الست الحرة حاكمة تطوان
صفحة 1 من اصل 1
الست الحرة حاكمة تطوان
الست الحرة حاكمة تطوان
الست الحرة(1) هي امرأة كان لها نفوذ كبير في مدينة تطوان ونواحيها، ويصح أن يقال أنها تولت الحكم فيها. وقد وجدنا في المستندات الإفرنجية ذكر هذه السيدة مرارا وورد ذكرها أيضا في كتاب «دوحة الناشر» لابن عسكر، فقد جاء في ترجمة السيد الجاسوس منه قوله:(2) «أن سرية المسلمين ذهبوا إلى الإغارة على النصارى الذين بسبتة فوجدوا هذا الرجل على ساحل البحر بمقربة مدينة سبتة فظنوا أنه من الجواسيس الذين يترددون إلى بلاد الكفر فسألوه عن أمره فتكلم بكلام لا يفهمونه فقبضوا عليه وأتوا به إلى تطوان في ولاية الحرة بنت علي بن راشد الخ ... فأنت ترى أنه ذكر أن تلك الحادثة وقعت في عهد ولاية السيدة المذكورة للحكم في تطوان.
فمن هي هذه السيدة؟
وما هو اسمها الحقيقي؟
وما هو المركز الذي كان لها في تطوان؟
وما هو تاريخ وجودها في هذه المدينة وحكمها فيها؟
وما هي المدة التي قضتها في حكمها؟
هذه أسئلة خمسة دونك أجوبتها:
أما السؤال الأول فقد أجاب عنه ابن عسكر في كتابه «دوحة الناشر» كما رأيت، إذ ذكر أنها بنت علي ابن راشد الشريف العلمي صاحب مدينة شفشاون. وقد ذكر ذلك أيضا الباحث الفرنسي م ريكار في البحث الذي نشره بمجلة الأندلس (3) عن مولاي ابراهيم قائد شفشاون وشقيق الست الحرة المذكورة، وزادنا قائدة أخرى فأجابنا عن السؤال الثاني وبين لنا اسمها الحقيقي فذكر نقلا عن المصادر البرتغالية أنها كانت تسمى عائشة، بل زادنا عنها وعن والديها معلومات طريفة فذكر أن أمها كانت تسمى لالا الزهرة وأن أصلها من مدينة فخير دي لافرو نطيرا الإسبانية وهي مدينة صغيرة قرب الجزيرة الخضراء بالأندلس. وكانت هذه السيدة في أول أمرها إسبانية مسيحية ثم أسلمت وصارت تدعى لالا الزهرة كما أن أخاها الذي كان اسمه مرتين فرنالديس أسلم فحول اسمه فرناندو، وأن سيدي علي بن الرشيد تزوج لالا الزهرة المذكورة فولدت منه مولاي ابراهيم الذي صار فيما بعد حاكما بشفشاون وكان قائدا كبيرا وحربيا مغامرا، كما ولدت له أيضا ابنته عائشة التي صارت فيما بعد تدعى الست الحرة أو السيدة الحرة، التي حكمت نوعا ما في تطوان عندما كانت زوجا للمنظري وقد تزوجت فيما بعد بسلطان فاس أحمد الوطاسي الخ.
فاسم السيدة كما ترى هو عائشة ولقبها هو الست الحرة وهي ابنة الشريف الجليل المجاهد سيدي علي بن راشد باني شفشاون وحاكمها.
وفي المصادر الإفرنجية أن الست الحرة ولدت بعد أخيها إبراهيم الذي ولد سنة 1490ميلادية 896هـ فعلى ذلك كانت عند وفاة الشيخ المنظري الجد، ما تزال في سن الطفولة، وكانت عند وفاة والدها سنة 917 فيما دون العشرين من عمرها.
تم أن م ريكار ذكر أنها حكمت تطوان نوعا ما حينما كانت زوجا المنظري، ومن ذلك نأخذ الجواب عن السؤال الثالث، وتعرف أن الصفة التي كانت لها في تطوان، هي أنها زوجة حاكمها القائد المنظري، ونحن نعرف أنه كان بتطوان في أوائل القرن العاشر منظريان اثنان أولهما هو القائد الغرناطي الشهير أبو الحسن المنظري الذي جدد بناء تطوان وتولى الحكم بها في أواخر القرن التاسع، والآخر حفيده الذي تولى حكم تطوان من بعده – ولا شك أن الذي تزوج الست الحرة هو الحفيد لأن الجد كما قلنا توفي وهو شيخ كبير في حياة والدها علي الذي كانت وفاته عام 917.
والذي يظهر أن الست الحرة قد تولت الحكم بتطوان في طورين:
الأول – حينما كانت زوجا للمنظري فكانت تتولى بعض الأحكام أما في غيبة زوجها الذي كان حاكما بتطوان فكان إذا غاب عنها في حروبه المتوالية مع الإفرنج، تنوب عنه في إبداء الرأي والإشارة بنظرها في بعض القضايا لما كان يرى من سداد رأيها وحسن تدبيرها، وأما أنه بعد أن توفي هو بقيت داره عامرة وحاشيته ملتفة حولها وبقيت زوجه الست الحرة بما كان لها من نفوذ وجاه ومقام ومعرفة، قابضة على زمام الحكم ولم يجد الناس في ذلك حرجا لما كانوا يرونه من حزمها وحسن سياستها.
ومن المعروف أن بني راشد الذين كانوا حكام مدينة شفشاون والقبائل الجبلية القريبة منها، كانت بينهم وبين المنظري وأندلسيي تطوان، علاقة ودية متينة منذ هاجر أولئك الأندلسيون من غرناطة إلى شمال المغرب.
ويظهر أن ذلك كان من أهم الأسباب فيما حصل بني آل المنظري وأصحابه أهالي تطوان من ناحية وبني راشد من ناحية أخرى من الانسجام والتعاون، حتى أدى الحال أولا إلى المصاهرة بين العائلتين المنظرية والراشدية، وثانية إلى تولي «الست الحرة» الراشدية المنظرية لحكم مدينة تطوان نفسها ورضا أهالي تطوان بتلك الولاية بالرغم من كون ولاية المرأة للحكم شيئا لم يكن معهودا بالمغرب في عصر الحكم الإسلامي، إلا أن مكانة العائلتين وذكاء الست الحرة ومرونتها وحزمها ودهاءها وقوة شخصيتها –وربما كان مع ذلك شيء من الجمال واللطف وحسن المعاملة – كل ذلك سوغ لها أن تحكم البلاد إداريا وتقود الرجال سياسيا واجتماعيا وحربيا. وذلك من أغرب ما حدث في تاريخ تطوان.
الطور الثاني – لما تزوجت بعد ذلك بالسلطان أحمد الوطاسي كما سيأتي، كانت تحكم تطوان أيضا وقد اتسع نفوذها وصار عملها غير قاصر على مباشرة الأعمال العادية داخل أسوار المدينة، بل صارت لها علاقات خارجية أيضا. والمصادر الإسبانية والبرتغالية تصف الست الحرة بأنها كانت كفؤا لما وصلت إليه من مقام، لأنها تلقت علومها عن كبار الرجال ولأنها كانت ذات معرفة ونظر، ونذكر أنها كانت شديدة في تصرفاتها وخصوصا مع حاكم سبتة، وأنها كانت لها مراكب تتعاطى القرصنة في البحار، وأنها كانت تتجر في الأسارى المسيحيين إلخ...
وأنها تزوجت بالقائد المنظري حاكم تطوان ونواحيها لتوحيد جبهة النضال بين مدينتي شفشاون وتطوان ضد عدوان البرتغاليين.
وفي المجموعة التاريخية التي نشرها م هنري دي كاستري: أن الست الحرة كانت حاكمة بتطوان وكان لها نفوذ بها، وأنه وقع بينها وبين حاكم سبتة ضون الفونسو البرتغالي خلاف أدى إلى قطع المواصلات بين سبتة وفاس فاهتم بذلك سلطان فاس أحمد بن محمد المريني –أي الوطاسي- وكلف سباستيان دي بركاس بكتابة رسالة إلى جان الثالث(4)ملك البرتغال للتوسط بين حاكم سبتة والست الحرة فكتب سيباستيان المذكور رسالة من سبتة بتاريخ 8 سبتمبر سنة 1542م وفي المجموعة المذكورة ترجمة الرسالة المذكورة إلى الفرنسية وفيها أن الست الحرة كانت قد سمحت للمراكب التركية بالدخول إلى ميناء تطوان الخ. مما يدل على أنها كانت تباشر الأعمال الخارجية حتى مع الدول الأجنبية.
أما تاريخ وجود الست الحرة بتطوان ومدة حكمها فيها فقد ذكر ابن عسكر في دوحة الناشر أنها كانت متولية في حدود الخمسين أي وتسعمائة ومن رسالة سيباستيان دي بركاس نفهم أنها كانت حاكمة سنة 1542م وهي توافق عام 948-949هـ.
والمعلومات عن الست الحرة في المصادر العربية قليلة جدا وجل ما عرف عنها مأخوذ عن المصادر الإفرنجية مما كتبه أشخاص أوربيون، إلا أن في كلامهم بعض أخطاء.
فمن ذلك أنهم ذكروا أن الست الحرة هي والدة القاضي محمد بن عسكر مؤلف كتاب «دوحة الناشر» وأنها هي التي ختمت حياتها باعتزال الحياة السياسية وانزوائها في مدينة القصر الكبير حيث عاشت مع ولدها ابن عسكر المذكور إلى أن توفيت في ثاني عشر ذي القعدة عام 969 هـ وذلك كله لا أصل له، لأن والدة ابن عسكر هي عائشة ابنة أحمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن أحمد بن عمران الخ. وقد ترجم لها ابنها في كتابه: «دوحة الناشر»(5)ووصفها بالولية الصالحة المتبرك بها، ونسب لها كرامات، ومن ترجمتها نعرف أنها قضت حياتها بمدينة شفشاون إلى أن انتقلت إلى القصر الكبير حيث توفيت في التاريخ المذكور.
أما الست الحرة فهي عائشة ابنة الشيخ علي بن موسى بن راشد من ذرية الشيخ عبد السلام بن مشيش فوالدة ابن عسكر هي غير الست الحرة قطعا أما هذه، -أعني الست الحرة- فإن مصيرها بعد إقصائها عن حكم تطوان ما زال غير معروف لدينا إلى الآن.
ومن ذلك قولهم أن الست الحرة تزوجت الشيخ علينا المنظري الكبير وانتقلت معه إلى تطوان مركز حكمه الخ. فإن ذلك خطأ أيضا، لأن التاريخ الذي توفي فيه الشيخ المنظري المذكور كانت هي فيه ما تزال في سن الطفولة، وهم أنفسهم يذكرون أن مولدها كان عام 900هـ والمنظري لم يعش بعد هذا العام إلا بضع سنين شيخا هرما فاقدا لبصره. فالمنظري الذي كان زوجا لها هو أحد حفدة الشيخ المنظري المذكور.
زواج سلطان فاس بحاكمة تطوان سنة 948
من أهم الأشياء التي تتعلق بالست الحرة قصة زواجها من السلطان أحمد الوطاسي، وقد ذكرها العلامة سيدي العربي الفاسي في كتابه«مرآة المحاسن» إذ قال فيه ما نصه:(6)«ولما كان خروجه (أي سلطان فاس أحمد الوطاسي) الذي وصل فيه إلى تطوان وتزوج بها الحرة بنت الأمير السيد أبي الحسن علي بن موسى بن راشد الشريف... إلى أن قال : قال الشيخ قاضي الجماعة أبو محمد عبد الواحد بن أحمد الونشريسي رحمه الله فيما قرأته بخطه «وتزوج السلطان الحرة في ربيع الأول عام ثمانية وأربعين 948 وبنى بها ببلد تطاون» وهذا التاريخ يوافقه التاريخ الميلادي شهر يوليه سنة 1541م. وقد نقل الناصري مضمـــن ذلك في الاستقصـــا(7).
ولنا هنا وقفة. فقد سبق لنا أن الست الحرة كانت حاكمة تطوان سنة 1542م 949هـ كما في رسالة سيباستيان دي بركاس، وفي دوحة الناشر أنها كانت متولية في حدود الخمسين وذلك يصدق بسنة 949 أيضا والثابت أنها تزوجت بسلطان فاس أحمد الوطاسي وبنى بها في تطوان قبل ذلك التاريخ أي عام 948 كما رأيت في «مرآة المحاسن» فهل طلقها السلطان المذكور عقب زواجه بها وغادر هو تطوان وبقيت هي بها؟ أم أنها بقيت حاكمة بالرغم من كونها زوجة السلطان؟ نحن نرجح هذا الاحتمال الثاني خصوصا بعد أن عرفنا أن مقام الاضمحلال بسبب محاربة السعديين له ومقاسمتهم له دولته، فكان يبحث عما يوطد به مركزه بمختلف الوسائل، ولذلك تزوج بالست الحرة التي كان لها مقام ممتاز بتطوان ونواحيها، كما كانت لعائلتها الشريفة الحاكمة بشفشاون مكانة عظيمة في مختلف القبائل الجبلية بشمال المغرب، وقد سبق له من قبل أنه زوج أخته من القائد مولاي إبراهيم شقيق الست الحرة نفسها، فكان زواج السلطان بالست الحرة سياسيا المقصود منه اكتساب عطف هذه النواحي وتأييدها له، ولذلك ترك زوجته المذكورة نائبة عنه في حكم هذه الناحية، وقد صرح مؤرخو الإفرنج في ذلك العهد بأن زواج السلطان الوطاسي بالست الحرة إنما كان لتوطيد الأمن في هذه الربوع من المغرب.
ومن هذا كله تتضح لنا الصفة التي كانت تحكم بها الست الحرة مدينة تطوان في المدة الأخيرة وهي أنها كانت زوجة للسلطان ونائبه عنه في الحكم وكونها كانت زوجة للسلطان المذكور قد علمت أنه ثابت لا شك فيه، وكذلك كونها كانت حاكمة بتطوان بعد ذلك الزواج فإذا لم يثبت أنه طلقها عقب زواجه بها لم يبق إلا أنها كانت في تلك المدة تحكم هذه المدينة ونواحيها بتفويض من زوجها السلطان والله أعلم.
القائد المنظري الرابع والقضاء على حكم الست الحرة سنة 949هـ
علمت مما تقدم أن الست الحرة قد تم زواجها من السلطان أحمد الوطاسي بتطوان سنة 948 عقب وفاة زوجها المنظري حاكم هذه المدينة، وأنها كانت حاكمة بها بعد ذلك في أوائل سنة 949، ويظهر أن كبار الرجال من عائلة المنظري وغيرهم قد استاءوا من أن تتولى الست الحرة حكم تطوان وهم في الوجود، فقاموا بمؤامرة لقلب حكومة المرأة والاستيلاء على حكم هذه المدينة، وقد شارك في هذه المؤامرة محمد الحسن المنظري الذي كان من سكان تطوان. وهو حفيد المنظري حاكم تطوان من قبل وصهر الست الحرة، كما شارك فيها والده محمد الحسن المنظري أيضا وكان قاطنا مع عائلته بفاس(. فجاء هذا المنظري الوالد من فاس إلى تطوان واستولى على الحكم فيها بالقوة.
وقد جاء في المصادر البرتغالية أنه في يوم عشري شهر أكتوبر سنة 1542 –وهو موافق لشهر رجب عام 949- غادر السيد محمد الحسن المنظري مدينة فاس هاربا من السلطان أحمد الوطاسي وتوجه نحو مدينة تطوان مركز حكم الست الحرة، فوصلها على رأس جماعة من الفرسان ومعه عائلته وبعد يومين من وصوله إليها أعلن نفسه حاكما على هذه المدينة مستقلا عن سلطان فاس ثم أخرج الست الحرة من هذه المدينة واستولى على جميع ممتلكاتها بها.
ويظهر أن هذا الانقلاب لم يتم للمنظري إلا بمساعدة المتآمرين معه على حكم الست الحرة من سكان تطوان نفسها(9).
ولا يبعد أن يكون ذلك كله بتدبير عال من خصوم دولة الوطاسيين.
وبذلك وقع القضاء النهائي على حكم الست الحرة في مدينة تطوان ونواحيها، وكان القائم بذلك كما رأيت هو القائد محمد الحسن المنظري الذي كان هو الرابع من الرجال الذين حكموا تطوان من عائلة المنظري.
ولا تدري أكثر من هذا لا عن شخصية هذا القائد ولا عن الحوادث التي وقعت في عهده ولا عن مدة ولايته ونهايته.
فمن هي هذه السيدة؟
وما هو اسمها الحقيقي؟
وما هو المركز الذي كان لها في تطوان؟
وما هو تاريخ وجودها في هذه المدينة وحكمها فيها؟
وما هي المدة التي قضتها في حكمها؟
هذه أسئلة خمسة دونك أجوبتها:
أما السؤال الأول فقد أجاب عنه ابن عسكر في كتابه «دوحة الناشر» كما رأيت، إذ ذكر أنها بنت علي ابن راشد الشريف العلمي صاحب مدينة شفشاون. وقد ذكر ذلك أيضا الباحث الفرنسي م ريكار في البحث الذي نشره بمجلة الأندلس (3) عن مولاي ابراهيم قائد شفشاون وشقيق الست الحرة المذكورة، وزادنا قائدة أخرى فأجابنا عن السؤال الثاني وبين لنا اسمها الحقيقي فذكر نقلا عن المصادر البرتغالية أنها كانت تسمى عائشة، بل زادنا عنها وعن والديها معلومات طريفة فذكر أن أمها كانت تسمى لالا الزهرة وأن أصلها من مدينة فخير دي لافرو نطيرا الإسبانية وهي مدينة صغيرة قرب الجزيرة الخضراء بالأندلس. وكانت هذه السيدة في أول أمرها إسبانية مسيحية ثم أسلمت وصارت تدعى لالا الزهرة كما أن أخاها الذي كان اسمه مرتين فرنالديس أسلم فحول اسمه فرناندو، وأن سيدي علي بن الرشيد تزوج لالا الزهرة المذكورة فولدت منه مولاي ابراهيم الذي صار فيما بعد حاكما بشفشاون وكان قائدا كبيرا وحربيا مغامرا، كما ولدت له أيضا ابنته عائشة التي صارت فيما بعد تدعى الست الحرة أو السيدة الحرة، التي حكمت نوعا ما في تطوان عندما كانت زوجا للمنظري وقد تزوجت فيما بعد بسلطان فاس أحمد الوطاسي الخ.
فاسم السيدة كما ترى هو عائشة ولقبها هو الست الحرة وهي ابنة الشريف الجليل المجاهد سيدي علي بن راشد باني شفشاون وحاكمها.
وفي المصادر الإفرنجية أن الست الحرة ولدت بعد أخيها إبراهيم الذي ولد سنة 1490ميلادية 896هـ فعلى ذلك كانت عند وفاة الشيخ المنظري الجد، ما تزال في سن الطفولة، وكانت عند وفاة والدها سنة 917 فيما دون العشرين من عمرها.
تم أن م ريكار ذكر أنها حكمت تطوان نوعا ما حينما كانت زوجا المنظري، ومن ذلك نأخذ الجواب عن السؤال الثالث، وتعرف أن الصفة التي كانت لها في تطوان، هي أنها زوجة حاكمها القائد المنظري، ونحن نعرف أنه كان بتطوان في أوائل القرن العاشر منظريان اثنان أولهما هو القائد الغرناطي الشهير أبو الحسن المنظري الذي جدد بناء تطوان وتولى الحكم بها في أواخر القرن التاسع، والآخر حفيده الذي تولى حكم تطوان من بعده – ولا شك أن الذي تزوج الست الحرة هو الحفيد لأن الجد كما قلنا توفي وهو شيخ كبير في حياة والدها علي الذي كانت وفاته عام 917.
والذي يظهر أن الست الحرة قد تولت الحكم بتطوان في طورين:
الأول – حينما كانت زوجا للمنظري فكانت تتولى بعض الأحكام أما في غيبة زوجها الذي كان حاكما بتطوان فكان إذا غاب عنها في حروبه المتوالية مع الإفرنج، تنوب عنه في إبداء الرأي والإشارة بنظرها في بعض القضايا لما كان يرى من سداد رأيها وحسن تدبيرها، وأما أنه بعد أن توفي هو بقيت داره عامرة وحاشيته ملتفة حولها وبقيت زوجه الست الحرة بما كان لها من نفوذ وجاه ومقام ومعرفة، قابضة على زمام الحكم ولم يجد الناس في ذلك حرجا لما كانوا يرونه من حزمها وحسن سياستها.
ومن المعروف أن بني راشد الذين كانوا حكام مدينة شفشاون والقبائل الجبلية القريبة منها، كانت بينهم وبين المنظري وأندلسيي تطوان، علاقة ودية متينة منذ هاجر أولئك الأندلسيون من غرناطة إلى شمال المغرب.
ويظهر أن ذلك كان من أهم الأسباب فيما حصل بني آل المنظري وأصحابه أهالي تطوان من ناحية وبني راشد من ناحية أخرى من الانسجام والتعاون، حتى أدى الحال أولا إلى المصاهرة بين العائلتين المنظرية والراشدية، وثانية إلى تولي «الست الحرة» الراشدية المنظرية لحكم مدينة تطوان نفسها ورضا أهالي تطوان بتلك الولاية بالرغم من كون ولاية المرأة للحكم شيئا لم يكن معهودا بالمغرب في عصر الحكم الإسلامي، إلا أن مكانة العائلتين وذكاء الست الحرة ومرونتها وحزمها ودهاءها وقوة شخصيتها –وربما كان مع ذلك شيء من الجمال واللطف وحسن المعاملة – كل ذلك سوغ لها أن تحكم البلاد إداريا وتقود الرجال سياسيا واجتماعيا وحربيا. وذلك من أغرب ما حدث في تاريخ تطوان.
الطور الثاني – لما تزوجت بعد ذلك بالسلطان أحمد الوطاسي كما سيأتي، كانت تحكم تطوان أيضا وقد اتسع نفوذها وصار عملها غير قاصر على مباشرة الأعمال العادية داخل أسوار المدينة، بل صارت لها علاقات خارجية أيضا. والمصادر الإسبانية والبرتغالية تصف الست الحرة بأنها كانت كفؤا لما وصلت إليه من مقام، لأنها تلقت علومها عن كبار الرجال ولأنها كانت ذات معرفة ونظر، ونذكر أنها كانت شديدة في تصرفاتها وخصوصا مع حاكم سبتة، وأنها كانت لها مراكب تتعاطى القرصنة في البحار، وأنها كانت تتجر في الأسارى المسيحيين إلخ...
وأنها تزوجت بالقائد المنظري حاكم تطوان ونواحيها لتوحيد جبهة النضال بين مدينتي شفشاون وتطوان ضد عدوان البرتغاليين.
وفي المجموعة التاريخية التي نشرها م هنري دي كاستري: أن الست الحرة كانت حاكمة بتطوان وكان لها نفوذ بها، وأنه وقع بينها وبين حاكم سبتة ضون الفونسو البرتغالي خلاف أدى إلى قطع المواصلات بين سبتة وفاس فاهتم بذلك سلطان فاس أحمد بن محمد المريني –أي الوطاسي- وكلف سباستيان دي بركاس بكتابة رسالة إلى جان الثالث(4)ملك البرتغال للتوسط بين حاكم سبتة والست الحرة فكتب سيباستيان المذكور رسالة من سبتة بتاريخ 8 سبتمبر سنة 1542م وفي المجموعة المذكورة ترجمة الرسالة المذكورة إلى الفرنسية وفيها أن الست الحرة كانت قد سمحت للمراكب التركية بالدخول إلى ميناء تطوان الخ. مما يدل على أنها كانت تباشر الأعمال الخارجية حتى مع الدول الأجنبية.
أما تاريخ وجود الست الحرة بتطوان ومدة حكمها فيها فقد ذكر ابن عسكر في دوحة الناشر أنها كانت متولية في حدود الخمسين أي وتسعمائة ومن رسالة سيباستيان دي بركاس نفهم أنها كانت حاكمة سنة 1542م وهي توافق عام 948-949هـ.
والمعلومات عن الست الحرة في المصادر العربية قليلة جدا وجل ما عرف عنها مأخوذ عن المصادر الإفرنجية مما كتبه أشخاص أوربيون، إلا أن في كلامهم بعض أخطاء.
فمن ذلك أنهم ذكروا أن الست الحرة هي والدة القاضي محمد بن عسكر مؤلف كتاب «دوحة الناشر» وأنها هي التي ختمت حياتها باعتزال الحياة السياسية وانزوائها في مدينة القصر الكبير حيث عاشت مع ولدها ابن عسكر المذكور إلى أن توفيت في ثاني عشر ذي القعدة عام 969 هـ وذلك كله لا أصل له، لأن والدة ابن عسكر هي عائشة ابنة أحمد بن عبد الله بن علي بن محمد بن أحمد بن عمران الخ. وقد ترجم لها ابنها في كتابه: «دوحة الناشر»(5)ووصفها بالولية الصالحة المتبرك بها، ونسب لها كرامات، ومن ترجمتها نعرف أنها قضت حياتها بمدينة شفشاون إلى أن انتقلت إلى القصر الكبير حيث توفيت في التاريخ المذكور.
أما الست الحرة فهي عائشة ابنة الشيخ علي بن موسى بن راشد من ذرية الشيخ عبد السلام بن مشيش فوالدة ابن عسكر هي غير الست الحرة قطعا أما هذه، -أعني الست الحرة- فإن مصيرها بعد إقصائها عن حكم تطوان ما زال غير معروف لدينا إلى الآن.
ومن ذلك قولهم أن الست الحرة تزوجت الشيخ علينا المنظري الكبير وانتقلت معه إلى تطوان مركز حكمه الخ. فإن ذلك خطأ أيضا، لأن التاريخ الذي توفي فيه الشيخ المنظري المذكور كانت هي فيه ما تزال في سن الطفولة، وهم أنفسهم يذكرون أن مولدها كان عام 900هـ والمنظري لم يعش بعد هذا العام إلا بضع سنين شيخا هرما فاقدا لبصره. فالمنظري الذي كان زوجا لها هو أحد حفدة الشيخ المنظري المذكور.
زواج سلطان فاس بحاكمة تطوان سنة 948
من أهم الأشياء التي تتعلق بالست الحرة قصة زواجها من السلطان أحمد الوطاسي، وقد ذكرها العلامة سيدي العربي الفاسي في كتابه«مرآة المحاسن» إذ قال فيه ما نصه:(6)«ولما كان خروجه (أي سلطان فاس أحمد الوطاسي) الذي وصل فيه إلى تطوان وتزوج بها الحرة بنت الأمير السيد أبي الحسن علي بن موسى بن راشد الشريف... إلى أن قال : قال الشيخ قاضي الجماعة أبو محمد عبد الواحد بن أحمد الونشريسي رحمه الله فيما قرأته بخطه «وتزوج السلطان الحرة في ربيع الأول عام ثمانية وأربعين 948 وبنى بها ببلد تطاون» وهذا التاريخ يوافقه التاريخ الميلادي شهر يوليه سنة 1541م. وقد نقل الناصري مضمـــن ذلك في الاستقصـــا(7).
ولنا هنا وقفة. فقد سبق لنا أن الست الحرة كانت حاكمة تطوان سنة 1542م 949هـ كما في رسالة سيباستيان دي بركاس، وفي دوحة الناشر أنها كانت متولية في حدود الخمسين وذلك يصدق بسنة 949 أيضا والثابت أنها تزوجت بسلطان فاس أحمد الوطاسي وبنى بها في تطوان قبل ذلك التاريخ أي عام 948 كما رأيت في «مرآة المحاسن» فهل طلقها السلطان المذكور عقب زواجه بها وغادر هو تطوان وبقيت هي بها؟ أم أنها بقيت حاكمة بالرغم من كونها زوجة السلطان؟ نحن نرجح هذا الاحتمال الثاني خصوصا بعد أن عرفنا أن مقام الاضمحلال بسبب محاربة السعديين له ومقاسمتهم له دولته، فكان يبحث عما يوطد به مركزه بمختلف الوسائل، ولذلك تزوج بالست الحرة التي كان لها مقام ممتاز بتطوان ونواحيها، كما كانت لعائلتها الشريفة الحاكمة بشفشاون مكانة عظيمة في مختلف القبائل الجبلية بشمال المغرب، وقد سبق له من قبل أنه زوج أخته من القائد مولاي إبراهيم شقيق الست الحرة نفسها، فكان زواج السلطان بالست الحرة سياسيا المقصود منه اكتساب عطف هذه النواحي وتأييدها له، ولذلك ترك زوجته المذكورة نائبة عنه في حكم هذه الناحية، وقد صرح مؤرخو الإفرنج في ذلك العهد بأن زواج السلطان الوطاسي بالست الحرة إنما كان لتوطيد الأمن في هذه الربوع من المغرب.
ومن هذا كله تتضح لنا الصفة التي كانت تحكم بها الست الحرة مدينة تطوان في المدة الأخيرة وهي أنها كانت زوجة للسلطان ونائبه عنه في الحكم وكونها كانت زوجة للسلطان المذكور قد علمت أنه ثابت لا شك فيه، وكذلك كونها كانت حاكمة بتطوان بعد ذلك الزواج فإذا لم يثبت أنه طلقها عقب زواجه بها لم يبق إلا أنها كانت في تلك المدة تحكم هذه المدينة ونواحيها بتفويض من زوجها السلطان والله أعلم.
القائد المنظري الرابع والقضاء على حكم الست الحرة سنة 949هـ
علمت مما تقدم أن الست الحرة قد تم زواجها من السلطان أحمد الوطاسي بتطوان سنة 948 عقب وفاة زوجها المنظري حاكم هذه المدينة، وأنها كانت حاكمة بها بعد ذلك في أوائل سنة 949، ويظهر أن كبار الرجال من عائلة المنظري وغيرهم قد استاءوا من أن تتولى الست الحرة حكم تطوان وهم في الوجود، فقاموا بمؤامرة لقلب حكومة المرأة والاستيلاء على حكم هذه المدينة، وقد شارك في هذه المؤامرة محمد الحسن المنظري الذي كان من سكان تطوان. وهو حفيد المنظري حاكم تطوان من قبل وصهر الست الحرة، كما شارك فيها والده محمد الحسن المنظري أيضا وكان قاطنا مع عائلته بفاس(. فجاء هذا المنظري الوالد من فاس إلى تطوان واستولى على الحكم فيها بالقوة.
وقد جاء في المصادر البرتغالية أنه في يوم عشري شهر أكتوبر سنة 1542 –وهو موافق لشهر رجب عام 949- غادر السيد محمد الحسن المنظري مدينة فاس هاربا من السلطان أحمد الوطاسي وتوجه نحو مدينة تطوان مركز حكم الست الحرة، فوصلها على رأس جماعة من الفرسان ومعه عائلته وبعد يومين من وصوله إليها أعلن نفسه حاكما على هذه المدينة مستقلا عن سلطان فاس ثم أخرج الست الحرة من هذه المدينة واستولى على جميع ممتلكاتها بها.
ويظهر أن هذا الانقلاب لم يتم للمنظري إلا بمساعدة المتآمرين معه على حكم الست الحرة من سكان تطوان نفسها(9).
ولا يبعد أن يكون ذلك كله بتدبير عال من خصوم دولة الوطاسيين.
وبذلك وقع القضاء النهائي على حكم الست الحرة في مدينة تطوان ونواحيها، وكان القائم بذلك كما رأيت هو القائد محمد الحسن المنظري الذي كان هو الرابع من الرجال الذين حكموا تطوان من عائلة المنظري.
ولا تدري أكثر من هذا لا عن شخصية هذا القائد ولا عن الحوادث التي وقعت في عهده ولا عن مدة ولايته ونهايته.
الهوامش:
1) لشيوع التسري بين القواد ورجال الدولة، كانت أزواجهم الحرائر ذوات منزلة خاصة حتى كن يكرمن بأن ينص على أنهن حرائر ولسن بأمهات أولاد.
(2) دوحة الناشر ص 34.
(3) مجلة الأندلس – مدريد – سنة 1941 م 6 ج 2 ص 299.
(4) هو خوان الثالث وقد تولى حكم البرتغال من سنة 1521 إلى سنة 1557.
(5) دوحة الناشر ص 19 طبعة فاس سنة 1309هـ.
(6) مرآة المحاسن ص 216 طبع فاس سنة 1324.
(7) ج 2 ص 177.
( لا يزال أعقاب المنظري بفاس، ومنهم من عاد إلى تطوا ن
(9) يظهر أن الحرة أفرطت في موالاة البرتغاليين حتى أصبحوا يتوسطون لها، وهذه خطة لم تكن لترضى المجاهدين سيما والمنافسون لا يمكن أن يتركوا هذه الفرصة تمر دون أن يستغلوها لصالح الوطن ولصالحهم أيضا.
1) لشيوع التسري بين القواد ورجال الدولة، كانت أزواجهم الحرائر ذوات منزلة خاصة حتى كن يكرمن بأن ينص على أنهن حرائر ولسن بأمهات أولاد.
(2) دوحة الناشر ص 34.
(3) مجلة الأندلس – مدريد – سنة 1941 م 6 ج 2 ص 299.
(4) هو خوان الثالث وقد تولى حكم البرتغال من سنة 1521 إلى سنة 1557.
(5) دوحة الناشر ص 19 طبعة فاس سنة 1309هـ.
(6) مرآة المحاسن ص 216 طبع فاس سنة 1324.
(7) ج 2 ص 177.
( لا يزال أعقاب المنظري بفاس، ومنهم من عاد إلى تطوا ن
(9) يظهر أن الحرة أفرطت في موالاة البرتغاليين حتى أصبحوا يتوسطون لها، وهذه خطة لم تكن لترضى المجاهدين سيما والمنافسون لا يمكن أن يتركوا هذه الفرصة تمر دون أن يستغلوها لصالح الوطن ولصالحهم أيضا.
دعوة الحق
العدد:33
الزاهوية- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 62
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 14/12/1976
تاريخ التسجيل : 16/09/2012
العمر : 47
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى