سيدي يوسف التليدي الخمسي
صفحة 1 من اصل 1
سيدي يوسف التليدي الخمسي
الشيخ أبو الجمال يوسف التليدي.
اشتهر أبو الجمال يوسف التليدي بكونه من ابرز تلامذة الشيخ عدد الله الغزواني، وأنه استطاع أن يؤسس زاوية للتربية الصوفية في مسقط رأسه (بني تليد) بالأخماس السفلى بإقليم شفشاون.
واشتهرت زاويته بالإضافة إلى كونها مركزا من مراكز الثقافة، اشتهرت بالإضافة إلى ذلك بكثرة ضيوفها والواردين وبجودة طعامها وتنظيم شؤونها.
أصله ونسبه:
الذين تحدثوا في كتب التراجم1 عن الشيخ ابي الجمال يذكرون أنه: يوسف بن الحسن التليدي من بني تليد بالاخماس السفلى وبأنه لا عقب له ولا وارث من عقبه2 وجاء _ في _ كتيب مخطوط ومعنون بهذا العنوان_ : (مناقب سيدي يوسف التليدي)3 انه هو ابو الحجاج يوسف الخمسي التليدي الاصل ينسب إلى "عمار" يقول: "ووجد بخطه انه من ولد عمار" وبعد ذلك يقول: "حدثنا الامام الفقيه سيدي العافية بن بخوث رضي الله عنه أنه كان يحدث الناس بشرف نسبه، وحدثنا الفقيه الإمام سيدي ابراهيم المعزوزي رضي الله عنه انه شريف النسب، وحدثنا بشرفه جملة من الفقهاء الأجلة" إلى أن يقول: "وعثرت له على كلام له بخطه أثبته بتمامه، ونصه: يوسف بن الحسن بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن سليمان بن يعلى بن يخلف بن موسى بن علي بن يوسف بن عيسى بن عبد الله بن حسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد" صلى الله عليه وسلم4.
ثم قال بعد هذا: "وحدث سيدي أبو العباس أحمد بن سلمون انه شريف –أي النسب- وان أحد أجداده قدم من المشرق إلى أن انتهى إلى هذا الصقح الهبطي.. واستوطن (بني تليد) ونفى كونه من بني عمار"5.
وبعد هذا قال جامع المناقب: "والحاصل أنه من ولد عمار، فإن كان شريفا فهو كذلك، وإلا فهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم (انا جد كل تقي) لا سيما وانه قد سمت درجته في الولايـة..."6
ومن خلال هذا الكلام الذي ذكره جامع المناقب ندرك أن القول بنسبة الشيخ التليدي إلى النسب العلوي الشريف، فيه اضطراب، والتصريح بهذا النسب انما جاء في هذه المناقب، ولم ينقله الذين ترجموا له ممن سنتحدث عنهم فيما بعد.
نشأته وحياته:
ورد في (مناقبه): "انه كان في صغره يحترم معلميه وشيوخه، وانه درس ببلده أولا، ثم توجه إلى فاس لاتمام دراسته بها، وكان له عدة شيوخ، وبعد ما رجع لبلد أصبح يعلم بها، وكان له عدة تلاميذ يقوم بتعليمهم، وكان لا يأخذ أجرا على تعليمه، وبأنه درس مع تلاميذه مجموعة من العلوم.." الخ.
ويذكر صاحب فتح العليم الخبير أن الذي رباه وأشرف على توجيهه هو الشيخ أبو محمد عبد الله الغزواني، وفي ذلك يقول: "ورباه منذ زمن صباه في حجره وتحت ولاية نظره، حين كان رضي الله عنه – أي الشيخ الغزواني – قاطنا في قبيلة بني زكار مجاورا لمولانا عبد السلام بن مشيش، ومكث الشيخ الغزواني بهذه القبيلة مدة مديدة تنيف عن ثلاثين سنة"7.
ومن خلال النصين السالفين يبدو أن الشيخ التليدي أخذ الطريق المستقيم منذ بداية نشأته حيث انه عرف في صباه بالجدية والاستقامة وبطلب العلم ببلده أولا ثم بفاس ثانيا.
تلمذته للشيخ أبي محمد عبد الله الغزواني8
يقول صاحب المناقب:
"كان قد سمع عنه وتاقت نفسه للقائه فلما لقيه رحب به وأعجب بأخلاقه... ثم لازمه وزار معه ضريح الشيخ عبد السلام بن مشيش وقرأ معه في الضريح (سورة يس، والواقعة، والملك إلى الجنة والناس، فالفاتحة)".9
ومن خلال قراءتنا لكتب تراجم أفراد الطريقة الجزولية الشاذلية، وخاصة منها التي تتحدث عن تلاميذ الشيخ عبد الله الغزواني ندرك أن الشيخ أبا الجمال يوسف التليدي يأتي في طليعة تلاميذه الشيخ الغزواني، وتناقلت هذه الكتب قولة الغزواني هذه: "الهبطي للكلام والتليدي للطعام، وعبد الرحمن بن ريسون ياقوتة تضيء في جبل العلم"10
هذه قولة تناقلها تلاميذ الغزواني وهي تدل على قيمة هؤلاء الأفراد الثلاثة عند شيخهم.. والمقصود بالهبطي هو الشيخ أبو محمد عبد الله الهبطي (963هـ) وبالتليدي هو مترجمنا هذا، وبعبد الرحمن بن ريسون الشيخ عبد الرحمن بن عيسى بن ريسون جد الاشرف الريسونيين (963 هـ).
وهؤلاء جميعا يعدون في "فتح العليم الخبير": "سيدي يوسف هذا: قيل هو وارث سر شيخه – أي الغزواني – وقيل سيدي محمد الطالب11.
ويقول صاحب المناقب: "أن الشيخ عبد الله الغزواني أمر تلميذه يوسف التليدي بإنشاء زاوية في داره وقال له: عليك فيها بالقرى لمن أتاك من سائر القرى، وأمره أن يذكر الناس بربهم وبشوقهم للقائه ونعيمه وقال له: بدأ بأهلك وبالقرى المجاورة لك"12.
ويظهر أن الشيخ التليدي رافق شيخه الغزواني مرافقة طويلة، ويحدثنا صاحب المناقب عن زيارة أخرى لضريح الشيخ عبد السلام بن مشيش برفقة الغزواني، وفي هذه الزيارة أمطروا في الطريق وباتوا بمدشر السلاليم وفي الغد أصبحوا سائرين، وتعرض لهم الشيخ عبد الرحمن بن ريسون – السالف الذكر – فنزلوا عنده بتزروت وقضوا معه ليلة عظيمة لا يأتي الزمان بمثلها، وبعد ذلك قصدوا جميعا ضريح الشيخ عبد السلام بم مشيش وهناك اجتمع جمع عظيم حضر فيه عدد كبير من الأولياء ومن الشخصيات الكبيرة وكان هذا الاجتماع بمثابة عرس كبير أقيم لدى ضريح الشيخ الأكبر عبد السلام ابن مشيش برئاسة الشيخ عبد الله الغزواني.
ومن الملاحظ أن الشيخ الغزواني كان مولعا بزيارة هذا الضريح، ومما أوصى بت تلميذه أبا الجمال قوله: "زر أولياء الله أحياء وأمواتا وخصوصا ضريح الشيخ الأكبر عبد السلام بن مشيش، وقال له: من اغترف كل ولي بعده في قطرنا هذا"13.
واشتهرت زاويته بالإضافة إلى كونها مركزا من مراكز الثقافة، اشتهرت بالإضافة إلى ذلك بكثرة ضيوفها والواردين وبجودة طعامها وتنظيم شؤونها.
أصله ونسبه:
الذين تحدثوا في كتب التراجم1 عن الشيخ ابي الجمال يذكرون أنه: يوسف بن الحسن التليدي من بني تليد بالاخماس السفلى وبأنه لا عقب له ولا وارث من عقبه2 وجاء _ في _ كتيب مخطوط ومعنون بهذا العنوان_ : (مناقب سيدي يوسف التليدي)3 انه هو ابو الحجاج يوسف الخمسي التليدي الاصل ينسب إلى "عمار" يقول: "ووجد بخطه انه من ولد عمار" وبعد ذلك يقول: "حدثنا الامام الفقيه سيدي العافية بن بخوث رضي الله عنه أنه كان يحدث الناس بشرف نسبه، وحدثنا الفقيه الإمام سيدي ابراهيم المعزوزي رضي الله عنه انه شريف النسب، وحدثنا بشرفه جملة من الفقهاء الأجلة" إلى أن يقول: "وعثرت له على كلام له بخطه أثبته بتمامه، ونصه: يوسف بن الحسن بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن سليمان بن يعلى بن يخلف بن موسى بن علي بن يوسف بن عيسى بن عبد الله بن حسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد" صلى الله عليه وسلم4.
ثم قال بعد هذا: "وحدث سيدي أبو العباس أحمد بن سلمون انه شريف –أي النسب- وان أحد أجداده قدم من المشرق إلى أن انتهى إلى هذا الصقح الهبطي.. واستوطن (بني تليد) ونفى كونه من بني عمار"5.
وبعد هذا قال جامع المناقب: "والحاصل أنه من ولد عمار، فإن كان شريفا فهو كذلك، وإلا فهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم (انا جد كل تقي) لا سيما وانه قد سمت درجته في الولايـة..."6
ومن خلال هذا الكلام الذي ذكره جامع المناقب ندرك أن القول بنسبة الشيخ التليدي إلى النسب العلوي الشريف، فيه اضطراب، والتصريح بهذا النسب انما جاء في هذه المناقب، ولم ينقله الذين ترجموا له ممن سنتحدث عنهم فيما بعد.
نشأته وحياته:
ورد في (مناقبه): "انه كان في صغره يحترم معلميه وشيوخه، وانه درس ببلده أولا، ثم توجه إلى فاس لاتمام دراسته بها، وكان له عدة شيوخ، وبعد ما رجع لبلد أصبح يعلم بها، وكان له عدة تلاميذ يقوم بتعليمهم، وكان لا يأخذ أجرا على تعليمه، وبأنه درس مع تلاميذه مجموعة من العلوم.." الخ.
ويذكر صاحب فتح العليم الخبير أن الذي رباه وأشرف على توجيهه هو الشيخ أبو محمد عبد الله الغزواني، وفي ذلك يقول: "ورباه منذ زمن صباه في حجره وتحت ولاية نظره، حين كان رضي الله عنه – أي الشيخ الغزواني – قاطنا في قبيلة بني زكار مجاورا لمولانا عبد السلام بن مشيش، ومكث الشيخ الغزواني بهذه القبيلة مدة مديدة تنيف عن ثلاثين سنة"7.
ومن خلال النصين السالفين يبدو أن الشيخ التليدي أخذ الطريق المستقيم منذ بداية نشأته حيث انه عرف في صباه بالجدية والاستقامة وبطلب العلم ببلده أولا ثم بفاس ثانيا.
تلمذته للشيخ أبي محمد عبد الله الغزواني8
يقول صاحب المناقب:
"كان قد سمع عنه وتاقت نفسه للقائه فلما لقيه رحب به وأعجب بأخلاقه... ثم لازمه وزار معه ضريح الشيخ عبد السلام بن مشيش وقرأ معه في الضريح (سورة يس، والواقعة، والملك إلى الجنة والناس، فالفاتحة)".9
ومن خلال قراءتنا لكتب تراجم أفراد الطريقة الجزولية الشاذلية، وخاصة منها التي تتحدث عن تلاميذ الشيخ عبد الله الغزواني ندرك أن الشيخ أبا الجمال يوسف التليدي يأتي في طليعة تلاميذه الشيخ الغزواني، وتناقلت هذه الكتب قولة الغزواني هذه: "الهبطي للكلام والتليدي للطعام، وعبد الرحمن بن ريسون ياقوتة تضيء في جبل العلم"10
هذه قولة تناقلها تلاميذ الغزواني وهي تدل على قيمة هؤلاء الأفراد الثلاثة عند شيخهم.. والمقصود بالهبطي هو الشيخ أبو محمد عبد الله الهبطي (963هـ) وبالتليدي هو مترجمنا هذا، وبعبد الرحمن بن ريسون الشيخ عبد الرحمن بن عيسى بن ريسون جد الاشرف الريسونيين (963 هـ).
وهؤلاء جميعا يعدون في "فتح العليم الخبير": "سيدي يوسف هذا: قيل هو وارث سر شيخه – أي الغزواني – وقيل سيدي محمد الطالب11.
ويقول صاحب المناقب: "أن الشيخ عبد الله الغزواني أمر تلميذه يوسف التليدي بإنشاء زاوية في داره وقال له: عليك فيها بالقرى لمن أتاك من سائر القرى، وأمره أن يذكر الناس بربهم وبشوقهم للقائه ونعيمه وقال له: بدأ بأهلك وبالقرى المجاورة لك"12.
ويظهر أن الشيخ التليدي رافق شيخه الغزواني مرافقة طويلة، ويحدثنا صاحب المناقب عن زيارة أخرى لضريح الشيخ عبد السلام بن مشيش برفقة الغزواني، وفي هذه الزيارة أمطروا في الطريق وباتوا بمدشر السلاليم وفي الغد أصبحوا سائرين، وتعرض لهم الشيخ عبد الرحمن بن ريسون – السالف الذكر – فنزلوا عنده بتزروت وقضوا معه ليلة عظيمة لا يأتي الزمان بمثلها، وبعد ذلك قصدوا جميعا ضريح الشيخ عبد السلام بم مشيش وهناك اجتمع جمع عظيم حضر فيه عدد كبير من الأولياء ومن الشخصيات الكبيرة وكان هذا الاجتماع بمثابة عرس كبير أقيم لدى ضريح الشيخ الأكبر عبد السلام ابن مشيش برئاسة الشيخ عبد الله الغزواني.
ومن الملاحظ أن الشيخ الغزواني كان مولعا بزيارة هذا الضريح، ومما أوصى بت تلميذه أبا الجمال قوله: "زر أولياء الله أحياء وأمواتا وخصوصا ضريح الشيخ الأكبر عبد السلام بن مشيش، وقال له: من اغترف كل ولي بعده في قطرنا هذا"13.
زاويته:
أشرنا في ما مضى إلى أن الشيخ الغزواني أمره بإنشاء زاوية بداره ونفذ الشيخ أبو الجمال هذه الوصية فأقام بداره زاوية كانت لها شهرة عظيمة لا في حياته فحسب، بل استمرت على القيام بوظيفتها فيما بعد موت الشيخ التليدي بأكثر من قرنين من الزمن، ويسمى حاليا المدشر الذي أقمت فيه (بالزاوية) لغلبة اسمها عليه، ولا يعرف هذا المدشر حاليا إلا باسم (الزاوية).
وعن زاوية الشيخ التليدي يقول ابن عسكر في الدوحة: "وزاويته حيث ضريحه معلومة بقبيلة بني تليد14 من قبائل غمارة على مسيرة نصف يوم من مدينة شفشاون من ناحية الغرب ترد عليه الوفود والآلاف من الزوار والمريدين ويطعم كلا حسب شهوته وذلك في كل ليلة، وكان له قبول عظيم في قلوب الخلق..."15.
وعن هذه الزاوية يقول محمد الصادق بن ريسون (ت 1236 هـ): "فزاويته رضي الله عنه قائمة بأمر الله في جميع أمورها من حرث
ودواب وغير ذلك من الأمور التي يعجز عن القيام بها الأقوياء، وذلك في غاية الضبط والاتقان في كل زمن يجعل الله له من يقوم بزايته، ويأكل منها الطعام، الخاص والعام، والغني والفقير لأنه رضي الله عنه حبس جميع ما يملك وخرج عنه وجعله في هذا الوجه يأكله جميع الناس... ولم يزل على ذلك إلى الآن"16.
وبهذا ندرك أن هذه الزاوية لعبت دورا كبيرا في ميدان التربية الصوفية بهذا الإقليم، ومن الأشياء الطريفة عن هذه الزاوية ما حدثنا به أبو الربيع سليمان الحوات الذي يذكر أن عمته الفقيدة السيدة خديجة بنت عبد الله الحوات كانت تقيم بزاوية الشيخ التليدي بالاخماس السفلى لتعليم النساء الفقيرات – أي المريدات – أمر دينهن من فقه وعبادة، وغير ذلك17 والشريفة الحوات لم يكن مقر سكناها بالزاوية ومع ذلك كانت تنقطع للتدريس مدة طويلة بها، وهذا مما كان يحمل ابن أخيها أبا الربيع سليمان الحوات على التعجب من امرها ومن إخلاصها وتفانيها وتضحيتها...
ويذكر سليمان الحوات كذلك أن والدته كانت من مريدات هذه الزاوية... ومن هنا ندرك أن زاوية الشيخ يوسف التليدي كان بها جناحان: جناح خاص بالنساء وجناح آخر للرجال. وكلاهما كان قائما بدوره في ميدان التربية الصوفية والتثقيف بصفة عامة.
مريدوه وأتباعه:
ذكر ابن عسكر في النص الذي نقلناه عنه سالفا ان الشيخ التليدي كان له قبول عظيم في قلوب الخلق وهذه الحقيقة أكدها غير واحد ممن تناول الحديث عنه، لأن الشيخ أبا الجمال يوسف التليدي كان له أتباع كثيرون، كان من بينهم شيوخ كبار في عصرهم مثل: الشيخ أبي الحسن علي بن مسعود الجعيدي دفين تطوان18 نقل ذلك مؤلف (عمدة الراوين في أخبار تطوان)19 في قصة طريفة ملخصها:
"ان الشيخ علي الجعيدي شرع في بناء مسجده بحومة العيون بتطوان وظن كثير من أصحاب الشيخ يوسف الفاسي أنه بنى زاوية تابعة لشيخهم – لانهم كانوا يسمعونه يقول انه تابع للشيخ سيدي يوسف – فساعدوه في البناء وفي الاتيان ببعض المواد إلى ان انتهى العمل بالمسجد وهنا أخبروه بأنهم سيطلعون الشيخ يوسف الفاسي على نهاية العمل... إلا أن الشيخ الجعيدي أجابهم بأنه تابع للشيخ يوسف التليدي، لا للشيخ يوسف الفاسي فتعجبوا من قوله وكتبوا إلى شيخهم قائلين أننا أعناه، وعملنا ما عملناه معه ظنا أنه تابع لطريقتنا... وسرعان ما جاءهم جواب الشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي، يقول لهم لا ضير في ذلك، واتركوا له مسجده وابنوا الزاوية ان شئتم في مكان آخر..."20.
وتدل الحكاية على أن الشيخ علي بن مسعود الجعيدي من أتباع الشيخ يوسف التليدي.
وجاء في السلوة في ترجمة سيدي عبد الله البعاج أنه: "أخذ عن الشيخ الكبير والقطب الشهير ذي الكرامات الكثيرة الجسيمة والتصرفات الكبيرة العظيمة أبي الحجاج يوسف التليدي وكان سيدي عبد الله البعاج يقول: "لولا صحبة سيدي يوسف لمت على شعبة من شعب النفاق"21.
وجاء في الدوحة ترجمة الشيخ علي الثبلي الشدادي أن هذا الشيخ كان من أصحاب الشيخ يوسف التليدي22 وكذا في ترجمة الشيخ محمد ابن سليمان البقوئي البادسي انه كان من أصحاب الشيخ يوسف التليدي23، وذكر صاحب المناقب أن من جملة تلامذته الشيخ أحمد بن يامون صاحب المؤلف المشهور في النكاح24 وكذلك الشيخ أبو حفص عمر بن غيلان الأندلسي ثم الجرفطي، (ت: 1027 هـ).
ويستفاد من المترجمين لصاحبنا أنه استطاع أن يؤلف حوله مجموعة كبيرة من المريدين والاتباع. وانه كان ذا شهرة واسعة في ميدان التربية الصوفية.
ويتبين من الأوصاف والألقاب التي أعطاها اياها صاحب السلوة في التعريف السالف الذكر. ان الشيخ التليدي وصل في نظر اتباعه وأصحابه إلى الدرجات العليا في التصوف، وأن أصحابه ومريديه كانوا برون فيه مربيا كبيرا يصلح أحوالهم ويدلهم على الطريق القويم.
امتحانه وابتلاؤه:
إذا كان الشيخ التليدي قد اجتمع الناس عليه وقصدت زاويته الجموع والوفود، فإن ذلك بقدر ما كان مصدر شهوته وذيوع صيته. كان كذلك وفي نفس الوقت مصدر شك وريبة في نواياه، ومصدر النقمة عليه من أصحاب الحكم والسلطان. ونظرا لذلك تعرض الشيخ التليدي للابتلاء والامتحان وسجن (بمطمورة القصبة) بمدينة شفشاون، سجن من طرف حكام هذه المدينة الذين كانوا في هذه الفترة يوالون الحكم الوطاسي بفاس.
وعن هذا الابتلاء يقول صاحب المناقب: "وسبب حبسه أن قائد شفشاون شكاه للسلطان فأمره بإلقاء القبض عليه" لكنه لا يعطينا بيانا عن المدة التي مكث فيها (بمطمورة قصبة شفشاون)، ويبدو أن هذه المدة لم تكن طويلة لأن صاحب المناقب يعقب فيقول: "وبعد ذلك اطلق سراحه واعتذر له القائد" ويغلب على الظن ان هذه الحادثة كانت في بداية ولاية السلطان أحمد الوطاسي، وكان قائد شفشاون في هذه الفترة هو الأمير أبو سالم ابراهيم ابن راشد (ت: 947 هـ).
وسنرى فيما بعد أن هذا الأخير سيتأدب مع الشيخ التليدي تأدبا كبيرا. ولعل بعد الامتحان الذي اجتازه الشيخ تبين المشاكين في أمره، ان غايات الشيخ وأهدافه بعيدة عن الاتجاه السياسي.. الذي يراد منه الوصول إلى السلطنة.. ومهما يكن أمره فان الشيخ لم تزده تلك المحن إلا اعتبارا في نظر الناس فكثر أتباعه وقصدت زاويته وأمه الناس من كل جهة وناحية...
مكانته وقيمته:
لعله مما سلف ندرك أن الشيخ التليدي كانت له مكانة بارزة في عصره خاصة وأنه كان يعد من كبار أصحاب الشيخ عبد الله الغزواني بل في طليعتهم، وهو في نفس الوقت صاحب زاوية ناجحة يقصدها الآلاف من الرواد والمريدين والزوار...
ويذكر صاحب (المناقب) بأن أصحابه ومريديه كانوا يجلونه ويتبعون تعليماته وإشاراته.. وكان عدد منهم لا يفارقونه حضرا وسفرا...
وكل هذا جعله ذا مكانة مرموقة في عصره...
وتدل الحكاية الآتية على ما بلغه الشيخ التليدي من مكانة واحترام...
يقول ابن عسكر: "رأيته بشفشاون وقد خرج يشيعه الناس وفيهم الوزير أبو سالم ابراهيم ابن راشد، والقاضي ابن الحاج وغيرهم من رؤوس الناس، ومشى بينهم وهو يذكر الله مع تلامذته جهرا بالمناوبة على عادة الفقراء، والقاضي والوزير ومن معهما حفاة ورؤوسهم مكشوفة أدبا مع الشيخ والمريدين ولهم شهيق وزفرات"25.
من هذا الوصف لحفل توديع الشيخ يوسف التليدي ندرك أنه كان يتمتع بهالة من التقدير والاحترام...
هذا أمير البلد الذي هو في نفس الوقت وزير الملك26 ثم القاضي والأعيان هؤلاء جميعا خرجوا لتوديع الشيخ وهم حفاة ورؤوسهم مكشوفة !! والشيخ في موكبه وأصحابه يرددون ذكر الله جهرا بالمناوبة على عادة الفقراء والمريجين في ذلك !!
فهذا الوصف لحفل التوديع يدل دلالة قاطعة على مكانة الشيخ يوسف التليدي عند معاصريه سواء كانوا حكاما او غيرهم وبالإضافة إلى هذه اللقطة التي أتحفنا بها ابن عسكر عن توديع الشيخ التليدي وهم يجلون قدره ويرفعون من مقامه ومؤكدين انه يأتي في طليعة أصحاب الشيخ عبد الله الغزواني وبأن زاويته كانت فريدة من نوعها تسييرا وتنظيما... وإطعاما وإفادة... وبذلك يكون الشيخ التليدي قد أدرك شأوا بعيدا في ميدان التربية الصوفية وفي تربية المريدين الذين كانوا يعدون بالآلاف ويقصدون زاويته في غير انقطاع.
الشيخ التليدي والقول بالكرامات:
من خلال دراسة الحركة الصوفية التي كانت سائدة في هذا العصر يستنتج الباحث أن الحركة الصوفية كانت تهدف في هذا العصر بالذات إلى إصلاح الأوضاع الاجتماعية، عن طريق شغل الناس بالأذكار والأوراد.. وذلك قصد الخروج بالمجتمع من المتاهات التي خلقها الفراغ السياسي والتردي الاجتماعي... الخروج بت إلى وضع اجتماعي سليم....
فالشيوخ المربون كانوا يهدفون بالدرجة الأولى إلى جعل الناس يمتثلون أوامر الشرع الحنيف، ويجتنبون نواهيه، لكن أسلوبهم للوصول إلى هذه الغاية كان أسلوبا يعتمد على طقوس معينة: اذكار وأوراد، وقراءة سير الصالحين، وحكايات المتصوفة ومزج ذلك بالتحدث عن "الكرامات" وخوارق العادات وكان بعضهم يغالي في هذا الجانب.
ومما يحكيه صاحب الدوحة: "انتقاد الشيخ عبد الله الهبطي للشيخ يوسف التليدي في القول بالكرامات وادعائه لها وفي ذلك يقول: "كان الشيخ أبو محمد كثيرا ما ينكر عليه تلك الدعاوي وينهاه عن إفشائها.. وهو على شأنه"27.
ومعنى كونه (على شأنه) أي أنه لم يستجب للتنبيهات والانتقادات ولم يستمع لنصائح الشيخ الهبطي في هذا الموضوع28 مع أنه أخوه في الشيخ وشريكه في النسبة.
لكن ابن عسكر الذي ينقل انتقاد شيخه الهبطي للغلو في القول بالكرامات يأبى إلا أن يلصقها بشيخه فيقول: "فدعا عليه أبو محمد – أي الهبطي – فخرس لسانه وتعطل عن الكتب بيده !!" مع أننا لو رجعنا إلى ما حكاه محمد الصغير الهبطي عن والده لا نجده يقول بهذا بتاتا...
ومهما يكن من أمر فالشيخ يوسف التليدي كان ممن يقول بالكرامات ونجد بعض ذلك في مناقبه المشار إليها سالفا، ومع ذلك فهو لم يكن من المغالين، بل كان الاعتدال هو الميسم العام الذي تتسم به تصرفاته وأحواله، ويروي لنا بعض مترجميه بعض أقواله، فمن ذلك ما رواه صاحب (فتح العليم الخبير) الذي يقول: "ومن كلامه رضي الله عنه: ما الشيخ إلا صوفي تابع للسنة زاهد في الدنيا.."
بعض أقواله وعظاته:
وقبل أن نختم هذا التعريف الموجز بالشيخ أبي الجمال يوسف التليدي نعرج على بعض أقواله وعظاته لأنه ليس من المعقول أن تكون شخصية في مثل مركز الشيخ التليدي من حيث الانتصاب للتربية الصوفية والتوجيه الرباني، ولا تكون لها مواعظ وأقوال مأثورة.
ويبدو أن الكثير من هذه الأقوال قد ضاع لتعاقب الأحداث وطول الزمن، لكن بالرغم من ذلك فقد احتفظ صاحب (المناقب) ببعض أقوال الشيخ وتوجيهاته ومن ذلك قوله: "وكان يحث المريدين على الصيام وقلة الأكل، وكان يقول: من أعظم المهلكات شهوة البطن وشهوة الفرج وأفات الكلام.. وكان يقول: من تحمل الجوع فقد ضيق مسالك الشيطان، وقوى نواع عبادة الله... ومن أقواله: أفضل الناس من قل أكله وضحكه ورضي بما تيسر له".
وكان يحذر أصحابه من الحلف في القول ويقول: "انه من قبائح الذنوب لأن الكذب يف القول يكون من جهته".
وكان يحث أصحابه على الكف عن الخوض في أعراض الناس ويقول: "لستم عليهم بوكلاء إلا أن يتعلق بذلك حكم الله".
وكان ينهى عن الغيبة ويقول: "من صدق بالوعد والوعيد كف لسانه عما لا يعنيه".
وكان يختبر المريد أول ما يرد عليه فإن وجده جاهلا علمه أولا ما يصلح به دينه وعبادته وما يفسدها ظاهرا وباطنا، ثم يعلمه أركان التوبة وحقيقتها، وقبل ذلك يلقنه عقيدة أهل السنة ثم يذكره عقاب الله تعالى وأنه عليه أن يكف سمعه وبصره ولسانه عما لا يليق وأن يطهر قلبه من العجب والكبر، والحسد، والرياء.
وكان ينتقل مع المريد من حال إلى حال: "التزيد بالعبادة أولا ثم تطهير النفس، فتهذيب جميع الجوارح، وينتقل من أحوال الظاهر إلى أحوال الباطن".
وكان يحث كل مريد على ما يناسبه من الرياضة ويقول: "الشيخ إذا أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة يكون كالطبيب الذي يعالج مرضاه بعلاج واحد...".
ويطول بنا المقام لو أردنا تتبع جميع هذه الأقوال لأن المقصود إنما هو الإتيان ببعض النماذج من توجيهاته وأقواله.
ونتمنى أن تتاح لنا الفرصة للعودة إلى هذا الموضوع مرة أخرى، لأن الحديث عن رجال التصوف بالمغرب، وفي هذه الفترة بالذات مما ينبغي أن يكون مجالا لدراسات موسعة.
أشرنا في ما مضى إلى أن الشيخ الغزواني أمره بإنشاء زاوية بداره ونفذ الشيخ أبو الجمال هذه الوصية فأقام بداره زاوية كانت لها شهرة عظيمة لا في حياته فحسب، بل استمرت على القيام بوظيفتها فيما بعد موت الشيخ التليدي بأكثر من قرنين من الزمن، ويسمى حاليا المدشر الذي أقمت فيه (بالزاوية) لغلبة اسمها عليه، ولا يعرف هذا المدشر حاليا إلا باسم (الزاوية).
وعن زاوية الشيخ التليدي يقول ابن عسكر في الدوحة: "وزاويته حيث ضريحه معلومة بقبيلة بني تليد14 من قبائل غمارة على مسيرة نصف يوم من مدينة شفشاون من ناحية الغرب ترد عليه الوفود والآلاف من الزوار والمريدين ويطعم كلا حسب شهوته وذلك في كل ليلة، وكان له قبول عظيم في قلوب الخلق..."15.
وعن هذه الزاوية يقول محمد الصادق بن ريسون (ت 1236 هـ): "فزاويته رضي الله عنه قائمة بأمر الله في جميع أمورها من حرث
ودواب وغير ذلك من الأمور التي يعجز عن القيام بها الأقوياء، وذلك في غاية الضبط والاتقان في كل زمن يجعل الله له من يقوم بزايته، ويأكل منها الطعام، الخاص والعام، والغني والفقير لأنه رضي الله عنه حبس جميع ما يملك وخرج عنه وجعله في هذا الوجه يأكله جميع الناس... ولم يزل على ذلك إلى الآن"16.
وبهذا ندرك أن هذه الزاوية لعبت دورا كبيرا في ميدان التربية الصوفية بهذا الإقليم، ومن الأشياء الطريفة عن هذه الزاوية ما حدثنا به أبو الربيع سليمان الحوات الذي يذكر أن عمته الفقيدة السيدة خديجة بنت عبد الله الحوات كانت تقيم بزاوية الشيخ التليدي بالاخماس السفلى لتعليم النساء الفقيرات – أي المريدات – أمر دينهن من فقه وعبادة، وغير ذلك17 والشريفة الحوات لم يكن مقر سكناها بالزاوية ومع ذلك كانت تنقطع للتدريس مدة طويلة بها، وهذا مما كان يحمل ابن أخيها أبا الربيع سليمان الحوات على التعجب من امرها ومن إخلاصها وتفانيها وتضحيتها...
ويذكر سليمان الحوات كذلك أن والدته كانت من مريدات هذه الزاوية... ومن هنا ندرك أن زاوية الشيخ يوسف التليدي كان بها جناحان: جناح خاص بالنساء وجناح آخر للرجال. وكلاهما كان قائما بدوره في ميدان التربية الصوفية والتثقيف بصفة عامة.
مريدوه وأتباعه:
ذكر ابن عسكر في النص الذي نقلناه عنه سالفا ان الشيخ التليدي كان له قبول عظيم في قلوب الخلق وهذه الحقيقة أكدها غير واحد ممن تناول الحديث عنه، لأن الشيخ أبا الجمال يوسف التليدي كان له أتباع كثيرون، كان من بينهم شيوخ كبار في عصرهم مثل: الشيخ أبي الحسن علي بن مسعود الجعيدي دفين تطوان18 نقل ذلك مؤلف (عمدة الراوين في أخبار تطوان)19 في قصة طريفة ملخصها:
"ان الشيخ علي الجعيدي شرع في بناء مسجده بحومة العيون بتطوان وظن كثير من أصحاب الشيخ يوسف الفاسي أنه بنى زاوية تابعة لشيخهم – لانهم كانوا يسمعونه يقول انه تابع للشيخ سيدي يوسف – فساعدوه في البناء وفي الاتيان ببعض المواد إلى ان انتهى العمل بالمسجد وهنا أخبروه بأنهم سيطلعون الشيخ يوسف الفاسي على نهاية العمل... إلا أن الشيخ الجعيدي أجابهم بأنه تابع للشيخ يوسف التليدي، لا للشيخ يوسف الفاسي فتعجبوا من قوله وكتبوا إلى شيخهم قائلين أننا أعناه، وعملنا ما عملناه معه ظنا أنه تابع لطريقتنا... وسرعان ما جاءهم جواب الشيخ أبي المحاسن يوسف الفاسي، يقول لهم لا ضير في ذلك، واتركوا له مسجده وابنوا الزاوية ان شئتم في مكان آخر..."20.
وتدل الحكاية على أن الشيخ علي بن مسعود الجعيدي من أتباع الشيخ يوسف التليدي.
وجاء في السلوة في ترجمة سيدي عبد الله البعاج أنه: "أخذ عن الشيخ الكبير والقطب الشهير ذي الكرامات الكثيرة الجسيمة والتصرفات الكبيرة العظيمة أبي الحجاج يوسف التليدي وكان سيدي عبد الله البعاج يقول: "لولا صحبة سيدي يوسف لمت على شعبة من شعب النفاق"21.
وجاء في الدوحة ترجمة الشيخ علي الثبلي الشدادي أن هذا الشيخ كان من أصحاب الشيخ يوسف التليدي22 وكذا في ترجمة الشيخ محمد ابن سليمان البقوئي البادسي انه كان من أصحاب الشيخ يوسف التليدي23، وذكر صاحب المناقب أن من جملة تلامذته الشيخ أحمد بن يامون صاحب المؤلف المشهور في النكاح24 وكذلك الشيخ أبو حفص عمر بن غيلان الأندلسي ثم الجرفطي، (ت: 1027 هـ).
ويستفاد من المترجمين لصاحبنا أنه استطاع أن يؤلف حوله مجموعة كبيرة من المريدين والاتباع. وانه كان ذا شهرة واسعة في ميدان التربية الصوفية.
ويتبين من الأوصاف والألقاب التي أعطاها اياها صاحب السلوة في التعريف السالف الذكر. ان الشيخ التليدي وصل في نظر اتباعه وأصحابه إلى الدرجات العليا في التصوف، وأن أصحابه ومريديه كانوا برون فيه مربيا كبيرا يصلح أحوالهم ويدلهم على الطريق القويم.
امتحانه وابتلاؤه:
إذا كان الشيخ التليدي قد اجتمع الناس عليه وقصدت زاويته الجموع والوفود، فإن ذلك بقدر ما كان مصدر شهوته وذيوع صيته. كان كذلك وفي نفس الوقت مصدر شك وريبة في نواياه، ومصدر النقمة عليه من أصحاب الحكم والسلطان. ونظرا لذلك تعرض الشيخ التليدي للابتلاء والامتحان وسجن (بمطمورة القصبة) بمدينة شفشاون، سجن من طرف حكام هذه المدينة الذين كانوا في هذه الفترة يوالون الحكم الوطاسي بفاس.
وعن هذا الابتلاء يقول صاحب المناقب: "وسبب حبسه أن قائد شفشاون شكاه للسلطان فأمره بإلقاء القبض عليه" لكنه لا يعطينا بيانا عن المدة التي مكث فيها (بمطمورة قصبة شفشاون)، ويبدو أن هذه المدة لم تكن طويلة لأن صاحب المناقب يعقب فيقول: "وبعد ذلك اطلق سراحه واعتذر له القائد" ويغلب على الظن ان هذه الحادثة كانت في بداية ولاية السلطان أحمد الوطاسي، وكان قائد شفشاون في هذه الفترة هو الأمير أبو سالم ابراهيم ابن راشد (ت: 947 هـ).
وسنرى فيما بعد أن هذا الأخير سيتأدب مع الشيخ التليدي تأدبا كبيرا. ولعل بعد الامتحان الذي اجتازه الشيخ تبين المشاكين في أمره، ان غايات الشيخ وأهدافه بعيدة عن الاتجاه السياسي.. الذي يراد منه الوصول إلى السلطنة.. ومهما يكن أمره فان الشيخ لم تزده تلك المحن إلا اعتبارا في نظر الناس فكثر أتباعه وقصدت زاويته وأمه الناس من كل جهة وناحية...
مكانته وقيمته:
لعله مما سلف ندرك أن الشيخ التليدي كانت له مكانة بارزة في عصره خاصة وأنه كان يعد من كبار أصحاب الشيخ عبد الله الغزواني بل في طليعتهم، وهو في نفس الوقت صاحب زاوية ناجحة يقصدها الآلاف من الرواد والمريدين والزوار...
ويذكر صاحب (المناقب) بأن أصحابه ومريديه كانوا يجلونه ويتبعون تعليماته وإشاراته.. وكان عدد منهم لا يفارقونه حضرا وسفرا...
وكل هذا جعله ذا مكانة مرموقة في عصره...
وتدل الحكاية الآتية على ما بلغه الشيخ التليدي من مكانة واحترام...
يقول ابن عسكر: "رأيته بشفشاون وقد خرج يشيعه الناس وفيهم الوزير أبو سالم ابراهيم ابن راشد، والقاضي ابن الحاج وغيرهم من رؤوس الناس، ومشى بينهم وهو يذكر الله مع تلامذته جهرا بالمناوبة على عادة الفقراء، والقاضي والوزير ومن معهما حفاة ورؤوسهم مكشوفة أدبا مع الشيخ والمريدين ولهم شهيق وزفرات"25.
من هذا الوصف لحفل توديع الشيخ يوسف التليدي ندرك أنه كان يتمتع بهالة من التقدير والاحترام...
هذا أمير البلد الذي هو في نفس الوقت وزير الملك26 ثم القاضي والأعيان هؤلاء جميعا خرجوا لتوديع الشيخ وهم حفاة ورؤوسهم مكشوفة !! والشيخ في موكبه وأصحابه يرددون ذكر الله جهرا بالمناوبة على عادة الفقراء والمريجين في ذلك !!
فهذا الوصف لحفل التوديع يدل دلالة قاطعة على مكانة الشيخ يوسف التليدي عند معاصريه سواء كانوا حكاما او غيرهم وبالإضافة إلى هذه اللقطة التي أتحفنا بها ابن عسكر عن توديع الشيخ التليدي وهم يجلون قدره ويرفعون من مقامه ومؤكدين انه يأتي في طليعة أصحاب الشيخ عبد الله الغزواني وبأن زاويته كانت فريدة من نوعها تسييرا وتنظيما... وإطعاما وإفادة... وبذلك يكون الشيخ التليدي قد أدرك شأوا بعيدا في ميدان التربية الصوفية وفي تربية المريدين الذين كانوا يعدون بالآلاف ويقصدون زاويته في غير انقطاع.
الشيخ التليدي والقول بالكرامات:
من خلال دراسة الحركة الصوفية التي كانت سائدة في هذا العصر يستنتج الباحث أن الحركة الصوفية كانت تهدف في هذا العصر بالذات إلى إصلاح الأوضاع الاجتماعية، عن طريق شغل الناس بالأذكار والأوراد.. وذلك قصد الخروج بالمجتمع من المتاهات التي خلقها الفراغ السياسي والتردي الاجتماعي... الخروج بت إلى وضع اجتماعي سليم....
فالشيوخ المربون كانوا يهدفون بالدرجة الأولى إلى جعل الناس يمتثلون أوامر الشرع الحنيف، ويجتنبون نواهيه، لكن أسلوبهم للوصول إلى هذه الغاية كان أسلوبا يعتمد على طقوس معينة: اذكار وأوراد، وقراءة سير الصالحين، وحكايات المتصوفة ومزج ذلك بالتحدث عن "الكرامات" وخوارق العادات وكان بعضهم يغالي في هذا الجانب.
ومما يحكيه صاحب الدوحة: "انتقاد الشيخ عبد الله الهبطي للشيخ يوسف التليدي في القول بالكرامات وادعائه لها وفي ذلك يقول: "كان الشيخ أبو محمد كثيرا ما ينكر عليه تلك الدعاوي وينهاه عن إفشائها.. وهو على شأنه"27.
ومعنى كونه (على شأنه) أي أنه لم يستجب للتنبيهات والانتقادات ولم يستمع لنصائح الشيخ الهبطي في هذا الموضوع28 مع أنه أخوه في الشيخ وشريكه في النسبة.
لكن ابن عسكر الذي ينقل انتقاد شيخه الهبطي للغلو في القول بالكرامات يأبى إلا أن يلصقها بشيخه فيقول: "فدعا عليه أبو محمد – أي الهبطي – فخرس لسانه وتعطل عن الكتب بيده !!" مع أننا لو رجعنا إلى ما حكاه محمد الصغير الهبطي عن والده لا نجده يقول بهذا بتاتا...
ومهما يكن من أمر فالشيخ يوسف التليدي كان ممن يقول بالكرامات ونجد بعض ذلك في مناقبه المشار إليها سالفا، ومع ذلك فهو لم يكن من المغالين، بل كان الاعتدال هو الميسم العام الذي تتسم به تصرفاته وأحواله، ويروي لنا بعض مترجميه بعض أقواله، فمن ذلك ما رواه صاحب (فتح العليم الخبير) الذي يقول: "ومن كلامه رضي الله عنه: ما الشيخ إلا صوفي تابع للسنة زاهد في الدنيا.."
بعض أقواله وعظاته:
وقبل أن نختم هذا التعريف الموجز بالشيخ أبي الجمال يوسف التليدي نعرج على بعض أقواله وعظاته لأنه ليس من المعقول أن تكون شخصية في مثل مركز الشيخ التليدي من حيث الانتصاب للتربية الصوفية والتوجيه الرباني، ولا تكون لها مواعظ وأقوال مأثورة.
ويبدو أن الكثير من هذه الأقوال قد ضاع لتعاقب الأحداث وطول الزمن، لكن بالرغم من ذلك فقد احتفظ صاحب (المناقب) ببعض أقوال الشيخ وتوجيهاته ومن ذلك قوله: "وكان يحث المريدين على الصيام وقلة الأكل، وكان يقول: من أعظم المهلكات شهوة البطن وشهوة الفرج وأفات الكلام.. وكان يقول: من تحمل الجوع فقد ضيق مسالك الشيطان، وقوى نواع عبادة الله... ومن أقواله: أفضل الناس من قل أكله وضحكه ورضي بما تيسر له".
وكان يحذر أصحابه من الحلف في القول ويقول: "انه من قبائح الذنوب لأن الكذب يف القول يكون من جهته".
وكان يحث أصحابه على الكف عن الخوض في أعراض الناس ويقول: "لستم عليهم بوكلاء إلا أن يتعلق بذلك حكم الله".
وكان ينهى عن الغيبة ويقول: "من صدق بالوعد والوعيد كف لسانه عما لا يعنيه".
وكان يختبر المريد أول ما يرد عليه فإن وجده جاهلا علمه أولا ما يصلح به دينه وعبادته وما يفسدها ظاهرا وباطنا، ثم يعلمه أركان التوبة وحقيقتها، وقبل ذلك يلقنه عقيدة أهل السنة ثم يذكره عقاب الله تعالى وأنه عليه أن يكف سمعه وبصره ولسانه عما لا يليق وأن يطهر قلبه من العجب والكبر، والحسد، والرياء.
وكان ينتقل مع المريد من حال إلى حال: "التزيد بالعبادة أولا ثم تطهير النفس، فتهذيب جميع الجوارح، وينتقل من أحوال الظاهر إلى أحوال الباطن".
وكان يحث كل مريد على ما يناسبه من الرياضة ويقول: "الشيخ إذا أشار على المريدين بنمط واحد من الرياضة يكون كالطبيب الذي يعالج مرضاه بعلاج واحد...".
ويطول بنا المقام لو أردنا تتبع جميع هذه الأقوال لأن المقصود إنما هو الإتيان ببعض النماذج من توجيهاته وأقواله.
ونتمنى أن تتاح لنا الفرصة للعودة إلى هذا الموضوع مرة أخرى، لأن الحديث عن رجال التصوف بالمغرب، وفي هذه الفترة بالذات مما ينبغي أن يكون مجالا لدراسات موسعة.
1 الذين ترجموا له وتحدثوا عنه كثيرون منهم: ابن عسكر في الدوحة: 17 ط. الرباط 1976.الحضيكي في الطبقات (حرف الياء) في (يوسف). ابتهاج القلوب مخ. غ. ع. ر. 2302 ص: 212. ممتع الاسماع، ط. ح. ف. ص 76. فتح العليم الخبير في تهذيب النسب العلمي بأمر الأمير، مخ. م. ع. ت. رقمه: 856 ص 66. عمدة الراوين في أخبار تطاوين، مخ. مر. ع. ت. ج: 4: 264 وج: 2 أثناء الكلام عن بناء مدينة تطوان. للشيخ أحمد الهوكي. الصفوة للافراني، ص: 16، ط. ح.، قاسية. سلوة الأنفاس في ترجمة سيدي عبد الله البعاج، ج: 1: 197. مناقب سيدي يوسف التليدي وهو مخطوط خاص جمعه بعض مريديه.
2 يقول ابن عسكر: "لم يعقب" ويقول النسابة محمد بن الصادق بن ريسون: "لم يعقب ولم يترك ابنا ولا بنتا ولا ابن عم محقق النسب فيما نعلم" فتح العليم الخبير: 66.
3 هذه المناقب هي من جمع وتنسيق (محمد بن علي كسيسو) وهي مخطوط خاص لأناس من الزاوية أي زاوية الشيخ التليدي.
4 المناقب، نفس المصدر السالف.
5 المناقب المصدر السالف.
6 فتح العليم الخبير، ص: 66.
7 المصدر السالف.
8 الشيخ عبد الله الغزواني، (ت: 935 هـ) ترجم له ابن عسكر في الدوحة ص: 96: ط: الرباط والحضيكي في الطبقات في باب عبد الله. وترجم له الذين يتحدثون عن الطريقة الجزولية الشاذلية بالمغرب وهم كثيرون وإلى الشيخ الغزواني انتهت المشيخة العظمى في هذا الطريق.
9 المناقب، المصدر السالف الذكر (بدون ترقيم).
10 فتح العليم الخبير.
11 ترجم له غير واحد، ومنهم: صاحب الدوحة ص: 61: ط. الرباط، وصاحب السلوة، وتكلم عنه الفاسيون في المرآة والممتع وللالمام: توفي سنة 964 هـ.
12 المناقب، المصدر السالف الذكر.
13 نفس المصدر.
14 المعروف (بني تليد) هي فرقة من قبيلة الاخماس السفلى وليست قبيلة، وما أظن هذه الفرقة كانت قبيلة في يوم من الأيام، انظر الدوحة ص: 17: ط. الرباط 1976.
15 المصدر السالف.
16 فتح العليم الخبير، المصدر السالف الذكر، ص: 65.
17 ثمرة انسى في التعريف بنفسي لأبي ربيع سليمان الحوات (ت: 1234 هـ) مخ: خ: ع. بالرباط، ضمن مجموع: 1264 كـ.
18 انظر ترجمته في الصفوة: 78، والنثر: 148، وتاريخ تطوان م. ص: 309، وتوفي ودفن بتطوان (1032 هـ).
19 هو للشيخ أحمد الرهوني في عشرة أجزاء مخ. خ. ع. بتطوان.
20 عمدة الرواين ج: 4: 264.
21 سلوة الأنفاس للشيخ محمد بن جعفر الكتاني، ج: 1: 197.
22 الدوحة: 86: ط: الرباط.
23 نفس المصدر ص: 72 ترجمة 56.
24 فهرس المخطوطات العربية حرف الجيم (القسم الثالث) واسم مؤلفه "الجواهر المنظومة في شرح المنظومة".
25 الدوحة ترجمة الشيخ التليدي.
26 ابراهيم بن علي بن راشد كان حاكما على شفشاون واقليمها خلفا لوالده الأمير علي ثم بعد ذلك أصبح وزيرا للسلطان أحمد الوطاسي (932 – 956 هـ)، انظر عن الوزير ابراهيم بن راشد منظومة الكراسي (عروسة المسائل) ط. الرباط 1969.
27 الدوحة: ترجمة: شيخ التليدي.
28 رأي الشيخ عبد الله الهبطي في الكرامات هو مذهب أهل السنة فيها، ولقد أوضح رأيه في ذلك ولده أبو عبد الله محمد الصغير الهبطي في منظومته التي ترجم فيها لوالده والتي سماها: "المغرب الفصيح في ترجمة الشيخ النصيح ".
2 يقول ابن عسكر: "لم يعقب" ويقول النسابة محمد بن الصادق بن ريسون: "لم يعقب ولم يترك ابنا ولا بنتا ولا ابن عم محقق النسب فيما نعلم" فتح العليم الخبير: 66.
3 هذه المناقب هي من جمع وتنسيق (محمد بن علي كسيسو) وهي مخطوط خاص لأناس من الزاوية أي زاوية الشيخ التليدي.
4 المناقب، نفس المصدر السالف.
5 المناقب المصدر السالف.
6 فتح العليم الخبير، ص: 66.
7 المصدر السالف.
8 الشيخ عبد الله الغزواني، (ت: 935 هـ) ترجم له ابن عسكر في الدوحة ص: 96: ط: الرباط والحضيكي في الطبقات في باب عبد الله. وترجم له الذين يتحدثون عن الطريقة الجزولية الشاذلية بالمغرب وهم كثيرون وإلى الشيخ الغزواني انتهت المشيخة العظمى في هذا الطريق.
9 المناقب، المصدر السالف الذكر (بدون ترقيم).
10 فتح العليم الخبير.
11 ترجم له غير واحد، ومنهم: صاحب الدوحة ص: 61: ط. الرباط، وصاحب السلوة، وتكلم عنه الفاسيون في المرآة والممتع وللالمام: توفي سنة 964 هـ.
12 المناقب، المصدر السالف الذكر.
13 نفس المصدر.
14 المعروف (بني تليد) هي فرقة من قبيلة الاخماس السفلى وليست قبيلة، وما أظن هذه الفرقة كانت قبيلة في يوم من الأيام، انظر الدوحة ص: 17: ط. الرباط 1976.
15 المصدر السالف.
16 فتح العليم الخبير، المصدر السالف الذكر، ص: 65.
17 ثمرة انسى في التعريف بنفسي لأبي ربيع سليمان الحوات (ت: 1234 هـ) مخ: خ: ع. بالرباط، ضمن مجموع: 1264 كـ.
18 انظر ترجمته في الصفوة: 78، والنثر: 148، وتاريخ تطوان م. ص: 309، وتوفي ودفن بتطوان (1032 هـ).
19 هو للشيخ أحمد الرهوني في عشرة أجزاء مخ. خ. ع. بتطوان.
20 عمدة الرواين ج: 4: 264.
21 سلوة الأنفاس للشيخ محمد بن جعفر الكتاني، ج: 1: 197.
22 الدوحة: 86: ط: الرباط.
23 نفس المصدر ص: 72 ترجمة 56.
24 فهرس المخطوطات العربية حرف الجيم (القسم الثالث) واسم مؤلفه "الجواهر المنظومة في شرح المنظومة".
25 الدوحة ترجمة الشيخ التليدي.
26 ابراهيم بن علي بن راشد كان حاكما على شفشاون واقليمها خلفا لوالده الأمير علي ثم بعد ذلك أصبح وزيرا للسلطان أحمد الوطاسي (932 – 956 هـ)، انظر عن الوزير ابراهيم بن راشد منظومة الكراسي (عروسة المسائل) ط. الرباط 1969.
27 الدوحة: ترجمة: شيخ التليدي.
28 رأي الشيخ عبد الله الهبطي في الكرامات هو مذهب أهل السنة فيها، ولقد أوضح رأيه في ذلك ولده أبو عبد الله محمد الصغير الهبطي في منظومته التي ترجم فيها لوالده والتي سماها: "المغرب الفصيح في ترجمة الشيخ النصيح ".
المصدر:دعوة الحق العدد200
mohot- عضو نشيط
- الجنس : عدد المساهمات : 76
درجة التقدير : 3
تاريخ التسجيل : 28/06/2009
مواضيع مماثلة
» المفضال الخمسي.
» حصلت على كنز ثمين ، مبروك للجميع
» عبد الرحمن الخمسي
» عبد اللطيف الخمسي
» احمد الخمسي
» حصلت على كنز ثمين ، مبروك للجميع
» عبد الرحمن الخمسي
» عبد اللطيف الخمسي
» احمد الخمسي
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى