كيف واجهت المسيحية المتعصبة الاسلام الفاتح للأندلس ؟
صفحة 1 من اصل 1
كيف واجهت المسيحية المتعصبة الاسلام الفاتح للأندلس ؟
" دخل العرب اسبانيا سنة 92 هجرية / 711 م وأكملوا فتحها في عامين
ولما استتب لهم الأمر بدأ الفاتحون من العرب والبربر يستطيبون الحياة فيها
فاستقر الكثيرون منهم ، واختار البربر سكنى المناطق الجبلية في الشمـــــال
والجنوب ، لأنها أشبه بطبيعة بلدهم وأرضهم ، وتفــــــرق العرب في مناطق
كثيرة ، مختارين مناطق السهول . وبدأت الحياة تسير في ظــــل الفاتحجين
سيرها المعتاد ، وأقبل الاسبان على الدين الاسلامي يدخلونه بأعـــداد كبيرة
بدون ضغط من المسلمين ، ودون اكراه منهم على الدخول فيه . وأقام مــن
شاء على دينه يمارسه كما يشاء في ظل الفتح أيضا ، دون ضغط أو اكــراه
من أي نوع كان . وترك المسلمون لمن أقاموا على دينهم حريــــــــــة تدبير
أمورهم الدينية كما يشاؤون ، فكانت لهم محاكمهم الخاصة بهم ، يقضـــــــي
بها قضاة منهم بحسب شرعهم وأعرافهم . وكانت لهم لجان ادارية تصـرف
أمور الطائفة في كل بلد وقرية ، ويشرف على هذه اللجان أكبـر رئيس ديني
في البلد ، ورجل من أشرافهم أطلق عليه العرب اسم القومس ( الكونت) أو
شيخ البلد ، هذا في أمهات المدن .
ولم يكن المسيحيون الاسبان مكلفين بأكثر من دفع الجزية عن الرجــــــــال -
القادرين على العمل وحمل السلاح - والخراج عن الأرض . وبقي الاسبان
يمارسون ادارة مجتمعهم في ظل الادارة العربية ، حتى أصبح لهم نوع من
الامتيازات ، ما كانوا يحلمون بجزء منها في ظل الادارات السابقة : الفينيقية
والوندالية والرومانية ، التي سبقت المسلمين في حكم الجزيرة ، وحــــــــــرر
المسلمون الفلاحين ( عبيد الأرض ) من ربقة العبودية التي كانت مفروضة
عليهم قبل المسلمين ، فساووا الناس في التمتع بالحياة والحريــــــة . وازدهر
المجتمع الاسباني المسيحي ، وأصبح الكثيرون من أفراده يتكلمون العربية
ويتقنون آدابها ، ويتسمون بأسماء عربية ، حتى غاظ ذلك بعض رجـــــال
الدين ، فأخذوا يعملون الرأي لايجاد وسيلة تنفر أبنـــــــاء ملتهم من العرب
ودينهم ، وحكمهم ، ولغتهم ، فكانت فتنة في قرطبة حوالي عــام 850 م
عرفت في التاريخ باسم : " حمى الاستشهاد " . ولكن هذه الفتنة خمدت
بعد شهرين ، ونسيها الناس اذ استنكرها العقلاء منهم واستخفوها . ورغم
الحروب الطويلة التي كان يخوضها المسلمون كل يوم تقريبا ضد الممالك
الاسبانية الشمالية ، فان المسلمين لم يتعرضوا بالأذى لأحد من رعاياهــم
المسيحيين ، ولم يبعدوا أحدا منهم عن المدن الشمالية القريبة من الحــدود
مع الأعداء ، مع أنهم يعرفون أن الكثيرين منهم كانوا يتصلون بالاسبان
الشماليين ويتعاطفون معهم ، ويكشفـــــــون لهم مواضع ضعف المسلمين
وعوراتهم ، لأن المسلمين كانوا يتقيدون بسياسة معينة ثابتة نابعة مـــن
روح الاسلام ، وكريم تعاليمه ، ومن عقلية العرلابي المتسامحة ، التـي
فهمت الدين ، وفسرته بحسب ما ألفت . وقد طبقوا هذه السياســـة على
الجماعات الدينية التي تعيش في ظل حكمهم ، ولم يحيدوا عنها . وكان
لهذه السياسة المتسامحة العطوفة حماة من الأئمة والفقهاء ورجال الدين
المسلمين ، فاذا أراد حاكم مسلم أن يحيد عنــــــها - بسبب جهل حقيقة
تعاليم الدين ، أو بسبب مزاج شخصي ، أو بسبب تصرف خاطئ مــــن
بعض أفراد تلك الجماعات ، أو بسبب ظروف غـــزو خارجي ، وقفت
منه تلك الجماعات موقف العطف والتأييد - تقدم اليــــــــه رجـــال الدين
يعلنونه بمنافاة ذلك لروح الاسلام وتعاليمه ، وسنة النبي صلى الله عليه
وسلم وخلفائه ، وطالبوه بالتمسك بالعهد الذي قطعــــــــه المسلمون على
أنفسهم لتلك الجماعات ، وهو عهد لا يجوز نقضه من جانب المسلمين
ما لم يكن هناك سبب حقيقي يبيح ذلك النقض . وكان الحكــــــــــــام لا
يترددون في التراجع عن خطئهم ، ولا في كبح جمــــــــــــاح عواطفهم
وتنفعالاتهم . ولذلك بقيت تلك الجماعات في أرضها وبلادها محافظــــة
على دينها ولغتها ، لم يلحق بها أذى ، ولم ينزل بساحتهم ضيم .
... وهذا بلا شك يعتبر دليلا واضحا على تسامح العرب ، وحفظــــــهم
للعهود والمواثيق ، وعلى حسن معاملتهم للنصارى الذين عاشوا بينـــهم
والذين يسميهم المؤرخون بالمستعربين ( موزاراب ) ، ولو أخذ العرب
بالسياسة الدينية التي كانت تأخذ بها الأمم الأخــــــــرى في تلك العصور
لقضوا قضاء تاما على كل ما هو غير مسلم وما هو غير عربي . ولكن
العرب فضلوا اتباع ما شرع لهم دينهم وخلفاؤهم مــــــن سياسة التسامح
والمحبة ، ولو كان في ذلك ضرر على مستقبلهم ، وخطر يهدد كيان دولتهم .
ولكن الاسبان الذين استعادوا من العرب المناطق التي كانت بأيديهم ، لــــــم
يقابلون هذه السماحة بمثلها ، ولنما اتبعوا مع المسلمين سياسة لئيمة جائـرة
تنم عن الجهل والتعصب الذميم الأعمى . وأشد ما يدهش في هذا الموضوع
هو أن يرى الانسان رجال الدين في الفاتيكان والكنيسة يحرضون الحكــــــم
الاسبان والشعب على ابادة المسلمين ، ويغرونهم بأذاهم ونهب أمـــــــــوالهم
وازعاجهم ، ويحلون لهم نقض العهود والمواثيق ، التي قطعها الحكــــــــام
للمسلمين ، حين احتلوا أرضهم . واذ كنا نعتقد أن الأديــــــــــــان جميعها -
وخصوصا السماوية منها - انما جاءت لخير البشرية ، وتحقيق الاخـــــــاء
والمحبة والسلام بين البشر جميع ، وأن الأديان تأمر بالخيـــــر والمعروف
وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وترفض الغدر والمكر والخديعة ، وأن رجال
الدين من كل ملة مفروض فيهم - أكثر من غيرهم - التمسك بتعاليــم دينهم
والسهر على عدم خرقها ، والاساءة اليها ، ليكونوا هم القدوة الصالحـــــــة
للآخرين ، لذلك فاننا لا نجد تعليلا معقولا يمكن تقديمه لتبريــر مسلك أولئك
الحاضين على ايذاء المسلمين ، والنقض لعهودهم ، والغدر بــــــهم ، الا أن
تعاليم الدين المسيحي وروحه السمحة لم تكن مفهومة فهما صحيحا وواضحة
بالنسبة لهم ، أو أن تعاليم الدين لم تصقل نفوسهم صقلا كافيا ، ولم تتشرب
نفوسهم ما في الدين من خير ومحبة وانسانية . واذا كنا اليوم نشيد بالمواقف
المشرفة ، التي تدل على النبل والشهامة والوفاء بالعهد ، التي وقفها ملوك
ورجال سياسة في الأزمنة البعيدة ، كموقف امبراطور القسطنطينية / باسيل /
حينما استنجد به أمير حلب الحمداني - مع ما هو معروف عن رجــــــــال
السياسة والحكم من الميل الى تأول المواثيق واعهود للافادة مـــــن الظروف
والمناسبات - فاننا لا نستطيع الا أن نشعر بالألم والأسف لموقف منحرف
يصدر عن رجل دين يفترض فيه الخوف من الله ، والبعد عن مطامع الدنيا
والحرص على جادة العدل والانصاف .
وفصة الامبراطور باسيل هذه معروفة ( زبدة الحلب لابن العديـــــــــــم ج1
ص 191فأين هذا الموقف الشهم النبيل من موقف أولئك الرجال الناذريـــن
أنفسهم للدين ، الذين يضغطون على على الملوك والحكام الاسبان ليخرجوا
العرب من أرضهم وديارهم ؟ وهم الذين وثقوا بدين الحكام وذمتهم واطمأنوا
الى عهودهم ومواثيقهم ، فوضعوا السلاح ، ولم يبق بيدهم وسيلة يدفعون بها
عن أنفسهم . وسنرى فيما بعد ، أن الفاتكان ورجال الدين الاسبان ما زالوا
مصرين على الحاحهم حتى نجحوا في حمل الملوك على اضطهاد العـــرب
ووضع خطة كاملة للقضاء على كل ما هو عربي ومسلم ، في شبه الجزيرة
وقد وضعوا تحت تصرف الحكام الاسبان - في سبيل انفاذ هـــــذه السياسة
وانجاحها - آلة جهنمية تعتبر من أفضع ما عرفته الانسانية فــــــي تاريخها
الطويل ، ألا وهي : دواوين التحقيق / محاكم التفتيش / وقد طبق زبانيـــة
هذه الدواوين بحق المخالفين للكنيسة الكاثوليكية بصورة عامــــــــــة ، وبحق
المسلمين العرب بصورة خاصة ، أساليب من التعذيب تقشعر لهولها الأبدان .
وقد نجحت الكنيسة في اجبار كثير من المسلمين على تلقي العماد ، معتبرة
اياهم من النصارى ، ولكنها مع ذلك لم تتركهم وشأنهم ، وانما أخذت تنقب
عن خفايا نفوسهم ، وتطارد من تشك في صدق ايمانهم . وثـــــار المسلمون
الأندلسيون مرة تلو المرة ، لدفع الضيم عنهم ، وللتعبير عـــــــــن سخطهم
واستيائهم من خرق العهود المقطوعة لهم ، ودامت احدى ثوراتـــــــهم ثلاث
سنوات ، ولكن خصمهم كان أقوى منهم فقهرهم واتخذ من ثورتهم حجـــــــة
عليهم للتنكيل بهم ، وأصبح السعيد من أولئك المساكين من تطــرده السلطات
الحاكمة من شبه الجزيرة . وفي عامي 1609 م و 1610 م أخــــرجت
اسبانيا ما تبقى من أنساب العرب في الأندلس ، مع أنهم أصبحوا مسيحيين
في نظرها منذ وقت طويل .
ولقد بعض الكتاب الاسبان أن يدفع عن بلده اسبانيا النعــوت والأوصاف التي
ألصقها بهم الكتاب المنصفون الغربيون ، من جراء ما اقترفـــــــــــه الشعب
الاسباني وكنيسته وحكومته بحق العرب ، وحاول تبرير التصرف الــــــــذي
استهدف العرب تارة بضرورة البحث عن وحدة القومية والدين فــــي اسبانيا
وتارة بالقول ان العرب الأندلسيين كانوا يتآمرون مع الفرنسيين والأتــــراك
والجزائريين ....على الحكومة الاسبانية . ولكن جميع هذه الأقوال لا تجد
خارج اسبانيا من يقتنع بها ، أو يعتقد بصحتها " .
.......مع تحيات العتيق .
العتيق- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 1509
درجة التقدير : 6
تاريخ الميلاد : 01/01/1951
تاريخ التسجيل : 17/04/2011
العمر : 73
الموقع : البريد أعلاه وكذا منتدى جبالة
مواضيع مماثلة
» أنواع الحقوق في الاسلام
» ا" الكتائب المسيحية في خدمة الملوك المغاربة "
» كارين آرمسترونغ: المسيحية ليست أكثر تسامحاً من الإسلام
» الأمانة في الاسلام
» الاسلام في افريقيا
» ا" الكتائب المسيحية في خدمة الملوك المغاربة "
» كارين آرمسترونغ: المسيحية ليست أكثر تسامحاً من الإسلام
» الأمانة في الاسلام
» الاسلام في افريقيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى