من مقاومي الريف : حدو لكحل البقيوي

" ولد لكحل السيد حدو بن حمو سنة 1888م بقرية " ايزمورن " التابعة لقبيلــــة

" ايبقيون " بقيوة ، عرف لدى عامة الناس بحدو لكحل البقيوي ، وصفة ( لكحل )

لا علاقة لها بلون بشرته ، فلونه كأغلب بني جلدته يميل الى البياض ، كان طويل

القامة ، نحيفا ، سريع الحركة ، كثير التجوال ، وكان منذ صغره معتزا بنفســـــه ،

ومغامرا بامتياز ، كما كان جريئا ، ورغم أن الظروف لم تسمح لــــه بالتعلم ، الا

أن حبه للتنقل بين دواوير القبيلة والقبائل المجاورة ، ورحلاته المتواصلة الـــــى

عدد من مدن المغرب والجزائر ـ اضافة الى لباقته وقدرته الهائلة فــــــي الحديث

مع الناس ومخاطبتهم ، مكنته من اتقان الدارجة المغربية ، واللغتين الاسبانيـــــة

والفرنسية ، الى جانب اللغة الأم " تمازيغث " .

ويحكي المقربون منه أنه كان طيلة حياته يهتم بهندامه ، يلبس غـــــــــالبا لباسا

محليا أنيقا ، وأحيانا يرتدي زيا أوربيا .

وعندما أصبح يافعا ســــــــــــــــافر الى الجزائر واستقر ب " بورساي " حيث

تمكن من جمع ثروة مكنته من شراء مقهى أطلق عليها " ملتقى القراصنـــــــة "

لشغفه بقصص البحارة والقراصنة الذين كانوا يعترضون المــــــــــــــــــراكب

أوربية الجانحة نحو السواحل الريفية ، كما اشتـــــــــــــــــرى بعد ذلك بنفس

المدينة منزلا ومزرعة لا زالت الى اليوم مسجلة باسمــــــــــــــــــه . ويقول

ولده علي : ان الظروف لم تسمح له بعد بمتابعة هــــــــــــــــــذه الممتلكات

واسترجاعها .

وعندما استقر بالجزائر تعلم بسرعة سياقــــــــــــــة السيارات التـــــي أتقنها

بشكل ملفت للانتباه ، كما تدرب لاحقا على قيادة الطـــــــــــــــــــــــــائرات

الحربية الصغيرة ، حيث سيكون وراء شراء ثلاث طــــــــــــــــــــــائرات

لفائدة المقاومة الريفية.

اشتغل مع الفرنسيين في التجـــــــــــــارة وجمع الأخبــــــــار ، حيث فتح

لهذا الغرض مكتبا بمدينة وجــــــــــدة كان يشرف على تسييره أحـــــــــد

الجزائريين ، ونظرا لعلاقته المبهمــــــــــــــــ،ــــة مع الفرنسيين ، لجأت

القوات الاسبانية الى اعتقاله بتهمة التجسس لفائـــــــــــــــــــدة الفرنسيين ،

قبل حبسه في الجزر الجعفريــــــــــــــــة التي تمكن بذكائه وتدويخــــــــه

للحراس من الفرار منها نحـــــــــــــــو الى الجزائر ، قاطعا مسافــــــتة

أميال طويلة سباحة .

عندما اندلعت حرب الريف التحريريـــــــــــة ، أرسل الأميـــــــر محمد

بن عبد الكريم الخطابي في طلب السيد حــــــــــــــدو لكحل للاستفادة

من خبراته التقنية ، ومن المعلومــــــــــــــات التي تراكمت لديه بفعل

تعامله مع الفرنسيين ، لم يتأخر حدو لكحل في الاستجـــــــــــــــــــابة ،

والتحق بصفوف المقاومة حيث أصبح بسرعــــــــــــــــــة من قادتها

المرموقين ، اذ عين قائدا على قبيلة ايبقيون ومســـــــــــــاعدا لوزير

الخارجية ( في الجمهورية الريفية ) كما كلف بمهام أخــــــــــــرى

منها الاشراف على نقل أسرى المعارك التي شهـــــــــــــدها الريف

الشرقي خلال الفترة الممتدة مـــــــــــــــــــن يوليوز 1921 الى

منتصف غشت من نفس السنة وذلك الى منطقة أجــــــــــــــــــدير

، كما نقل الغنائم من أسلحة وأدوية ومواد غذائية ، وســـــــــاهم

في تشكيل شبكة من المخبرين موزعة بجل مناطـــــــــق المغرب

وفي الجزائر واسبانيا ، كما بعث مراســــــــــــلات وتقارير الى

الأمير الخطابي حول الأوضــــــــــــــــــاع والمستجدات . وفي

مقتطفات من رسائل موجهة منــه أوردتها الباحثة الاسبانيــــــة

" ماريا روزا " في أحد أبحاثها عن الحـــــــــــــرب الكيماوية

ضد الريف ،  نجد القائد حدو في رسالة مؤرخــــــــة في 31

غشت 1921م يطالب ب" عدم اطلاق سراح الأســـــــــرى

لأنه في حالة اطلاق سراحهم ، سيلجأ الاسبــــــــــــــــان الى

الغازات الخانقة لتدميرنا " .

وفي أخرى مؤرخة فــــــي 06 دجمبر 1921م يخبر القائد

حدو الأمير بأن " جميع الأسلحة التي أخذت من الاسبــــان

تتجمع ب" دريوش " والغاز سيجمـــــــع شيئا فشيئا " فيما

يخبر حدو في رسالة مؤرخة فـــــــي 24 يوليوز 1922م

الأمير الخطابي " بأن باخرة فرنسية نقلت 99 قنطــــــارا

من الغازات الخانقة الى مليلية فــــي 16 يوليوز 1922م " .

شارك القائد حدو لكحل الى جانب كل مــــن أزرقان وزير

خارجية الريف ، ومحمد بوجيبار مساعد وزيـــــتر المالية ،

في زيارة لندن للقاء وزير خارجية بريطانيا ، وذلك فـــي

يوليوز 1922م ، كما سافر مـــع محمد أزرقان وبنزيان

الى باريس للتوقيع على بعض الاتفاقيات ، وانجاز بعض

الصفقات التجارية ، وكذا ابرام بعض العقـــــود المتعلقة

بالتنقيب عن المعادن واستغلال المناجم ، كما تمكـــــــن

سنة 1923م من جلب طبيب وممرضـــــــــــة أجنبيين

لمعالجة شقيقة الأمير الخطابي .

وفي اطار عمله كمساعد لوزير الخارجية ، أوفـــــده الأمير

الخطابي للقاء المارشال ليوطي عدة مرات لحــل المشاكل

التي كانت تعرفها الجبهة الجنوبية ، اضافة الى المشاركة

جنب كل من محمد أزرقان وشدي في المفاوضات الثلاثية

التي جمعت هذا الوفد الريفي بوفدين يمثلان كلا من فرنسا

واسبانيا ، والتي ابتدأت بتاوريرت وتواصلت يـــــــوم 27

أبريل 1926م بمدينة وجدة واستمرت الى يوم 06 ماي

1926م وكان السيد حدو لكحل طيلة هذه المفاوضــات

يتنقل عبر الطائرة بشكل شبه يومي الى مقر قيــــــــــادة

المقاومة لاخبار الأمير بالمستجدات وأخذ المقترحـــــــات .

وعندما لجأ الأمير الخطابي الى الزاوية الوزانية باسنادة ،

كلف القائد حدو بحراسة الأسرى الا سبــــــان والفرنسيين ،

وعندما اضطر الأمير الى الاستسلام للقوات الفرنسية ، قاد

هؤلاء الأسرى حتى مركز تاركيست ، وبعد استسلام الأمير

سيسلم القائد حدو بفسه بدوره للقوات الفرنسية ، وذلك يوم 27

ماي 1926م . ويتم اعتقاله ثم نفيه الى مدينة الصويرة حيث

فرضت عليه الاقامة الاجبارية ، واستقر بهذه المدينــــة حتى

وفاته سنة 1950م

مباشرة بعد نفيه عمل الخليفة على المنطقة الشماليــــــة على

اصدار ظهير مؤرخ في 09أكتوبر 1926م قضى بمصادرة

أملاك القائد حدو لكحل ، ورغم الظهائر التي أصــــــدرها

الملك محمد الخامس أواخر الخمسينات ، والتـــي أرجعت

بموجبها أملاك عدد من قادة المقاومة الريفية ، فــان السيد

حدو لكحل استثني من الاستفادة من هذه القــــــــرارات .

المرجع : 

عن منشورات جمعية ذاكرة الريف بتصرف .

مع تشكرات مع النشرة : محمد العطلاتي  بجريدة

الشمال عدد 705  ص 9 بتاريخ 5-11/ 2013 م .

..مع تحيات العتيق .

شكرا سي العتيق على هذا النقل