الداخلية المصرية لم يصل إلى هذا الحد من قبل.
فى ذات ليلة اللقاء بين خيرت الشاطر والسفيرة الأمريكية كان الأستاذ هيكل يعلن فى حديثه التليفزيونى أنه إذا كان مبارك جرّف مصر فإن مرسى قد عرّاها، وتجاوز حدود الأمن القومى، وقال إن الجيش آخر حائط فى أمان هذا الوطن!
كان موقف الجيش يثير مخاوف الإخوان، حاولوا ابتزازه والضغط عليه أكثر من مرة لكنهم فشلوا، هددوا وتوعدوا، كان آخرهم محمد البلتاجى فى مليونية رابعة العدوية، وجّه إهانات بالغة إلى الجيش، أثارت غضباً عارماً، تساءل الضباط والقادة والجنود: إلى متى؟ كان الناس ولا يزالون يتساءلون: هل يتركنا الجيش للإخوان؟ هل يلتزم الصمت أمام ما يجرى؟ هل يختار البعد عن الأحداث بعد أن عانى الأمرّين فى الفترة الماضية؟
وكان قادة الجيش وضباطه وجنوده يدركون حقائق ما يحدث على الأرض، إنهم على يقين من أن هناك مخططاً يستهدف إسقاط الدولة وتفتيت الجيش؛ حتى يتمكن الإخوان من البقاء أبد الدهر على رأس السلطة فى البلاد.
كان الاعتقاد السائد فى هذا الوقت أن القوات المسلحة لن تبقى صامتة، خاصة إذا ما استمرت التظاهرات والاعتصامات عدة أيام، هنا سيكون أمامهم أحد خيارين:
- إما إقناع الرئيس بتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية والموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع ضمانات بعدم الانتقام.
- وإما فى حالة الرفض أن يتدخل الجيش ليحسم الأمر ويعهد إلى رئيس المحكمة الدستورية بإدارة الفترة الانتقالية لحين إجراء انتخابات رئاسية، على أن يبقى الجيش هو الضامن الأمنى الأساس لإجراء هذه الانتخابات بحرية ونزاهة مع وضع دستور جديد للبلاد.
لقد شكك البعض فى موقف الجيش، غير أن القادة كانوا يعرفون أن الجماهير لن تعود إلى بيوتها مرة أخرى، وأن الشعب سيخرج عن بكرة أبيه، وأن استمرار قادة الجيش فى التردد فى حسم الموقف قد يجرُّ مشكلات عديدة على الجيش نفسه، بل إنه قد يدفع الجماهير إلى تحميله مسئولية الانهيار والحروب المعرضة لها البلاد، وهو أمر يدركه قادة الجيش الوطنيون ويعرفون مخاطره وأبعاده.
ولم يكن الأمر يختلف كثيراً بالنسبة للشرطة، لقد شهدت هذه الفترة مواقف وتصريحات عديدة لرجال الشرطة أكدت وطنيتهم مجدداً ورفضهم أخونة الدولة على يد الجماعة وممثلها فى القصر الرئاسى، لقد شهد اجتماع الضباط والأفراد فى نادى الشرطة، السبت 15 يونيو، هتافات عارمة تطالب بسقوط حكم المرشد، كما أن الآلاف منهم قرروا القيام بتظاهرة من أمام مبنى وزارة الداخلية باتجاه القصر الرئاسى فى الاتحادية، وخلال اجتماع وزير الداخلية بضباط الأمن المركزى، السبت 22 يونيو، كانت الثورة عارمة ضد الإخوان، لقد حمّلوهم المسئولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع فى مصر.
أدرك رجال الشرطة أنهم كانوا أول من سيدفع الثمن، الآن تتكشف مؤامرات جماعة الإخوان ضدهم؛ لقد سعوا ولا يزالون إلى هدم الجهاز الوطنى لصالح الميليشيات، أدرك الضباط أن الجماعة تريد أن تضعهم وجهاً لوجه فى مواجهة المتظاهرين، أعلنوا رفضهم الصريح، وكان موقف وزير الداخلية واضحاً، لقد قال فى اجتماع مجلس الوزراء فى منتصف يونيو: «لن نتورط، ولن نعيد إنتاج سيناريو 28 يناير، لن نحمى مقرات الإخوان أو أى من الأحزاب، سنحافظ على المظاهرات وسلميتها، ولن نسمح بالاعتداء عليها»، اجتماع مجلس الوزراء شهد مشادّة عنيفة بين الوزير محمد إبراهيم ووزراء الإخوان فى الحكومة، لقد وجّه إليه «يحيى حامد» وزير الاستثمار اتهامات بالتقصير والتردد وعدم الحسم فى مواجهة من سماهم بالمخربين، رفض الوزير هذه الاتهامات وحمّلهم مسئولية ما يحدث، وآخرها حركة المحافظين الأخيرة، التى اعتبرها وزير الداخلية تزيد النار اشتعالاً، وهو ما حدث بالفعل.
تجسدت التعليمات الصادرة من وزير الداخلية فى القرارات التى تم إبلاغها؛ قصر الاتحادية مسئولية الحرس الجمهورى، نحن سنحمى المتظاهرين ولن نصطدم معهم، واجهوا بكل حسم أى محاولة للاعتداء عليهم من تيارات تريد إشعال الحرب فى البلاد.
لقد استهدفت خطة الإخوان عزل وزير الداخلية وتفكيك جهاز الأمن الوطنى، لكن ذلك لن يتم إلا فى أعقاب إقدام الرئيس على إعلان حالة الطوارئ.
فى هذا الوقت كانت قضية اقتحام السجون التى كانت تنظرها محكمة جنح الإسماعيلية برئاسة المستشار خالد محجوب قد أوشكت على نهايتها وإصدار الحكم فيها.
كانت مرافعة النيابة قوية وصادمة.. لقد قال ممثل النيابة العامة هيثم فاروق أمام هيئة المحكمة إنه «ثبت فى يقين هيئة المحكمة نفى أى تواطؤ أو مؤامرة تُنسب إلى رجال الشرطة فى إطلاق سراح المسجونين»، وتساءل فى حسرة: «لمصلحة مَنْ يُهان القائمون على حماية البلد وتوفير الأمن على يد أناس وفئات ضل سعيهم فى الحياة الدنيا»؟
وقال ممثل النيابة، فى مرافعته التاريخية، إن القضية المنظورة وما تحتويه من وقائع أقل ما توصف به أنها تسطر صفحات من نور، ليعلم الشعب ما حاق به من مكائد على يد من يدّعون أنهم أبناء هذا الوطن وهم عملاء لخارجه، لذلك كان علينا أن نقرع الأسماع وندق نواقيس الخطر؛ ليعلم الجميع أى جرم وقع وتم فعله. وأضاف أن المأساة الحقيقية التى تضمنتها أوراق تلك الدعوى كانت حين تبين أن الدعاوى المحركة للمؤامرة، وهى اقتحام السجون وتهريب السجناء، نبعت من قلوب مريضة أطلقتها خمر السلطة فأبت أن تفيق من سكرتها.
واستشهد ممثل النيابة بأقوال الرائد محمد عبدالحميد نجم الذى قرر أنه خلال استقبال 34 من قيادات تنظيم الإخوان وإيداعهم سجن وادى النطرون دار حوار بينه وبين القيادى الإخوانى حمدى حسن الذى أكد له «أنهم سيخرجون اليوم أو غداً، وأنهم هنا لتشكيل الحكومة الجديدة وتولى سلطة البلاد والقضاء على جهاز الشرطة».
وقال ممثل النيابة: «من أجل ذلك ارتكبوا تلك الأفعال، من أجل ذلك قتلوا وسفكوا الدماء، من أجل ذلك راحت حمرة الخجل والحياء، حرام على هذا الوطن بعد اليوم أن يطعمهم من ثماره أو ترويهم قطرات مائه أو يحملهم ترابه، هؤلاء الذين يدّعون الإسلام والعلم بأحكامه تناسوا قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (لست أخاف على أمتى غوغاء تقتلهم ولا عدواً يجتاحهم، ولكنى أخاف على أمتى أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم)».
لقد تناول ممثل النيابة الوقائع وأكد أن إطلاق سراح المتهمين الجنائيين من السجون المصرية كان أيضاً ضمن هذا المخطط، بهدف إشاعة الفوضى فى البلاد، ولذلك طالب بإحالة محمد مرسى العياط وعصام العريان وسعد الكتاتنى وسعد الحسينى وصبحى صالح وحمدى حسن وأبوشعيشع الهاربين من السجن والضالعين فى المخطط ضمن الـ34 من قيادات الجماعة إلى النيابة العامة، ومعاقبتهم طبقاً لنص المادة 138 من قانون العقوبات.
وفى صباح اليوم التالى، الأحد 23 يونيو، كان الحكم التاريخى الذى أصدرته المحكمة والذى أكدت حيثياته: اتهام محمد مرسى و34 آخرين بالتخابر والتحريض على القتل والهروب، واتهامات أخرى عديدة.
وكان الخطير فى الأمر هو اتهام حركة حماس بالمشاركة فى هذه الخطة من خلال تسلل عدد من عناصرها بمشاركة جماعة الإخوان وعناصر من حزب الله فى تنفيذ هذه الخطة الإجرامية.
لم يعطِ مرسى اهتماماً لهذا الحكم التاريخى الذى كان من أهم العوامل التى دفعت فئات اجتماعية عديدة للانضمام إلى ثورة 30 يونيو بعد أن أدركت حجم الخيانة من رئيس يحكم البلاد.
وربما لهذا السبب حاول مرسى وجماعة الإخوان منذ بداية حكمه السيطرة على الأجهزة الأمنية واختراق القضاء.
لقد عُين المهندس أيمن هدهد مستشاراً للرئيس للشئون الأمنية، كانت مهمته متابعة نشاط وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطنى، كان يوجد فى مبنى الوزارة والجهاز بشكل شبه مستمر، بل كان يشارك فى الاجتماعات فى بعض الأحيان، ويتولى الاتصال المباشر بمديرى الأمن ليُصدر إليهم التوجيهات.
كانت قيادات وزارة الداخلية تتعامل معه بمنطق «التقية»، لا يبلغونه بما يريد من المعلومات، وفى أحيان كثيرة كانوا يراوغون معه، ولا يمنحونه كل ما يريد.
ورغم حدوث خلافات ومشادات عديدة بينه وبين هذه القيادات، وتحديداً خلال الفترة الأخيرة التى سبقت ثورة 30 يونيو، إلا أن الحصيلة النهائية تؤكد أنه لم يتمكن من الحصول على ما يريد من ملفات للمعارضين، وإجراءات حاسمة فى مواجهتهم والتجسس على البعض منهم وأيضاً اتخاذ إجراءات لحماية مقرات الإخوان والتصدى لخصومهم.
لقد سعى خيرت الشاطر فى أوقات سابقة إلى محاولة اختراق جهاز الأمن الوطنى، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، ورغم رهانهم على اللواء خالد ثروت، رئيس الجهاز، الذى كان مسئولاً سابقاً عن ملف الإخوان، ورغم أن مرسى هو الذى أصدر قرار تعيينه والتقاه من خلف ظهر الوزير، إلا أن اللواء ثروت ظل حتى اللحظة الأخيرة محافظاً على أسرار الجهاز، لم يتوانَ عن إصدار تعليماته بمتابعة كافة الأنشطة المتطرفة، وفى المقدمة منها نشاط جماعة الإخوان والجماعات السلفية والجهادية والإسلامية.
وعندما أصدر خيرت الشاطر تعليماته لقيادات هذه الجماعات بمحاصرة مبنى الأمن الوطنى فى مدينة نصر بحجة أنه عاد إلى أساليب أمن الدولة «القديمة» فى استدعاء الإسلاميين وحبسهم، كان يريد أن يرفع الكارت الأحمر للجهاز، بأنه يستطيع أن يكرر سيناريو اقتحام أمن الدولة (مارس 2011) مرة أخرى، إذا لم تنصع قيادة الجهاز إلى تعليمات مكتب الإرشاد.
وكان جهاز المخابرات العامة يعانى ذات الإشكالية، كانوا يدفعون مصادرهم إلى إبلاغ اللواء رأفت شحاتة رئيس الجهاز أو قيادته بمعلومات على جانب كبير من الخطورة، ثم ينتظر الرئيس من اللواء شحاتة ما إذا كان سيبلغها له أم لا.
كان اللواء شحاتة يعرف أبعاد اللعبة، وكان يدرك أن هذه المصادر مدفوعة إليه من قبَل جماعة الإخوان ولذلك كان يسارع بإبلاغ الرئيس بهذه المعلومات التى كانت تصل إليه، وهو يعرف أنها معلومات غير صحيحة وليست سوى بالون اختبار!!
عندما التقيت المشير حسين طنطاوى فى دار المشاة خلال شهر فبراير 2013، استدعى الرئيس مرسى رئيس المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة، وقال له: هل تعرف أن مصطفى بكرى التقى أمس الجمعة المشير طنطاوى فى دار المشاة؟
قال رأفت شحاتة: نعم أعرف ذلك.
قال الرئيس: لكنك لم تبلغنى بذلك.
رد رأفت شحاتة: هذا لقاء عادى، مصطفى بكرى له علاقة خاصة بالسيد المشير وذهب للسلام عليه بعد صلاة الجمعة.
قال الرئيس: ومن أدراك أن الأمر اقتصر على ذلك؟ لقد علمت من مصادرى أنه أجرى معه حديثاً صحفياً، وأن المشير يريد أن يظهر على الساحة مرة أخرى، وهذا خطر كبير.
قال رئيس المخابرات: المسألة أبسط من كده بكتير، كل ما فى الأمر أن مصطفى بكرى وجدها فرصة وحصل منه على بعض التصريحات الصحفية، ولا أظن أن المشير يريد الظهور أو لعب أى دور سياسى أو حتى إعلان العداء ضد النظام، أنت تعرف أن المشير لا يسعى إلى ذلك.
قال مرسى: لقد أردت فقط أن أقول لك: مهما حاولت أن تخبئ بعض المعلومات فنحن لدينا مصادرنا التى ترصد كل شىء!!
لقد حاول مرسى ابتزاز رئيس جهاز المخابرات العامة وإرهابه وإثارة الشكوك لديه وإبلاغه برسالة تقول: «لا تخبئ عنا شيئاً؛ لأننا نعرف كل شىء»!!
كان رئيس المخابرات يعرف أن هناك جهازاً موازياً للرقابة على الأجهزة يتولى إدارته أيمن هدهد، مستشار الرئيس للشئون الأمنية، وكان يعرف أن هذا الجهاز له عيونه فى مناطق متعددة، وأن المعلومات تصل إليه من كافة كوادر الإخوان، حتى تحول غالبيتهم إلى مصادر ترصد المعلومات والتحركات وتبلغ بها مكتب المستشار الأمنى للرئيس بعد أن يقوم مكتب الإرشاد بتجميعها.
وكان هذا الجهاز يطلق عليه «الرصد الشعبى»، وكان له وجود فى كافة مؤسسات الدولة، حيث يتولى الإبلاغ عن كافة المعلومات ثم يقوم الجهاز بعد ذلك بتوزيع هذه المعلومات على الجهات المختلفة ومقارنتها بالمعلومات التى كانت تصل إليهم من الأجهزة الأمنية والرقابية المختلفة.
كان جهاز «الرصد الشعبى» هو البديل الذى يجرى إعداده ليحل محل الأجهزة المعلوماتية فى حال الفشل فى اختراقها كاملاً، وكان يجرى تدريب عناصر هذا الجهاز فى ألمانيا وباكستان وقطر وتركيا.
لقد تم إرسال وفد من عناصر هذا الجهاز الإخوانى إلى ألمانيا للحصول على خبرة الألمان فى تفكيك الأجهزة الأمنية كما حدث بعد انهيار ألمانيا عام 1989، كانت تتم الاستعانة فى هذا الجهاز وتحركاته الخارجية ببعض العناصر الإخوانية التى عاشت فى الخارج لفترة طويلة، خاصة أن كثيراً من هذه العناصر التى حصلت على جوازات سفر أجنبية تكون لبعضهم بالتبعية علاقات بأجهزة الاستخبارات فى هذه البلدان، حيث كانت الجماعة تستغل هذه الخبرة لصالح هذا الجهاز الجديد.
لقد تردد فى هذا الوقت أن الحكومة القطرية أدخلت إلى جماعة الإخوان أجهزة «تنصت» متطورة للغاية بلغت قيمتها 120 مليون دولار استخدمتها الجماعة للتنصت على الأجهزة المختلفة وعلى كبار المسئولين بالدولة وعلى المعارضين أيضاً.
ولم تكن الأجهزة الأمنية «الأمن الوطنى والمخابرات العامة والمخابرات الحربية» غائبة عن متابعة ما يجرى، لقد حكى لى مسئول أمنى أن الضباط كانوا يسمعون شتائمهم بآذانهم وبأقذع الألفاظ خلال تنصتهم على تحركات جماعة الإخوان لمتابعة تحركاتهم وإدخالهم الأسلحة والاتصال بالعناصر الإرهابية فى الداخل والخارج، كانوا يكرهون الجميع ويصفونهم بصفات منحطة أخلاقياً ويتوعدون بالقضاء عليهم الواحد تلو الآخر.
وكانت ميليشيات الإخوان تتعمد استفزاز ضباط هذه الأجهزة فى الشوارع واستدراجهم إلى إثارة المشاكل بقصد ممارسة المزيد من الضغوط على هذه الأجهزة.
وفى شهر مارس 2013 كان أحد ضباط جهاز المخابرات العامة فى لقاء مع أحد أصدقائه بنادى الصيد بالإسكندرية، وكان الضابط يحمل فى سيارته سلاحه الشخصى: طبنجة وبندقية خرطوش، قام الضابط بتوصيل زميله، ثم عاد إلى منزله فوجد عدداً من عناصر الإخوان يحاصرون سيارته، فعرّفهم على نفسه كضابط بالمخابرات العامة ظناً منه أن هذا سيردعهم، إلا أنه فوجئ بالتفافهم حوله ومحاصرته وظلوا يضربونه لمدة تقارب السبع ساعات على مرأى من الجميع فى الشارع.
وعندما علم اللواء رأفت شحاتة رئيس جهاز المخابرات العامة أجرى اتصالات بوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم وبالقيادى الإخوانى ونائب محافظ الإسكندرية حسن البرنس الذى وعده بحل الموضوع، إلا أن التعليمات التى وصلت إليه أن يرفع يده عن الموضوع نهائياً.
أبلغ رئيس المخابرات العامة الرئيس مرسى بما جرى، وساعتها أبلغه الرئيس بأن الموضوع فى طريقه للحل وسيعاقَب مرتكبو الحادث، إلا أن ذلك لم يتم حتى عزل مرسى فى 3 يوليو الماضى.
كانت ميليشيات الإخوان قد استولت على كارنيه الضابط وسلاحه وتم إبلاغ قيادة الإخوان بالاستيلاء على هذه المتعلقات، وساعتها خرج محمد البلتاجى ليؤكد لوسائل الإعلام أنه تم القبض على ضابط مخابرات كبير، يملك كارنيه رقم (….)، وأنه تم العثور معه على طبنجة وبندقية خرطوش فى قلب المظاهرات السلمية، وكأنه أراد أن يقول إن المخابرات العامة هى التى تقتل المتظاهرين وهى الطرف الثالث، كما سبق له أن ردد هذه المعلومات وتحت قبة مجلس الشعب.
كانت أجهزة الأمن تحاول منذ البداية تحذير الرئيس من الإجراءات والقرارات التى من شأنها زيادة حدة الصراع المجتمعى فى البلاد؛ خوفاً من انهيار الأوضاع، إلا أن الرئيس كان يرفض ذلك بإصرار ولم يكن يسمع سوى صوت واحد، هو صوت مكتب الإرشاد.
قبيل إصدار الإعلان الدستورى «الانقلابى» فى 21 نوفمبر 2012، أبلغ محمد مرسى اللواء رأفت شحاتة رئيس جهاز المخابرات العامة بأنه بصدد اتخاذ عدد من الإجراءات التى تستهدف حماية أمن الوطن ومن بينها القبض على صحفيين وإعلاميين وبعض رموز القوى السياسية المعارضة، ولم يأتِ من قريب أو بعيد على ذكر الإعلان الدستورى الذى كان ينوى إصداره بعد ساعات من هذا الحوار.
وعندما وصل اللواء رأفت شحاتة إلى مبنى جهاز المخابرات العامة عقد لقاء مع كبار مساعديه لإعداد «تقدير موقف» ورفعه إلى الرئيس يحذر فيه الجهاز من مخاطر هذه الإجراءات على أمن البلاد.
وبينما كانت قيادات الجهاز تناقش هذا الموقف فوجئوا جميعاً بإصدار الإعلان الدستورى من خلال شاشة التليفزيون، ولم يصدقوا ما تردد من معلومات قبل هذا الإعلان، على اعتبار أن الرئيس لم يذكر هذا الأمر من قريب أو بعيد خلال لقائه باللواء رأفت شحاتة.
كان الإعلان صادماً للأجهزة الأمنية والرقابية، ويبدو أن الرئيس تعمد عدم إبلاغ الأجهزة الأمنية أو قيادة القوات المسلحة بمضمون هذا الإعلان بناء على نصيحة من مكتب الإرشاد.
وعندما علم اللواء شحاتة بأن الرئيس سيلقى خطاباً فى اليوم التالى الجمعة وسط مجموعة من أنصاره حول هذا الإعلان وأهدافه، طلب رئيس المخابرات العامة من الرئيس أن يكون الخطاب مسجلاً وموجهاً لكل الشعب لشرح وجهة نظره من وراء هذا الإعلان الذى أثار صدمة فى الشارع المصرى.
غير أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية فوجئت بأن مكتب الإرشاد أعد مظاهرة للرئيس، احتشدت عند بوابة «4» بالقصر الجمهورى، تضم أهله وعشيرته من الإخوان وحلفائهم، فكان الخطاب الكارثة الذى أثار سخط الشارع المصرى.
لم يكن مرسى ينصت إلى رأى الأجهزة الأمنية والرقابية، كانوا يقولون له: لا تدخل طرفاً فى فكرة الحوار مع القوى السياسية، اترك حزب الحرية والعدالة يدير هذا الملف، أبعد مؤسسة الرئاسة عن أن تكون طرفاً، إلا أنه كان يرفض ذلك بكل شدة.
وكانت قيادة الجيش أكثر قلقاً من جرّاء التطورات التى بدأت تطل برأسها فتُحدث خلافات عميقة بين المواطنين، لقد أدرك الفريق أول عبدالفتاح السيسى منذ هذا الوقت أن الرئيس يمضى نحو إشعال الحرب الأهلية فى البلاد، وأن مصر تمضى نحو الانقسام، وأن رئيس الدولة أصبح مجرد مندوب لمكتب الإرشاد فى مؤسسة الرئاسة.
لقد حاول السيسى إقناع مرسى بتغيير نهجه ومراجعة الإعلان الدستورى والتوقف عن استفزاز مشاعر المصريين، إلا أنه صمم على المضىّ فى المخطط حتى نهايته.
كان محمد مرسى يصر دوماً على حضور د. عصام الحداد (مساعده للشئون الخارجية) ود. أحمد عبدالعاطى (مدير مكتبه) كافة الاجتماعات، وكان الاثنان عضوين بمكتب الإرشاد، ينقلان من الرئيس إلى الجماعة ومن الجماعة إلى الرئيس المعلومات والتوجيهات، ولم يكن مرسى يستطيع فى هذا الوقت معارضة أى من هذه التعليمات.
كانت الاجتماعات التى تجرى فى مقر الرئاسة تُنقَل على الهواء مباشرة بواسطة أجهزة تنصت إلى مكتب الإرشاد فوراً، وهو أمر اكتشفته الأجهزة الأمنية بعد الثورة مباشرة.
وفى مارس 2013، كان محمد مرسى يعقد لقاء خاصاً مع رئيس المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة بحضور د. عصام الحداد ود. أحمد عبدالعاطى.. كان اللواء شحاتة يريد أن يعرض اقتراحاً على الرئيس على انفراد، إلا أنه لم يتمكن من ذلك خلال الاجتماع، فاضطر إلى أن يتحدث معه جانباً بعد نهاية الاجتماع وقال له: ما رأيك لو جعلنا من يوم 30 يونيو، وبمناسبة مرور عام على تنصيبك رئيساً، يوماً للمصالحة بين الأحزاب والقوى السياسية، فسأل الرئيس: وكيف ذلك؟، فقال اللواء شحاتة: تعهد إلى القوات المسلحة بإقامة هذه الاحتفالية ودعوة كل من ساهم فى الفترة التى تلت تنحى مبارك عن السلطة من الوزراء والرموز السياسية وكبار المسئولين السابقين والحاليين وقادة الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات العامة.
ساعتها لم يعطِ الرئيس اهتماماً للأمر وقال: «حنشوف».
لم يكن الرئيس مفوضاً باتخاذ قرارات تتعلق بالشأن العام، كان يعرض الأمر على د. عصام الحداد ود. أحمد عبدالعاطى اللذين كانا حلقة الوصل بينه وبين مكتب الإرشاد، وعدا الحالات العاجلة كان يُعقَد كل أربعاء اجتماع يسمى اجتماع «المركز» يتم داخل مكتب الإرشاد فى المقطم.
وفى هذا الاجتماع تُتخذ القرارات الخطيرة وتُدبَّر المكائد والمؤامرات.
لقد اتخذ اجتماع «المركز» قراراً بدعوة بعض رموز الأحزاب والقوى السياسية والدينية لحضور اجتماع لمناقشة تداعيات قرار إثيوبيا ببناء سد النهضة، ونقل اللقاء على الهواء مباشرة، ولكن دون إخطار أى من الحاضرين سوى الرئيس ود. سعد الكتاتنى ود. باكينام الشرقاوى وبعض المقربين.
كان الهدف هو «حرق» القوى السياسية ورموزها أمام الرأى العام ليدللوا على ضعف المعارضة التى لا تصلح أن تكون بديلاً، ولذلك لاحظ الناس فى هذا اليوم صمت الكتاتنى والتزام الرئيس بما أُملى عليه، بينما تُرك المجال مفتوحاً للآخرين، فأدلوا بآراء صادمة، حققت الهدف المراد وأساءت لأصحابها.
ظهر السبت 22 يونيو 2013، قرر الفريق أول عبدالفتاح السيسى مواجهة الرئيس مرسى بالحقائق كاملة وتحذيره من مغبّة سياسة العناد التى كان يصر عليها.
ذهب ومعه وفد يضم الفريق صدقى صبحى رئيس أركان القوات المسلحة واللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع واللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية وقادة الأفرع الثلاثة للقوات المسلحة.
كان اللقاء فى قصر القبة، لم يكن مرسى راغباً فى هذا اللقاء، لكنه فوجئ بحضورهم وإجباره على الاستماع إليهم.. لقد استمر اللقاء فى هذا اليوم لأكثر من ثلاث ساعات كان الرئيس مرسى يبدو فى أغلبها مستمعاً.
بدأ اللقاء بكلمة من الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى حذر من خطورة الموقف والأزمة التى تشهدها البلاد وطالب الرئيس بضرورة إيجاد حل عاجل وسريع للأوضاع المتردية.
وقال السيسى إن الجيش لديه معلومات تؤكد أن المظاهرات التى ستنطلق يوم 30 يونيو والتى تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لن تكون هينة، وإنه يتوقع نزول المواطنين بالملايين إلى الشارع، واسترجع السيسى العديد من المواقف السابقة التى حذرت فيها القوات المسلحة الرئيس مرسى من تجاهل المطالب الجماهيرية، فكان البديل هو استمرار الاحتجاجات وسقوط الشهداء وحدوث حالة من الانقسام لم تشهدها البلاد من قبل.
وتحدث الفريق صدقى صبحى وأكد أن هناك حالة غليان داخل الجيش بسبب موقف الرئيس من الأحداث فى سوريا، وما يجرى أيضاً على أرض سيناء.
وقال: «إن الجيش على قناعة بأن الرئيس يمنع اتخاذ إجراءات حاسمة فى مواجهة الإرهابيين الذين بدأوا يفرضون سيطرتهم على أرض سيناء».
وقال الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوت الدفاع الجوى: «إن البلاد تشهد انقساماً لم يحدث فى التاريخ، وإن المؤسسات الكبرى معرضة للانهيار بسبب إصرار الرئيس على الاستمرار فى سياسته ورفض الاستماع إلى آراء القوى السياسية الأخرى بما فيها تحذيرات الجيش».
وقدم اللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية فى هذا اللقاء استعراضاً مطولاً لتقديرات الموقف الاستراتيجى للأوضاع فى البلاد استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة، حيث تناول فيه تطورات الموقف والأزمات المتفاقمة فى البلاد وسبل التعامل معها، بهدف الخروج من المأزق الراهن.
وكان أبرز ما تضمنه هذا التقرير:
1- المطالبة فوراً بتغيير الحكومة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية وطنية مستقلة لإدارة المرحلة الحالية ولحين إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، على أن يُعهد لرئيس الوزراء الجديد تشكيل الحكومة دون تدخل من الرئيس إلا فيما يتعلق بالوزارات السيادية، وبحيث تلقى الحكومة قبولاً شعبياً.
2- أن يُصدر الرئيس قراراً فورياً بعزل النائب العام (المعين) المستشار طلعت إبراهيم وأن يعهد لمجلس القضاء الأعلى بترشيح ثلاث شخصيات قضائية مقبولة يختار من بينها الرئيس نائباً عاماً جديداً.
3- أن تشكل لجنة محايدة لإجراء تعديلات دستورية تتوافق عليها القوى الوطنية فى البلاد، على أن يصدر الرئيس قراراً بتجميد العمل بالمواد المرفوضة ويعرض الأمر على الاستفتاء فى فترة زمنية معقولة.
4- أن يوافق الرئيس على إجراء استفتاء جماهيرى على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن تتولى لجنة قضائية عليا الإشراف على هذا الاستفتاء.
واستعرض التقرير الأحوال الأمنية وتردى الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، وحذر من أن استمرار هذه الحالة من شأنه أن يقود إلى انهيار الدولة ومؤسساتها.
وبعد مناقشات مطولة، كان رد الرئيس مرسى: هذا كلام جيد ومعقول جداً ويستحق الدراسة.
قال الفريق السيسى: لكننا نحتاج إلى إجراءات حاسمة وعاجلة.
قال مرسى: لا بد من دراسة الأمر، وأنا أتابع الموقف جيداً، مصر بخير، والشعب يقدر الشرعية، وأرجو عدم التهويل مما هو متوقع فى 30 يونيو.
قال السيسى: الأمر جد خطير، والجيش لن يصمت أمام ما يجرى.
قال مرسى: المسألة ليست بهذه الخطورة.. اسمعوا كلامى!! أنا أطلب منكم الاستعداد لاستقبال أفواج من الجيش السورى الحر لتدريبهم على أرض مصر، الموقف فى سوريا خطير وأنا تعهدت بالوقوف مع السوريين حتى إسقاط نظام بشار.
قال السيسى: لقد جئنا لنتحدث عن الوضع الخطير فى مصر وسيادتك بدلاً من أن تجد حلاً للأوضاع المتأزمة فى البلاد، نجدك تحدثنا عن تدريب الجيش السورى الحر.. يا سيادة الرئيس، الجيش المصرى لن يتورط أبداً فى التآمر على سوريا ولن يكون أداة فى يد أحد، سوريا هى أمننا القومى وما يجرى هناك نحن نعرفه جيداً.. أنا أدعوك مجدداً إلى أن تكون رئيساً لكل المصريين وأن تقف مع شعبك.
قال مرسى: أنا رئيس جئت بصندوق الانتخاب ولن أقبل أبداً بإجراء استفتاء على شرعيتى، أما بقية المطالب فدعونا ننظر فيها بعد إجراء الانتخابات البرلمانية بعد عدة أشهر.
أدرك الفريق أول السيسى أن مرسى مصمم على موقفه، وأنه لا يريد الاستماع إلى أحد سوى صوت جماعته، فقرر الانصراف ومعه بقية القادة العسكريين، بعد أن فقدوا الأمل فى إثناء الرئيس عن عناده وجبروته.
24نوفمبر
2013
تنشر «الوطن»، ابتداء من هذا العدد، أربع حلقات هامة وخطيرة من كتاب «سقوط الإخوان.. اللحظات الأخيرة بين مرسى والسيسى» للكاتب الصحفى الزميل مصطفى بكرى. ويتضمن الكتاب الذى ستصدر قريباً طبعته المصرية عن الدار المصرية اللبنانية، وطبعته الخليجية عن «مركز المزماة» بدبى، وقائع وأسراراً تُنشر للمرة الأولى عن حقيقة ما جرى خلال فترة حكم الإخوان التى استمرت لمدة عام، وأيضاً تفاصيل الحوار الذى جرى بين الفريق أول عبدالفتاح السيسى والرئيس المعزول محمد مرسى خاصة فى الأيام الأخيرة من حكم مرسى. وفى هذا العدد تنشر «الوطن» أحد فصول الكتاب، والذى يحمل عنوان «خطة الشيطان» تتضمن معلومات غاية فى الأهمية حول كيفية إدارة شئون الحكم فى البلاد، وتدخلات السفيرة الأمريكية آن باترسون وحوارها مع خيرت الشاطر وتتضمن الحلقة وقائع وتفاصيل اللقاء الذى جرى بين الفريق أول عبدالفتاح السيسى وعدد من أعضاء القيادة العامة للقوات المسلحة مع الرئيس «المعزول» محمد مرسى فى قصر القبة يوم 22 يونيو 2013 وكذلك ما تضمنه تقرير «التقدير الاستراتيجى» الذى أعدته القوات المسلحة وحذرت فيه من مخاطر ما تشهده البلاد فى هذا الوقت. وتكشف «الحلقة الأولى» عن محاولات الإخوان لاختراق الأجهزة الأمنية والسيطرة عليها عبر مستشار الرئيس للشئون الأمنية أيمن هدهد وخيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان.
كان الشعب الغاضب ينتظر اللحظة، إنها لحظة الحسم، لحظة الخلاص وتقرير المصير، كانت مصر على فوهة بركان، معارك تندلع فى أكثر من مكان، شهيد فى الفيوم وآخر بالمحلة الكبرى وإحراق لمحلات فى مركز فوّة بكفر الشيخ، تهديدات لا تتوقف، ومؤتمرات حاشدة تنذر وتهدد، طارق الزمر يعلن من مليونية رابعة العدوية أن من سيخرجون فى الثلاثين من يونيو سيُسحقون جميعاً، وعاصم عبدالماجد يحدثنا عن رؤوس أينعت وحان قطافها، «الرئيس» يعلن فى حديث لأخبار اليوم السبت 22 يونيو 2013 أنه لن يمر وقت طويل حتى يكشف عن حقائق جديدة عن المؤامرات التى تحاك ضد البلاد!
يوم الخميس 20 يونيو 2013، كان الأستاذ محمد حسنين هيكل يحذر وينذر، فى حديثه مع الإعلامية لميس الحديدى على قناة «سى بى سى»، ويؤكد أن أيام النظام الحالى باتت معدودة، وأن أحداً لن يستطيع أن يتصدى ويواجه حركة الجماهير التى تنذر بالثورة.
الأصوات تدوّى فى كل مكان، تقارير للصحف الأجنبية تشير إلى أن الأيام المقبلة هى الأخطر فى تاريخ مصر منذ انطلاق ثورة 25 يناير، ألمانيا تعتبر أن النظام المصرى يدعم الإرهاب، والـ«واشنطن بوست» تتهم محمد مرسى بأنه يسعى إلى خلق أفغانستان جديدة فى سوريا، خطاب الرئيس وسط أهله وعشيرته يوم 15 يونيو شكّل نقطة تحول، إنه يزايد على الجميع، يفتح الطريق أمام حظر جوى على بلد عربى، يقطع العلاقات مع سوريا، ومستشاره خالد القزاز يؤكد أن كل من سيذهبون للقتال فى سوريا لن يتعرضوا للمساءلة فى مصر، مرسى يريد إرضاء الأمريكيين فيلجأ إلى المزايدة وسط عشيرته، إنه يبعث برسالة إلى الخارج، القرار هو قرار التنظيم الدولى لجماعة الإخوان ودور الرئيس هنا هو تلاوة القرارات.
فى هذا اليوم العاصف استمع الرئيس السابق بأذنيه إلى كلمات من بعض الشيوخ الحاضرين تتهم كل من سيخرج يوم 30 يونيو بالكفر، قالها الشيخ السلفى محمد عبدالمقصود، وقالها آخرون تهجموا على الشعب المصرى فى وجوده، وكان محمد مرسى سعيداً للغاية، انقسم المجتمع إلى قسمين: الشعب فى جانب، وأهله وعشيرته فى جانب آخر.
الأحداث تتداعى سريعاً، الأزمة تتفاقم، معلومات تتردد عن سرقة سيارات شرطة ومخازن أسلحة فى قلب العاصمة، تدريبات عسكرية على أعمال القتل والاغتيال، تهديدات تنطلق باختطاف رموز المعارضة والإعلاميين ووضعهم فى مكان أمين.
خطة تتكشف عن حصار لمدينة الإنتاج الإعلامى واقتحامها، قرار يصدر فجأة بتغيير صلاح حمزة، رئيس الـ«نايل سايت»، واستبدال شخص مقرب من جماعة الإخوان به، يبدو أن خطة التشويش على الفضائيات يوم 30 يونيو قد بدأت.
هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً، الشعب غير الشعب، والناس غير الناس، إصرار وتحدٍّ، إرادة لا تلين، غضب يعتمل فى النفوس، شعور يصل إلى حد الاختناق. مضيت على رأس مظاهرة كبرى فى شوارع «فوّة» بكفر الشيخ، كانت المدينة كلها تتظاهر، تنطلق أكثر العبارات حدّة ضد الرئيس وجماعته، السيدات يصفقن من نوافذ البيوت الفقيرة، حتى من أعطوا أصواتهم لمحمد مرسى أصبحوا الآن فى الخندق الرافض، أنظر إلى وجوه الناس، الألسنة تصرخ والقلوب تئن وتضج، إنها مشاعر غريبة على المصريين، استطاع محمد مرسى وجماعته أن يصلوا بالناس سريعاً إلى حد لم يصلوا إليه من قبل، لقد ضيّقوا الخناق على كل البشر، فأصبح خيار الناس الواحد والوحيد «ارحل»!
العالم يتابع المشهد المصرى عن كثب، تقارير السفارات تتدفق إلى الخارج، أمريكا تحذر رعاياها، ودول أخرى عديدة تنصح بعدم السفر إلى مصر، السفيرة الأمريكية آن باترسون تطلق تصريحاً فى لقاء لها بمركز ابن خلدون تقول فيه «إن أمريكا لا ترحب بعودة الجيش مرة أخرى للحكم فى مصر»، تتحدث عن الرئيس المنتخب الذى جاء بالصندوق وتحذر من الانقلاب عليه، الكلمات تثير استياءً واسعاً بين المصريين بجميع اتجاهاتهم.
مصدر عسكرى كبير صرّح لقناة العربية، الخميس 20 يونيو 2013، بأن القوات المسلحة لا تقبل الضغوط أو التدخل فى شئونها الداخلية من أى أطراف خارجية بذريعة الديمقراطية.
لقد أكد المصدر أن قرار القوات المسلحة بالدفاع عن مقدرات الوطن وتطلعات الشعب المصرى نابع من مبادئ عملها الوطنى وأنها تلتزم فى ذلك بمعايير الشرعية إلا فى تعارضها مع إرادة الشعب ورؤيته نحو التغيير والإصلاح.
المصدر العسكرى كان يرد تحديداً على مطالبة «باترسون» بعدم تدخل الجيش وإبعاده عن العملية السياسية عندما راحت تقول: «إن الجيش المصرى له علاقات جيدة مع الإدارة الأمريكية وكان على قدر المسئولية فى مرحلة ما بعد الثورة، ولكنه تعرض لكثير من الإهانة، وهو ما خلق حالة من الخوف ورغبة فى ألا يضعوا أنفسهم فى نفس الموقف مرة أخرى، خاصة أن واشنطن لا توافق تماماً على الحكم العسكرى، ومصر يجب أن تكون دولة مدنية»!
كان رد فعل الجيش المصرى قوياً وحاسماً، «آن باترسون» حاولت عبر هذا التصريح إظهار تأييد الإدارة الأمريكية لجماعة الإخوان وممثلها فى الرئاسة محمد مرسى. فى الحادية عشرة من صباح الخميس 20 يونيو كانت باترسون تتجه إلى 3 شارع مكرم عبيد بمدينة نصر، حيث مكتب خيرت الشاطر، كان اللقاء مطولاً، لقد استعرضت خلاله مع الشاطر السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، اتجهت باترسون إلى الرجل الذى يحكم من خلف ستار، إنها الوجهة الصحيحة، هنا منبع القرار، وهنا من يقرر نيابة عن الآخرين.
لقد نصحت «باترسون» خيرت الشاطر بتقديم تنازلات سياسية للمعارضة حتى يمكن إنهاء الأزمة سريعاً، وهى لا تدرك أن الشعب قد اتخذ قراره، وأنه لم يعد يقبل أنصاف الحلول، خياره الوحيد فى هذا الوقت كان إما «نحن» وإما «هم».. الشعوب لا تموت ولا تنقرض سريعاً، الجماعة هى التى يمكن أن تمضى غير مأسوف عليها. الشاطر قال للسفيرة: «ليس لدينا ما نقدمه إلا الاتهامات للمعارضة»، حمّلها مسئولية كل ما يحدث، أدركت باترسون أن الصدام قادم لا محالة، أبلغت إدارتها، حاولت أن تلتقى بعض رموز المعارضة، لم تجد آذاناً مصغية، قبل هذا اللقاء كانت قد التقت اللواء محمد العصار، مساعد وزير الدفاع، فأسمعها درساً عنيفاً فى ضرورة الالتزام بدورها الدبلوماسى دون تدخل فى الشئون الداخلية للبلاد.
لقد زاد موقف السفيرة الأمريكية من غضب الشارع وإصراره، أدرك الجميع أن واشنطن تحمى مرسى وجماعته، وأن هناك تدخلاً سافراً فى الشئون الداخلية المصرية لم يصل إلى هذا الحد من قبل.
فى ذات ليلة اللقاء بين خيرت الشاطر والسفيرة الأمريكية كان الأستاذ هيكل يعلن فى حديثه التليفزيونى أنه إذا كان مبارك جرّف مصر فإن مرسى قد عرّاها، وتجاوز حدود الأمن القومى، وقال إن الجيش آخر حائط فى أمان هذا الوطن!
كان موقف الجيش يثير مخاوف الإخوان، حاولوا ابتزازه والضغط عليه أكثر من مرة لكنهم فشلوا، هددوا وتوعدوا، كان آخرهم محمد البلتاجى فى مليونية رابعة العدوية، وجّه إهانات بالغة إلى الجيش، أثارت غضباً عارماً، تساءل الضباط والقادة والجنود: إلى متى؟ كان الناس ولا يزالون يتساءلون: هل يتركنا الجيش للإخوان؟ هل يلتزم الصمت أمام ما يجرى؟ هل يختار البعد عن الأحداث بعد أن عانى الأمرّين فى الفترة الماضية؟
وكان قادة الجيش وضباطه وجنوده يدركون حقائق ما يحدث على الأرض، إنهم على يقين من أن هناك مخططاً يستهدف إسقاط الدولة وتفتيت الجيش؛ حتى يتمكن الإخوان من البقاء أبد الدهر على رأس السلطة فى البلاد.
كان الاعتقاد السائد فى هذا الوقت أن القوات المسلحة لن تبقى صامتة، خاصة إذا ما استمرت التظاهرات والاعتصامات عدة أيام، هنا سيكون أمامهم أحد خيارين:
- إما إقناع الرئيس بتسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية والموافقة على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مع ضمانات بعدم الانتقام.
- وإما فى حالة الرفض أن يتدخل الجيش ليحسم الأمر ويعهد إلى رئيس المحكمة الدستورية بإدارة الفترة الانتقالية لحين إجراء انتخابات رئاسية، على أن يبقى الجيش هو الضامن الأمنى الأساس لإجراء هذه الانتخابات بحرية ونزاهة مع وضع دستور جديد للبلاد.
لقد شكك البعض فى موقف الجيش، غير أن القادة كانوا يعرفون أن الجماهير لن تعود إلى بيوتها مرة أخرى، وأن الشعب سيخرج عن بكرة أبيه، وأن استمرار قادة الجيش فى التردد فى حسم الموقف قد يجرُّ مشكلات عديدة على الجيش نفسه، بل إنه قد يدفع الجماهير إلى تحميله مسئولية الانهيار والحروب المعرضة لها البلاد، وهو أمر يدركه قادة الجيش الوطنيون ويعرفون مخاطره وأبعاده.
ولم يكن الأمر يختلف كثيراً بالنسبة للشرطة، لقد شهدت هذه الفترة مواقف وتصريحات عديدة لرجال الشرطة أكدت وطنيتهم مجدداً ورفضهم أخونة الدولة على يد الجماعة وممثلها فى القصر الرئاسى، لقد شهد اجتماع الضباط والأفراد فى نادى الشرطة، السبت 15 يونيو، هتافات عارمة تطالب بسقوط حكم المرشد، كما أن الآلاف منهم قرروا القيام بتظاهرة من أمام مبنى وزارة الداخلية باتجاه القصر الرئاسى فى الاتحادية، وخلال اجتماع وزير الداخلية بضباط الأمن المركزى، السبت 22 يونيو، كانت الثورة عارمة ضد الإخوان، لقد حمّلوهم المسئولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع فى مصر.
أدرك رجال الشرطة أنهم كانوا أول من سيدفع الثمن، الآن تتكشف مؤامرات جماعة الإخوان ضدهم؛ لقد سعوا ولا يزالون إلى هدم الجهاز الوطنى لصالح الميليشيات، أدرك الضباط أن الجماعة تريد أن تضعهم وجهاً لوجه فى مواجهة المتظاهرين، أعلنوا رفضهم الصريح، وكان موقف وزير الداخلية واضحاً، لقد قال فى اجتماع مجلس الوزراء فى منتصف يونيو: «لن نتورط، ولن نعيد إنتاج سيناريو 28 يناير، لن نحمى مقرات الإخوان أو أى من الأحزاب، سنحافظ على المظاهرات وسلميتها، ولن نسمح بالاعتداء عليها»، اجتماع مجلس الوزراء شهد مشادّة عنيفة بين الوزير محمد إبراهيم ووزراء الإخوان فى الحكومة، لقد وجّه إليه «يحيى حامد» وزير الاستثمار اتهامات بالتقصير والتردد وعدم الحسم فى مواجهة من سماهم بالمخربين، رفض الوزير هذه الاتهامات وحمّلهم مسئولية ما يحدث، وآخرها حركة المحافظين الأخيرة، التى اعتبرها وزير الداخلية تزيد النار اشتعالاً، وهو ما حدث بالفعل.
تجسدت التعليمات الصادرة من وزير الداخلية فى القرارات التى تم إبلاغها؛ قصر الاتحادية مسئولية الحرس الجمهورى، نحن سنحمى المتظاهرين ولن نصطدم معهم، واجهوا بكل حسم أى محاولة للاعتداء عليهم من تيارات تريد إشعال الحرب فى البلاد.
لقد استهدفت خطة الإخوان عزل وزير الداخلية وتفكيك جهاز الأمن الوطنى، لكن ذلك لن يتم إلا فى أعقاب إقدام الرئيس على إعلان حالة الطوارئ.
فى هذا الوقت كانت قضية اقتحام السجون التى كانت تنظرها محكمة جنح الإسماعيلية برئاسة المستشار خالد محجوب قد أوشكت على نهايتها وإصدار الحكم فيها.
كانت مرافعة النيابة قوية وصادمة.. لقد قال ممثل النيابة العامة هيثم فاروق أمام هيئة المحكمة إنه «ثبت فى يقين هيئة المحكمة نفى أى تواطؤ أو مؤامرة تُنسب إلى رجال الشرطة فى إطلاق سراح المسجونين»، وتساءل فى حسرة: «لمصلحة مَنْ يُهان القائمون على حماية البلد وتوفير الأمن على يد أناس وفئات ضل سعيهم فى الحياة الدنيا»؟
وقال ممثل النيابة، فى مرافعته التاريخية، إن القضية المنظورة وما تحتويه من وقائع أقل ما توصف به أنها تسطر صفحات من نور، ليعلم الشعب ما حاق به من مكائد على يد من يدّعون أنهم أبناء هذا الوطن وهم عملاء لخارجه، لذلك كان علينا أن نقرع الأسماع وندق نواقيس الخطر؛ ليعلم الجميع أى جرم وقع وتم فعله. وأضاف أن المأساة الحقيقية التى تضمنتها أوراق تلك الدعوى كانت حين تبين أن الدعاوى المحركة للمؤامرة، وهى اقتحام السجون وتهريب السجناء، نبعت من قلوب مريضة أطلقتها خمر السلطة فأبت أن تفيق من سكرتها.
واستشهد ممثل النيابة بأقوال الرائد محمد عبدالحميد نجم الذى قرر أنه خلال استقبال 34 من قيادات تنظيم الإخوان وإيداعهم سجن وادى النطرون دار حوار بينه وبين القيادى الإخوانى حمدى حسن الذى أكد له «أنهم سيخرجون اليوم أو غداً، وأنهم هنا لتشكيل الحكومة الجديدة وتولى سلطة البلاد والقضاء على جهاز الشرطة».
وقال ممثل النيابة: «من أجل ذلك ارتكبوا تلك الأفعال، من أجل ذلك قتلوا وسفكوا الدماء، من أجل ذلك راحت حمرة الخجل والحياء، حرام على هذا الوطن بعد اليوم أن يطعمهم من ثماره أو ترويهم قطرات مائه أو يحملهم ترابه، هؤلاء الذين يدّعون الإسلام والعلم بأحكامه تناسوا قول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (لست أخاف على أمتى غوغاء تقتلهم ولا عدواً يجتاحهم، ولكنى أخاف على أمتى أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم وإن عصوهم قتلوهم)».
لقد تناول ممثل النيابة الوقائع وأكد أن إطلاق سراح المتهمين الجنائيين من السجون المصرية كان أيضاً ضمن هذا المخطط، بهدف إشاعة الفوضى فى البلاد، ولذلك طالب بإحالة محمد مرسى العياط وعصام العريان وسعد الكتاتنى وسعد الحسينى وصبحى صالح وحمدى حسن وأبوشعيشع الهاربين من السجن والضالعين فى المخطط ضمن الـ34 من قيادات الجماعة إلى النيابة العامة، ومعاقبتهم طبقاً لنص المادة 138 من قانون العقوبات.
وفى صباح اليوم التالى، الأحد 23 يونيو، كان الحكم التاريخى الذى أصدرته المحكمة والذى أكدت حيثياته: اتهام محمد مرسى و34 آخرين بالتخابر والتحريض على القتل والهروب، واتهامات أخرى عديدة.
وكان الخطير فى الأمر هو اتهام حركة حماس بالمشاركة فى هذه الخطة من خلال تسلل عدد من عناصرها بمشاركة جماعة الإخوان وعناصر من حزب الله فى تنفيذ هذه الخطة الإجرامية.
لم يعطِ مرسى اهتماماً لهذا الحكم التاريخى الذى كان من أهم العوامل التى دفعت فئات اجتماعية عديدة للانضمام إلى ثورة 30 يونيو بعد أن أدركت حجم الخيانة من رئيس يحكم البلاد.
وربما لهذا السبب حاول مرسى وجماعة الإخوان منذ بداية حكمه السيطرة على الأجهزة الأمنية واختراق القضاء.
لقد عُين المهندس أيمن هدهد مستشاراً للرئيس للشئون الأمنية، كانت مهمته متابعة نشاط وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطنى، كان يوجد فى مبنى الوزارة والجهاز بشكل شبه مستمر، بل كان يشارك فى الاجتماعات فى بعض الأحيان، ويتولى الاتصال المباشر بمديرى الأمن ليُصدر إليهم التوجيهات.
كانت قيادات وزارة الداخلية تتعامل معه بمنطق «التقية»، لا يبلغونه بما يريد من المعلومات، وفى أحيان كثيرة كانوا يراوغون معه، ولا يمنحونه كل ما يريد.
ورغم حدوث خلافات ومشادات عديدة بينه وبين هذه القيادات، وتحديداً خلال الفترة الأخيرة التى سبقت ثورة 30 يونيو، إلا أن الحصيلة النهائية تؤكد أنه لم يتمكن من الحصول على ما يريد من ملفات للمعارضين، وإجراءات حاسمة فى مواجهتهم والتجسس على البعض منهم وأيضاً اتخاذ إجراءات لحماية مقرات الإخوان والتصدى لخصومهم.
لقد سعى خيرت الشاطر فى أوقات سابقة إلى محاولة اختراق جهاز الأمن الوطنى، إلا أنه لم يتمكن من ذلك، ورغم رهانهم على اللواء خالد ثروت، رئيس الجهاز، الذى كان مسئولاً سابقاً عن ملف الإخوان، ورغم أن مرسى هو الذى أصدر قرار تعيينه والتقاه من خلف ظهر الوزير، إلا أن اللواء ثروت ظل حتى اللحظة الأخيرة محافظاً على أسرار الجهاز، لم يتوانَ عن إصدار تعليماته بمتابعة كافة الأنشطة المتطرفة، وفى المقدمة منها نشاط جماعة الإخوان والجماعات السلفية والجهادية والإسلامية.
وعندما أصدر خيرت الشاطر تعليماته لقيادات هذه الجماعات بمحاصرة مبنى الأمن الوطنى فى مدينة نصر بحجة أنه عاد إلى أساليب أمن الدولة «القديمة» فى استدعاء الإسلاميين وحبسهم، كان يريد أن يرفع الكارت الأحمر للجهاز، بأنه يستطيع أن يكرر سيناريو اقتحام أمن الدولة (مارس 2011) مرة أخرى، إذا لم تنصع قيادة الجهاز إلى تعليمات مكتب الإرشاد.
وكان جهاز المخابرات العامة يعانى ذات الإشكالية، كانوا يدفعون مصادرهم إلى إبلاغ اللواء رأفت شحاتة رئيس الجهاز أو قيادته بمعلومات على جانب كبير من الخطورة، ثم ينتظر الرئيس من اللواء شحاتة ما إذا كان سيبلغها له أم لا.
كان اللواء شحاتة يعرف أبعاد اللعبة، وكان يدرك أن هذه المصادر مدفوعة إليه من قبَل جماعة الإخوان ولذلك كان يسارع بإبلاغ الرئيس بهذه المعلومات التى كانت تصل إليه، وهو يعرف أنها معلومات غير صحيحة وليست سوى بالون اختبار!!
عندما التقيت المشير حسين طنطاوى فى دار المشاة خلال شهر فبراير 2013، استدعى الرئيس مرسى رئيس المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة، وقال له: هل تعرف أن مصطفى بكرى التقى أمس الجمعة المشير طنطاوى فى دار المشاة؟
قال رأفت شحاتة: نعم أعرف ذلك.
قال الرئيس: لكنك لم تبلغنى بذلك.
رد رأفت شحاتة: هذا لقاء عادى، مصطفى بكرى له علاقة خاصة بالسيد المشير وذهب للسلام عليه بعد صلاة الجمعة.
قال الرئيس: ومن أدراك أن الأمر اقتصر على ذلك؟ لقد علمت من مصادرى أنه أجرى معه حديثاً صحفياً، وأن المشير يريد أن يظهر على الساحة مرة أخرى، وهذا خطر كبير.
قال رئيس المخابرات: المسألة أبسط من كده بكتير، كل ما فى الأمر أن مصطفى بكرى وجدها فرصة وحصل منه على بعض التصريحات الصحفية، ولا أظن أن المشير يريد الظهور أو لعب أى دور سياسى أو حتى إعلان العداء ضد النظام، أنت تعرف أن المشير لا يسعى إلى ذلك.
قال مرسى: لقد أردت فقط أن أقول لك: مهما حاولت أن تخبئ بعض المعلومات فنحن لدينا مصادرنا التى ترصد كل شىء!!
لقد حاول مرسى ابتزاز رئيس جهاز المخابرات العامة وإرهابه وإثارة الشكوك لديه وإبلاغه برسالة تقول: «لا تخبئ عنا شيئاً؛ لأننا نعرف كل شىء»!!
كان رئيس المخابرات يعرف أن هناك جهازاً موازياً للرقابة على الأجهزة يتولى إدارته أيمن هدهد، مستشار الرئيس للشئون الأمنية، وكان يعرف أن هذا الجهاز له عيونه فى مناطق متعددة، وأن المعلومات تصل إليه من كافة كوادر الإخوان، حتى تحول غالبيتهم إلى مصادر ترصد المعلومات والتحركات وتبلغ بها مكتب المستشار الأمنى للرئيس بعد أن يقوم مكتب الإرشاد بتجميعها.
وكان هذا الجهاز يطلق عليه «الرصد الشعبى»، وكان له وجود فى كافة مؤسسات الدولة، حيث يتولى الإبلاغ عن كافة المعلومات ثم يقوم الجهاز بعد ذلك بتوزيع هذه المعلومات على الجهات المختلفة ومقارنتها بالمعلومات التى كانت تصل إليهم من الأجهزة الأمنية والرقابية المختلفة.
كان جهاز «الرصد الشعبى» هو البديل الذى يجرى إعداده ليحل محل الأجهزة المعلوماتية فى حال الفشل فى اختراقها كاملاً، وكان يجرى تدريب عناصر هذا الجهاز فى ألمانيا وباكستان وقطر وتركيا.
لقد تم إرسال وفد من عناصر هذا الجهاز الإخوانى إلى ألمانيا للحصول على خبرة الألمان فى تفكيك الأجهزة الأمنية كما حدث بعد انهيار ألمانيا عام 1989، كانت تتم الاستعانة فى هذا الجهاز وتحركاته الخارجية ببعض العناصر الإخوانية التى عاشت فى الخارج لفترة طويلة، خاصة أن كثيراً من هذه العناصر التى حصلت على جوازات سفر أجنبية تكون لبعضهم بالتبعية علاقات بأجهزة الاستخبارات فى هذه البلدان، حيث كانت الجماعة تستغل هذه الخبرة لصالح هذا الجهاز الجديد.
لقد تردد فى هذا الوقت أن الحكومة القطرية أدخلت إلى جماعة الإخوان أجهزة «تنصت» متطورة للغاية بلغت قيمتها 120 مليون دولار استخدمتها الجماعة للتنصت على الأجهزة المختلفة وعلى كبار المسئولين بالدولة وعلى المعارضين أيضاً.
ولم تكن الأجهزة الأمنية «الأمن الوطنى والمخابرات العامة والمخابرات الحربية» غائبة عن متابعة ما يجرى، لقد حكى لى مسئول أمنى أن الضباط كانوا يسمعون شتائمهم بآذانهم وبأقذع الألفاظ خلال تنصتهم على تحركات جماعة الإخوان لمتابعة تحركاتهم وإدخالهم الأسلحة والاتصال بالعناصر الإرهابية فى الداخل والخارج، كانوا يكرهون الجميع ويصفونهم بصفات منحطة أخلاقياً ويتوعدون بالقضاء عليهم الواحد تلو الآخر.
وكانت ميليشيات الإخوان تتعمد استفزاز ضباط هذه الأجهزة فى الشوارع واستدراجهم إلى إثارة المشاكل بقصد ممارسة المزيد من الضغوط على هذه الأجهزة.
وفى شهر مارس 2013 كان أحد ضباط جهاز المخابرات العامة فى لقاء مع أحد أصدقائه بنادى الصيد بالإسكندرية، وكان الضابط يحمل فى سيارته سلاحه الشخصى: طبنجة وبندقية خرطوش، قام الضابط بتوصيل زميله، ثم عاد إلى منزله فوجد عدداً من عناصر الإخوان يحاصرون سيارته، فعرّفهم على نفسه كضابط بالمخابرات العامة ظناً منه أن هذا سيردعهم، إلا أنه فوجئ بالتفافهم حوله ومحاصرته وظلوا يضربونه لمدة تقارب السبع ساعات على مرأى من الجميع فى الشارع.
وعندما علم اللواء رأفت شحاتة رئيس جهاز المخابرات العامة أجرى اتصالات بوزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم وبالقيادى الإخوانى ونائب محافظ الإسكندرية حسن البرنس الذى وعده بحل الموضوع، إلا أن التعليمات التى وصلت إليه أن يرفع يده عن الموضوع نهائياً.
أبلغ رئيس المخابرات العامة الرئيس مرسى بما جرى، وساعتها أبلغه الرئيس بأن الموضوع فى طريقه للحل وسيعاقَب مرتكبو الحادث، إلا أن ذلك لم يتم حتى عزل مرسى فى 3 يوليو الماضى.
كانت ميليشيات الإخوان قد استولت على كارنيه الضابط وسلاحه وتم إبلاغ قيادة الإخوان بالاستيلاء على هذه المتعلقات، وساعتها خرج محمد البلتاجى ليؤكد لوسائل الإعلام أنه تم القبض على ضابط مخابرات كبير، يملك كارنيه رقم (….)، وأنه تم العثور معه على طبنجة وبندقية خرطوش فى قلب المظاهرات السلمية، وكأنه أراد أن يقول إن المخابرات العامة هى التى تقتل المتظاهرين وهى الطرف الثالث، كما سبق له أن ردد هذه المعلومات وتحت قبة مجلس الشعب.
كانت أجهزة الأمن تحاول منذ البداية تحذير الرئيس من الإجراءات والقرارات التى من شأنها زيادة حدة الصراع المجتمعى فى البلاد؛ خوفاً من انهيار الأوضاع، إلا أن الرئيس كان يرفض ذلك بإصرار ولم يكن يسمع سوى صوت واحد، هو صوت مكتب الإرشاد.
قبيل إصدار الإعلان الدستورى «الانقلابى» فى 21 نوفمبر 2012، أبلغ محمد مرسى اللواء رأفت شحاتة رئيس جهاز المخابرات العامة بأنه بصدد اتخاذ عدد من الإجراءات التى تستهدف حماية أمن الوطن ومن بينها القبض على صحفيين وإعلاميين وبعض رموز القوى السياسية المعارضة، ولم يأتِ من قريب أو بعيد على ذكر الإعلان الدستورى الذى كان ينوى إصداره بعد ساعات من هذا الحوار.
وعندما وصل اللواء رأفت شحاتة إلى مبنى جهاز المخابرات العامة عقد لقاء مع كبار مساعديه لإعداد «تقدير موقف» ورفعه إلى الرئيس يحذر فيه الجهاز من مخاطر هذه الإجراءات على أمن البلاد.
وبينما كانت قيادات الجهاز تناقش هذا الموقف فوجئوا جميعاً بإصدار الإعلان الدستورى من خلال شاشة التليفزيون، ولم يصدقوا ما تردد من معلومات قبل هذا الإعلان، على اعتبار أن الرئيس لم يذكر هذا الأمر من قريب أو بعيد خلال لقائه باللواء رأفت شحاتة.
كان الإعلان صادماً للأجهزة الأمنية والرقابية، ويبدو أن الرئيس تعمد عدم إبلاغ الأجهزة الأمنية أو قيادة القوات المسلحة بمضمون هذا الإعلان بناء على نصيحة من مكتب الإرشاد.
وعندما علم اللواء شحاتة بأن الرئيس سيلقى خطاباً فى اليوم التالى الجمعة وسط مجموعة من أنصاره حول هذا الإعلان وأهدافه، طلب رئيس المخابرات العامة من الرئيس أن يكون الخطاب مسجلاً وموجهاً لكل الشعب لشرح وجهة نظره من وراء هذا الإعلان الذى أثار صدمة فى الشارع المصرى.
غير أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية فوجئت بأن مكتب الإرشاد أعد مظاهرة للرئيس، احتشدت عند بوابة «4» بالقصر الجمهورى، تضم أهله وعشيرته من الإخوان وحلفائهم، فكان الخطاب الكارثة الذى أثار سخط الشارع المصرى.
لم يكن مرسى ينصت إلى رأى الأجهزة الأمنية والرقابية، كانوا يقولون له: لا تدخل طرفاً فى فكرة الحوار مع القوى السياسية، اترك حزب الحرية والعدالة يدير هذا الملف، أبعد مؤسسة الرئاسة عن أن تكون طرفاً، إلا أنه كان يرفض ذلك بكل شدة.
وكانت قيادة الجيش أكثر قلقاً من جرّاء التطورات التى بدأت تطل برأسها فتُحدث خلافات عميقة بين المواطنين، لقد أدرك الفريق أول عبدالفتاح السيسى منذ هذا الوقت أن الرئيس يمضى نحو إشعال الحرب الأهلية فى البلاد، وأن مصر تمضى نحو الانقسام، وأن رئيس الدولة أصبح مجرد مندوب لمكتب الإرشاد فى مؤسسة الرئاسة.
لقد حاول السيسى إقناع مرسى بتغيير نهجه ومراجعة الإعلان الدستورى والتوقف عن استفزاز مشاعر المصريين، إلا أنه صمم على المضىّ فى المخطط حتى نهايته.
كان محمد مرسى يصر دوماً على حضور د. عصام الحداد (مساعده للشئون الخارجية) ود. أحمد عبدالعاطى (مدير مكتبه) كافة الاجتماعات، وكان الاثنان عضوين بمكتب الإرشاد، ينقلان من الرئيس إلى الجماعة ومن الجماعة إلى الرئيس المعلومات والتوجيهات، ولم يكن مرسى يستطيع فى هذا الوقت معارضة أى من هذه التعليمات.
كانت الاجتماعات التى تجرى فى مقر الرئاسة تُنقَل على الهواء مباشرة بواسطة أجهزة تنصت إلى مكتب الإرشاد فوراً، وهو أمر اكتشفته الأجهزة الأمنية بعد الثورة مباشرة.
وفى مارس 2013، كان محمد مرسى يعقد لقاء خاصاً مع رئيس المخابرات العامة اللواء رأفت شحاتة بحضور د. عصام الحداد ود. أحمد عبدالعاطى.. كان اللواء شحاتة يريد أن يعرض اقتراحاً على الرئيس على انفراد، إلا أنه لم يتمكن من ذلك خلال الاجتماع، فاضطر إلى أن يتحدث معه جانباً بعد نهاية الاجتماع وقال له: ما رأيك لو جعلنا من يوم 30 يونيو، وبمناسبة مرور عام على تنصيبك رئيساً، يوماً للمصالحة بين الأحزاب والقوى السياسية، فسأل الرئيس: وكيف ذلك؟، فقال اللواء شحاتة: تعهد إلى القوات المسلحة بإقامة هذه الاحتفالية ودعوة كل من ساهم فى الفترة التى تلت تنحى مبارك عن السلطة من الوزراء والرموز السياسية وكبار المسئولين السابقين والحاليين وقادة الأحزاب والقوى السياسية والشخصيات العامة.
ساعتها لم يعطِ الرئيس اهتماماً للأمر وقال: «حنشوف».
لم يكن الرئيس مفوضاً باتخاذ قرارات تتعلق بالشأن العام، كان يعرض الأمر على د. عصام الحداد ود. أحمد عبدالعاطى اللذين كانا حلقة الوصل بينه وبين مكتب الإرشاد، وعدا الحالات العاجلة كان يُعقَد كل أربعاء اجتماع يسمى اجتماع «المركز» يتم داخل مكتب الإرشاد فى المقطم.
وفى هذا الاجتماع تُتخذ القرارات الخطيرة وتُدبَّر المكائد والمؤامرات.
لقد اتخذ اجتماع «المركز» قراراً بدعوة بعض رموز الأحزاب والقوى السياسية والدينية لحضور اجتماع لمناقشة تداعيات قرار إثيوبيا ببناء سد النهضة، ونقل اللقاء على الهواء مباشرة، ولكن دون إخطار أى من الحاضرين سوى الرئيس ود. سعد الكتاتنى ود. باكينام الشرقاوى وبعض المقربين.
كان الهدف هو «حرق» القوى السياسية ورموزها أمام الرأى العام ليدللوا على ضعف المعارضة التى لا تصلح أن تكون بديلاً، ولذلك لاحظ الناس فى هذا اليوم صمت الكتاتنى والتزام الرئيس بما أُملى عليه، بينما تُرك المجال مفتوحاً للآخرين، فأدلوا بآراء صادمة، حققت الهدف المراد وأساءت لأصحابها.
ظهر السبت 22 يونيو 2013، قرر الفريق أول عبدالفتاح السيسى مواجهة الرئيس مرسى بالحقائق كاملة وتحذيره من مغبّة سياسة العناد التى كان يصر عليها.
ذهب ومعه وفد يضم الفريق صدقى صبحى رئيس أركان القوات المسلحة واللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع واللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية وقادة الأفرع الثلاثة للقوات المسلحة.
كان اللقاء فى قصر القبة، لم يكن مرسى راغباً فى هذا اللقاء، لكنه فوجئ بحضورهم وإجباره على الاستماع إليهم.. لقد استمر اللقاء فى هذا اليوم لأكثر من ثلاث ساعات كان الرئيس مرسى يبدو فى أغلبها مستمعاً.
بدأ اللقاء بكلمة من الفريق أول عبدالفتاح السيسى الذى حذر من خطورة الموقف والأزمة التى تشهدها البلاد وطالب الرئيس بضرورة إيجاد حل عاجل وسريع للأوضاع المتردية.
وقال السيسى إن الجيش لديه معلومات تؤكد أن المظاهرات التى ستنطلق يوم 30 يونيو والتى تطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة لن تكون هينة، وإنه يتوقع نزول المواطنين بالملايين إلى الشارع، واسترجع السيسى العديد من المواقف السابقة التى حذرت فيها القوات المسلحة الرئيس مرسى من تجاهل المطالب الجماهيرية، فكان البديل هو استمرار الاحتجاجات وسقوط الشهداء وحدوث حالة من الانقسام لم تشهدها البلاد من قبل.
وتحدث الفريق صدقى صبحى وأكد أن هناك حالة غليان داخل الجيش بسبب موقف الرئيس من الأحداث فى سوريا، وما يجرى أيضاً على أرض سيناء.
وقال: «إن الجيش على قناعة بأن الرئيس يمنع اتخاذ إجراءات حاسمة فى مواجهة الإرهابيين الذين بدأوا يفرضون سيطرتهم على أرض سيناء».
وقال الفريق عبدالمنعم التراس، قائد قوت الدفاع الجوى: «إن البلاد تشهد انقساماً لم يحدث فى التاريخ، وإن المؤسسات الكبرى معرضة للانهيار بسبب إصرار الرئيس على الاستمرار فى سياسته ورفض الاستماع إلى آراء القوى السياسية الأخرى بما فيها تحذيرات الجيش».
وقدم اللواء محمود حجازى مدير المخابرات الحربية فى هذا اللقاء استعراضاً مطولاً لتقديرات الموقف الاستراتيجى للأوضاع فى البلاد استمر لأكثر من ساعة ونصف الساعة، حيث تناول فيه تطورات الموقف والأزمات المتفاقمة فى البلاد وسبل التعامل معها، بهدف الخروج من المأزق الراهن.
وكان أبرز ما تضمنه هذا التقرير:
1- المطالبة فوراً بتغيير الحكومة وتشكيل حكومة جديدة برئاسة شخصية وطنية مستقلة لإدارة المرحلة الحالية ولحين إجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة، على أن يُعهد لرئيس الوزراء الجديد تشكيل الحكومة دون تدخل من الرئيس إلا فيما يتعلق بالوزارات السيادية، وبحيث تلقى الحكومة قبولاً شعبياً.
2- أن يُصدر الرئيس قراراً فورياً بعزل النائب العام (المعين) المستشار طلعت إبراهيم وأن يعهد لمجلس القضاء الأعلى بترشيح ثلاث شخصيات قضائية مقبولة يختار من بينها الرئيس نائباً عاماً جديداً.
3- أن تشكل لجنة محايدة لإجراء تعديلات دستورية تتوافق عليها القوى الوطنية فى البلاد، على أن يصدر الرئيس قراراً بتجميد العمل بالمواد المرفوضة ويعرض الأمر على الاستفتاء فى فترة زمنية معقولة.
4- أن يوافق الرئيس على إجراء استفتاء جماهيرى على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وأن تتولى لجنة قضائية عليا الإشراف على هذا الاستفتاء.
واستعرض التقرير الأحوال الأمنية وتردى الأوضاع الاقتصادية فى البلاد، وحذر من أن استمرار هذه الحالة من شأنه أن يقود إلى انهيار الدولة ومؤسساتها.
وبعد مناقشات مطولة، كان رد الرئيس مرسى: هذا كلام جيد ومعقول جداً ويستحق الدراسة.
قال الفريق السيسى: لكننا نحتاج إلى إجراءات حاسمة وعاجلة.
قال مرسى: لا بد من دراسة الأمر، وأنا أتابع الموقف جيداً، مصر بخير، والشعب يقدر الشرعية، وأرجو عدم التهويل مما هو متوقع فى 30 يونيو.
قال السيسى: الأمر جد خطير، والجيش لن يصمت أمام ما يجرى.
قال مرسى: المسألة ليست بهذه الخطورة.. اسمعوا كلامى!! أنا أطلب منكم الاستعداد لاستقبال أفواج من الجيش السورى الحر لتدريبهم على أرض مصر، الموقف فى سوريا خطير وأنا تعهدت بالوقوف مع السوريين حتى إسقاط نظام بشار.
قال السيسى: لقد جئنا لنتحدث عن الوضع الخطير فى مصر وسيادتك بدلاً من أن تجد حلاً للأوضاع المتأزمة فى البلاد، نجدك تحدثنا عن تدريب الجيش السورى الحر.. يا سيادة الرئيس، الجيش المصرى لن يتورط أبداً فى التآمر على سوريا ولن يكون أداة فى يد أحد، سوريا هى أمننا القومى وما يجرى هناك نحن نعرفه جيداً.. أنا أدعوك مجدداً إلى أن تكون رئيساً لكل المصريين وأن تقف مع شعبك.
قال مرسى: أنا رئيس جئت بصندوق الانتخاب ولن أقبل أبداً بإجراء استفتاء على شرعيتى، أما بقية المطالب فدعونا ننظر فيها بعد إجراء الانتخابات البرلمانية بعد عدة أشهر.
أدرك الفريق أول السيسى أن مرسى مصمم على موقفه، وأنه لا يريد الاستماع إلى أحد سوى صوت جماعته، فقرر الانصراف ومعه بقية القادة العسكريين، بعد أن فقدوا الأمل فى إثناء الرئيس عن عناده وجبروته.
محمد الورياكلي- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 2246
درجة التقدير : 2
تاريخ الميلاد : 25/11/1954
تاريخ التسجيل : 11/09/2010
العمر : 70
مواضيع مماثلة
» القصة الكاملة لتغيير نتيجة الانتخابات الرئاسية لإنجاح مرسى وإسقاط شفيق
» أخطر نشيد وطني يدعو الى الارهاب
» عضو بالمجلس الأعلى للتعليم يكشف عن فصول مسرحية الإجهاز عن مجانية التعليم
» شريط فيديو عن المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 1975
» النائب العام يأمر بحبس مرسى 15 يوما .. أربعة اتصالات
» أخطر نشيد وطني يدعو الى الارهاب
» عضو بالمجلس الأعلى للتعليم يكشف عن فصول مسرحية الإجهاز عن مجانية التعليم
» شريط فيديو عن المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية 1975
» النائب العام يأمر بحبس مرسى 15 يوما .. أربعة اتصالات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى