دلالة سورة المسد على عدم تأليف محمد القرآن
صفحة 1 من اصل 1
دلالة سورة المسد على عدم تأليف محمد القرآن
دلالة سورة المسد على عدم تأليف محمد القرآن
بين يدي السورة:
[rtl]سورة المسد أو سورة تبت وهي مكية بإجماع ، وآياتها خمس1.وهي: بسم الله الرحمان الرحيم: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ (5) . صدق الله العظيم[/rtl]
قال الإمام القرطبي تبت يدا أبي لهب وتب ،فيه ثلاث مسائل :2
الأولى : قوله تعالى : تبت يدا أبي لهب في الصحيحين وغيرهما ( واللفظ لمسلم ) عن ابن عباس قال : لما نزلت وأنذر عشيرتك الأقربين ( ورهطك منهم المخلصين ) ، خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه ! فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا محمد .فاجتمعوا إليه . فقال : يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني فلان ، يا بني عبد مناف ، يا بني عبد المطلب فاجتمعوا إليه . فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ؟ قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد . فقال أبو لهب : تبا لك ، أما جمعتنا إلا لهذا ! ثم قام ، فنزلت هذه السورة ] تبت يدا أبي لهب وقد تب كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة . زاد الحميدي وغيره : فلما سمعت امرأته ما نزل في زوجها وفيها من القرآن ، أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في المسجد عند الكعبة ، ومعه أبو بكر - رضي الله عنه - ، وفي يدها فهر من حجارة ، فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر ،إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، والله إني لشاعرة :
مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا
ثم انصرفت . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أما تراها رأتك ؟ قال : " ما رأتني ، لقد أخذ الله بصرها عني " . وكانت قريش إنما تسمي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مذمما ؛ يسبونه ، وكان يقول : " ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش ، يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد " . وقيل : إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد ؟ فقال : " كما يعطى المسلمون " قال ما لي عليهم فضل ؟ . قال : " وأي شيء تبغي " ؟ قال : تبا لهذا من دين ، أن أكون أنا وهؤلاء سواء ؛ فأنزل الله تعالى فيه .تبت يدا أبي لهب وتب .
وقول ثالث حكاه عبد الرحمن بن كيسان قال : كان إذا وفد على النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد انطلق إليهم أبو لهب فيسألونه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقولون له : أنت أعلم به منا . فيقول لهم أبو لهب : إنه كذاب ساحر . فيرجعون عنه ولا يلقونه . فأتى وفد ، ففعل معهم مثل ذلك ، فقالوا : لا ننصرف حتى نراه ، ونسمع كلامه . فقال لهم أبو لهب : إنا لم نزل نعالجه فتبا له وتعسا . فأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتأب لذلك ؛ فأنزل الله تعالى : تبت يدا أبي لهب . . . السورة . وقيل : إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي - صلى الله عليه وسلم - بحجر ، فمنعه الله من ذلك ، وأنزل الله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب للمنع الذي وقع به . ومعنى تبت : خسرت ؛ قال قتادة . وقيل : خابت ؛ قال ابن عباس . وقيل : ضلت ؛ قاله عطاء . وقيل : هلكت ؛ قاله ابن جبير . وقال يمان بن رئاب : صفرت من كل خبر . حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان-رحمه الله -سمع الناس هاتفا يقول:
[ltr]لقد خلوك وانصرفوا فما أبوا ولا رجعوا
ولم يوفوا بنذرهم فيا تبا لما صنعوا [/ltr]
وخص اليدين بالتباب ، لأن العمل أكثر ما يكون بهما ؛ أي خسرتا وخسر هو . وقيل المراد باليدين نفسه . وقد يعبر عن النفس باليد ، كما قال الله تعالى : بما قدمت يداك . أي نفسك . وهذا مهيع كلام العرب ؛ تعبر ببعض الشيء عن كله ؛ تقول : أصابته يد الدهر ، ويد الرزايا والمنايا ؛ أي أصابه كل ذلك . قال الشاعر : ولم يوفوا بنذرهم فيا تبا لما صنعوا [/ltr]
[ltr]لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مجير [/ltr]
وتب قال الفراء : التب الأول : دعاء والثاني خبر ؛ كما يقال : أهلكه الله وقد هلك . وفي قراءة عبد الله وأبي وقد تب وأبو لهب اسمه عبد العزى ، وهوابن عبد المطلب عم النبي - صلى الله عليه وسلم - . وامرأته العوراء أم جميل ، أخت أبي سفيان بن حرب ، وكلاهما كان شديد العداوة للنبي - صلى الله عليه وسلم - . قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بسوق ذي المجاز ، إذ أنا بإنسان يقول : " يأيها الناس ، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا " ، وإذا رجل خلفه يرميه ، قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول : يأيها الناس ، إنه كذاب فلا تصدقوه . فقلت من هذا ؟ فقالوا : محمد ، زعم أنه نبي . وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب . وروى عطاء عن ابن عباس قال : قال أبو لهب : سحركم محمد إن أحدنا ليأكل الجذعة ، ويشرب العس من اللبن فلا يشبع ، وإن محمدا قد أشبعكم من فخذ شاة ، وأرواكم من عس لبن .
الثانية : قوله تعالى : أبي لهب قيل : سمي باللهب لحسنه ، وإشراق وجهه . وقد ظن قوم أن في هذا دليلا على تكنية المشرك ؛ وهو باطل ، وإنما كناه الله بأبي لهب - عند العلماء - لمعان أربعة :
الأول : أنه كان اسمه عبد العزى ، والعزى : صنم ، ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم .
الثاني : أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه ؛ فصرح بها .
الثالث : أن الاسم أشرف من الكنية ، فحطه الله - عز وجل - عن الأشرف إلى الأنقص ؛ إذا لم يكن بد من الإخبار عنه ، ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم ، ولم يكن عن أحد منهم . ويدلك على شرف الاسم على الكنية : أن الله تعالى يسمى ولا يكنى ، وإن كان ذلك لظهوره وبيانه ؛ واستحالة نسبة الكنية إليه ، لتقدسه عنها .
الرابع : أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته ، بأن يدخله النار ، فيكون أبا لها ، تحقيقا للنسب ، وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه . وقد قيل : اسمه كنيته . فكان أهله يسمونه ( أبا لهب ) ، لتلهب وجهه وحسنه ؛ فصرفهم الله عن أن يقولوا : أبو النور ، وأبو الضياء ، الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه ، وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى ( لهب ) الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم ، وهو النار . ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقره . وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن . ( أبي لهب ) بإسكان الهاء . ولم يختلفوا في ( ذات لهب ) إنها مفتوحة ؛ لأنهم راعوا فيها رؤوس الآي.
وبعد هذه التوطئة لسورة المسد،والتي حفظناها في الكتاب (المسيد)،وكررناها في الإبتدائي (التحضيري)،وصلينا بها الفرض والنفل.
لنتدبّر الآن ما تحويه هذه ا لسورة من أخطار على الدعوة المحمدية ،وربما انهيار بنيان الكيان الإسلامي الجديد برمته لو أسلم أبو لهب أو زوجته بقية حياتهما بعد نزول السورة.
أيمكن أن يقطع محمد صلى الله عليه وسلم بمصيرهما في بداية دعوته لو كان هذا القرآن من تأليفه ؟ أم أن علام الغيوب هو من أخبره بمصيرهما ؟
كل لبيب ،سيتفق معي أنه لو كان القرآن تأليفٌ بشريٌ لما استطاع أن يتحدى محمد صلى الله عليه وسلم أبا لهب و زوجته في حياتهما،ويورّط نفسه في بداية الدعوة،لعدة احتمالات،نذكر منها:
أولا: لو أسلم أبو لهب أو زوجته،كما أسلم كثير من صناديد قريش وكبرائها ،وعلى رأسهم عمر بن الخطاب الذي أسلم عقب قصته المشهورة مع أخته فاطمة بنت الخطاب وزوجها، فقد ذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ممتشقاً سيفه، وقرع الباب فنظر الصحابة من شِق فيه فرأوا عمر فأخبروا الرسول وهم جزعون . وبروحه الوثابة وشجاعته الغامرة قال حمزة للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ائذن له، فإن جاء يريد خيراً بذلنا له . وإن جاء يريد شراً قتلناه بسيفه، ودخل عمر لينطق الشهادتين بين يدي رسول الله ويضيف إلى المسلمين قوة جديدة، ويخرج ليتحدى صناديد قريش 3.
ثانيا:ثم لو نافق أبو لهب أو زوجته في إشهار إسلامه، كما فعل كثير من المنافقين وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول، و المنافقون هم بمثابة الطابور الخامس الذي يعمل لمصلحة قريش، و منذ اليوم الأول للدعوة الإسلامية، وهو يعمل جاهداً على محاربة الأمة الإسلامية ،وقد عانت بشدة من هذه الظاهرة الخطيرة.
ثالثا:وأخيراً،لو اتفقت قريش على محمد صلى الله عليه وسلم سراً،ورتّبت مع أبي لهب و زوجته إسلامهما لنسف بنيان الإسلام برمته،كما اتفقت على قتله،حين أدركت أن هجرة النبيِّ عليه الصلاة و السلام ستكون حاسمةً في تأسيس كيان إسلامي مستقلٍّ بإمكانه أن ينسف ويقلق مضاجعهم.
روى ابنُ إسحاق4: و لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه و سلم له شيعةٌ و أصحابٌ من غير بلدهم، و رأوا خروجَ أصحابه إليهم، عرفوا أنهم قد نزلوا داراً، و أصابوا منهم منَعةً، فحذروا خروجَ النبي صلى الله عليه وسلم، و عرفوا أنه قد أجمع لحربهم، فاجتمعوا في دار الندوة يتشاورون ما يصنعون في أمر النبيِّ عليه الصلاة و السلام حينما خافوه، ما الذي جرى في دار الندوة ؟ دارُ الندوة دار يعقد فيها زعماءُ قريش اجتماعات تشاور، و لا يقطعون أمراً إلا عن تشاور فيما بينهم، وما جرى من نقاش، و ما جرى من تشاور في دار الندوة، قال بعضهم: نحبس محمداً في الحديد، و نغلِّق عليه الأبوابَ، و نتربَّص به كغيره من الشعراء، ظنوه شاعراً، و لكنَّ هذا الرأي لم يلقَ استجابة من الحاضرين، طُرِح رأيٌ آخر، يخرجونه من ديارهم، ثم يتركونه يذهب حيث يشاء، و لكن هذا الرأي أيضاً لم يلق استجابةً لأنهم خافوا حلاوةَ منطق النبيِّ، و سحرَ بيانه، و قدرته على اجتذاب الناس، خافوا أن يجتمع الناسُ حوله فيصبح قوة كبيرة، إذًا رفضوا أن يحبسوه، و رفضوا أن يخرجوه، بقيَ حلٌّ ثالث وهو أن يقتلوه، حينما اتَّفقوا على أن يقتلوه ولكن القتل له في الجزيرة العربية مضاعفاتٌ كثيرة، إن الأخذ بالثأر، و إن العصبيات القبلية، و أن بني عبد مناف كانوا من أعزِّ قبائل قريش، و أن هؤلاء لن يدعوا أحداً يقتل محمداً و ينجو بدمه، إذًا ما العمل ؟ اتَّفقوا على أن يقتلوه بطريقة مأمونة، ذلك أن يختاروا من كل قبيلة فتى جلْداً شجاعاً ثم يذهب إليه فيضربه بسيفه، و حينئذ لن يستطيع بنو هاشم أن يقاتلوا العرب جميعاً، عندئذٍ يرضون بالدية، و يضيع دمُه بين القبائل جميعاً.
إن المتأمل في التحدي الذي تضمنته سورة المسد لأبي لهب وزوجته، يستشعر المصدر الإلهي للقرآن الكريم ،وإلاّ لما بقيت السورة تتلى ما يقارب أربعة عشر قرنا.ولكان المصير كقرآن مسيلمة الكذاب.
----------------------
1-تفسير القرآن العظيم لابن كثير:8/ 514 .
2-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي:20/ 209 .
3- الروض الأنف :3/ 265
4- سيرة ابن هشام :3/101.
محمد المُدني- عضو أساسي بالمنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 217
درجة التقدير : 0
تاريخ الميلاد : 24/06/1969
تاريخ التسجيل : 09/05/2016
العمر : 55
الموقع : تزران - كيسان
مواضيع مماثلة
» الإعجاز العلمي في سورة المسد......
» تاريخ القرآن تأليف:تيودور نودلكه
» ما دلالة إرشادات محمد صلى الله عليه وسلم لكتَبة الوحي
» دلالة عقد الأصابع في الأحاديث على أمية محمد صلى الله عليه وسلم
» نشيد الثورة الريفية تأليف الحاج محمد بنونة
» تاريخ القرآن تأليف:تيودور نودلكه
» ما دلالة إرشادات محمد صلى الله عليه وسلم لكتَبة الوحي
» دلالة عقد الأصابع في الأحاديث على أمية محمد صلى الله عليه وسلم
» نشيد الثورة الريفية تأليف الحاج محمد بنونة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى