(العلامة الصالح والحجة الواضح أبو إبراهيم ابن مطهر الورياغلي الملقب " بالأعرج " ( تـ : 683هـ

(العلامة الصالح والحجة الواضح أبو إبراهيم ابن مطهر الورياغلي الملقب " بالأعرج " ( تـ : 683هـ
زكرياء الريسوني



بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام المرسلين ، والرضى عن أصحابه الغر المحجلين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .



أما بعد ، فإن المغرب الأقصى لم يكن له تاريخ يروج حديثه إلا عند خواص الخواص، بله بين عامة الناس وبالنظر إلى الببلوغرافية التي ألفها المستشرقين بليفار وبراون (pleyfair et brown ) قبل سنة 1800م ، وما ورد فيها من عناوين تخص تاريخ المغرب دليل واضح على كثرة المصنفات وما بذل فيها أصحابها من جهود مثمرة ومثابرة جادة حتى طبقت شهرتها الآفاق منها على سبيل المثال كتاب ((روض القرطاس)) الذي ألفه ابن أبي زرع للتعريف بالدول التي حكمت المغرب وبتاريخ مدينة فاس ، إذ تُرجم في ظرف مائة عام إلى أربع لغات : الألمانية / البرتغالية / اللاتينية/ الفرنسية (1).



والمغاربة قليلو العناية بعلم التاريخ وكتب تراجم الأعلام والصلحاء التي تدخل حتما في مجال الدراسات التاريخية كما صرح بذلك العلامة الكتاني في سلوة الأنفاس 2 وهذا مشاهد ، فإنك تجد نفسك أمام رجل علم وفكر ممن تزدهي به المحافل العلمية والمجالسات الأدبية قد تبحر في العلوم الشرعية والأدبية لكن ذاكرته الثاقبة وحافظته القوية لا تساعده على ضبط الترتيب الزمني للدول التي حكمت المغرب لعدم اهتمامه بأحوال المغرب التاريخية وتسلسلها ، فلم يكن علم التاريخ السياسي والأدبي في البرامج التعليمية المغربية له حضور وانتشار بين شيوخ العلم والطلبة.!



نعـــــــم ؛ لم يكن التاريخ المغربي يدرس في جامعاتنا العتيقة ، إلا لما أقر نظام جامعة القرويين ، كتاب الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للشيخ أحمد الناصري3 - رحمه الله - فهذا المُصنَّف مثلا جل من كان يهتم به زمرة قليلة من الناس الذين كان جل مثقفيهم يقتصر على علوم الآلة وفي مقدمتها النحو ، وعلى علوم الدين وعلى رأسها فقه الفروع والنوازل .



وكان قد أُسند كتاب الاستقصا للشيخ الفقيه الشامي ليدرسه للقسم النهائي الأدبي ، فما كان يحضر درسه إلا طالب أو طالبان، أما مستوى الابتدائي والثانوي ففيهما كان يُدَرَّس تاريخ الإسلام والسيرة النبوية ، دون تاريخ عُدْوَة المغرب4 ، ومهما يكن من أمر فإنه من اللازم أن نقدم بهذه الكلمة الواجبة في حق علم التاريخ والتراجم لعلها تكون دافعا لاهتمام أهل هذه المنطقة بتراثهم وتراجم أعلامهم، وننتقل في هذا العدد إلى ترجمة أخرى لأحد أعلام منطقة الريف الأوسط تتمة لما التزمنا به في العدد السابق من ذكر تراجم أعلام وصلحاء المنطقة والتعريف بهم، وكذلك وفاء لعلمائها الأبرار وصلحائها الأخيار، ومن هؤلاء الشيخ العلامة المتفنن والصالح الزاهد الحجة الواضح أبو إبراهيم إسحاق بن يحيى ابن مطهر الورياغلي المعروف بالأعرج5، وهو ينسب إلى قبيلة بني ورياغل من فخذ قبيلة بني يملك4. جد الأشراف الغلبزوريين ، الموجودين في بني ورياغل ، فهو من ذرية المولى إدريس الأصغر دفين فاس بن مولاي إدريس الأكبر دفين زرهون ، فهو شريف إدريسي وهو جد المرابطين ببني ورياغل.



أما سبب تسميتهم بالغلبزوريين ، فإنه كان ينزل في موضع بأعلى قبيلة بني ورياغل على واد (غيس) يسمى"أغيل أبزور" ثم انتشر أولاده وأحفاده بين أفخاذ قبيلة بني ورياغل ، وسموا بالغلبزوريين نسبة إلى منزل جدهم المذكور ليتميزوا عن باقي الشرفاء القاطنين بالمنطقة6 .



قال عنه محمد بن جعفر الكتاني في سلوة الأنفاس7 : ((كان إماما من أئمة الدين والعلماء المهتدين وآية الله عز وجل في المدونة ، وهو صاحب الطرر عليها وفقيه فاس في وقته)) وقال أيضا : (( كان وليا صالحا زكيا ورعا زاهدا تقيا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر المألوف)).



درجته العلمية :

لقد كان مترجمنا يُدرس المدونة إلى أن وصف بأنه كان آية فيها ، كما كان يدرس كتاب التهذيب للبراذعي بجامع بادس الكبير بفاس ، وممن قرأ على يديه الشيخ أبو يعقوب البادسي والشيخ أبو الحسن الزرويلي وعمر بن علي الورياغلي ، ولا أدل على تبحره في العلم ما قاله فيه شيخه العلامة صاحب "شرح الرسالة" الشيخ أبي محمد صالح الهسكوري : إنه كان أوحد زمانه في الفقه والسخاء وأحفظ خلق الله لأسباب الإخاء ، ومع ذلك فلم يلن جانبه لسلطان قط.



وذكر صاحب السلوة8 نقلا عن أبي مدين الفاسي في كتابه "المحكم في الحكم" : إذ يقول : (( وحُكي أن الشيخ أبا إبراهيم بن يحيى بن مطهر الورياغلي عرف بالأعرج رفيق أبي الحسن الصغير ، والدعاء عند قبره مستجاب كما قيل ، كان إماما بجامع الشطة وكان يأمر الأمير يعقوب بن عبد الحق المريني بالمعروف وينهاه عن المنكر ، فأكثر عليه مرة فقال له الأمير أخرج من بلدي ، فلما خرج أصاب الأمير وجع شديد فأمر برده ، فقال لا أدخل حتى يخرج هو - أي الأمير- ولا أكون أنا وهو في بلد واحد ، فخرج في الحين فسكن وجعه ، وأمر ببناء المدينة البيضاء يعني فاس الجديدة نفعنا ببركاته)) .



نتاجه الفكري :



أما تآليفه فتشتمل على "طـــــرر" طرزها على المدونة ، ذكرها جمع من أهل العلم ممن ترجموا له أو نقلوا عنه في تعليقاتهم على المدونة.



ومنهم : ابن فرحون صاحب" تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام"9 : قال - رحمه الله - ((ومن ذلك الطرر لأبي إبراهيم الأعرج على التهذيب ، وهو من الكتب المعتمدة عليها الموثوق بصحة ما فيها )) .



وقال عنه الإمام الونشريسي في كتابه المعيار المعرب10 : ((صاحب الطرر على التهذيب وهو من رسوخ القدم في الفقهيات حفظا ونظرا )) وقد نقل عنه فتاوى كثيرة تظهر علو كعبه في الفقه لتمكنه من الأصول الشرعية والقواعد الفقهية ورسوخ قدمه في حل المنازعات المستعصية.



وقد ذكر المقري في "نفح الطيب"11 نقلا عن لسان الدين بن الخطيب :أن الفقيه أبو عبد الله الكرسوطي ألف كتبا منا : " الغرر في تكميل الطرر " أي أتم فيها "طــــرر" صاحب الترجمة ، ثم اختصرها في تاليف آخر سماه بـ: "الدرر في اختصار الطرر " .



وفـــــــــاته: 12



لقد عاش العلامة أبو إبراهيم الأعرج حياة علمية حافلة بمجالس المذاكرة والمناظرة في المسائل الفقهية المشكِلة وبقي إلى آخر عمره آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم ، توفي رحمه الله بفاس سنة 683 للهجرة ، ودفن بباب الجيسة. قبالة الباب ووقف على قبره مولانا سليمان بن محمد - سلطان المغرب- .



ـــــــــــ حواشي ــــــــــــــــــــ



1 / انظر للتوسع كتاب مؤرخو الشرفاء للقي بروقنصال / تعريب عبد القادر الخلادي ؛ دار المغرب للنشر 1977م (ص: 17 ومابعدها).



2 / سلوة الأنفاس للكتاني 1/3 "قلة اعتناء أهل المغرب بالتاريخ" الطبعة الفاسية 1318هـ. قلت : وقد أورد كلاما نفيسا للعلامة اليوسي في محاضراته (ص: 59) .



3 / قلت : وقد طبع أول مرة بمصر وطبع حديثا طبعة ممتازة تحت إشراف وزارة الاتصال والثقافة/2001م ، وقد اختصره الفقيه أحمد الرهوني - رحمه الله - .



4 / انظر - غير مأمور- تاريخ سبتة لمحمد بن تاويت الطنجي (ص: 6) .



5 / انظر كتاب حرب الريف التحريرية ومراحل النضال للحاج أحمد البوعياشي مطبعة دار الأمل 1/ 229.



6 / نفس المرجع 1/ 266 . وأيضا المقصد الشريف للبادسي تح : سعيد أعراب ط: المطبعة الملكية الرباط سنة 1982م : ص: 110 رقم الترجمة : 23.



7 / انظر السلوة : 3/144.



8 / راجع نفس المصدر 3/144 . وجذوة الاقتباس في ذكر من حل من الأعلام مدينة فاس لابن القاضي المكناسي تح :عبد الوهاب بن منصور / الرباط 1973م . ( ص:165).



9 / انظر الباب الخامس : أركان القضاء من فصل من كانت فتياه نقلا لمذهب إمامه .



10 / انظر المعيار المعرب والجامع المغرب من فتاوى أهل إفريقية والأندلس والمغرب لأبي العباس الونشريسي /ط: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الرباط :1981م. ( 6/396) .



11 / نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقري تح : إحسان عباس ، دار صادر بيروت . (6/97).



12 / انظر سلوة الأنفاس :3/147. وشجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد مخلوف طبعة دار المسيرة.(ص202). وجذوة الاقتباس ( 164-165 ؛ رقم : 116).
_________________
منقول

- نقلك أخي في محله ، فالرجاء المزيد من القاء الأضواء على رجالات هذه
المنطقة ، لأن بعضهم يققل من شأنها حسدا من عند أنفسهم ، فالمنطقة الشمالية
بحكم موقعها المتوسطي ووجودها على يسار القادم من الشرق الذي كان يعج
بالحضارات جعلها تستفيد من ذلك كله منذ فجر التاريخ وفجــر الاسلام كذلك
وامارة " بنو صالح " بالنكور نموذجا .
اعمل لك همة واتنا بالمزيد ياأستاذنا ............مع تحيات العتيق .

ان شاء الله استاذي العتيق
بارك الله فيك