في رحاب التعابير الشعبية 3
صفحة 1 من اصل 1
في رحاب التعابير الشعبية 3
أما الأحاجي الطويلة والمتوسطة فكثــــــــــــرة ، منها ما يحكى على لسان الحيوانات ، ومنها ما يكون ابطالها من الانس أو الجان ، ونحن نريد من سرد بعضها الوقوف على قيم الضابطة لحياة الرجل الشعبي والذي لم يكن
يهدر وقته وهو يحكي لبنائه تلك الأحاجي / الخرافات ، وقبل أن نورد بعضا من تلكم النصوص / التعابير الشعبية لا بد من الاشارة كذلك الى العلاقة القائمة بين الشخصيات المستعارة للحيوانات من جهة ، بينها وبين الرجل الشعبي من جهة أخرى .
كلنا يعرف العلاقة العدائية القائمة بين الذئب وبين الكثير من الحيوانات الأخرى كالقنفذ والأسد والغنم ، بين الهر والفأر، بين الكبش والذئب ..
وهي ترجع بحكم الطبيعة الى تكوين كل حيوان وطبعه ، ويبقى السؤال عن مصدرالعداء القائم بين تلك الحيوانات وبين الانسان ، ولماذا يصف الرجل الشعبي بعضها بالذكاء رغم صغر حجمها؟ والبعض الآخربالمكر
والخداع والغرور وما شابهها من أوصاف دنيئة ؟ولماذا يصفون الحيوانات
الضخمة بالغفلة والبلادة وما اليها ؟
يرى الرجل الشعبي أن تلك الحيوانات على اختلاف مراتبها ما هي الا نماذج بشرية عرفت قبل ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم بمكرها وخداعها وفسوقها فمسخت لكفرانها بالنعم ، وأن النماذج البشرية الباقية تنتظر عقابها في يوم من الأيام ، علما بأنهم لا يقرون بالمسخ بعد مجئ الاسلام ، وما دعاؤهم " الله يمسخك " وما اقرارهم الى يومنا هذا بمصير بعض الأشرار كالسحرة والعجائز المشهورات بشيطنتهن الا امتدادا لذلك المسخ ، والا فلماذا يعتقدون أن العجوز الفلانية تتقمص بغلا في الليل الحالك ، ولماذا نجد امرأة أخرى تلد قردا أو حملا أو غير ذلك من المخلوقات المشوهة ؟ان ذلك كله - في نظرهم - يعود الى نوايا البشر وما يتصفون به من أوصاف دنيئة ، فضلا عن الصراع القائم بين الانسان وهو يرعى غنمه وبين الذئب الحيوان المفترس ، وكذا الصراع الدائم بينه وبين الفأر الذي اعتاد العبث بمحتويات بيته من حبوب وملابس ..؟
لقد استغل الانسان الشعبي بذكائه العداوة المشار اليها بين تلك الحيوانات فاستأنس بالكلب مثلا واستغل عداوته للذئب لصالحه كما صالح القط رغم شغبه وتجاوز عن سرقاته ما دام سيخلصه من الفأر عدو المنزل ، وهكذا نجد الرجل الشعبي في صراع تقليدي مع الحياة ، بما فيها من بشر بعضهم طغاة ، وحيوانات قاسية قساوة الطبيعة أحيانا كثيرة .
واليكم حكاية الحاج قطون ، لقد ذهب القط الى الديار المقدسة لأداء مناسك الحج ، وبعد رجوعه ازداد وقارا ومهابة لكن هل سيتخلى عن طبعه الذي يقوده الى اصطياد الفئران ؟نترك الاجابة عن هذا السؤال لمجموعة من
الفئران بزعامة شيخهم" فأرون"أوللئك الذين كانوا سباقين الى تقديم التهاني بعودة الحاج ، هذا الذي أبى الا أن يخدم ضيوفه بنفسه متفرسا في وجوههم وهو يقول : لقد اشتقت اليكم أحبتي ودواء معدتي .
وبعد مغادرة الفئران منزل الحاج قطون سأل بعضهم بعضا : ما رأيكم في الحاج قطون ؟ ألم يزدد بهاء ومهابة ؟ فقال الآخرانه ازداد تواضعا لقد خدمنا بنفسه ، كل هذه التعاليق والشيخ فأرون صامت وكأنه يحدث نفسه
فبادره أحد بالسؤال : وأنت ياشيخنا ، ما رأيك في الحاج ؟ توقف الشيخ فأرون عن مشيه والتفت الى عشيرته قائلا : ماذا عساني أقول لكم ؟ الحاج .. الحاج ، والصفا عليه د الحاج ، لكن داك القفزا ما زال كتنوض فيه ، واللي عندو شي نغور غير ايزيد احفار فيه .
انها حكاية قصيرة في حجمها ، عميقة في مدلولها . فالقط ما هو الا الحاج الذي لا يزال يعيش بين ظهرانينا بكبريائه وعناده ونفاقه ، وما الفئران الا المستضعفون من الناس الذين يحرصون على مداراة ومسالمة هذه الفئة من البشرالتي عرفت بنفاقها وتميزت بمكرها وخداعها ، لكنها عندما تلبي داعي الحج ينتظر الضعاف بسذاجتهم من ذلك الحاج أن يرجع كيوم ولدته أمه مستقيما في سلوكه ، حسنا في معاملاته ، غير أن أملهم يخيب عندما يرجع الحاج وهو لا يزال يحمل - على كل حال - صفات الانسان والتي لا يخلو بعضها من نفاق وكذب ....
العتيق- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 1509
درجة التقدير : 6
تاريخ الميلاد : 01/01/1951
تاريخ التسجيل : 17/04/2011
العمر : 73
الموقع : البريد أعلاه وكذا منتدى جبالة
مواضيع مماثلة
» في رحاب التعابير الشعبية 2
» التعابير الشعبية بمنطقة الفحص 25/4/11
» في رحاب التعابيرالشعبية
» من العلاجات الشعبية
» تحليل الامثال الشعبية
» التعابير الشعبية بمنطقة الفحص 25/4/11
» في رحاب التعابيرالشعبية
» من العلاجات الشعبية
» تحليل الامثال الشعبية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى