غربة غريبة

اقشعر جلده لنسمات الصباح الباردة ،وهو قلق متوتر يطل من شرفة لاحدى المؤسسات، توجه بنظره الى السماء، وجد طيورا تحلق وتدور في مكان واحد، أو هكذا بدا له، ربما ليست لها وجهة محددة ،ولا تريد الذهاب الى أي مكان، فسعادتها بادية من خلال حركيتها وهي تحلق، لا لشيء سوى كي تحلق..،
في تلك اللحظة تمنى لو كان طائرا، هو كذلك يملك ملكات الطيور، ليحلق عاليا، ويرى هذا العالم التافه، تفاهة سكانه ومعمريه، من فوق دون أن يمنعه أو يقيد حركته شيء

صرف نظره عن الطيور وعاد للنظر فيما حوله، فلم يجد سوى بنايات تشبه بعضها البعض، يكاد يجزم ان كل البنايات التي يرا ها هي مجرد بناية واحدة تم نسخ الكثير منها، لولا قليل من الاختلاف، وسيارات تخلف الضجيج والدخان وراءها كلما مرت ...

يتلافى النظر وراءه، فهو يعلم ما يوجد وراءه حتى وان لم ينظر، وراءه توجد ساحة المعركة .. آه ويا لها من معركة، هي معركة من نوع خاص، فخصوصيتها تكمن في أنه يخوضها وهو أعزل دون سلاح، يعلم مسبقا أنه الخاسر فيها، والا فكيف لمحارب أعزل دون سلاح ان ينتصر ؟ بل سيكون محظوظا ان فقط بقي على قيد الحياة ،وتلك هي النتيجة المنطقية اذا ما نظر للأمور بعين التجرد والمنطق

يغمض عينيه ويدخل الى الساحة، فتبدأ المعركة وهو لا يرى أمامه سوى سيوفا حادة ،لا تجيد شيئا سوى ضرب الرقاب وقطعها، وقد تم اعدادها خصيصا لذلك، ورقبته لا محالة ستكون من بين الرقاب التي ستقطع في تلك الحرب، في ذاك الصباح

يتقدم بثبات فوقق الدقائق التي تفصله عن موته، يحدث نفسه ويردد في تردد ويقول :" وهل يصلح هذا الرأس لشيء في هذه الحياة سوى سوى لأن يقطع ويفصل عن هذا الجسد ؟ الرأس الذي طالما شعر بالغربة رغم وجوده فوق الجسد الذي لم يشعر يوما بالانتماء اليه ،، آآآه ثم آه من غربة الرأس على الجسد .." شعور غريب دائم يلازمه ،رأسه عال في السماء، وجسده غارق تائه في الارض، لا يربطهما شيء سوى رقبة ،لا تصلح لشيء، سوى لأن تضرب بسيف الهزيمة كل سنة، علها تموت ومن تربط،، أو توحدهما بدمها، وترسم به لهما طريقا نحو الحياة.