في رحاب التعابيرالشعبية
صفحة 1 من اصل 1
في رحاب التعابيرالشعبية
التعابير الشعبية هي عبارة عن نصوص تقال خلال عدة مناسبات فردية وجماعية ، وهي كثيرة ومتنوعة ، معظمها باللسان الدارج ، وقليلا ما تأتي بالفصحى ، وهذه المنوعات لها طابعها المحلي وان كانت تحكى بمضامينها في أقاليم أخرة من المغرب ،لأن الانسان واحد في عاداته وتقاليده ، في أحزانه ومسراته أينما وجد في هذا العالم الفسيح ، تظله سماء واحدة وتقله أرض واحدة ، فتجده يبحث عن وجوده ، ويثبت ذاته عند ايجادها ، وهو في كل حالة يخضع لقوة خارقة لا يستطيع تحديها ، ولم يكن ليعرف لها تعليلا في بداية الأمر ، غير أن العادة والاحتكاك عبر العصور جعلاه يقر بخالق لهذا الكون ، خالق قوي مسيطر تتعدى سيطرته وقوته ما اعتدناه عند الحيوانات الكبيرة ، أو تلك العناصر الطبيعية الجبارة من رعد وبرق ومطر ورياح وظلمة ، وما يسكنها من أرواح شريرة متمردة ، تعرف عند الشعبي بالجن والعفاريت ، وحتى لا أطيل أورد جملة من هذه النصوص
معتمدا في ذلك على محفوظاتي وأنا صغير، وما زودت به من قبل جدتي وأمي رحمهما الله خلال وجودي بجانبيهما ، فضلا عما تيسر لي جمعه وأنا أنصت أو ألاحظ رجلنا الشعبي وهو يعبر أو يمارس أو يحكي ، سواء
وهو في أوقات فراغه وما أقلها ، أو خلال عمله ، اذ لا ننسى أن هذا الرجل كان يتخذ العمل سبيلا الى الراحة والعكس صحيح ، فكنت تراه يمرح في عمله ، ويعمل في مرحه ، حتى لا تكاد أحيانا تفرق بين جده وهزله ، لكن طعم الحياة كان واحدا، ففي كلتا الحالتين كانت الحياة حلوة في نظر الصبي والشيخ ، جميلة في عين الذكر والأنثى ، سواء وهو في طريقه الى الحقل مبكرا أو الى المرعى أو الى المسجد ، أو خلال اجتماعه حول ( الكانون ) أو المجمار في الأيام الممطرة ، وذلك كله لينعم الجميع بدفء الحياة التي يبعثها الحاكي أو المحاجي من خلال حكاياته وأحاجيه
أو من خلال ما يطرحه أحدهم من الغاز .
يلتف الصغار حول المجمار أو الكانون أيام الشتاء كما قلت ، أو حول أنفسهم في "المجمع" الذي يوجد عادة قريبا من قارعة الطريق وذلك حتى ساعات متأخرة من الليل أحيانا ، فتراهم يجهدون فكرهم لادراك العلاقات والقرائن بين المشبه والمشبه به، ولمعرفة ما تخفيه تلك الكنايات المعقدة والتي لا تكاد تخلو منها أي " محوجية د الفك" اللغز الذي يتطلب الحل والحل السريع كقول بعضهم في مستهل حديثه : "سالتكم" ، فيجيب الآخرون جماعة : " سالتخاف" ، فالمراد باللفظة الأواى : سألتكم وبالثانية : اسأل لا تخف ، وهذا يعني أنهم في شوق الى ما سيحكيه من أحاجي وألغاز ، كما يستعدون في شوق الى التوفيق في الاجابة ، بل نجد كلا منهم يتمنى لو وفق في الرد السريع حتى يحظى بثقة اخوانه وزملائه
مبرهنا لهم عن تفوقه وسرعة بديهته ، يتقدم الأكبر سنا - عادة - بقوله : سالتك :" على نينو ف احفيرا"لغز بسيط في تركيبه ودلالاته ، فهناك حفرة صغيرة ، وثمت شئبداخلها ، يبدوأن الأطفال هم الذين سيتسابقون الى حل هذا اللغز ، بينما يستجمع الكبار ذهنهم للاجابة عن المعقد منها ، ذلك أن الذي يحاجي يتعمد تلك السهولة ليستدرج الجميع من السهل الى الصعب وتلك منهجية تربوية درج الشعبيون علىها في تعابيرهم ، وهكذا ترى الأطفال يندفعون قائلين : العافية / النار، غير أن الآخر يتذكر لغزا مشابها فيريد تضليل الصغار مرة أخرى بقوله : " سالتك : على نينو ف العلو " فيجيب هذه المرة من يعرف العلاقات الرابطة بين الأشياء قائلا
" اللشينة / البرتقالة "ولا تخفى العلاقة القائمة بين لون النار والبرتقال ، ألا وهو الصفرة الضاربة الى الحمرة أحيانا .
يتقدم الثالث بقوله " سالتك : على الداف الداف ، والجليلبا حدا لكتاف"
يبدو أن الشق الأول من اللغز جئ به للصياغة الفنية / القافية ، أما الشق الثاني من اللغز فهو المراد حله ، هنا تتعقد الأمور شيئا فشيئا حيث يدخل المتنافسون مرحلة الافصائيات ، ترى من يهتدي لمعرفة صاحب الجلباب القصير ، لقد اعتاد الأطفال وهم في رفقة آبائهم بالمدينة رؤية الوافدين من أهل القرى وهم يلبسون جلابيب قصيرة ( فوق الركابي ) ، فمن ياترى صاحب الجلباب ؟ لا شك أنهمن فصيلة أخرى ، حاول بعضهم الاجابة وأحجم الآخر عنها مما جعل المحاجي يبادر الى تيسير حل اللغز فيقول : الحرف الأول منه: الدال ،ومع ذلك يعجزون فيضطرالمحاجي الى "التحمير" وهو نوع من العقاب بقوله : حمرتك * دبرتك * ف وجاه الني وقرتك ، الى ما نقولك :" الدبنجالا / البادنجان " .
العتيق- فارس المنتدى
- الجنس : عدد المساهمات : 1509
درجة التقدير : 6
تاريخ الميلاد : 01/01/1951
تاريخ التسجيل : 17/04/2011
العمر : 73
الموقع : البريد أعلاه وكذا منتدى جبالة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى